حكم تأدية النوافل في السفر

دراسة فقهية مقارنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم تأدية النوافل في السفر وقد جعلت الموضوع في مبحثين:
المبحث الأول: في أقوال أهل العلم في المسألة
المبحث الثاني: في أدلة كل قول من أقوالهم

المبحث الأول:

في أقوال أهل العلم في المسألة

النوافل قسمان :
القسم الأول : غير الرواتب كالنوافل المطلقة وكالوتر والضحى فهذه لا خلاف في استحباب الإتيان بها في السفر, قال الإمام النووي في شرحه على مسلم 5/198 : ( وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة ... ) اه
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي 3/96 في معرض الحديث عن النوافل في السفر : ( وأما النوافل المطلقة فقد اتفق العلماء على استحبابها ) اه
وقال الزرقاني في شرحه على الموطأ1/428 : ( قال الباجي : لا خلاف بين الأمة في جواز التنفل للمسافر بالليل ) اه
والقسم الثاني : الرواتب وهذه قسمان :
الأول : مجمع على مشروعية الإتيان به في السفر وهو ركعتا الفجر لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة وكذا عن الصحابة حتى ابن عمر فقد أخرج الطبراني في الأوسط 7/264: ( عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه أنه أرسل إلى عائشة رضي الله عنها فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت كان يصلي ويدع ولكن لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم ) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة 1/ 426 : ( فصل ركعتا الفجر تصليان في السفر : حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه عن عائشة قالت : (أما ما لم يدع صحيحا ولا مريضا في سفر ولا حضر غائبا ولا شاهدا تعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فركعتان قبل الفجر)
حدثنا أبو بكر قال نا أبو أسامة قال : حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : كان يصلي ركعتي الفجر في السفر .
حدثنا هشيم قال : أخبرنا ابن عون عن مجاهد قال سألته أكان ابن عمر يصلي ركعتي الفجر قال ما رأيته يترك شيئا في سفر ولا حضر) اه
الثاني : مختلف في مشروعية الإتيان به في السفر وهو ما عدا ذلك
وقد اختلف أهل العلم فيه على أقوال :

القول الأول : أن الإتيان بها في السفر مشروع وهو مذهب جماهير أهل العلم وعليه أكثر الصحابة والأئمة وهو مذهب المالكية والشافعية وهو قول في مذهب الحنفية والحنابلة وذلك لما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة من فعل ذلك
والقول الثاني : أن ذلك مشروع في حالة الأمن دون الخوف بحيث لا يمكنه المكث لأداء السنن وهو معتمد مذهب الحنفية
والقول الثالث : أن ذلك مشروع في حالة النزول دون حالة السير وهو قول لبعض الحنفية
والقول الرابع : أنه مخير بين الإتيان بها والترك [ وهذا هو شأن النوافل في الحضر ] وهو معتمد مذهب الحنابلة
القول الخامس : أنه لا يشرع الإتيان بها وهو مذهب ابن عمر وبعض السلف وهو ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وذهب إليه بعض الحنفية

وإليك الآن أقوالهم مفصلة بحسب المذاهب الأربعة ضمن الفروع التالية :

الفرع الأول

من أقوال الحنفية :

