صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 27 من 27

الموضوع: نظرية التطور بين العـلم والدين (4)

  1. افتراضي

    أما من جديد؟
    التعديل الأخير تم 06-30-2006 الساعة 11:19 AM

  2. افتراضي

    نقـض نظريــات التّطـور والارتقــاء الذّاتــي - 6 -


    إنّ دعاة التّطور من أصحاب الفكر المادي، قالوا: بأنّ خصائص المادة مع عوامل الصدفة هي التي أوجدت الحياة مع أشكالها المختلفة من نبات وحيوان وإنسان، فقام علماء وقالوا بنظريّة النشوء والارتقاء. وكان أبرز هؤلاء هو تشارلس داروين الذي وَجَدَ كارل ماركس وأتباعه في نظرية داروين دعماً لفكرهم المادي. وهنا نطرح السؤال التالي: هل خصائص المادة وعوامل الصدفة فيها القدرة على إيجاد هذا الإنسان؟ إنّ الأمر يحتاج إلى الجدية والمسؤوليّة في الاهتمام، ويحتاج إلى الفكر العميق المستنير في البحث. إنّ هذا مفترق طرق في التفكير الإنساني.

    (لن نبحث الآن في خصائص المادة: من أودعها فيها ومن فرضها عليها، وذلك مسايرة لفرضيّة أزلية المادة وملحقاتها، بل سنبحث في: هل يمكن لهذه الخصائص التي افترضوا أزليتها، هل يمكن لها مع عوامل الصدفة أن تصنع الإنسان؟

    أولاً دعونا نلق نظرة على بعض هذه الخصائص، لنتعرّف إلى حدود طبيعتها وسلوكها، لنأخذ مثلاً ذرة الأوكسجين فإنها تحتوي على ستة إلكترونات في طبقتها الخارجية فتحتاج إلى إليكترون كي تصبح هذه الطبقة مشبعة، والهيدروجين يوجد في ذرته إلكترون واحد قابل للتفاعل، فتتحد الذرة الواحدة من الأوكسجين مع ذرتين من الهيدروجين لتشكل الماء "H2O". أما ذرة النيتروجين فيوجد في طبقتها الخارجية خمسة إلكترونات، فتحتاج إلى ثلاثة كي تصبح مشعة، وهكذا حين يتفاعل النيتروجين مع الهيدروجين فإنّ كلّ ذرة نيتروجين تتحد مع ثلاث ذرات من الهيدروجين لتشكل الأمونيا أو روح النشادر "H3N".

    وهكذا فإنّ سلوك المادة، سواء كانت في شكل عنصر أو مركب أو مزيج، يكون تابعاً لخصائصها، ولا يمكن للمادة أن تتصرّف عكس خصائصها أو خارج نطاق هذه الخصائص، وهذه حقيقة علمية يقع عليها الحسّ مباشرة، وهي حقيقة علمية أثبتتها تجارب الاختبار.

    أما ما يسموه الصدفة فهو عبارة عن الالتقاء العشوائي بين مادتين فأكثر ولكلّ واحدة خصائصها فيؤثر بعضها في البعض الآخر، وتحصل نتائج أو مواد جديدة، فالنتائج التي تحصل من الصّدفة هي وليدة خصائص المادة، ولا يمكن أن تكون عكسها أو خارج نطاقها، كلّ ما في الأمر أنها سميت صدفَة لأنّ الالتقاء بين المادتين لم يحصل بناء على ترتيب سابق مقصود بل كان عشوائياً، وسواء كان الالتقاء بين مختلف المواد عشـوائياً أو مرتباً عن قصد فإنّ هذه المواد لا تتصرّف إلا طبق طبائعها وخصائصها... فهل يوجد بين خصائص المادة أن توجد إنساناً كما أوجدت ماءاً أو أمونيا؟

    إنّ التدقيق في هذا وإنعام النّظر فيه يظهر بشكل بسيط وقطعي أنّ المادة ليس من خصائصها ولا من طبيعتها أن تصنعَ الإنسان. إنّ في كلّ جهاز من أجهزة جسم الإنسان من الدقة والحكمة والإبداع ما ينطق بلسان فصيح بأنّ هناك مبدعاً حكيماً قادراً هو الذي صنع هذا الإنسان من المادة.)[1 ]

    إنّ الاستنباط والتعليل والتأويل هما الأسـاس الذي قامت عليه عند علماء ودعاة التطور نظرية "التّطور العلمي" وهو ما أشار إليهم "ماندير" باسم "الحقائق المستنبطة"[ 2] وبناء على هذا الأساس يجذم "ماندير" صِدْقَ وصحة النّظرية قائلاً:

    (لَقَد ثبَتَ صِدْق النظرية، حتى أننا نستطيع أن نعتبرها أقرب شيء إلى الحقيقة)[3 ] ويوافقه "سمبسون" في هذا الصدد قائلاً: (إنّ نظرية النشوء والارتقاء حقيقة ثابتة أخيراً وكلياً، وليست بقياس بديل صيغ للبحث العلمي.)[ 4]

    ويعتقد محرر "دائرة المعارف البريطانية 1958" أنّ نظرية الارتقاء في الحيوانات حقيقية، وإنّ هذه النظرية قد حظيت بموافقة عامة بين العلماء والمثقفين بعد داروين. لذا فليس هناك مجال للشك والارتياب في صدقها وحقيقتها، أو الإتيان بما يناقضها، لأنها ثابتة ولا مجال للطعن فيها أو التدليل على عكسها بتاتاً.[5 ]

    أما " سير تشارلس لايل R.S.Lil " فيقول:

    (ظلّت نظرية الارتقاء تحصل على تأييد متزايد يوماً بعد يوم بعد داروين، حتى أنّه لم يبق شك لدى المفكرين والعلماء في أنّ هذه هي الوسيلة المنطقية الوحيدة التي تستطيع أن تفسّر الخلق وتشرحه)[6 ]

    إنّ تأكيدهم هذا يستوجب التساؤل: هل هذه النظرية التي أجمع العلماء على صحتها ـ إن صدق القائل ـ هل كان ذلك نتيجة شواهد قاطعة، وهل توصلوا إليها علمياً بإجراء التجارب عليها في المختبرات؟ والجواب على ذلك بكلّ بساطة وتأكيد: لا. لأنّ ذلك ضرب من المستحيل، إنّ مزعومة الارتقاء معقّده، وهي تتعلق بماضٍ موغل في القِدَم، حتى أنه لا يمكن ملاحظتها أو إجراء الاختبارات عليها، وهي كما أكد "لايل" في كلمته الآنفة الذكر وسيلة منطقيّة تعتمد على الفرضيات المسبقة والتكهنات الخيالية، لتفسير مظاهر الخلق، فهي تبريرات لمزعومات وفروضات


    مسبقة، وليسَت إعمالاً للعقل في الموجودات والظواهر الموجودة فعلاً، إنّها قياس للحاضر الموجود على الغائب المفقود الذي لا أثر له.

    كان هذا هو السّبب الذي دفع المحامي المتحمّس لنظرية الارتقاء والتطور العضوي "سير آرثر كيث" أن يُسَلِمَ بأنّ هذه النظرية ليست بملاحظة أو تجربة، وإنّما هي مجرد اعتقاد!!! حيث يقول: (إنّ نظرية الارتقاء عقيدة أساسية في المذهب العقلي)[ 7]

    وربما يكون تعريف أحد المعاجم العلمية للنظرية أبلغ رد حين يُعَرِف نظرية داروين بأنها: (نظرية قائمة على تفسير بلا برهان)[8 ]

    ويفسر لنا العالِم البريطاني الشهير أن إيمانه بتلك النظرية لم يكن إلا تعصباً ومكابرة حين يقول في كتابه الشهير "عالَم الأسرار": (إنّ في عقولنا الجديدة تعصباً يرجح التفسير المادي للحقائق)[9 ] أمّا عقيدة "سير آرثر كيث" المثبتة سابقاً، فيفسر لنا كيفيتها وأسبابها قائلاً: (إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا لأنّ الخَيار الوحيد بعد ذلك هو: الإيمان بالخلق الخاص المباشر، وهذا ما لا يمكن حتى التفكير فيه)!!![ 10] وحتى أنّ كثيراً من العلماء قد أكدوا أنّ "فكرة التطور العضويOrganic Evolution" والذي استنبطت منه فكرة الارتقاء، سوف يبقى بلا براهين وبلا أدلة علمية!!! لــــذا: (إنهم لا يؤمنون بهذه النظرية، إلا لأنه لا يوجد أي بديل لها سوى الإيمان بالله مباشرة)[11]


    كان هذا غيض من فيض، يؤكد لنا أنّ العلماء ودعاة نظريات التطور المادي أنفسهم ينادون بتلك النظريات مع عدم القناعة بصحتها، وأنهم قد اختلقوها لغاية في أنفسهم، ولتحقيق مكاسب وأهداف منظمات سرية، تدفعها أيد خفية، لاستغلالها في محيط السياسة لاستعباد واستغلال ونهب موارد الشعوب كما مرّ سابقاً.[12] أمّا إدعاؤهم موافقة العلماء والمثقفين عليها وتصديقهم لمحتوياتها، فقول يفتقر للصحة، إذ أنّ مشاهير المثقفين والعلماء قد دعوا إلى نبذ تلك النظرية، وبالتالي الإيمان بأنّ وراء هذا الكون والإنسان والحياة خالقاً أوجدها من العدم، ودعوا باسم العِلم المجرد إلى التّمَسك بهذا الإيمان ونبذ جميع أفكار ومقولات التطور المادي، ونبهوا إلى خطأ وخطورة التمسك بها.

