القول في تأويل قوله ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون ( 14 ) قال إنك من المنظرين ( 15 ) - سورة الأعراف.

قال أبو جعفر : وهذه أيضا جهلة أخرى من جهلاته الخبيثة . سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه . وذلك أنه سأل النظرة إلى قيام الساعة ، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق . ولو أعطي ما سأل من النظرة ، كان قد أعطي الخلود وبقاء لا فناء معه ، وذلك أنه لا موت بعد البعث .
فقال جل ثناؤه له : ( فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) [ سورة الحجر : 37 - 38 سورة ص : 80 ، 81 ].
وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء ، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى ، غير ربنا الحي الذي لا يموت .
يقول الله تعالى [ ص: 331 ] ذكره : ( كل نفس ذائقة الموت ) ، [ سورة آل عمران : 185 سورة الأنبياء : 35 سورة العنكبوت : 57 ] .

و " الإنظار " في كلام العرب ، التأخير . يقال منه : " أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارا .

فإن قال قائل : فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون : ( إنك من المنظرين ) في هذا الموضع ، فقد أجابه إلى ما سأل؟

قيل له : ليس الأمر كذلك ، وإنما كان مجيبا له إلى ما سأل لو كان قال له : " إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت أو : إلى يوم البعث أو إلى يوم يبعثون " ، أو ما أشبه ذلك ، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة . وأما قوله : ( إنك من المنظرين ) ، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بين فيها مدة إنظاره إياه إليها ، وذلك قوله : ( فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) ، [ سورة الحجر : 37 ، 38 سورة ص : 80 ، 81 ] ، كم المدة التي أنظره إليها ، لأنه إذا أنظره يوما واحدا أو أقل منه أو أكثر ، فقد دخل في عداد المنظرين ، وتم فيه وعد الله الصادق ، ولكنه قد بين قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه ، فعلم بذلك الوقت الذي أنظر إليه .

وبنحو ذلك كان السدي يقول .

14360 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) [ سورة الحجر : 36 - 38 سورة ص : 80 ، 81 ] ، فلم ينظره إلى يوم البعث ، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو يوم ينفخ [ ص: 332 ] في الصور النفخة الأولى ، فصعق من في السماوات ومن في الأرض ، فمات .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : قال إبليس لربه : " أنظرني " ، أي أخرني وأجلني ، وأنسئ في أجلي ، ولا تمتني " إلى يوم يبعثون " ، يقول : إلى يوم يبعث الخلق . فقال تعالى ذكره : ( إنك من المنظرين ) ، إلى يوم ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله .

فإن قال قائل : فهل أحد منظر إلى ذلك اليوم سوى إبليس ، فيقال له : " إنك منهم " ؟

قيل : نعم ، من لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم ، ممن تقوم عليه الساعة ، فهم من المنظرين بآجالهم إليه . ولذلك قيل لإبليس : ( إنك من المنظرين ) ، بمعنى : إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم .

انتهى ؛