في بدائع الصنائع 1/93 : ( ومن الناس من قال بترك السنن في السفر . وروي عن بعض الصحابة أنه قال : " لو أتيت بالسنن في السفر لأتممت الفريضة " وذلك عندنا محمول على حالة الخوف على وجه لا يمكنه المكث لأداء السنن ) اه
وفي حاشية تبيين الحقائق 1/211 : ( في المحيط : اختلف في السنن [ في السفر ]... فقيل : الترك أفضل ترخصا وقد روي عن أبي بكر وغيره من الصحابة تركها وقيل الفعل أفضل تقربا وقال الهندواني: حال النزول الفعل أفضل وحال السير الترك أفضل وقيل : يصلي سنة الفجر لقوتها وقيل سنة المغرب أيضا , وفي المبسوط لا بأس بترك السنن , وهذا يدل على أن الفعل أفضل, وتأويل ما روي عن بعض الصحابة أنه حال السير على وجه لا يمكنه المكث لأدائها ) اه
وفي مجمع الأنهر 1/161 : ( واختلفوا في ترك السنن فقيل : الأفضل هو الترك ترخصا وقيل الفعل تقربا وقيل الفعل نزولا والترك سيرا, والمختار الفعل أمناً والترك خوفا لأنها شرعت لإكمال الفرض والمسافر محتاج إليه وتستثنى منه سنة الفجر عند البعض وقيل : سنة المغرب ) اه
وفي شرح الحصكفي 2/131 : ( ويأتي ) المسافر ( بالسنن ) إن كان ( في حال أمن وقرار وإلا ) بأن كان في خوف وفرار ( لا ) يأتي بها هو المختار لأنه ترك لعذر تجنيس ( [1] ) قيل إلا سنة الفجر)اه
وفي حاشية ابن عابدين عليه : ( قوله ويأتي المسافر بالسنن ) أي الرواتب ... ( قوله هو المختار ) وقيل الأفضل الترك ترخيصا , وقيل الفعل تقربا . وقال الهندواني : الفعل حال النزول والترك حال السير , وقيل يصلي سنة الفجر خاصة , وقيل سنة المغرب أيضا بحر قال في شرح المنية والأعدل ما قاله الهندواني . ا هـ .
قلت : والظاهر أن ما في المتن هو هذا وأن المراد بالأمن والقرار النزول وبالخوف والفرار السير لكن قدمنا في فصل القراءة أنه عبر عن الفرار بالعجلة لأنها في السفر تكون غالبا من الخوف تأمل ) اه
وفي فتح القدير 1/481 : (فإن كثيرا من المشايخ على نفي الاستنان في السفر فلا يصلي السنة فيه وقيل يصليها لأن ما ذكرنا من المعقول من شرعيتها مشترك بين المسافر والمقيم ولا ضرر على المسافر فيه إذ يمكنه أداؤها راكبا على ما مر
لكن ثبت عن ابن عمر أنه سئل عن سنة الظهر في السفر فقال: لو كنت مسبحا لأتممت, ولأنا لا نقول لا يتنقل على الدابة في السفر, بل الكلام في ثبوت سنية المعهودة حتى يلزمه إساءة بالترك فهذا هو المنفي فإن الشارع لما أسقط شطر الفرض عنه تخفيفا عليه للسفر فمن المحال أن يطلب منه غيره بحيث يلزمه إساءة بتركه) اه

الفرع الثاني

من أقوال المالكية :

في الاستذكار 2/252 - 253 : ( باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والصلاة على الدابة )
ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل فإنه كان يصلي على الأرض وعلى راحلته حيث توجهت
وذكر عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهم كانوا يتنفلون في السفر
وعن نافع أيضا أن عبد الله كان يرى ابنه يتنفل في السفر فلا ينكر عليه وهذا الخبر خلاف ما روي عن بن عمر لو تنفلت في السفر لأتممت إلا أن بن عمر قد احتج لفعله ذلك بما نذكره عنه بعد في هذا الباب إن شاء الله
وهذه الآثار كلها دالة على أن الإنسان مخير في النافلة وفي صلاة السنة الركعتين قبل الظهر وبعدها وبعد المغرب إن شاء فعل ذلك فحصل على ثوابه وإن شاء قصر ومعلوم أن المرء مخير في فعل النافلة في الحضر فكيف في السفر ...
ثم ذكر أثر ابن عمر ثم قال: هذا المعنى محفوظ عن بن عمر من وجوه وقد رويت آثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان ربما تنفل في السفر وأنه كان يرتحل من منزل ينزله حتى يصلي ركعتين وأهل العلم لا يرون بالنافلة في السفر بأسا كما قال مالك رحمه الله ) اه
وفي شرح الزرقاني على الموطأ1/428 وجاءت آثار عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان ربما تنفل في السفر قال البراء : سافرت مع رسول الله ثمان عشرة سفرة فما رأيته يترك الركعتين قبل الظهر رواه أبو داود والترمذي والمشهور عن جميع السلف جوازه وبه قال الأئمة الأربعة
قال النووي : وأجابوا عن قول ابن عمر هذا بأن الفريضة محتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها وأما النافلة فإلى خيرة المصلي فالرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها انتهى
وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله لو كنت مسبحا لأتممت أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه لكنه فهم من القصر التخفيف فلذا كان لا يصلي الراتبة ولا يتم) اه

الفرع الثالث

من أقوال الشافعية :