    وفي الفصل التالي[13 ] سنقوم بمشيئة الله تعالى، باستعراض أمثلة من أقوال بعض من مشاهير العلماء، مع ملاحظة أنّ ما سنقدمه من أقوال العلماء تلك، ليس بالضرورة إيمانا منا بما يقولون، وليس لعجزنا عن نقض تلك النظرية إلا بأقوالهم، إنّما هي للتدليل على كذب من يقول بإجماع العلماء كافة على النظرية من ناحية، وللهمس بأذن كل ّ من يستهويهم الأخذ بفارغ القول من الغرب الكافر تقليداً ومحاكاةً وانبهاراً، أنّ ما يأخذونه عن الغرب الصليبي الكافر ـ والشرق الوثني الملحد ـ من نظريات مادية، قد نبذها من استعمل عقله منهم، وتوخى البحث عن الصدق والحقيقة بتجرد، ونقضها وكفر بها حتى بعض من آمن بها سابقاً، وكان من غلاة دعاتها، حين وضحَ لهم عقم وتفاهة تلك النظرية وشبيهاتها، معترفين بعجزهم أمام قدرة الخالق سبحانه وتعالى.

    (﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنّه على كل شيء شهيد﴾)[14

    _______________ الهامش __________________[1] منقول عن: مجلة الوعي، العدد ( 51 )، تموز 1991 م.
    [2] يرجع إلى صفحة 174 من هذا الفصل.
    [3] وحيد الدين حان ، الإسلام يتحدى ، صفحه ( 49 ) . نقلا عن: Ibid, p.113. . . .
    [4] المصدر السابق، نقلاً عن: Meaning of Evolution, p.127
    [5] المصدر السابق، نقلاً عن: "دائرة المعارف البريطانية – 1958 "
    [6] الإسلام يتحدى، صفحه ( 49 )، نقلاً عن: Revolt against Reason. p. 112.
    [7] المصدر السابق، نقلاً عن: Revolt against Reason, p. 112.
    [8] المصدر السابق، صفحه ( 50 )، نقلاً عن: Ibid, p. 111.
    [9] المصدر السابق، صفحه ( 42 )، نقلاً عن: Mysterious Umiverse, p. 189.
    [10] المصدر السابق، صفحه ( 43 )، نقلاً عن: Islamic Thought, Dec. 1961.
    [11] المصدر السابق.
    [12] الباب الثاني – الفصل الثالث من هذا الكتاب، الصفحات ( 166-170).
    [13] الفصل الرابع – الباب الثاني، الصفحات 189 وما بعدها، " آراء العلماء في التطور والخلق ".
    [14] فصلت: ( 35 ).



    >>>>>>>>>>> هذا البحث منقول من <<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

    موسوعة الخلق والنشوء
    حاتم ناصر الشرباتي
    مكتبة الايمان - المنصورة - مصر
    www.sharabati.org


    يتبع ان شاء الله

  3. افتراضي

    آراء العلماء في التطور والخلق


    يزعم دعاة التطور: أنّ نظرية التطور المادي قد لاقت التأييد المطلق من كافة العلماء والمفكرين، وأنّ إجماع العلماء والمفكرين قد انعقد على التأييد الكامل للنظرية، وبالتالي نفياً قاطعاً لحقيقة الخلق من العدم، فَرَدّاً على زعمهم هذا، رأينا أن نستعرض في هذا الفصل بعضاً من آراء عدد من كبار ومشاهير العلماء في كافة ميادين العِلم، وكلها تشير إلى توجه صحيح، وإلى عمق واستنارة في التفكير لدى كمٍ هائل من مشاهير العلماء، خلافاً لما يدعيه أدعياء العٍلم من دعاة التطور المادي.

    ونحن إذ نقوم بذلك، فلا يعني ذلك بالضرورة ايماناً منا بكل أقوالهم، ولا يعني عجزاً منا عن نقض تلك النظرية إلا بأقوالهم، إنما كان ذلك للتدليل على كذب من يتقول باجماع العلماء على نظريتهم، وللهمس بأذن كل من يستهويه ألأخذ بفارغ القول من الغرب الكافر تقليداً ومحاكاة وانبهاراً، أنّ ما يأخذونه من الغرب الصليبي الكافر ـ والشرق الوثني الملحد ـ من نظريات مادية، قد نبذها من استعمل عقله منهم، وتوخى الحقيقة بتجرد، ونقضها وكفر بها حتى بعض من آمن بها سابقاً وكان من غلاة دعاتها، واستذكر بالمناسبة قول الشاعر :

    ومـا هـي إلا كفــارغ بنـدقٍ
    خَليّ من المعنى ولكن يفرقع


    يقول الفيلسوف والفيزيائي والرياضي الفرنسي، مكتشف الهندسة التحليلية "ديكارت Rene Descartes" (1596 – 1650):
    (إنّي مع شعوري بنقص في ذاتي، أحسّ في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطراً إلى الإعتقاد بأنّ هذا الشعور قد غَرَسَته في ذاتي الذّات الكاملة المتحلية بجميع الصفات الكاملة، وهو: الله)[1 ]

    أمّا المؤرخ والفيلسوف الفرنسي "أرنست رينان" (1823–1892) فقد عانى أزمة ايمان أدّت إلى الإرتداد عن الكاثوليكية. وتميزت بحوثه بالنزعة العقلانية وبالايمان بالعِلم، فيقول في كتابه "تاريخ الأديان":

    (إنَّهُ من الممكن أن يضمحلّ كلّ شيء نحبه، وأن تبطل حرية إستعمال العقل والعِلم والصناعة، ولكن يستحيل أن ينمحي التّدين، بل سيبقى حُجَةً ناطقةً على بطلان المذهب المادي، الذي يُريد أن يحصر الفكر الإنساني في المضائق الدنيئة في الحياة الأرضية)[ 2]

    أما عالِم الطبيعة المشهور، الفيزيائي ألأمريكي، الألماني المولد، "اسحق آينشتاين Albert Einstein" (1879–1955) الذي يعتبر أعظم عباقرة العِلم المعاصرين، منح جائزة نوبل في الفيزياء عام (1921)، وواضع نظرية النسبية، فيقول:

    (إنً ديني يشتمل على الإعجاب المتواضع بتلك الروح العليا غير المحددة، والتي تكشف في سرها عن بعض التفصيلات القليلة التي تستطيع عقولنا المتواضعة إدراكها، وهذا الايمان القلبي العميق، والاعتقاد بوجود قوّة عليا تستطيع إدراكها خلال ذلك الكون العامض يلهمني فكرتي عن الإله)[ 3] كما يُنْسَب لنفس هـذا العالِم


    قوله: (لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يُعْقَل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة الوجود)[ 4]

    إنه من الملاحظ أنه كلما إزداد عِلم الإنسان واطلاعه على عجائب الكون، ومعرفته بما فيها من جمال وإحكام، ولم يقف عند القشور، بل تعمق في دراسة أسرار وقوانين وسنن الخلق، إزداد إيماناً بوجود الخالق وحكمته وعظمته وكمال صفاته، وفي هذا ينقل لنا "سبنسر" عن "هيرشل" قوله: (كلما اتسع نطاق العِلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حَدّ لقوته ولا نهاية: فالجيولوجيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العِلم، وهو صرح عظمة الله وحده)[5 ] وقد مرّ معنا آنفاً[6 ] استنتاجات "سبنسر" نفسه للوصول إلى الإيمان بالله الخالق عن طريق ملاحظة قطرة الماء وقطعة البرد.

    ويؤكد ما ذهبنا إليه بأنّه كلما تعمق الإنسان في التفكير وإزدياد العِلم، إزداد قرباً من الإهتداء إلى حقيقة الخلق وحتمية حقيقة وجود خالق خلق الموجودات من عدم، وذلك ما يؤكده الفيلسوف "فرنسيس بيكون": (إنّ القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التّعمق فيها ينتهي بالعقول إلى الايمان، ذلك لأنّ عقل الإنسان قد يقف عندما يصادفه من أسباب ثانوية مبعثرة، فلا يتابع السّير إلى مـا

    ورائها، ولكنه إذا أمعن النّظر، فشهد سلسلة الأسباب كيف تتصل حلقاتها لا يجد بدّاً من التسليم بالله)[7 ]

    أمّا الدكتور "ميريت ستانلي كونجدن Stanley" عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية، وإخصائي في الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم، فيقول:

    (إنّ جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه وتعالى، ويدلّ على قدرته وعظمته، وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها، حتى باستخدام الطريقة الإستدلالية، فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته، ذلك هو الله الذي لا نستطيع أن نصل إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كلّ ذرة من ذرات هذا الوجود، وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته)[8 ]

    إنّ التفكر في الموجودات الكونيّة، لأهم الشواهد التي توصل ولا بدّ إلى الايمان بالله تعالى خالقاً وحيداً لهذا الكون، ولتثبيت ايمان المؤمن، وهذا النهج هو الذي أوصل الدكتور ستانلي إلى ايمان الواثق المطمئن، الذي فَكَرَ وفكر فوصل للقناعة الثابتة التي لا تتزعزع، كما ورد فيما نقلناه عنه في الفقرة السابقة، وعلى نفس النّهج سار "أ. كريسي موريسون A.Cressy Morrison" الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك، حيث يقول:

    (إنّ استعراض عجائب الطبيعة ليدل دلالة قاطعة على أنّ هناك تصميماً وقصداً في كل شيء، وأنّ ثمّة برنامجاً ينفذ بحذافيره طبقاً لمشيئة الخالق عزّ وجل... إنّ حجم الكرة ألأرضية وبعدها عن الشّمس، ودرجَة حرارة الشّمس وأشعتها الباعثة للحياة، وسُمْك قشرة الأرض وكميّة الماء، ومقدار ثانـي أوكسيد


    الكربون وحجم النيتروجين، وظهور الإنسان وبقاؤه على قيد الحياة، كلّ أولاء تدلّ على خروج النظام من الفوضى، وعلى التّصميم والقصد)[9 ]
    .ـــــــــــــــــــالهامش ـــــــــــــــــــــ
    [1] د. يوسف القرضاوي، العبادة في الإسلام، صفحه ( 16 ).
    [2] المصدر السابق، نقلاً عن: أرنست رينان، تاريخ الأديان.
    [3] من كتاب " العالم وأينستاين " تأليف " لنكولن بارنت، ترجمة محمد عاطف ألبرقوقي، صفحه ( 116 ).
    [4] القرضاوي، العبادة في الإسلام، صفحه ( 17 )
    [5] العبادة في الإسلام، صفحه ( 17 ).
     سبَنْسَر، هربرت Herbert Spenser ( 1820-1903) فيلسوف إنجليزي، يعتبر أحد أبرز القائلين ب "الداروينية الاجتماعية"، آمن قبل داروين بتطور الأنواع من أشكال بسيطة إلى أشكال معقّدة. أشهر آثره كتاب " الفلسفة التركيبية.
     هيرشل، السير وليم Sir William Hershel ( 1738-1822)، عالم فلك إنجليزي، اكتشف الكوكب السّيار "أورانوس" عام (1781)، وفي عام (1783) اكتشف قمرين من أقمار أورانوس وقمرين من أقمار زُحل. – ويرجع إليه فضل اكتشاف أكثر من 2500 عنقود نجمي وسديم وما يزيد عن ثمانمائة نجم مزدوج.
    [6] الفصل الثالث من هذا الباب، صفحه (182).
    [7] العبادة في الإسلام، صفحه ( 17 ).
    [8] الله يتجلى في عصر العلم، صفحه ( 20 ).
    [9] الإنسان لا يقوم وحده، الطبعة العربية، الصفحات ( 186 – 193 ).



