بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
كثير من الشبهات التى يوردها أعداء الإسلام فى هذا العصر تكون بمحاولة ايهام العوام بأن القرآن كان يحدثنا عن قانون فيزيائى أو شكل هندسى أو ما شابه ذلك وأظهر العلم الحديث خلافه وينسى هؤلاء أو يتناسوا أن الله لم يذكر أبدا أنه أراد أن يعلمنا تلك العلوم بكتب سماوية وإنما قدر أسبابا أخرى لتلك العلوم وأما الكتب السماوية فهى للهداية و توضيح القضايا الإيمانية والأوامر والنواهى الربانية وقد لفت نظرى هذا الخبر الغيبى الذى ذكرته سورة الدخان وقد تحقق فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم
﴿9﴾ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿10﴾ يَغْشَى ٱلنَّاسَ ۖ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿11﴾ رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴿12﴾ أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿13﴾ ثُمَّ تَوَلَّوْا۟ عَنْهُ وَقَالُوا۟ مُعَلَّمٌۭ مَّجْنُونٌ ﴿14﴾ إِنَّا كَاشِفُوا۟ ٱلْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴿15﴾ يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴿16﴾
تفسير بن كثير:
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" قال سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن مسروق قال دخلنا المسجد يعني مسجد الكوفة عند أبواب كندة فإذا رجل يقص على أصحابه "يوم تأتي السماء بدخان مبين" تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام قال فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا ففزع فقعد وقال إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم سأحدثكم عن ذلك إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد قال الله تعالى "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم" فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم فسقوا فنزلت "إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون" قال ابن مسعود رضي الله عنه فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله عز وجل "يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" قال يعني يوم بدر قال ابن مسعود رضي الله عنه فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيريهما وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الأية بهذا وأن الدخان مضى جماعة من السلف: كمجاهد وأبى العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير
فبالرغم من أن الله قال أن السماء هى التى ستأتى بالدخان المبين إلا أن هذا كان وصفا لما سيقع من توهم ذلك للأعين من شدة الجوع والتعب فالقرآن عندما يذكر حادثة معينة فهو يذكر المعنى المتعلق بقضايا الإيمان أو المتعلق بالموعظة أو الغاية النافعة فى الدين من تلك الحادثة ولا يتعرض للإحداثيات الهندسية والقوانين الفيزيائية وقد فهم اولى الألباب ذلك عن القرآن فلم يسبب ذلك لهم اشكالا ولم يقل أحد منهم لكن السماء لم تأتى بالدخان بل الدخان نفسه لم يأتى ولم يحدث تغير فى طبقات الغلاف الجوى ولم يحدث زيادة فى نسبة co2 فى الجو لكنهم فهموا أن هذا الذى حدث للمشركين هو العذاب الذى وعدهم به الله فاللهم اجعلنا من أولى الألباب
Bookmarks