الوَجْهُ الرابعُ : أن ما يُظْهرُهُ بعض النصارى من حسنِ أخلاق هذه الأيام لم يكن أكثرُهُ صادرًا عن حقيقة إيمانية، ولا نابعًا عن عدالة إنسانية، ولا حبًّا للخير، بل كانت هذه الأخلاق منهم بدافع التَّطبُّعِ الَّذِي ألِفُوهُ وتَعَوَّدُوه مُنْذُ ولادتهم في بلادهم .
يوضحه؛ أن كثيرًا منهم قد تَطبَّعَ بمثل هذه الأخلاق من خلال فرضِ القوانين الصَّارمةِ والأنظمة القاسية في بلادهم، ومن هنا خضعت تعاملاتهم تحت الأنظمة الوضعية التي تعود عليهم بالعقوبة على كُلِّ مخالفةٍ عندهم .
بمعنى أن أحدًا من النصارى لو أراد أن يُخَالِفَ بعض هذه الأنظمة والمعاملات سوف يكون عرضة للمسائلة والمحاكمة التي تَفْرِضُ عليه العقوباتِ الجزائيةَ والغراماتِ الماليةَ .
لذا تجد كثيرًا منهم متقيدا بحُزْمَةٍ من الأخلاق التي تحفظ له نَفْسَه ومالَه، فمن هنا تظهر لنا حقيقة أخلاق بعض النصارى المزعومة .
وهو لو أراد أحدهم : أن يكذب أو يغش أو يخالف في بيعه أو شراءه أو تعامله؛ سوف يكون عُرْضَةً للعقوبة التي يُقرِّرُها النظامُ الوضعي لديهم!
وكذا من تَعَدَّى على حقِّ الآخرين (ماليًّا أو أخلاقيًّا) سوف يكون عُرضَةً للعقوبة، وهكذا في غيرها من العقوبات التي تِفْرِضُ على أتباعها التَّقييدَ بحسنِ التَّعاملِ، لذا نجد الواحدَ منهم إذا وجد بابًا من الحيلولة على النظام بحيث يدفع عنه العقوبةَ النظاميةَ؛ نجده والحالة هذه أشبه بالحيوان المسعور، لا ذِمَّةَ عنده، ورحمة لديه، ولا صدق معه، لذا نجد رجال مكاتب المحماة عندهم أكثر عددًا من أعداد المجرمين الكبار، كُلَّ ذلك منهم كي يفتحوا لهم باب الحيلولة، ويسلم لهم عندها نظام العقوبة!
يوضحه؛ أن كثيرا من قادة الغرب وكثيرا من النصارى إذا أمن الواحد منهم العقوبة أظهر حقيقة باطنه، وكشف حقيقة دسائسه وحقده وظلمه وفساده وغيرها من الأخلاق السيئة التي قد تأنف منها كثير من الحيوانات، ويشهد لهذا المثل السائر : من أمن العقوبة أساء الأدب!
وأدل شيء على تلكم الأخلاق السيئة الباطنية، ما حصل في بلاد الغرب من حروب في الداخل والخارج .
فأما الحروب الداخلية : فهي الحروب الأهلية والعالمية التي جرت بين النصارى عبر التاريخ؛ بحيث كانت دموية وحشية لا رحمه ولا شفقة، ولا إنسانية .
ومن آخر هذه الحروب بين الشعوب النصرانية ما حصل في الحربين العالميتين، حيث كانت أكبر مثال للوحشية والإبادة الإنسانية، حيث مسخت منهم الأخلاق وتبددت عندهم الأحاسيس!
فقلي بربك : أين أخلاقهم الحسنة آنذاك؟!
أما الحروب الخارجية : فهي الحروب التي أقامها النصارى ضد المسلمين، عبر التاريخ؛ بحيث كانت وصمة عار في جبين الإنسانية من خلال إزهاق الأرواح وإظهار الحقد والدفين، فلا رحمه عرفوها، ولا شفقة احترموها، ولا إنسانية قدروها .
وإن أردت شيئا مما كسبته أخلاق النصارى بالمسلمين، فدونك الحروب الأخيرة التي شنتها أوروبا المتحضرة! على بلاد المسلمين تحت مسمى : الحروب الصليبية!
ومن آخرها ما نراه ونسمعه ونشاهده هذه الأيام من حروب بربرية وحشية إبادية دكتاتورية في بلاد فلسطين وأفغانستان والبوسنة والهرسك والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، بحيث لم يرحموا صغيرا ولا كبيرا ، ولا طفلا ولا امرأة، بل لم تكن لهم من الأخلاق إلا لغة الإبادة والقتل والتشريد!
Bookmarks