    ــــــــــــــــــــــ
    هذا البحث منقول من :
    موسوعة الخلق والنشوء
    حاتم ناصر الشرباتي
    مكتبة الايمان - المنصورة - مصر
    www.sharabati.org
    ــــــــــــــــــــــــــــــ

    يتبع إن شاء الله

  4. افتراضي

    آراء العلماء في التطور والخلق
    الفصل الثاني


    كتبَ الكاتب والمفكر الفرنسي "مومنيه Momnieh" بحثاً في مجلة "الكوسموس" جاء فيه: (إذا إفترضنا بطريقة تعلو عن متناول العقل، أنّ الكون خُلِقَ اتفاقاً بلا فاعل مريد مختار وأنّ الإتفاقات المتكررة توصلت إلى تكوين رجُل، فهل يعقل أنّ الإتفاقات والمصادفات تُكَوِن كائناً آخر مماثلاً له تماماً في الشّكل الظاهري، ومبايناً له في التركيب الداخلي ـ وهو المرأة ـ بقصد عمارة الأرض بالناس وإدامة النّسل فيها؟ ألا يَدُلُ هذا وحده على أنّ في الوجود خالقاًُ مريداً مختاراً، أبدع الكائنات ونَوّع بينها، وغَرَزَ في كلّ نوع غَرائز، وَمّتّعَه بمواهب يقوّم بها أمْرَه ويرتقي عليها نوعه)[1 ]

    وما دمنا نتحدث عن التّناسُل لبقاء النوعين الإنساني والحيواني، والغرائز التي تثور متطلبة الإشباع، ليتم التزاوج والتلاقح الموصل إلى التناسل، فإلى بحث "التزاوج والتناسل" نرجع مرّة أخرى إلى "أ. كريسي موريسون" حيث يتناول الموضوع قائلاً:

    (إنّ الحياة تُرغم على التّناسل لكي يبقى النّوع، وهذا دافعٌ بلغ من القوة أنّ كل مخلوق يبذل أكثر تضحية في سبيل هذا الغرض... وهذه القوّة الإلزامية لا توجد حيث توجد الحياة، فمن أين تنشأ هذه الدوافع[ 2] القاهرة؟ ولماذا بعد أن نشأت تستمر ملايين السنين؟ إنّه قانون الطبيعة الحيّة... الذي يأتي من إرادة الخالق)[3 ]

    تحت عنوان "الأدلة الطبيعية على وجود الله" كتب أستاذ الطبيعة الحيوية، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، ومدير قسم النظائر والطاقة الذرية في معامل "أوك ريدج"، عضو جمعية الأبحاث النووية والطبيعة النووية، "بول كلارنس ايرسولد":

    (قال الفيلسوف الإنجليزي "فرانسس بيكون" من ثلاثة قرون: "إنّ قليلاً من الفلسفة يقرب الإنسان من الإلحاد، أما التعمق في الفلسفة فيرده إلى الدين، ".... ولا شَكّ أنّ إتجاه الإنسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكبر من عقله وتدبير أحكم من تدبيره وأوسع، لكي يستعين به على تفسير هذا الكون، يُعَدّ في ذاته دليلاً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم، هي قوّة الله وتدبيره. وقد لا يستطيع الإنسان أن يُسَلم بوجود الخالق تسليماً تاماً على أساس الأدلّة العِلمية وحدها، ولكننا نصل إلى الايمان الكامل بالله عندما نمذج بين الأدلّة العلمية والأدلّة الروحيّة، أي عندما ندمج معلوماتنا عن هذا الكون المُتّسِع إلى أقصى حدود الإتساع المعقّد إلى أقصى حدود التّعقيد، مع إحساسنا الداخلي والإستجابة إلى نداء العاطفة والروح الذي ينبعث من أعماق نفوسنا، ولو ذهبنا نحصي ألأسباب والدوافع الدّاخليّة التي تدعو ملايين الأذكياء من البشر إلى ألايمان بالله، لوجدناها متنوعة لا يحصيها حصر ولا عد، ولكنها قوية في دلالتها على وجوده تعالى، مؤدية إلى الإيمان به..... إنّ الأمر الذي نستطيع أن نثق به كلّ الثقة، هو أنّ الإنسان وهذا الوجود من حوله لم ينشأ هكذا نشأة ذاتيّة من العدم المطلق، بل إنّ لهما بداية، ولا بُدّ لكل بداية من مُبْديء، كما أننا نعرف أنّ هذا النظام الرائع المُعَقد الذي يسود هذا الكون يخضع لقوانين لم يخلقها الإنسان، وأنّ معجزة الحياة في حد ذاتها لها بداية، كما أنّ ورائها توجيهاً وتدبيراً خارج دائرة الإنسان، إنها بداية مُقَدَسة وتوجيه مُقّدّس وتدبير إلهي مُحْكم.)[4 ]

    إمّا أشهر من وضع نظريات علم الميكروبات، وكشف دور الجراثيم في الإصابة بالأمراض، كان الكيميائي البيولوجي الفرنسي "لويس باستورLouis Pastor"[ 5] فيقول:

    (الإيمان لا يمنع أي إرتقاء كان، لأنّ كلّ ترقٍ يبين ويسجل الإتساق البادي في مخلوقات الله، ولوكنت علمت أكثر مما أعلَم اليوم لكان إيماني بالله أشَد وأعمق مما هو عليه الآن... إنّ العِلم الصحيح لا يمكن أن يكون مادياً، ولكنه على خلاف ذلك يؤدي إلى زيادة العِلم بالله لأنه يَدُلُ بواسطة تحليل الكون على مهارة وتبصُر، وكمال عقل الحكمة التي خلقت النّواميس المدبرة للوجود كما لا حد له).

    كتب الكيميائي وعضو أكاديمية العلوم، وعميد كليّة الطب الفرنسية، "الدكتور ويتز Witts" يقول: (إذا أحسست في حين أنّ عقيدتي بالله قد تزعزعت وجَهْتٌ وجهي إلى أكاديمية العلوم.)
    أما الجيولوجي الذائع الصيت، والمدرس بجامعة السوربون "أدموند هيربرت" فيقول:

    (العِلم لا يمكن أن يؤدي إلى الكفر ولا إلى الماديّة، ولا يفضي إلى التشكيك.)
    كانت تلك الإستشهادات هي آراء بعض أقطاب العِلم الطبيعي، تم إختيارهم من جم كثير مما ذكره "ليون ووتي" الذي نشر بحثاً تحليلياً للدكتور الألماني "دينرت" لأكابر ومشاهير العلماء فتبيّنَ له من دراسة 290 عقل عالِم شهير ما يلي: "28 منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما، 242 أعلنوا على رؤوس الأشهاد الايمان بالله الخالق،
    20 فقط تبين أنهم غير مبالين بالوجهة الدينية ولا ملاحدة، فإذا إعتبرنا الغير مبالين من الملاحدة أيضاً، كانت نسبة المؤمنين منهم 92 %)[6 ]
    وجّهَ أحد رجال الأعمال سؤالاً إلى العالِم الفسيولوجي "أندرو كونواي إيفي"[7 ]:
    سمعت أنّ معظم المشتغلين بالعلوم ملحدين .فهل هذا صحيح؟ فأجابه: (إنني لا أعتقد أنّ هذا القول صحيح، بل إنني على نقيض ذلك وجدت في قراءتي ومناقشاتي أنّ معظم من اشتغلوا في ميدان العِلم من العباقرة لم يكونوا ملحدين....... إنّ الإلحاد، أوالإلحاد المادي، يتعارَضَ مع الطريقة التي يتبعها رجل العلوم في تفكيره وعمله وحياته، فهو يتبع المبدأ الذي يقول بأنّه لا يمكن أن تكون آلة بغير صانع، وهو يستخدم العقل على أساس الحقائق المعروفة، ويدخُل إلى معمله يحدوه الأمل َ ويمتليء قلبه بالإيمان، ومعظم رجال العلوم يقومون بأعمالهم حُبّاً في المعرفة وفي الناس وفي الله.... وكما قال "ماكس بلانك" العالم الطبيعي الذي فتح الطريق إلى أسرار الذرة: "إنّ الدين والعلوم الطبيعية يقاتلان معاً في معركة مشتركة ضدّ الشّك والجحود والخرافة، ولقد كانت الصيحة الجامحة في هذه الحرب وسوف تكون دائماً: الله")[ 8]

    وننقل عن "لورد كليفي" ـ وهو من علماء الطبيعة البارزبن في العالَم ـ قوله: (إذا فكرتَ تَفكيراً عَميقاً فإنّ العلوم سوفَ تضطرك إلى الإعتقاد في وجود الله)[9 ]
    ومرّة أخرى وكما ورد في كتاب "العالم وأينشتاين" تصريح العالِم الشهير "اينشتاين" صاحب النظرية النسبية: (إنّ الإيمان هو أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية).

