السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
اسمحولي بطرح هذا الموضوع والذي أتمنى أن يكون حوله نقاش تفصيلي وموضوعي..
هل صيام عاشوراء هو افتراء على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
1-أشهر الروايات عن عاشوراء..
أشهر الروايات هي الرواية التي تذكر أن الرسول قد أمر بصوم عاشوراء لأنه "وجد أن اليهود تصومه"!
وهذه الرواية وردت في البخاري ومسلم عن عبدالله ابن عباس قال : "قدم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ . فوجد اليهودَ يصومون يومَ عاشوراءَ فسُئلوا عن ذلك ؟ فقالوا : هذا اليومُ الذي أظهر اللهُ فيه موسى وبني إسرائيلَ على فرعونَ . فنحن نصومه تعظيمًا له . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : نحنُ أَوْلى بموسى مِنكُم . فأَمرَ بصومِه" رواه مسلم وفي البخاري نحوه.
وعن ابي موسى الأشعري قال : "دخل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ، وإذا أناسٌ من اليهود يعظمون عاشوراءَ ويصومونه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( نحن أحقُّ بصومه ) . فأمر بصومِه". رواه البخاري
والسؤال هنا .. هل رسول الله يأخذ دينه عن ربه أم أنه يأخذه عن هواه؟!
أي هل رسول الله إذا استحسن شيءً عند قوم جعله دينا؟! .. ودون أمر من الله؟!
ما هذا الكفر الصريح بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟!
إذاً فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتقوّل على ربه .. ولا يمكن أن يأخذ دينه هكذا عبثاً لمجرد إعجابه بفعلٍ ما رآه .. ومن يقول ذلك إنما يطعن في نبوة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ..
وهذه قضية خطيرة تخرج من الملة بلا شك ..
2-قضية أخرى..
أما القضية الأخرى فهي التدليس على السذج بأن الرسول قد أمر بصيام يوم قبله أو يوم بعده لمخالفة اليهود فهذا لااعتبار له في المنطق .. إذ أن مخالفتهم تقتضي عدم الأخذ منهم أصلاً وليس الأخذ منهم ثم الإلتفاف على ذلك ..!.
والمصيبة أن تمرير الأمر بالمخالفة وتصويره بأنه كان في نفس وقت الأمر بالصوم هو تدليس آخر على العامة ..
فهناك رواية أخرى تحمل حكم المخالفة الذي لم نجده في القصة السابقة .. حيث يظهر منها فارق التوقيت الهائل بين الأمر بصوم عاشوراء مفرداً والأمر بإضافة يوم معه مخالفة لليهود..
هذا الفارق ياقوم هو على الأقل "تسع سنوات"..!
فالرواية التي تحمل "أمر صيام يوم قبل عاشوراء أو بعده" تذكر أن القصة حدثت قبل وفاة الرسول الكريم بأقل من عام ..
أما الرواية التي تحمل "أمر صيام يوم عاشوراء فقط" فتذكر أن القصة حدثت فترة وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة..
وإذا أخذنا ما اتفق عليه المؤرخون حول الفترة التي قضاها رسول الله في المدينة منذ حضوره إليها حتى وفاته فإنها "عشر سنين"..!
عموماً .. هناك مصيبة أكبر ..
وهي الطريقة التي أمر بها النبي أتباعه بالمخالفة ..
هذه الطريقة هي أيضاً مشابهة للطريقة التي أمر بها النبي أتباعه بالصوم ليوم عاشوراء ..
فالنبي هنا أصدر حكمه "التشريعي" بمجرد معرفته بأمر كان يجهله .. تماماً كالحالة الأولى ..!
عن عبدالله بن عباس قال : حين صام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ عاشوراءَ وأمرَ بصيامِه ، قالوا : يا رسولَ الله ! إنه يومٌ تُعظِمُه اليهودُ والنصارى . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : فإذا كان العامُ المُقبلُ إن شاءَ اللهُ ، صُمْنا اليومَ التاسعَ . قال : فلمْ يأتِ العامُ المُقبلُ ، حتى تُوفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . رواه مسلم
إذاً فالأمر بصيام التاسع من عاشوراء قد أصدره النبي بعد تنبيهه من قبل أصحابه أن اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ..وليس بأمر إلهي!!.
ماهذا العبث الذي يرمون به رسول الله ثم نقدس رواياتهم؟!!.
حسناً .. هل لاحظتم أمراً آخر في الرواية؟!
3-تناقض الروايات..
الأمر الآخر .. هو تناقض الروايات ..
إذا كان النبي أصلاً -على ذمة الرواية- أمر بالصوم لأنه رأى اليهود يصومون .. فكيف يتفاجأ عندما يخبره أصحابه أن عاشوراء معظّم عند اليهود؟!!