قال الإمام الشافعي كما في الأم 1/ 214 : ( فصل في تطوع المسافر : قال: وللمسافر أن يتطوع ليلا ونهارا قصر أو لم يقصر وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتنفل ليلا وهو يقصر وروي عنه أنه كان يصلي قبل الظهر مسافرا ركعتين وقبل العصر أربعا وثابت عنه أنه تنفل عام الفتح بثمان ركعات ضحى وقد قصر عام الفتح .) اه
وقال الإمام النووي في شرح مسلم 5/198 : ( وقوله (لو كنت مسبحا لأتممت) معناه لو اخترت التنفل لكان إتمام فريضتي أربعا أحب إلى ولكني لا أرى واحدا منهما بل السنة القصر وترك التنفل
ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات وأما النوافل المطلقة فقد كان بن عمر يفعلها في السفر وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يفعلها كما ثبت في مواضع من الصحيح عنه
وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة : فكرهها بن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ودليله : الأحاديث المطلقة في ندب الرواتب وحديث صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الضحى يوم الفتح بمكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن والقياس على النوافل المطلقة) اه
وقال في المجموع 4/344 : (قال أصحابنا : يستحب صلاة النوافل في السفر ، سواء الرواتب مع الفرائض وغيرها . هذا مذهبنا ومذهب القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن ومالك وجماهير العلماء
قال الترمذي : وبه قالت طائفة من الصحابة وأحمد وإسحاق وأكثر أهل العلم . قال : وقالت طائفة : لا يصلي الرواتب في السفر ، وهو مذهب ابن عمر ) اه
وفي الحاشية على تحفة المحتاج 2/237 : ( وفي شرح (م ر): ولا فرق في استحباب السنن الراتبة بين السفر والحضر سواء كان قصيرا أم طويلا لكنها في الحضر آكد وسيأتي في الشهادات رد شهادة من واظب على ترك الراتبة ا هـ) اه

الفرع الرابع

من أقوال الحنابلة :

في المغني لابن قدامة 2/140 ونحوه في الشرح الكبير للمقدسي 2/112: ( فصل : صلاة التطوع في السفر : ولا بأس بالتطوع نازلا وسائرا على الراحلة ...
فأما سائر السنن والتطوعات قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد : أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس ، وروي عن الحسن قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها . وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وأنس وابن عباس وأبي ذر وجماعة من التابعين كثير وهو قول مالك و الشافعي و إسحق و أبي ثور و ابن المنذر
وكان ابن عمر لا يتطوع مع الفريضة قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل ، ونقل ذلك عن سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و علي بن الحسين ... فهذا يدل على أنه لا بأس بفعلها وحديث ابن عمر يدل على أنه لا بأس بتركها فيجمع بين الأحاديث والله أعلم ) اه
وفي الإنصاف للمرداوي 2/322 : ( فائدة : يوتر في السفر , ويصلي سنة الفجر أيضا , ويخير في غيرها , هذا المذهب , وقال الشيخ تقي الدين : يسن ترك التطوع بغير الوتر وسنة الفجر
وقيل للإمام أحمد : التطوع في السفر ؟ قال : أرجو أنه لا بأس به , وأطلق أبو المعالي التخيير في النوافل والسنن الراتبة . قلت : هو فعل كثير من السلف , ونقل ابن هانئ : يتطوع أفضل وجزم به في الفصول , والمستوعب , والرعاية , وغيرهم واختاره الشيخ تقي الدين في غير الرواتب , ونقله بعضهم إجماعا قال في الفائق : لا بأس بتنفل المسافر. نص عليه) اه
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/260 : (أما الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه كان يصلي في السفر من التطوع , فهو ركعتا الفجر , حتى إنه لما نام عنها هو وأصحابه منصرفه من خيبر قضاهما مع الفريضة هو وأصحابه , وكذلك قيام الليل والوتر . فإنه قد ثبت عنه في الصحيح : (أنه كان يصلي على راحلته قبل أي وجه توجهت به , ويوتر عليها , غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة) وأما الصلاة قبل الظهر وبعدها : فلم ينقل! عنه أنه فعل ذلك في السفر , ولم يصل معها شيئا, وكذلك كان يصلي بمنى ركعتين ركعتين ولم ينقل عنه أحد أنه صلى معها شيئا . وابن عمر كان أعلم الناس بالسنة , وأتبعهم لها , وأما العلماء فقد تنازعوا في استحباب ذلك , والله أعلم) اه
وقال ابن القيم في زاد المعاد1/298 : ( وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل! عنه في السفر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سنة راتبة غيرهما ، ولذلك كان ابن عمر لا يزيد على ركعتين ويقول : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، فكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين
وهذا وإن احتمل أنهم لم يكونوا يربعون ، إلا أنهم لم يصلوا السنة ، لكن قد ثبت عن ابن عمر أنه سئل عن سنة الظهر في السفر ، فقال : لو كنت مسبحا لأتممت ، وهذا من فقهه رضي الله عنه ، فإن الله سبحانه وتعالى خفف عن المسافر في الرباعية شطرها ، فلو شرع له الركعتان قبلها أو بعدها، لكان الإتمام أولى به)اه
وفي زاد المعاد أيضا 1/465 : (فصل : وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم في سفره الاقتصار على الفرض ، ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها ، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر ، فإنه لم يكن ليدعهما حضرا ، ولا سفرا .
قال ابن عمر وقد سئل عن ذلك : فقال : صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم أره يسبح في السفر ، وقال الله عز وجل : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة, ومراده بالتسبيح : السنة الراتبة ، وإلا فقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه...
وأما ابن عمر ، فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها ، إلا من جوف الليل مع الوتر ، وهذا هو الظاهر من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان لا يصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئا ، ولكن لم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها ، فهو كالتطوع المطلق ، لا أنه سنة راتبة للصلاة ، كسنة صلاة الإقامة) اه