    إنّ العلوم تدعم الإيمان بالله تعالى، هذا ما يؤكده الدكتور "ألبرت ماكوب ونشتر" المتخصص في علم الأحياء، والإخصائي في علم الوراثة وفي تأثير ألأشعة السينية على الدوسوفيلا، بعد أن حاولت عمته أن يعدل عن قراره دراسة العلوم، خوف أن يقضي ذلك على ايمانه بالله:

    (وانني لأشعر بالغبطة تملأ قلبي اليوم، بعد أن درست العلوم المختلفة، واشتغلت بها سنوات عديدة، ولم يكن في ذلك ما يزعزع لإيماني بالله، بل إنذ اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساساً مما كان علية من قبل، ليس من شَكٍ أنّ العلوم تزيد الإنسان تبصراً بقدرة الله وجلاله، وكلما اكتشف الإنسان جديداً في دائرة بحثه ودراسته زاد إيمانه بالله)[ 10]

    نعم... إنّ الآيات والدلائل التي يجدها العالِم في مختبره، والباحث في مشاهداته، كلّ تلك الدلائل والمشاهدات إن أعمل العقل في التفكر بها بنزاهـة وتجرد، ورغبة في الوصول إلى الحقيقة، فستوصل حتماً وبدون شَك إلى النتيجة الحتمية القاطعة، وهي الإيمان بالله تعالى خالقاً لهذا الكون بموجوداته ومدبراً له، وستوصل بالتالي إلى الإيمان القاطع بعقم وتفاهة جميع النظريات المادية والإلحادية ونبذها.

    وفي مجال تصنيف الكائنات الحية، توصل العالم الإنجليزي "جون ري J. Ray" في القرن السابع عشر، لإيجاد نظام تصنيفي حين عرّفَ النّوع "Species" بأنّه
    المجموعة من الأفراد المتشابهة التي تنحدر من آباء تشبهها. وقال: "النّوع لا ينتج من نوع آخر" كما افترض "ري" أنّ عدد ألأنواع في الطبيعة ثابت ومحدود.[11 ]

    أما العالِم السويدي "كارل لينيوسC. Linnaes " (1707–1778) فقد توصل إلى الأسلوب التقليدي في التصنيف والذي ما زال قائماً حتى يومنا هذا، ويستند هذا النظام على أوجه الشبه في تركيب أجسام الكائنات الحية التي تنتمي إلى نفس المجموعة في التصنيف، مرتكزاً في نظامه على تعريف "ري" للنوع، وعلى اعتقاده أنّ كل نوع ثابت لا يعتريه تغيير، وبذلك فإنّ عدد الأنواع محدود.[12 ]

    لقد كانت تلك الآراء التي سقناها في هذا الفصل، هي آراء لمشاهير العِلم في معظم تخصصاته، وهي جميعها ـ وكثير غيرها، لايتسع المجال لذكرها ـ تُكَذِبُ إدعاء من قال بإجماع العلماء على صحة نظريات التطور المادي، بل تَدُلّ على توجه نَيِرٍ نحو الإيمان بالله تعالى، تدعمه الأدلة والبراهين القاطعة.

    أما من تلبسوا بثياب العلماء من دعاة التطور المادي، فإنَه ينقصهم الوعي والفكر المستنير والنّزاهة والتجرد، وإلا لكان مصير نظرياتهم التلاشي، فلو أعملوا عقولهم في المخلوقات وقوانين الوجود، وفي أنفسهم، لآمنوا كما آمن من كان قبلهم، وكما آمن من أتى بعدهم.

    [frame="10 70"]وكل جنس من المخلوقات الحيوانية والنباتية ينتج مثله في النوع والحجم.فالنوع لا ينتج من نوع آخر[/frame].

    ــــــــــــــــــ الهامش ـــــــــــــــــ
    [1] محمد فريد وجدي، دائرة المعارف العربية، مادة: إله.
    [2] المقصود بالدوافع: الغرائز.
    [3] الإنسان لا يقوم وحده، صفحه ( 146 ).
    [4] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 35 – 38 ).
    [5] باستور، لويس ( 1822-1895 ): كيميائي بيولوجي فرنسي، أثبت أنّ الخمائر خلايا حيّة، وكشف دور الجراثيم في الإصابة بمختلف الأمراض، عقّم اللبن تعقيماً جزئياً بحرارة تقتل المتعضيات الضّارة من غير أن تُحدث في المادة المعقمة تغييراً كيميائياً جوهرياً وهو ما يدعى اليوم " البسترة "، استنبط طريقة للوقاية من بعض الأمراض بالتلقيح.
    6] النصوص الأربعة السابقة، ترجمها محمد فريد وجدي، ونشرها في مجلة " الأزهر ".
    [7] أندرو كونواي إيفي: من العلماء الطبيعيين ذوي الشهرة العالمية، من سنة 1925 إلى سنة 1946. رئيس قسم الدراسات الفسيولوجية والصيدلية بجامعة نورث وسترن، من سنة 1946 إلى سنة 1953. أستاذ في كلية الطب ووكيل الكلية في جامعة الينوى حتى سنة 1958، أستاذ الفسيولوجي ورئيس قسم العلوم الأكلينية بكلية الطب بجامعة شيكاغو.
    [8] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 150 – 162 ).
    [9] المصدر السابق، صفحه ( 23 ).
    [10] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 104 – 105 ).
    [11] د.عدنان بدران وآخرين، البيولوجيا، صفحه ( 104 ).
    [12] المصدر السابق.

    ــــــــــــــــــــــ 194- 200 ــــــــــــــــــ
    هذا البحث منقول من :
    موسوعة الخلق والنشوء
    حاتم ناصر الشرباتي
    مكتبة الايمان - المنصورة - مصر

    www.sharabati.org

    ــــــــــــــــــــــــــــــ

    يتبع إن شاء الله

  5. افتراضي

    وأخــــــيراً...

    [align=justify]

    لقد كتب داروين منذ حوالي المائة وخمسين عاماً في الفصل السادس من كتابه "أصل ألأنواع"، يقول: (إني لا أشُكّ بأنّ إعتراضات كثيرة قد خطرت ببال القاريء قبل أن يصل إلى هذا الفصل من كتابي، وبعض هذه الإعتراضات خطير إلى درجة أني حتى اليوم، لا أفكر بها إلا وتعتريني هَزّه) !!!

    كان هذا النّص في الفصل السادس ـ باب مشكلات النظرية ـ، وظهر في الترجمة العربية طباعة سنة (1959)، ومما يلفت النظر أنّ هذا النّص بالكامل قد جرى حذفه من طبعة مطبعة النّهضه[1 ] التي قام بترجمتها "إسماعيل مظهر"!!!!.

    فهل يمكن لعاقل أن يؤمن بنظريّة واهيه كتلك على أنها حقيقة واقعة يجب الإيمان والتسليم بها، في حين أنّ من نُسِبَ إليه ابتداعها واختلاقها، ومن عُرفَ أنّه عَراب النظرية ومرجعها، حتى أنها قد إشتهرت بنسبتها إليه، يهتز للإعتراضات التي وَرَدَت، أو التي سَترِد على النظرية؟ ولا أخال عاقل سَيُفَسِرَ الهَزّة التي ستعتري داروين، أنها هزة الواثق المطمئن إلى صحة وسلامة نظريته!!!

    هذا علاوة على أنه بعد مرور قرن ونصف على ابتداع تلك النظرية، وعلماء التطور مستمرون في أبحاثهم، دائبون نشطون من أجل إثباتها، ورغم ذلك فإنهم عاجزون تماماً عن إثبات واقعيّة التطور المادي ومصداقية نظرياته، رغم الأبحاث الطائلة التي قاموا بها، ورغم الإمكانات الهائلة التي وضعت تحت تصرفهم، ورغم تسخير العِلم والمعامل والمختبرات، ورغم الخدع والتزويرات التي قام بها البعض الآخر منهم، ورغم توجيه الإعلام بكافة وسائله لصالحهم، وذلك ما

    اعترف به مؤلف كتاب "سنة العِلم" المطبوع باللغة الإنجليزية عام (1966) حيث يقول:

    (على الرغم من النجاحات التي أحرزها عِلم الآثار، فإنّ العلماء ما زالوا في بداية المهمة العظيمة التي يتوخونها، ونعني بذلك مَعْرِفَة تاريخ الإنسان.)

    كما أنّ التناقض واضح جداً في أقوال وتصريحات مشاهير علماء النظرية المتحمسين لإثباتها، ففي مطالعة كتاب العالِم "دوبز هنسكي T.Dobzhansky" المعرف باسم "الأساس الحيوي لحرية الإنسان" نجده يقول بصراحة: (لقد ثبت بما لا يدع مجال للشك، حتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر، بأنّ التطور أمر واقع...)[ 2] في حين أنّه بعد صفحتين من هذا القول يرجع ليقول وفي نفس الكتاب: (مما لا شَكّ فيه أنّ المظاهر التاريخية المتممة لحلقات التطور ما زالت غير معروفة تماماً... ولا نستطيع أن نرى الأسباب التي قرّرت تطور النّوع الإنساني إلا من خلال ضَباب.)[3 ]

    فهو من جهة يؤكد ويجذم بما يرغبه ويريده من أنّ التطور هو حقيقة وأمر واقع يجب الإعتراف والإيمان به، نجده من جهة أخرى يعترف ويقر بأنّ المظاهر التي قرّرت حلقات هذا التطور غير معروفة تماماً!! بل وأنه يراها من خلال ضباب!!! وهل يرى شيئاً ثابتاً واضح المعالِم من خلال ضباب؟ وما أخاله يقصد إلا أنّ كلّ تلك النظريات المادية ما هي إلا سَـراب خادع تشبث به وتعلق تائهون هائمون على وجوههم.