وكيف يظلون عشر سنوات تقريباً لا يعلمون بعادة اليهود وهم أصلاً أخذوا الصوم عنهم ومن السنة الأولى لوصولهم للمدينة؟!!.
لاحظ أن راوي الحديثين هو عبدالله ابن عباس عند مسلم .. فأي ابن عباس هذا الذي يناقض نفسه!!!.
4-حكم آخر وتناقض آخر مع روايات أخرى ..
تفاجئنا هذه الرواية المكررة في البخاري ومسلم أن سبب الصيام لم يكن رؤية الرسول لليهود في المدينة .. بل كان سبب آخر .. وأن الحكم لم يكن أمر المسلمين بصوم عاشوراء بل كان أمراً آخر ..!.
عن عائشة أنها قالت : كان يومُ عاشوراءَ تصومُه قريشٌ في الجاهليةِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُه، فلما قَدِمَ المدينةَ صامه وأمَر بصيامِه، فلما فُرِضَ رمضانُ ترك يومَ عاشوراءَ، فمَن شاء صامه ومَن شاء ترَكَه. رواه البخاري
عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها ؛ قالت : كانت قريشٌ تصومُ عاشوراءَ في الجاهليةِ . وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يصومُه . فلما هاجر إلى المدينةِ ، صامه وأمر بصيامِه . فلما فُرض شهرُ رمضانَ قال : " من شاء صامَه ، ومن شاء تركَه ". رواه مسلم
إذاً فصيام عاشوراء هو عادة جاهلية وليست يهودية!!..
والنبي -على ذمة الرواية- كان يعرفه ويصومه منذ الجاهلية أي قبل الهجرة إلى المدينة بسنوات طويلة!!..
وأن التغير الذي حدث بعد الهجرة هو "تهميش عاشوراء" وليس "تعظيمه".!!..إذ أن صوم رمضان كما هو معروف تاريخياً قد كان في السنة الثانية للهجرة ..
يا إلهي ما هذا التناقض الفج!!!..هل هذا دين من عند الله أم من عند البشر؟!!..
لاحظ أن كل تلك الروايات المتناقضة مأخوذة من نفس الكتابين وهما "البخاري" و"مسلم" وهما كما يزعم أصحاب الدين السني "أصح الكتب بعد كتاب الله"!..
5-العبث مستمر..
نأتي الآن لإكمال حفلة العبث والتناقضات في روايات "صيام عاشوراء"..
وهنا نتناول قضية هامة عند السلفية ..
إذ يزعم السلفيون أنهم يسيرون على نهج السلف الصالح .. والمقصود بهم الصحابة بالدرجة الأولى ..
حسناً .. لننظر لفعل صحابيين من أهم الصحابة ..
وبالرغم من التناقض المفضوح للقصة أو للمتن في روايتيهما مع متن الروايات الأولى عن اليهود .. إلا أننا سننظر للحكم فقط ..
الرواية الأولى عن عبدالله ابن عمر أنه سمع رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول ، في يومِ عاشوراءَ : " إنَّ هذا يومٌ كان يصومُه أهلُ الجاهليةِ . فمن أحبَّ أن يصومَه فليصمْهُ . ومن أحبَّ أن يتركَه فليتركْهُ " . وكان عبدُاللهِ رضيَ اللهُ عنهُ لا يصومُه ، إلا أن يوافقَ صيامَه. رواه مسلم
والرواية الثانية أنه دخل الأشعثُ بنُ قَيسٍ على ابنِ مسعودٍ . وهو يأكلُ ، يومَ عاشوراءَ . فقال : يا أبا عبدِالرحمنِ ! إنَّ اليومَ يومُ عاشوراءَ . فقال : قد كان يُصامُ قبل أن ينزلَ رمضانُ . فلما نزل رمضانُ ، تُرِكَ . فإن كنتَ مُفطِرًا فاطْعَمْ. رواه مسلم
إذاً فـ"عبدالله ابن عمر" و "عبدالله ابن مسعود" ما كانا يصومان عاشوراء إلا إن صادف صوم أحدهما ..!
فماذا عن أمر النبي بصيام عاشوراء؟!
هل هما يعصيان النبي وهما السلف الصالح؟!
أم يكذبان الروايات الأخرى عن عاشوراء اليهود ويوم قبله أو بعده؟!
أم أن روايتيهما هما الكاذبتان؟!
أم أن كل الروايات مكذوبة؟!! وأن "صيام عاشوراء" إنما تم اختراعه في وقت متأخر للتغطية على أمر ما؟!!!!!.
Bookmarks