يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تفسير أول سورة أقرأ كما في مجموع الفتاوى (16/ 305 وما بعدها ) :
" و القول الرابع أنه
لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة فنوع الإرادة قديم و أما إرادة الشيء المعين فإنما يريده فى و قته "
و هو سبحانه يقدر الأشياء و يكتبها ثم بعد ذلك يخلقها فهو إذا قدرها علم ما سيفعله و أراد فعله في الوقت المستقبل لكن لم يرد فعله فى تلك الحال فإذا جاء و قته أراد فعله فالأول عزم و الثاني قصد .
وهل يجوز و صفه بالعزم فيه قولان أحدهما المنع كقول القاضي أبى بكر و القاضي أبى يعلى و الثاني الجواز و هو أصح فقد قرأ جماعة من السلف : {فإذا عزمت فتوكل على الله }بالضم . و فى الحديث الصحيح من حديث أم سلمة: ( ثم عزم الله لي) و كذلك فى خطبة مسلم : (فعزم لي ).
و سواء سمي (عزما) أو لم يسم فهو سبحانه إذا قدرها علم أنه سيفعلها فى وقتها و أراد أن يفعلها فى وقتها فإذا جاء الوقت فلا بد من إرادة الفعل المعين و نفس الفعل و لابد من علمه بما يفعله.
ثم الكلام في علمه بما يفعله هل هو العلم المتقدم بما سيفعله؟
و علمه بأن قد فعله هل هو الأول؟
فيه قولان معروفان و العقل و القرآن يدل على أنه قدر زائد ، كما قال (لنعلم ) فى بضعة عشر موضعا . و قال ابن عباس : إلا لنرى .
و حينئذ فإرادة المعين تترجح لعلمه بما في المعين من المعنى المرجح لإرادته فالإرادة تتبع العلم و كون ذلك المعين متصفا بتلك الصفات المرجحة إنما هو فى العلم و التصور ليس فى الخارج شيء .
و من هنا غلط من قال
المعدوم شيء ) حيث أثبتوا ذلك المراد فى الخارج و من لم يثبته شيئا في العلم أو كان ليس عنده إلا إرادة واحدة و علم واحد ليس للمعلومات و المرادات صورة علمية عند هؤلاء فهؤلاء نفوا كونه شيئا فى العلم و الإرادة و أولئك أثبتوا كونه شيئا فى الخارج .
وتلك الصورة العلمية الإرادية حدثت بعد أن لم تكن و هي حادثة بمشيئته و قدرته كما يحدث الحوادث المنفصلة بمشيئته و قدرته فيقدر ما يفعله ثم يفعله .
فتخصيصها بصفة دون صفة و قدر دون قدر هو للأمور المقتضية لذلك فى نفسه. فلا يريد إلا ما تقتضي نفسه إرادته بمعنى يقتضي ذلك و لا يرجح مرادا على مراد إلا لذلك .
و لا يجوز أن يرجح شيئا لمجرد كونه قادر فإنه كان قادرا قبل إرادته و هو قادر على غيره فتخصيص هذا بالإرادة لا يكون بالقدرة المشتركة بينه و بين غيره .
و لايجوز أيضا أن تكون الإرادة تخصص مثلا على مثل بلا مخصص. بل إنما يريد المريد حد الشيئين دون الآخر لمعنى فى المريد و المراد لابد أن يكون المريد إلى ذلك أميل، و أن يكون فى المراد ما أوجب رجحان ذلك الميل .
و القرآن و السنة تثبت القدر ، و تقدير الأمور قبل أن يخلقها ، و أ
ن ذلك في كتاب، و هذا أصل عظيم يثبت العلم و الإرادة لكل ما سيكون ، و يزيل إشكالات كثيرة ضل بسببها طوائف فى هذا المكان فى مسائل العلم و الإرادة ".
Bookmarks