    أما "الموسوعة البريطانية" فتقول: (ليس لدينا أدنى شَك فيما يتعلق بكون التطور حقيقة واقعة، وأنّ الأدلة عليها في الوقت الحاضر غير قابلة للنقض.)[ 4]

    غير أنّه ورغم هذا التأكيد القاطع على رجحان أدلتهم التي لا يتطرق إليها النقض أو الشّك، نجد أنّ نفس الموسوعة المذكورة آنفاً وفي موضع آخر تصف تلك الأدلة الغير قابلة للنقض قائلة: (إنها غير كافية، وغير متسلسلة، بل أنّ بها كثير من الفجوات... )[5 ] وتردف نفس الموسوعة قائلة: (إننا ما زلنا لا نعرف شيئاً عن هذه الظواهر الحيوية التي قررت هذا التغيير)[6 ]

    أما "سير بيير Sir Gavin Beer" فلم يتردد بأن يقول في كتابه الأخير المطبوع بعنوان "شارل داروين" مايلي: (لقد أعلن داروين بأنّ الأدلة سوف توجد في يوم من الأيام، وقد أتى هذا اليوم لأنّ سلسلة المستحاثات التي مَرّ ذكرها تقدم لنا الأدلة القاطعة على أنّ الإنسان ثمرة التطور)[7]

    غير أنّ هذا التأكيد على الأدلة القاطعة التي إدعاها "بيير"، لم يمنع عالماً آخر هو "د. كلارك Le Gros Clark" أن ينقض ذلك الإدعاء قائلاً: (إنّ العثورعلى مستحاثات لأجدادنا الحقيقين، أوحتى العثور على نماذج الجماعات الجغرافية المحليّة التي انبثق عنها أجدادنا الحقيقيون أمر احتماله من الضعف بحيث نرى من العبث توقع امكان حصوله.)[8 ]

    إنّ ثبات نظرية داروين وشبيهاتها من نظريات التطور المادي، لهو أوهى من خيط العنكبوت، ولا يستطيع عاقل أن يطلق على نظرية التطور المادي صفة الحقيقة العلمية، لأن تلك النظرية هي في حقيقتها أبعد ما تكون عن كونها من الحقائق، بل هي تخيلات وأوهام لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وقد قرّرَ ذلك "د. كلارك" وهو أحد علماء التطور المشهورين، ومن أشهر المتحمسين لها، بالعبارات


    التالية: (من المؤسف أن تكون كل الأجوبة التي طرحت لمعرفة أصل الإنسان، تقوم على دلائل غير مباشرة، وأكثرها يقوم على فرضيات.)[9 ]

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] المرجع، الصفحات ( 328 – 390 ).
    [2] خلق لا تطور، صفحه ( 17 )، نقلا عن: The biology basis of human freedon.
    [3] المصدر السابق.
    [4] المصدر السابق.
    [5] خلق لا تطور، صفحه ( 17 ).
    [6] المصدر السابق.
    [7] المصدر السابق.
    [8] المصدر السابق، صفحه ( 18 )، نقلاً عن: غرو كلارك، أدلة المستحاثات على تطور الإنسان.
    [9] المصدر السابق.

    هذا البحث منقول من :
    موسوعة الخلق والنشوء
    حاتم ناصر الشرباتي
    مكتبة الايمان - المنصورة - مصر


    www.sharabati.org

    يتبع إن شاء الله[/align]

  6. افتراضي

    تابع لما سبق

    ونقص الأدلة أو حتى انعدامها، هو رأي أخبر به معظم علماء التطور، وممن اعترف بذلك "رئيس الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم"، حيث قال بصدد حديثه عن التطور:

    (تعال معي لنقوم برحلة فرضية فيما قبل التاريخ، ولنتصوّر الزّمن الذي ظهر فيه نوع الإنسان "سابين spiens"، ولنقطع بسرعة الآف السنين التي تعتمد في القسم الأكبر من معلوماتنا الحاضرة عنها على الحدس والتخمين والإستنتاج، إلى أن نصل إلى فترة الوثائق التاريخية التي تسمح لنا بالتقاط بعض الوقائع...)[1 ]

    وأول عصر الوثائق، مضت الآف السنين من عمر الإنسان قبل أن تبدأ ـ على حد زعمهم ـ وعلمائهم يزعمون بأنّ مراحل التطور التي يظن بأنها قد سبقت عصر الوثائق، والتي لم يرها الإنسان الحديث رؤية العين، إنّما بُنيت على الحدس والظن والشَك والتأويل والتفسير والبحث النظري الإفتراضي، أي هي بالتالي عبارة عن مجموعة من الفرضيات.

    أمّا بالنسبة لعمدة كتبهم، وأشهر مراجعهم ومصادرهم، وهو كتاب عرابهم الشهير "داروين" صاحب النظرية المسماة باسمه وهو كتاب "أصل الأنواع"[2 ] فقد أبدى أحد مشاهير العلماء الإنجليز بالملاحظة التالية عليه:

    (لقد أحصي ما جاء في كتاب "أصل الأنواع" فوُجِد أكثر من 800 جملة إرتيابية، مثل قوله: قد نستطيع أن نستنتج، قد يمكن ان يكون....ألخ، فالمرء الذي يبحث ليفهم لا يلبث عند سماع هذه العبارات الإرتيابية أن يقع في حيرة من هـذه

    التناقضات، إذ يرى بعض العلماء يؤكدون على التطور بصراحة، ويرى آخرون يعترفون بأنّ كل الاستنتاجات هي فرضية)[3 ]

    وهذا التناقض هو الذي دفع العالِم الفسيولوجي الملحق باللجنـة المركزية للطاقة النووية "تهميسيان T.N.Tahmisian" إلى القول: (إنّ العلماء الذين يؤكدون على أنّ التطور واقع علمي هم منافقون، وأنّ ما يروونه من أحداث إنّما هو من الشعوذات التي ابتدعت ولا تحتوي على نقطة واحدة من الحقيقة) إلى أن يصف تلك النظرية بأنها:

    (خليطة مضطربة من الأحاجي وشعوذة الأرقام)[ 4] أما رئيس فرع العلوم بإحدى الجامعات "كلوتز J.W.Klotz" يقول: (إنّ الإعتقاد بالتطور يحتاج إلى كثير من السذاجة)[5 ]

    وذكر "ويكرز شامبرزWikers Chamber" في كتابه "الشهادة Witness" حادثاً كان من الممكن أن يصبح نقطة تحول في حياته، ذكر أنه بينما كان ينظر إلى إبنته الصغيرة استلفت أذناها نظرهُ، فأخذ يفكر أنّ من المستحيل أن يوجد شيء معقد ودقيق كهذه الأذن بمحض إتفاق، بل لا بد أنه وجد نتيجة إرادة مدبرة، لكنه طرد هذه الوسوسة عن قلبه حتى لا يضطر إلى أن يؤمن بالذات التي أرادت فدبرت، لأنّ ذهنه لم يكن على استعداد لتقبل هذه الفكرة الأخيرة.[ 6] ويعلق الدكتور "تامس ديودباركس" على ذاك الحادث بقوله: (انني أعرف عددا كبيراً من أساتذتي في الجامعة، ومن رفقائي العلماء الذين تعرضوا مراراً لمثل هذه المشاعر، وهم يقومون بعمليات كيماوية وطبيعية في المعامل.)[7 ]

    يتضح من تلك الرواية، أنّ الأدلة مهما كانت مقنعة وقاطعة، فمن الممكن ألا تقنع بعض الناس، لأن أبواب عقولهم المادية موصدة دون أي كلام عن الله والإيمان، ومن المؤكد أنّ موقفهم هذا ليس لأن الإستدلالات والبراهين المطروحة أمامهم ضعيفة أو عاجزة، بل إنّ ذلك راجع إلى تعصبهم المقيت ضد كل ما يوصل للإيمان، ويشير إلى ذلك العالِم البريطاني الشهير "سير جيمس جينز" قي كتابه "عالم الأسرار" حيث مرّ معنا سابقاً قوله: (إنّ في عقولنا الجديدة تعصباً يرجح التفسير المادي للحقائق)[ 8]

    إنّ غريزة التدين هي غريزة فطريّة في الإنسان، لايخلو منها أي انسان كان، ومن أبرز مظاهرها التقديس، وأمثال هؤلاء، يكابرون ويكبتون تلك الغريزة، فيصرفون مظهر التقديس المنبثق عنها إلى تقديس الطبيعة أوتقديس العلم أوتقديس مظاهر معينة، ليصرفو مظهر الغريزة لتقديس تافه بدل عبادة الله، فالتعصب الأعمى للتفسير المادي للحياة له جذور عميقة، يصعب معها اثناؤهم عنها حتى بالأدلة الدامغة، ويعلق على ذلك العالِم الأمريكي "جورج بلونت": (إنّ كون العقيدة الإلهية معقولة، وكون إنكار الإله سفسطة، لا يكفي لإختيار الإنسان جانب العقيدة الإلهية، فالناس يظنون أن الإيمان بالله سوف يقضي على حريتهم، تلك الحرية العقلية التي استعبدت عقول العلماء واستهوت قلوبهم، فأية فكرة عن تحديد هذه الحرية مثيرة للوحشة عندهم.)[9 ]

    يتضح مما سبق أنهم بتعصبهم اللاعقلاني الساذج للتطور المادي، قد قصدوا منه بعناد عدم الإيمان بالحقائق رغم سيطرتها علىعقولهم أحياناً، صارفين بذلك ثوران غريزة التدين المتطلب الإشباع إلى إشباع منحرف، ولا أرى تعليقاً على ذلك أبلغ من المثل العربي العامي القائل: "عَنزَه وإن طارت" وحقاً فإنّ الكفر في حقيقته لا يعدو أن يكون إلا عِناداً!!!
    ـــــــــــــ هامش
    [1] المصدر السابق، نقلاً عن مقال للمذكور نشر له في مجلة " العلوم " الأمريكية.
    [2] The Origin of Species, Sharles Darwin.
    [3] خلق لا تطور، صفحه ( 19 ).
    [4] المصدر السابق.
    [5] المصدر السابق، صفحه ( 20 ).
    [6] الإسلام يتحدى، صفحه ( 42 )
    [7] المصدر السابق، نقلاً عن: The Evidence of God, p. 73-74.
    [8] المصدر السابق، نقلا عن: Mysterious Universe, p. 189.
    [9] المصدر السابق، صفحه ( 43 )، نقلً عن: Gorge H. Blount, the Evidence of God, P. 130.

