العقل مصدّقٌ للشرع في كل ما أخبر به دالٌ على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة، وهذا كما أن العامي إذا علم عين المفتي، ودلّ غيره عليه وبيّن له أنه عالم مُفتٍ، ثم اختلف العامي الدالّ والمفتي؛ وجب علي المستفتي أن يُقدّم قول المفتي. فإذا قال له العامي: أنا الأصل في علمك بأنه مُفتٍ، فإذا قدّمت قوله على قولي عند التعارض، قدحت في الأصل الذي به علمت بأنه مفت!
قال له المستفتي: أنت لما شهدت بأنه مفت ودَلّلت على ذلك، شهدت بوجوب تقليده دون تقليدك، كما شهد به دليلك. وموافقتي لك في هذا العلم المُعيّن لا يستلزم أني أوافقك في العلم بأعيان المسائل، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مُفتٍ، وأنت إذا علمت أنه مفت باجتهاد وإستدلال، ثم خالفته باجتهاد واستدلال، كنت مُخطئاً في الاجتهاد والاستدلال الذي خالفت به من يجب عليك تقليده، وإتباع قوله، وإن لم تكن مخطئا في الاجتهاد والاستدلال الذي به علمت أنه عالم مفت يجب عليك تقليده.
هذا مع علمه بأن المفتي يجوز عليه الخطأ، والعقل يعلم أن الرسول صلي الله عليه وسلم معصوم في خبره عن الله تعالي لا يجوز عليه الخطأ، فتقديمه قول المعصوم علي ما يخالفه من أستدلاله العقلي أولي من تقديم العامي قول المفتي علي قوله الذي يخالفه.
وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله، وعلم أنه أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه.
انظر: "درء التعارض" (1/138، 139، 141)، و"الصواعق المرسلة" (3/808، 809)، و"شرح العقيدة الطحاوية" (219).
Bookmarks