واعلم أن كثرة التعنت في النظر تؤدي إلى طلب تحصيل الحاصل والتشكيك فيه وقد جربنا ذلك وتأثيره في الموسوسين في الطهارة وفي النية وأمثالهما من الأمور الضرورية فإذا صح مرض العقول في الضروريات بسبب التعنت والغلو في تحصيل الحاصل فكيف إذا وقع هذا السبب في محارات العقول ودقائق الكلام وتوهم المبتلي بالوسوسة أنه لا طريق له إلى معرفة الله تعالى إلا تلك الدقائق الخفية والقواعد المختلف فيها بين أذكياء البرية ومن أمارة عدم اليقين فيها استمرار الخلاف بعد طول البحث من الأذكياء من أهل الإنصاف ومن علماء أهل الإسلام ولا تحسبن أن العلة في ذلك دقتها بل العلة عدم الطريق إلى معرفتها.... ولذلك لا تختلف علماء العربية والمعاني والبيان في كل دقيق بل يتفقون حيث تكون المقدمات صحيحة وإن دقت ولا يختلفون إلا حيث تكون المقدمات ظنية بل المتكلمون في الحقيقة كذلك لكنهم إنما يتفقون في أمور يستغنى في معرفتها عن علم الكلام وعن معرفتها في علم الكلام ثم يختصون من بين أهل العلوم بدعوى القطع في مواضع الظنون وتركيب التعادي والتأثيم والتكفير على تلك الدعاوى إلا أفرادا من أئمتهم وأذكيائهم توغلوا حتى فهموا أنهم انتهوا إلى محارات منتهى العقول فيها الميل إلى إمارات ظنية..
Bookmarks