    هذا البحث منقول من :
    موسوعة الخلق والنشوء
    حاتم ناصر الشرباتي
    مكتبة الايمان - المنصورة - مصر


    www.sharabati.org

    يتبع إن شاء الله

  7. #22

    افتراضي

    سلام الله عليكم أستاذي الفاضل
    بداية كل عام وأنتم بخير ، أعاده الله عليكم باليمن والبركات
    تكلمتم عن نظرية التطور وعن الصدفة فهل لديكم مقالات أو أبحاث عن الإلحاد والملحدين أستاذي؟
    زادكم الله علماً وحلماً
    ............................

  8. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قرآن الفجر
    سلام الله عليكم أستاذي الفاضل
    بداية كل عام وأنتم بخير ، أعاده الله عليكم باليمن والبركات
    تكلمتم عن نظرية التطور وعن الصدفة فهل لديكم مقالات أو أبحاث عن الإلحاد والملحدين أستاذي؟
    زادكم الله علماً وحلماً
    بارك الله ةفيك وزادك علماً نافعاً تنتفع به وتنفع به الناس

    وأعلم أخي الفاضل أنّه لا يوجد عندي حالياً مواضيع جاهزه بخصوص الإلحاد

    وأرى في مقالات الأخ ( حازم ) المتعددة والمنشورة في هذا القسم من المنتدى ما يكفي.

  9. #24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حاتم ناصر الشرباتي
    بارك الله ةفيك وزادك علماً نافعاً تنتفع به وتنفع به الناس
    وأعلم أخي الفاضل أنّه لا يوجد عندي حالياً مواضيع جاهزه بخصوص الإلحاد
    وأرى في مقالات الأخ ( حازم ) المتعددة والمنشورة في هذا القسم من المنتدى ما يكفي.
    بارك الله في عمرك وعملك
    هل تضع مقالات أخرى أو كتباً لحضرتك غير التي وضعها الأخ الكريم حازم لو سمحت؟
    جزى الله الأخ حازم عنا خير الجزاء
    حياكما الله
    أختك: قرآن الفجر
    ............................

  10. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قرآن الفجر مشاهدة المشاركة
    بارك الله في عمرك وعملك
    هل تضع مقالات أخرى أو كتباً لحضرتك غير التي وضعها الأخ الكريم حازم لو سمحت؟
    جزى الله الأخ حازم عنا خير الجزاء
    حياكما الله
    أختك: قرآن الفجر

    الأخ الحبيب بارك الله فيك وأنت تبحث عن العلم النافع، أسأل الله أن يرزقك العلم النافع تنتفع به لدنياك وآخرتك وتنفع به الآخرين. بالنسبة لما نشر لي من كتب حتى الآن بعضها محتويه موقعي الشخصي والبقية آمل أن تدخل به قريباً
    مما نشرت لغاية الان كان:
    - موسوعة الخلق والنشوء ، نشر دار الايمان بالمنصورة
    - نسب آل الشرباتي ، نشر دار الاسراء - الخليل
    - الارهاصات والبشائر والمعوقات، لم ينشر بعد، ممكن تحميله من الموقع الشخصي.
    - واقع المسلمين في العصر الراهن، لم ينشر بعد.
    - معالم الفكر الاسلامي، لم ينشر بعد.
    - كما يوجد لي مجموعة مقالات نشرت في المواقع المتعددة تبحث في النهضة والتكتلات السياسية والفكر والتفكير
    أسأل الله تعالى أن يقبل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
    أحاول حالياً أن أنشر بعض المقالات في مواضيع هامة في منتدى التوحيد ، نشرت في منتدى العقاب، وفي منتدى الناقد الاعلامي، ومنتدى الحوار ومنتدى المفكر العربي ومواقع أخرى ،منها:
    - أتقوا الله في ديننا وأمتنا وتاريخنا
    - أقوال كفر يتشدق بها مهاويس
    - أحذروا بذور شر الفاسدين والمفسدين
    - الكابوس القاتل
    - الفشل والتبريرات الواهية
    - المنظمات والتكتلات السياسية
    - مكانكم أيها الأمراء

    ان شاء الله

  11. افتراضي

    وأخيرا.... 3


    ويرد الأستاذ "أ. كريسي موريسون" على نظريات التطور المادي مناقشاً:

    (إننا نستطيع أن نضع نظرية تبين كيف تطورت جميع الكائنات الحية من الخلية الأصلية، ولكن العِلم يقف عند هذا الحد، ويمكننا أن نتفق مع ذوي العقول الممتازة الذين أدت بحوثهم المضنية إلى اعطائنا فكرة حقيقية عن الوقائع الطبيعية للحياة المادية، ولكننا غير ملزمين بالوقوف حيث وقفوا، لأنهم لم يتبين لهم صنع الخالق في كل ذلك.

    إنّ كون الإنسان في كل مكان ومنذ بدء الخليقة حتى الآن، قد شعر بحافز يحفزه إلى أن يستنجد بمن هو أسمى منه وأقوى وأعظم،[1 ] يدل على أنّ الدين فطري فيه، ويجب أن يقر العِلم بذلك، وسواء أحاط الإنسان صورة محفوره بشعوره بأنّ هناك قوّة خارجية للخير أو الشّر أم لم يفعل، فإنّ ذلك ليس هو الأمر المهم، بل الحقيقة الواقعة هي إعترافه بوجود الله، والذين أتيح لهم العِلم بالعالَم لا يحقّ لهم أن ينظروا نظرة الإزدراء إلى فجاجة الذين سبقوهم أو الذين لا يعرفون الآن الحق كما نراه.

    بل أننا على العكس من ذلك يجب أن تأخذنا الرّوعة والدّهشة والإجلال لإتفاق البشر في نواحي العالم عن البحث عن الخالق والإيمان بوجوده! أوليست روح الإنسان[2 ] هي التي تشعر بإتصالها بالله؟ أم نخشى أن نقول بأنّ الحافز الديني[4 ] الذي لا يملكه إلا الإنسان هو جزء من هذا الكائن الواعي كأيّة صفة أخرى من خصائصه؟[3 ] إنّ وجود الحافز هو برهان على قصد العناية الإلهية[5 ] ولا يقل شأناً عن عقل الإنسان المادي الذي يكمن فيه كونه الحساس.[6 ]

    إنّ أي ذرة أو جزيء[ 7] لم يكن له فكر قط، وأي إتحاد للعناصر لم يتولد عنه رأي أبداً، وأي قانون طبيعي لم يستطع بناء كاتدرائية، ولكن كائنات حية معينة قد خلقت تبعاً لحوافز معينة للحياة، وهذه الكائنات تنتظم شيئاً تطيعه جزئيات المادة بدورها، ونتيجة هذا وذاك كل ما نراه من عجائب العالَم، فما هو هذا الكائن الحي؟ هل هو عبارة عن جزئيات وذرات؟ أجل، وماذا أيضاً؟ شيء غير ملموس، أعلى كثيراً من المواد لدرجة أنه يسيطر على كل شيء، ومختلف جداً عن كل ما هو مادي مما صنع منه العالَم، لدرجة أنه لا يمكن رؤيته ولا وزنه ولا قياسه. وهو فيما نعلم ليست له قوانين تحكمه.[8 ]

    إنّ روح الإنسان هي سيدة مصيره، ولكنا نشعر بصلتها بالمصدر الأعلى لوجودها، وقد أوجدت للإنسان قانوناً للأخلاق لا يملكه أي حيوان آخر ولا يحتاج إليه، فإذا سمى أحد ذلك الكيان بأنه أفضل لتكوين المادة، لا لشيء إلا لأنه لا يعرف كنهه بأنبوب إختبار، فهو إنما يزعم زعماً لا يقوم على برهان، إنّه شيء موجود، يظهر نفسه بأعماله وتضحياته وبسيطرته على المادة، وعلى الأخصّ بقدرته على رفع الإنسان المادي من ضعف البشر وخطئهم إلى الإنسجام مع إرادة الله.


    هذه هي خلاصة القصد الرّباني، وفيها تفسـيرات للإشـتياق الكامن في نفس الإنسان،[ 9] للإتصال بأشياء أعلى منه ومن نفسه، وفيها كشف عن أساس حافزه الديني، هذا هو الدين.[10 ]

    والعِلم يعترف باشتياق الإنسان إلى أشياء أسمى منه ويقر بذلك، غير أنّه لا ينظر نظرة جديّة إلى مختلف العقائد والمذاهب، وإن يكن يرى طرقاً تتجه إلى الله، والذي يراه العِلم ويقرره جميع المفكرين، هو أنّ الإعتقاد العام بوجود الله له قيمة لا تقدر.

    إنّ تقدم الإنسان من الوجهة الأخلاقيّة وشعوره بالواجب إنما هو أثر من آثار الإيمان والإعتقاد بالخلود، وأن غزارة التدين لتكشف روح الإنسان، وترفعه خطوة خطوة حتى يشعر بالإتصال بالله، وإنّ دعاء الإنسان الغريزي لله بأن يكون في عونه وخاصة في ساعات الشّدائد لأمر طبيعي، وإنّ أبسط صلاة تسمو به إلى مقربة من خالقه، إنّ الإنسان لا يقوم وحده)[ 11] ويستطرد "موريسون" متسائلاً عن سر الحياة، وهل هي من صنع المادة، فيقول: (إنّ المتفق عليه عموماً هو أنّه لا البيئة وحدها، ولا المادة مهما كانت موائمة للحياة ولا أي اتفاق في الظروف الكيماوية والطبيعية قد تخلقه المصادفة يمكنها أن تأتي بالحياة إلى الوجود)[ 12]

    وله أيضاً: (فالحياة هي المصدر الوحيد للوعي والشعور، وهي وحدها التي تجعلنا ندرك صنع الله ويبهرنا جماله، وإن كانت أعيننا لا تزال فوقها غشاوه.)[ 13]

    وفي إثبات بطلان نظرية المصادفة، يقول "الدكتور ايرفنج وليام نوبلوتشي"[14 ]

    (إنّني أعتقد في وجوده سبحانه وتعالى لأني لا أستطيع أن أتصور أنّ المصادفة وحدها تستطيع أن تفسّر لنا وجود الألكترونات والبروتونات الأولى، أو البروتوبلازم الأول، أو الذرات الأولى، أو الأحماض الأمينية الأولى، أو البذره الأولى، أو العقل الأول، إنني أعتقد في وجود الله، لأنّ وجوده القدسي هو التفسير المنطقي الوحيد لكل ما يحيط بنا من ظواهر هذا الكون التي نشاهدها)[ 15]