فائدة :
يرى الزيدية أن الرواتب في السفر كالحضر ففي البحر الزخار 3/32 : (مسألة ( الأكثر ) والرواتب في السفر كالحضر لفعله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة , وأسقطها ([ ابن ] عمر وزين العابدين ) في السفر كالقصر , لنا ما مر) اه

المبحث الثاني

الأدلة :

أولا

دليل من قال بالمشروعية :

دليل من قال بالمشروعية هو :

الأدلة التي تحث على الإتيان بالراتبة وهي عامة تشمل السفر والحضر
والأدلة التي تدل على صلاة النافلة في السفر وهي عامة تشمل النفل المطلق وغيره
والأدلة التي تدل على صلاة الوتر والضحى وراتبة الفجر حيث لا فرق بينها وبين غيرها
ومع ذلك فقد ورد فعل الراتبة في السفر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة
وورد ذلك عن الصحابة والسلف في آثار كثيرة أيضا
فمن الأحاديث :
1-حديث البراء رضي الله عنه :
في سنن الترمذي 2/435 : ( عن البراء بن عازب قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانية عشر سفرا فما رأيته ترك الركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر . وفي الباب عن بن عمر
قال أبو عيسى : حديث البراء حديث غريب قال وسألت محمدا عنه فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد ولم يعرف اسم أبي بسرة الغفاري ورآه حسنا
وروي عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتطوع في السفر
ثم اختلف أهل العلم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتطوع الرجل في السفر وبه يقول أحمد وإسحاق, ولم تر طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها ومعنى من لم يتطوع في السفر قبول الرخصة ومن تطوع فله في ذلك فضل كثير وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع في السفر ) اه كلام الترمذي وروى الحديث أبو داود أيضا 2/8
2-حديث ابن عمر رضي الله عنهما
ففي سنن الترمذي 2/437 : ( عن بن عمر قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين, قال أبو عيسى هذا حديث حسن)اه
وفي سنن الترمذي أيضا 2/437 : ( عن بن عمر قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحضر والسفر فصليت معه في الحضر الظهر أربعا وبعدها ركعتين وصليت معه في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين والعصر ركعتين ولم يصل بعدها شيئا والمغرب في الحضر والسفر سواء ثلاث ركعات لا تنقص في الحضر ولا في السفر وهي وتر النهار وبعدها ركعتين
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن) اه
3-حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
في سنن ابن ماجه 1341 : ( عن ابن عباس يقول : فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الحضر وصلاة السفر فكنا نصلى في الحضر قبلها وبعدها وكنا نصلي في السفر قبلها وبعدها ) اه
ورواه الببهقي 3/158 ولفظه : (سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني صلاة السفر ركعتين وسن صلاة الحضر أربع ركعات فكما الصلاة قبل صلاة الحضر وبعدها حسن فكذلك الصلاة في السفر قبلها وبعدها ) اه
4-مرسل أبي جعفر الباقر :
في مصنف ابن أبي شيبة 1/ 426 : (حدثنا وكيع عن حبيب بن جري عن أبي جعفر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدع الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر في حضر ولا سفر) اه
ومن الآثار :
في مصنف عبد الرزاق 2/559 :

( عن بن جريج عن عطاء قلت: إذا سافرت فقصرت الصلاة أصلي قبلها إن شئت أو بعدها؟ قال: نعم آخذ بالرخصة والسنة فأقصر ثم أحب زيادة الخير فأتطوع
عن بن جريج ومعمر عن بن طاووس عن أبيه أنه كان يتطوع في السفر كما يتطوع في الحضر وكان يجمع بين الصلاتين
عن الثوري عن حماد عن إبراهيم عن عمر وبن مسعود كانا يصليان في السفر قبل المكتوبة وبعدها قال عبد الرزاق ورأيت أنا الثوري يفعله
عن إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة قال رأيت عامرا الشعبي يتطوع في السفر قبلها وبعدها
عن محمد بن راشد قال رأيت مكحولا يتطوع في السفر قبلها وبعدها
عن معمر عن أيوب قال رأيت أنا القاسم بن محمد يتطوع في السفر ورأيت سالما لا يتطوع ) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة 1/417-418 : ( فصل في من كان يتطوع في السفر :

حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن وعن مغيرة عن إبراهيم أنهما لم يكونا يريان بأسا بالتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها .
حدثنا حاتم بن إسماعيل عن هشام بن عروة قال , كان أبي يصلي على أثر المكتوبة في السفر
حدثنا وكيع عن الربيع عن الحسن قال , وافقنا أصحاب محمد فكانوا يصلون قبل الفريضة وبعدها يعني في السفر .
حدثنا غندر عن شعبة عن أشعث قال : صحبت أبي والأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل فكانوا يصلون ركعتين ثم يصلون بعدها ركعتين) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة أيضا 1/ 426 : ( حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين قال : سمعت عمرو بن ميمون الأودي يقول: كانوا لا يتركون أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الفجر على حال) اه
وفي المغني لابن قدامة 2/140 ونحوه في الشرح الكبير للمقدسي 2/112: (عن الحسن قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها . وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وأنس وابن عباس وأبي ذر وجماعة من التابعين كثير وهو قول مالك و الشافعي و إسحق و أبي ثور و ابن المنذر) اه

ثانيا

دليل من قال بعدم المشروعية

ودليل من قال بعدم المشروعية حديث ابن عمر المشهور :
ففي صحيح مسلم 1/479 : ( عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال : صحبت بن عمر في طريق مكة قال فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء قلت يسبحون, قال : لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي يا بن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وقد قال الله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) اه
وأجاب الجمهور عن حديث ابن عمر وعما ورد في ترك النوافل في السفر بأجوبة :

أن المثبت مقدم على النافي كما هي القاعدة
أن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأحيان لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب
أن ذلك كان في حالة السير دون النزول
أن عدم الفعل لا يدل على عدم المشروعية ويبقى الأمر على عموم استحباب النوافل فيشمل ذلك السفر والحضر
أن ذلك من العمل الصالح الذي يشرع في السفر والحضر
أنه لا فرق بين النوافل المطلقة وغيرها في ذلك بل الرواتب آكد
أنه لا فرق بين الرواتب والضحى والوتر وسنة الفجر
أو لعله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولم يره ابن عمر
أن مراده هو أن التطوع رخصة في السفر فقبل الرخصة ولم يتطوع وليس مراده أن التطوع في السفر ممنوع
قال الإمام النووي في شرح مسلم 5/198 :

(ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه بن عمر فان النافلة في البيت أفضل
أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان اتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم اتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف فالرفق أن تكون مشروعة ويتخير ان شاء فعلها وحصل ثوابها وأن شاء تركها ولا شيء عليه ) اه
وفي تحفة الأحوذي 3/96 :

( وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه كان يتطوع في السفر) أخرجه الترمذي في هذا الباب قال بعض العلماء: هذا محمول على التذكر وما روى عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يتطوع في السفر محمول على النسيان والله تعالى أعلم, وروى مالك في الموطأ بلاغا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرى ابنه عبيد الله يتنفل في السفر فلا ينكر ذلك عليه
قوله ( فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتطوع الرجل في السفر وبه يقول أحمد وإسحاق ) المراد من التطوع النوافل الراتبة وأما النوافل المطلقة فقد اتفق العلماء على استحبابها
( ومعنى من لم يتطوع في السفر قبول الرخصة ) يعني أن من قال بعدم التطوع في السفر مراده أن التطوع رخصة في السفر فقبل الرخصة ولم يتطوع وليس مراده أن التطوع في السفر ممنوع, ( وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع في السفر)اه كلام المباركفوري
هذا هو آخر المطاف والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
اليمن - صنعاء
ذو الحجة / 1427 هـ

[1] كذا في الأصل


منقول