    ـــــــــــــــــــــــــ
    [1] إنّ الكاتب يشير هنا إلى غريزة التدين الموجودة فطرياً لدى الإنسان، والناتجة عن شعوره بالنقص والعجز والاحتياج.
    [2] الروح هنا: إدراك الإنسان لصلته بخالقه.
    [3] غريزة التدين .
    [4] كالعقل والإدراك والتكلم وانتصاب القامة مثلاً.
    [5] إنّ الدين الإسلامي وكل الأديان السماوية قبل تحريفها، تدعوا الإنسان إلى استعمال العقل والتفكر في الموجودات للأيمان بالله تعالى. والإسلام يرفض ما يسمى ( إيمان العجائز ) الذي لا يقوم على التفكر وإعمال العقل.
    [6] إنّ الإنسان من دون المخلوقات جميعاً ـ بما في ذلك جميع الحيوانات ـ هو الوحيد الذي يملك العقل المميز، والذي بواسطته يحكم على الواقع أو الشيء ما هو، وذلك بنقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس مع وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع. وهذا ما يطلق عليه ( العملية التفكيرية ).
    [7] A tom or Molecale.
    [8] المقصود هنا هو الله تعالى خالق القوانين.
    [9] المقصود هنا: غريزة التدين، الناشئة عن الشعور بالعجز الطبيعي في الإنسان، وحاجته للخالق المدبر، وربط ذلك بالإيمان بوجود الآخرة حيث يحاسب الإنسان على ما قدمت يداه، وذلك ما يدفع الإنسان إلى ما يسمى ( مزج المادة بالروح ) الذي يدفع الإنسان للتقيد بما أمر الله والابتعاد عما نهى.
    [10] هذا هو الدين: اعتقاد جازم، وتقيد بالأحكام التي يفرضها هذا الاعتقاد.
    [11] العلم يدعو للإيمان، الصفحات ( 191 – 196 ).
    [4] المصدر السابق، صفحه ( 96 ).
    [5] المصدر السابق، صفحه ( 88 ).
    [12] أيرفنج وليام نوبلوتشي: أستاذ العلوم الطبيعية، حاصل على درجه الدكتوراه من جامعة أيوا، أخصائي الحياة البرية في الولايات المتحدة، أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ميتشجان منذ سنة 1945، أخصائي في وراثة النباتات ودراسة شكلها الظاهري.
    [13] الله يتجلى في عصر العلم، صفحه ( 54 ).
    [14] واين أولت: أخصائي الكيمياء الجيولوجية، حاصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا، زميل بحوث بالمعمل الكيماوي الجيولوجي بنيويورك، عضو الجمعية الجيولوجية الأمريكية.
    [15] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 131 – 132 ).


    هذا البحث منقول من :
    موسوعة الخلق والنشوء
    208-211
    حاتم ناصر الشرباتي
    مكتبة الايمان - المنصورة - مصر


    www.sharabati.org

    يتبع إن شاء الله

  12. افتراضي

    نظرية التطور … تصحيح المفاهيم أولا
    اسعد الوصيبعي


    بعد التعليقات الساخنة على موضوع التصميم الذكي… صفعة أخرى، والتي في معظمها انحازت لمناقشة نظرية التطور في مقابل “الخلق المفاجئ” أكثر من مناقشة مبدأ التصميم الذكي الحديث والذي فشل في إثبات نفسه علميا عند أول محك في محاكمة قضية دوفر وقد توافرت له كافة المصادر والإمكانيات العلمية، ولم يستطع أن يخرج من تنظيره الديني. لقد فشل هذا المبدأ في تحويل ظاهرة التطور إلى عملية تسيطر عليها قوى خارحية وتوجهها إلى ما وصلت إليه.

    بعد هذه التعليقات، رأيت أن نبدأ صفحة علمية جديدة على دروب، نناقش فيها ما يورده رواد ومؤمنو نظرية التطور من أدلة علمية تعتبر الأساس للبرهنة على ثبات قيام هذه النظرية. وفي المقابل نفتح المجال، لأي أدلة علمية أخرى قد يوردها البعض، أو نواقص في هذه النظرية ونحاول أن نرى ما هي ردة فعل العلم عليها.

    إلا أنه يتعين علينا قبل أن نبدأ بطرح النقاش حول نظرية التطور، أن نعي أن الحديث هنا لا يدور عن معتقدات دينية، وليس للحديث أي صلة بفكرة وجود “الله”، بل هو حديث علمي بحت. علينا أن لا نبدأ بأحكام مسبقة نفرضها على نظرية التطور، بل أن نكون أكثر تقبلا لها بدون أن نخاف من تبعاتها الدينية.

    ولكي أسهل هذه العملية، بودي أن أطرح ما سمعته مرة في محاضرة للدكتور أحمد الوائلي وهو شيخ ديني وعنده درجة علمية رفيعة في الفقه الإسلامي. يرى هذا الشيخ أن نظرية التطور من الممكن أن تطرح حلا لقضية تاريخية إسلامية (أو توحيدية) فيها خلاف وهي مسألة زوجات أبناء آدم: هل كن أخوات لهم أم هن مخلوقات وموجودات من جنس إنسان أو قريب منه قبل آدم كما تقول نظرية التطور. هذه كانت خلاصة ما طرحه الشيخ لتخطي الجدل الديني حول هذه النظرية العلمية، والتي آمل أن أكون بها قد أزحت جدارا يفصل بيننا وبين أن نفتح عقولنا لفهم الأدلة العلمية بعيدا عن الاعتبارات الدينية. فالشيخ المعروف، لم ير ضيرا من التسليم بالنظرية، ولم ير فيها تعارضا مع فكرة وجود “الله”. وكذلك غيره من الدينين من طوائف دينية مختلفة.

    وقبل أن نطرح الأدلة العلمية، لا بد أن نؤكد على أن يكون النقاش حول الأدلة العلمية وليس على الدلالات العقائدية. ولست هنا لأنقل النظرة القرآنية أو الإنجليية للنظرية التطور.

    والبداية بهذه الترجمة لأسئلة من المفروض أن ترفع الالتباسات والمفاهيم الخاطئة حول نظرية التطور. هذه بعض الأسئلة وهناك الكثير غيرها التي يجب أن تطرح بشكل صحيح. بعض المفاهيم يطرحها معارضو النظرية بحسن أو سوء نية، وبعضها تشويه إعلامي لما بدأه داروين وتطور في العلم.

    ما هي نظرية التطور؟
    نظرية تطور الكائنات الحية تشير إلى التغييرات التراكمية التي حدثت على سكان كوكب الأرض عبر مليارات السنين (3.8 مليار سنة تقريبا). وتقول هذه النظرية أن التغييرات حدثت على المستوى الجيني كتغييرات جينية (mutation) أو اتحادات (recombination) مختلفة خلال عملية التناسل وانتقال الجينات من جيل إلى جيل. في بعض الأحيان، ترث الأجيال اللاحقة صفات تمكنهم من البقاء أحياء وتعطيهم ميزة التكاثر في بيئاتهم، وهذه بطبيعة الحال تزيد من أعدادهم، فيما يبقى الأقل ميزة عرضة لكل أنواع الانقراض. وهذه العملية هي ما تعرف بـ “الاختيار الطبيعي”. والصفات الغير جينية (أو الصفات المكتسبة)، مثل نمو العضلات بسبب نوع من الغذاء مثلا، لا يمكن أن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة ولا تمثل بالتالي أمثلة على نظرية التطور.

    أليست “نظرية التطور” تبقى نظرية وهي بالتالي غير مثبتة؟
    في العلوم، النظرية هي مبدأ يشرح ظاهرة معروفة في الكون، ويتعرض هذا المبدأ للاختبارات العلمية الصارمة حتى يتحول إلى نظرية.
    النظرية العلمية، على هذا الأساس، تشرح المفهوم بشكل عام وتربط الأدلة والحقائق مع بعضها البعض. وفي العلم، تقوم النظرية حتى يثبت عكسها، ولا يمكن أن تثبت صحتها. ونظرية التطور صمدت أمام الآلاف من الاختبارات العلمية، ولم يستطع أحد في الأوساط العلمية أن يثبت خطأها منذ أن أخرجها داروين قبل أكثر من 150 عاما.
    والحقيقة أن كثيراً من التقدم العلمي في مجالات العلوم المختلفة كالفيزياء، والكيمياء العضوية، والجيولوجيا تدعم هذه النظرية، وقد هذبتها، ووسعتها بشكل بعيد عن ما كان داروين يتخيله.
    هناك معامل مخبرية لتجارب نظرية التطور على مدى ما يقارب 50 عاما، كلها تدرس تغير الجينات على مدى أجيال وكيفية تطورها وانتقال الجينات عبرها.

    هل هي نظرية التطور، أم نظرية النشوء؟
    لا. هي نظرية التطور (Theory of Evolution)، وهي نظرية تشرح أن الكائنات الحياة تغيرت على مر الزمن وتطورت من حياة بدائية إلى أن وصلنا إلى المخلوقات التي نراها حولنا. أي أن نظرية التطور لا تشرح “كيف بدأت الحياة” ولا أعلم كيف أو لماذا ألصقت كلمت “النشوء” بالمصطلح العربي لنظرية التطور.
    إن كيفية نشوء الحياة على الأرض هو سؤال أحيائي (بيولوجي) بحت. وبغض النظر عن كيف تكونت الحياة، وما هي المكونات الأساسية والتي قال بها علماء كثيرون منهم فريد هويل، إلا أن الاهتمام الأساسي لنظرية التطور هي ما حدث من تغيرات بعد بداية الحياة. كما أن كتاب داروين هو في الأساس عن “أصل الأنواع” وليس عن أصل الحياة.

    هل “التطور” عملية عشوائية؟
    التطور ليس عملية عشوائية أبدا. قد تكون التغيرات الجينية التي تحدث على الكائنات الحية عشوائية، لكن الاختيار الطبيعي ليس عشوائيا على الإطلاق. إن نجاة أي نوع وتمكنه من التكاثر بنجاح، هو مرتبط مباشرة بالجينات والصفات التي ورثها ذلك النوع من أسلفه في بيئته المحلية. ومعيشة ذلك المخلوق وتمكنه من التكاثر وإنتاج أجيال يعتمد إن كان يحمل جينات تنتج صفات تتلاءم مع البيئة المحيطة به.

    هل التطور يعني “سلّم” تتطور فيه كل أشكال الحياة ويفوز فيها الإنسان؟
    مع العلم بأن نظرية التطور تقول بالاختيار الطبيعي، إلا أنها أيضا تقول أن هناك مخلوقات عندها القدرات والمقومات الكافية لأن تبقى على الأرض. وفي أمثلة التطور، هناك العديد من الكائنات الحية بقيت على ما كانت عليه منذ زمن، مع تغيرات طفيفة جرت عليها. وهذا لا يناقض النظرية. ومن هذه الأمثلة سمك الطحالب، الفطريات، سمك القرش، وسرطان البحر.
    ومن المهم القول هنا، أن الكائنات الحية التي نراها حولنا من زواحف وأسماك وطيور… كلها كائنات معقدة ومتطورة مثل ما هو الإنسان على حسب نظرية التطور. والقول بأن دببة اليوم أصبحت حيتان هو تلفيق أو عدم فهم لنظرية التطور.

    هل “التطور” و “البقاء للأصلح” هما نفس الشيء؟
    كلا! نظرية التطور و “البقاء للأصلح” هما مبدأين مختلفين. نظرية التطور تشير إلى التغيرات التي حدثت على الكائنات الحية على مر الزمن. أما “البقاء للأصلح” فهو مصطلح شائع للتعبير عن الاختيار الطبيعي. في حين أن الاختيار الطبيعي يشير إلى الآلية التي من خلالها تقول نظرية التطور أن المخلوقات ذات الصفات الملائمة أكثر لبيئاتها لها درجة أعلى في النجاة والبقاء والتكاثر، يقول مصطلح “البقاء للأصلح” بأن المخلوق الأكبر، أو الأذكى، أو الأسرع هو من ينجو وهو ما يخلق التوهم بالمنافسة أو يقلل من شأن التكاثر والتعاون. في النظرة البيولوجية، الأصلح هو من يتمتع بصفات تمكنه من البقاء والتكاثر. إن بقاء المخلوق بدون أن يتمكن من تمرير صفاته الجينية عبر التكاثر، لا يعتبر “أصلح” بيولوجيا. والكثير من الكائنات الحية تعتبر “الأصلح” بيولوجيا لأنها تتعاون مع الكائنات الأخرى بدل أن تتنافس معها.

    كيف تتطور المخلوقات؟
    المخلوقات لا تتطور! الأجيال تتطور(Population Evolution). لأن الأفراد يختلفون في قدراتهم وصفاتهم الخلقية. ولكن بعض الأجيال تتمكن من البقاء والتكاثر أكثر من غيرها في ظل ظروف بيئية معينة. وبالتالي فأفراد هذه الجماعات تتمكن من البقاء، وبالتكاثر تتمكن أيضا من تمرير الصفات المميزة إلى الأجيال اللاحقة. وبالتالي شعوب هذه الكائنات تتطور.

    هل هناك “تعديلات جينية” أو طفرات مفيدة؟
    نعم، والأدلة على ذلك كثير. وهذا سؤال بيولوجي لا يمت إلى نظرية التطور. إلا أن الكثير من نقاد النظرية، يطرحونه على أساس أنه سؤال جوهري يقدح في النظرية. والواقع أن هناك مثلا تغيرات جينية تجعل لدى الإنسان مناعة من الإصابة بفيروس الإيدز (أو على الأقل أن تكون إصابة الخلايا بفيروس HIV صعبة جدا). وغيره كثيرمن الأمثلة التي تعطي دلالات على طفرات جينية، تختلف الطفرات التشويهية التي تتبادر إلى أذهاننا.

    هل تثبت نظرية التطور أن “الله” غير موجود؟
    كلا! كثير من أنصار نظرية التطور ، وحتى المتدينين مثل البابا يوحنا بولس الثاني ناقشوا كثيرا في أن نظرية التطور المثبتة بالأدلة العلمية لا تتعارض مع فكرة وجود “الله”. وقالوا بأن نظرية التطور تشرح كيف تطورت الحياة على كوكب الأرض. ومثلها مثل النظريات العلمية الأخرى، فإن نظرية التطور تتعامل مع المادة والأجسام والاختبارات العلمية وليس لها تدخل في فكرة وجود “الله” أو معتقدات البشر الدينية.

    هل هناك أدلة علمية على نظرية التطور؟
    على مدى أكثر من 150 عاما منذ أن تقدم داروين بنظرية التطور بناء على الانتخاب الطبيعي، والساحة امتلأت بجبال من الأدلة التي تدعم هذه النظرية. توسعت سجلات الأحافير، واكتشف الـ DNA وفهم التأثيرات الإشعاعية (radioactive decay)، وملاحظة الاختيار الطبيعي في المعامل وعلى الطبيعة، وأدلة مجموعات العوامل الوراثية على كائنات حية مختلفة، من ضمنها الجنس البشري، كل ذلك مثل تشييدا وإسنادا علميا لنظرية التطور.
    والأدلة متفرعة متعددة الاتجاهات منها:
    1- أدلة الأحافير: إما على حسب وجود وترابط هذه الأحافير في طبقات الأرض لمعرفة تاريخها الزمني أو بمقارنة المواد الإشعاعية مثل اليورانيوم والبوتاسيم…
    الخط الإحفوري الزمني المتوفر لدينا، وإن لم يكن كاملا إلا أنه يعتبر من أفضل الأدلة التي تشرح لنا كيف تطورت الكائنات، وبوجود الأحافير الانتقالية فيه. كذلك هناك أدلة على تطور “خلوي” في أعضاء الكائنات المنقرضة.

    2- أدلة من علم التشريح: تشريح الكائنات الحية يتوافر على شواهد هائلة عن تاريخ هذه الكائنات. ولا يمكن تفسير تطور ميزات هذه الكائنات علميا، إلا من خلال نظرية التطور. ومنها الأعضاء الغير فاعلة مثل أصابع الأقدام الضامرة.

    3- علم البيئة: وتطور وتكيف الحيوانات بتغير أحجامها. وفي الأنظمة البئية، إما أن يتكيف الحيوان ليتمكن من البقاء والتكاثر، أو لا، فينقرض. وهذا يعطينا الدلالة على أن الكائنات الحية عندها قابلية تغيير الجينات لتتكيف أمثر مع بيئاتها.

    -content/images/userimages//20060225_Nostils_Trasform_Evolution2.jpg

    ::. تطور فتحة الأنف عبر 50 مليون سنة من باكيكيتوس إلى الحيتان

    (هذه مقدمة بسيطة عن العلوم والبحوث المستمرة في هذا الميدان، إلا أن التفصيل في هذه الأدلة وغيرها قد نسوق ترجمها فيما بعد. الأهم هنا أن نشير ومن خلال المصادر الآتية أن التجارب العلمية القائمة على قدم وساق، ليست تفسيرات فلسفية لقراءة تنظيرية لأحافير، بل هي اختبارات علمية هدفها وصف الظاهرة بأكبر دقة ممكنة وعلى حسب الأدلة الموجودة).
    راجع الأدلة العلمية على نظرية التطور
    راجع أدلة علمية وأمثلة حية على هذه الأدلة

    هل تدلنا الأحافير على كامل القصة وتاريخ الحياة؟
    يقول معارضو نظرية التطور بأن الثغرات في سلسلة الأحافير تمثل إثباتا على أن النظرية غير صحيحة. ويقولون بأن الأحافير فشلت في استخراج “الكائنات الانتقالية” والتي تمثل وجود كائنات في مراحل انتقالية على خط التطور.

    بالتأكيد بأن سلسلة الأحافير فيها فجوات، وذلك لأن الظروف التي تتطلب أن يتحول أي كائن حي إلى أحفورة هي ظروف نادرة جدا منذ بدء الحياة على الأرض. إن الأحافير الموجودة اليوم لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا من المخلوقات التي عاشت وماتت على كوكب الأرض. ولذلك، فإن الكثير من قطع الأحجية مازلت مفقودة وربما لن توجد في المستقبل. وبالرغم من ذلك، فإن هناك كم هائل من الأحافير التي تمثل مراحل انتقالية بين السمك والبرمائيات، والزواحف والثدييات، والدينصورات والطيور في عدة أجناس حية مثل الحيتان والخيول.

    بعد هذا الطرح لهذه الأسئلة، وتصحيح المفاهيم حول هذه النظرية ووضعها في صورتها العلمية الصحيحة، بقي لنا أن نفتح عقولنا ونبدأ في فهم السياق العلمي الذي تطرح فيه النظرية. هناك الكثير ممن يعرضون النظرية بصورة تجعلها مشوهة رغبة منهم في أن يسود الحديث عن أن هذه هي نظرية معتمدة على تخمين العلماء أو تفسيراتهم. وهذا يخالف الواقع والذي يزخر بمئات الأبحاث التي يمكننا أن ننظر إليها بدون أن نحكم على النظرية مسبقا.

    منقول : دروب
    http://www.doroob.com/?p=6018


    التعديل الأخير تم 09-25-2007 الساعة 11:21 PM

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ما يجب أن تعرفه عن نظرية التطور البيولوجي (مجازا: نظرية داروين)
    بواسطة IsamBitar في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 264
    آخر مشاركة: 01-17-2020, 10:05 PM
  2. نظرية الكائنات الفضائية ستحل محل نظرية التطور عند سقوطها
    بواسطة الدكتور قواسمية في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 01-21-2014, 06:09 AM
  3. ما يجب أن تعرفه عن نظرية التطور البيولوجي (مجازا: نظرية داروين)
    بواسطة IsamBitar في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-09-2011, 10:59 PM
  4. تعليقات: لماذا لا تعتبر نظرية التطور نظرية صحيحة من الناحية العلمية
    بواسطة مراد أبوعمرو في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-17-2010, 09:47 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء