النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: هذه فتاوى لفظيلة الشيخ فؤاد أبو سعيد ن فلسطين حفظه الله وحفظ فلسطين وأ

  1. #1

    Arrow هذه فتاوى لفظيلة الشيخ فؤاد أبو سعيد ن فلسطين حفظه الله وحفظ فلسطين وأ



    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين



    الفتاوى منقولة من هنا :
    تساوي الجزاء لكل الظالمين. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله




    تساوي الجزاء لكل الظالمين

    سائلة كريمة جزاها الله خيرا تسأل سؤالا لفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى، عبر صفحة موقع: (ملتقى أحبة القرآن)، تعليقا على خطبة الجمعة، والتي كانت بعنوان: (اللهم لا تجعلنا من القوم الظالمين ولا معهم)، ونص سؤالها تقول فيه:


    بسم الله الرحمن الرحيم

    ما شاء الله،،،

    خطبة جامعة لمعنى الظلم والظالمين, في الآيات مذكور جزاء الظالمين...

    فهل هناك تساو في الجزاء لكل الظالمين؟ مثلا, من ظلم انسانا كمن ظلما شعبا؟

    ونسأل الله أن لا يجعلنا من الظالمين.

    وأن يوحد صفوف المسلمين، ويخلصهم من الحكام الظالمين، ويستبدلهم بمن يتقوا الله ويخافونه.

    هذا عن الظالم, وماذا عن المظلوم؟

    بارك الله في الشيخ، وجعلنا الله من أهل الجنة.

    فأجاب فضيلته بارك الله فيه بالآتي:

    الحمد لله؛؛؛

    لا يستوي الظالمون في العقوبة، فالظالم الذي ظلم نفسه بالشرك بالله، في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. [لقمان: 13]، {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}. [المائدة: 72]

    فهذا في العقوبة أعظم ممن ظلم نفسه بسيئات دون الشرك، وكذلك الظلم درجات بعضها أعظم من بعض، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». صحيح مسلم (2581)، فالمظلوم يأخذ حقه كاملا ودون مسامحة لظالمه يوم القيامة.


    والله تعالى أعلى وأعلم






    يتبع


  2. #2

    Arrow كيف نصبر على العبادة؟


    كيف نصبر على العبادة؟


    سائلة كريمة جزاها الله خيرا تسأل صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى عبر صفحة موقع: ملتقى أحبة القرآن، تعليقا على خطبة الجمعة: الصبر مفتاح الفرج، وسؤالها تقول فيه:

    كيف نصبر على العبادة بشكل عام؟ وكيف إذا كان هناك متعة روحانية ترافق العبادة؟

    فأجاب فضيلته بارك الله فيه بالآتي:

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد:

    الطاعة عبادة لله تعالى، وقد قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. [الذاريات: 56- 58]

    والطاعة فعل مستمر، والفعل يحتاج دائما إلى صبر.

    و [لأن الطاعة فيها أمران:

    الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويلزم نفسه به.

    والأمر الثاني: ثقل على النفس، لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء.

    فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: (وَصَابِرُوا) كان أحدا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد]. شرح رياض الصالحين (1/ 176)

    [وكان الصبر على الطاعة أعلى; لأنه يتضمن إلزاما وفعلا، فتلزم نفسك الصلاة فتصلي، والصوم فتصوم، والحج فتحج... ففيه إلزام وفعل، وحركة فيها نوع من المشقة والتعب، ثم الصبر عن المعصية لأن فيه كفًّا فقط; أي: إلزاما للنفس بالترك، أما الصبر على الأقدار; فلأن سببه ليس باختيار العبد، فليس فعلا ولا تركا، وإنما هو من قدر الله المحض]. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 110)

    ويتساءل في موضع آخر:

    [وأي أنواع الصبر الثلاثة أفضل؟

    نقول: أما من حيث هو صبر فالأفضل الصبر على الطاعة، لأن الطاعة فيها حبس النفس، وإتعاب البدن.

    ثم الصبر عن المعصية، لأن فيه كفُّ النفس عن المعصية ثم الصبر على الأقدار، لأن الأقدار لا حيلة لك فيها، فإما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سُلُوَّ البهائم وتنسى المصيبة، هذا من حيث الصبر.

    أما من حيث الصابر: فأحياناً تكون معاناة الصبر عن المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة.

    فلو أن رجلاً هُيئَ له شرب الخمر مثلاً، بل ودعي إلى ذلك وهو يشتهيه، ويجد معاناة من عدم الشرب، فهو أشد عليه من أن يصلي ركعتين لا شك.

    كذلك لو كان شابّاً ودعته امرأة إلى نفسها، وهي جميلة، والمكان خالٍ، والشروط متوفرة، فأبى، فهذا فيه صعوبة أصعب مما لو صلى عشرين ركعة، فهنا قد نقول: ثواب الصبر عن المعصية هنا أعظم من ثواب الصبر على الطاعة لما يجده هذا الإنسان من المعاناة. فيؤجر بحسب ما حصل له من المشقّة]. شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 225)

    وقال ابن تيمية: [وَكِلْتَا النِّعْمَتَيْنِ تَحْتَاجُ مَعَ الشُّكْرِ إلَى الصَّبْرِ، أَمَّا الضَّرَّاءُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا نِعْمَةُ السَّرَّاءِ فَتَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ فِيهَا، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ، فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمَسَاكِينُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي السَّرَّاءِ اللَّذَّةُ، وَفِي الضَّرَّاءِ الْأَلَمُ، اشْتَهَرَ ذِكْرُ الشُّكْرِ فِي السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ فِي الضَّرَّاءِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. (هود: 9– 11)]. مجموع الفتاوى (8/ 209)

    وقال: [وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ فِي عُمُومِ الْمَصَائِبِ، وَمَا يَكُونُ بِأَفْعَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُ فِيهِ كَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ عَنْ النَّاسِ. وَيُوسُفُ الصِّدِّيقُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ هَذَا وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عَنْ الْفَاحِشَةِ مَعَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَيْهَا فَهَذَا الصَّبْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرِ، بَلْ وَأَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ]. مجموع الفتاوى (17/ 29)

    وقال ابن القيم: [وأما الصبر على الطاعة فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه وقد لا يعرض فيه، بل يتجلى بها ويأْتي بها محبة ورضى، ومع هذا فالصبر واقع عليها، فإنه حبس النفس على مداومتها والقيام بها، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِى}. [الكهف: 28]، وأما الصبر عن المعصية فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه، وقد لا يعرض فيه، لتمكن الصابر من قهر داعيها وغلبته]. طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 267)

    وقال رحمه الله تعالى: [وههنا مسألة تكلم فيها الناس، وهى أي الصبرين أفضل؛ صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟

    فطائفة رجحت الأول؛ وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدّيقين، كما قال بعض السلف: (أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصي إلا صدّيق).

    قالوا: (ولأن داعيَ المعصية أشدُّ من دواعي ترك الطاعة، فإن داعي المعصية إلى داع أمرٍ أمرٌ وجودى تشتهيه النفس وتلتذ به، والداعي إلى ترك الطاعة الكسل والبطالة والمهانة، ولا ريب أن داعى المعصية أقوى).

    قالوا: (ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعي النفس والهوى والشيطان وأسباب الدنيا وقرناءُ الرجل وطلب التشبه والمحاكاة وميل الطبع، وكل واحد من هذه الدواعي يجذب العبد إلى المعصية ويطلب أثره، فكيف إذا اجتمعت وتظاهرت على القلب؟ فأي صبر أَقوى من صبر عن إجابتها؟ ولولا أَن الله يصبره لما تأْتى منه الصبر. وهذا القول كما ترى حجته فى غاية الظهور.

    ورجحت طائفة؛ الصبر على الطاعة بناءً منها على أن فعل المأْمور أَفضل من ترك المنهيات، واحتجت على ذلك بنحو من عشرين حجة.

    ولا ريب أن فعل المأمورات إنما يتم بالصبر عليها، فإذا كان فعلها أفضل كان الصبر عليها أفضل، وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية: فالصبر على الطاعة العظيمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة، وصبر العبد على الجهاد مثلاً أفضل وأعظم من صبره عن كثير من الصغائر، وصبره عن كبائر الإثم والفواحش أعظم من صبره على صلاة الضحى، وصوم يوم تطوعاً ونحوه، فهذا فصل النزاع فى المسألة. والله أعلم]. طريق الهجرتين وباب السعادتين (275، 276)

    والله أعلم



  3. #3

    افتراضي سائلة تسأل عن حال زوجها، وعلاقتها به



    سائلة تسأل عن حال زوجها، وعلاقتها به

    سائلة كريمة جزاها الله خيرا، تسأل سؤالا عبر موقع الألوكة (المجلس العلمي)، تقول فيه: أنا متزوجة من ثلاث سنوات، وكان زوجي يعمل في الخارج، وكان يأتي للبيت كل ثلاثة أشهر، ويبقى مدة أسبوع أو أقل، وفي العام الثالث استقر في بلده، ولكن وقعت مشاكل كثيرة بيننا، والسبب عدم معرفتي على حقيقته إلا في هذا العام، فهو يسبني بالكلام الفاحش، ويسئ معاملتي، ويضربني، ولا يصلي في المسجد بل في البيت، ويجمع الصلوات، وفي الأخير اكتشفت أن عقيدته عقيدة تكفيريين، وقد طلقني مرة دون سبب، ومرة قال لي: لا ترجعي للبيت.

    والآن لا أطيقه، ولا أريد البقاء معه، وهو يحاول إرجاعي للبيت.

    السؤال المطروح هنا: هل أنا آثمة لأنني لا أريد الرجوع إليه؟

    وما حكم الشرع في زواجنا؟

    وبعد توجيهنا في إدارة الموقع الرسمي لصاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى السؤال إلى فضيلته، أجاب بالآتي:

    الحمد لله؛

    أولا: من ناحية العلاقة الزوجية، فهي صحيحة، والزواج صحيح مشروع.

    ثانيا: من ناحية المحبة والمودة بين الزوجين؛ فهي مطلوبة ومشروعة، فإن فُقدت؛ فالصبر مطلوب، والأجر عظيم.

    ثالثا: انحراف الزوج عن منهج أهل السنة إلى طريقة أهل البدع والتطرف والغلو.. فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويغير القلوب إلى ما يحبه ويرضاه.

    رابعا: إن كان الصبر مفقودا، ولا يوجد تحمل، ويخشى على الدين والإيمان من عدم طاعة الزوج، ونحو ذلك من المخالفات؛ فالفرقة ربما تكون هي الحل الوحيد، ولا إثم في ذلك الفراق.

    والله تعالى أعلم






    سائلة فاضلة جزاها الله خيرا تسأل صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى، سؤالا عبر صفحة موقع: (ملتقى أحبة القرآن)، وذلك بناءً على فتوى فضيلته التي نشرت عبر موقع الألوكة (المجلس العلمي)، عن حال الزوجة وزوجها، والعلاقة بينهما، فقالت الأخت السائلة في سؤالها:

    هل يمكن أن يكون التغير الذي حصل على الزوج بفعل سحر؟ ونسأل الله أن يوفق الله الزوجين.

    فأجاب فضيلة الشيخ حفظه الله:

    الحمد لله؛

    اللهم آآآمين.

    احتمال السحر، احتمال ضعيف حسب المعطيات الواردة في السؤال.

    ولذلك؛ لا مانع من احتمال السحر، والأخذ في علاجه بالمباح من تلاوة آيات فك السحر عليه مباشرة، وعلى الماء ويشرب ويغتسل، أو يتوضأ ويغسل رأسه لمدة شهر أو أكثر، حسب تحسن الحالة.












  4. #4

    Arrow شعور الإنسان بالخجل من ذنبه وخوفه من ربه





    شعور الإنسان بالخجل من ذنبه وخوفه من ربه

    سائلة كريمة –جزاها الله خيرا- من ملتقى أحبة القرآن، توجهت إلى صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى بسؤالٍ بناءً على خطبة فضيلته، التي كانت بعنوان: (يا عبدَ الله فَرِّحِ الله بالتوبة الصادقة إليه جلَّ في علاه)؛ ونص سؤالها:


    [بسم الله الرحمن الرحيم

    خطبة رائعة جدا, بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.

    جعلها الله في ميزان حسناتكم.

    هل يتناقض شعور الانسان بالخجل من ذنبه ونفسه وربه، والخوف من الله، وهو أمر واقع وجائز, (فمن عصى الله أو أذنب وتاب؛ لا يفتخر بما كان يصنع, بل يخجل من نفسه، ومن الله, وقد يراوده إحساس بأنه سيحاسب ويعذب على ما قام به)، مع إحسان الظن بالله؟

    أرجو التوضيح وإعطاء أمثلة...

    رزقنا الله جميعا الجنة].



    فأجاب فضيلته –جزاه الله خيرا- بالآتي:

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن الاه إلى يوم الدين.

    وبعد؛

    ليس هناك بحمد الله تناقض، بل من إحسان الظن به سبحانه، تذكُّر الذنب لتستمر التوبة، وليزداد العبد التائب من الطاعات، فكأن تذكر المعاصي محرك للإقبال على الله أكثر وأكثر، قال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ». سنن الترمذي (2406)، وكيف يبكي على خطيئة فتركها ونسيها ولم يتذكرها.

    ومن مواعظ ابن الجوزي (الياقوتة) الفصل الأول (ابك على خطيئتك) أنقل باختصار من يتذكر المعاصي، أو من يعتبرها معاصي، فيبكي:

    [إخواني: لو تفكرت النفوس فيما بين يديها، وتذكرت حسابها فيما لها وعليها، لبعث حزنُها بريدَ دمِها إليها، أما يحق البكاء لمن طال عصيانه: نهاره في المعاصي، وقد طال خسرانه، وليله في الخطايا، فقد خفَّ ميزانه، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه...

    يا مَن معاصيه أكثرُ من أن تحصى، يا من رضي أن يطردَ ويقصى، يا دائم الزلل وكم يُنهى ويوصى، يا جهولا بقدرنا ومثلنا لا يعصي، إن كان قد أصابك داء داود، فنُحْ نَوح نُوح، تحيا بحياة يحيى.

    روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطوطٌ مسودةٌ من البكاء.

    وبكى ابن مسعود، حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به.

    وكان عبد الله بن عمر يطفىء المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه.

    وقال أبو يونس بن عبيد: كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه.

    وكان سعيد بن جبير، قد بكى حتى عمش.

    وكان أبو عمران الجوني، إذا سمع المؤذن، تغير وفاضت عيناه.

    وكان أبو بكر النهشلي، إذا سمع الأذان تغير لونه وأرسل عينيه بالبكاء.

    وكان نهاد بن مطر العدوي، قد بكا حتى عمي.

    وبكى ابنه العلا، حتى عَشي بصره.

    وكان منصره قد بكى حتى جَرَدَت عيناه.

    وكانت أمه تقول: يا بني، لو قتلت قتيلاً ما زدت على هذا.

    وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت عيناه وكانت مفتوحة، وهو لا يبصر بها.

    وبكى يزيد الرقاشي أربعين سنة حتى أظلمت عيناه وأحرقت الدموع مجاورتها.

    وبكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب، وقيل له: نعالجك، على أن لا تبكي، فقال: لا خير في عين لم تبك:

    بكى الباكون للرحمن ليلاً ... وباتوا دمعهم ما يسأمونا
    بقاع الأرض من شوقي إليهم ... تحن متى عليها يسجدونا]

    [فَالتَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ تَقْتَضِي تَذَكُّرَ صَاحِبِهَا زَلَلَهُ أَسَفًا وَحَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا سَلَفَ مِنْهُ، ...] الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 365)

    فَفِي صحيح البخاري (6308): عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ». فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ.

    والله أعلم





  5. #5

    افتراضي علام يعود الضمير في: (وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)؟



    علام يعود الضمير في: (وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)؟
    سألني سائل كريم علام يعود الضمير في (واجعله الوارث منا)؟ من السابق جمع: (وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)!



    أقول: ومن الله سبحانه أستمد الإجابة، وأستعينه على التوفيق والإصابة:


    جاء هذا الدعاء النبوي في سنن الترمذي (3502) بسنده إلى ابْنِ عُمَرَ، أنه قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه في (تخريج الكلم الطيب ص: 167 رقم 226)

    وفي (المستدرك على الصحيحين للحاكم 1/ 709، رقم 1933) بسنده عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي حَتَّى تَجْعَلَهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَعَافِنِي فِي دِينِي وَجَسَدِي، وَانْصُرْنِي مِمَّنْ ظَلَمَنِي حَتَّى تُرِيَنِي فِيهِ ثَأْرِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَخَلَّيْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَبِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. صحيح الجامع الصغير وزيادته (1269) الروض النضير 690: طص.

    قال في (شرح السنة للبغوي 5/ 175): [قَوْلُهُ: «0وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» أَيْ أَبْقِهِ مَعِي حَتَّى أَمُوتَ.

    قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمْعِ وَعْيَ مَا يُسْمَعُ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَبِالْبَصْرِ الاعْتِبَارَ بِمَا يَرَى.

    وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَقَاءَ السَّمْعِ وَالْبَصْرِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَانْحِلالِ الْقُوَى، فَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَارِثَيْ سَائِرِ الْقُوَى، وَالْبَاقِيَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَدَّ الْهَاءَ إِلَى الإِمْتَاعِ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ.

    فَقَالَ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا»].

    وفي (قوت المغتذي على جامع الترمذي 2/ 861): ["وَمَتِّعْنَا بِأَسمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا، مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا".

    قال: الضمير في "اجعله" للمصدر كما في قولك: زيدٌ أظنه منطلق، أي اجعل الجعل. و"الوارث" هو المفعول الأول، و"منَّا" في موضع المفعول الثاني، على معنى واجعل الوراث من نسلِنَا، لا كلالة عنَّا، كما قال تعالى، حكاية عن دعوة زكريا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}.

    وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه، ومتِّعنا، ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقيًا عنَّا مورُوثًا لمن بعدنا، أو محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة.

    وهو المفعول الأول، "والوارث" مفعول ثان، و"منَّا" صلة له.

    وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع، والأبصار، والقوة، وإفراده، وتذكيره على تأويل المذكور، كما في قول رؤبة:

    فِيهِ خُطوطٌ مِنْ سَوادٍ وبَلَقْ *** كأَنها فِي الجِسْمِ تَوْليعُ البَهَق

    والمعني بوراثتها؛ لزومها له عند موته لزوم الوارث له].



    وفي (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 5/ 1727): [(وَاجْعَلْهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ يَعْنِي اجْعَلْ مَا مُتِّعْنَا بِهِ، (الْوَارِثَ) أَيِ الْبَاقِيَ (مِنَّا) بِأَنْ يَبْقَى مَا مَتَّعْتَنَا بِهِ إِلَى الْمَوْتِ.


    قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ أَوْ جَعَلًا الْوَارِثَ مِنْ عَشِيرَتِنَا، فَمِنَّا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَ.

    وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ لِلْمَصْدَرِ أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ، وَالْوَارِثُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَمِنَّا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي؛ أَيِ اجْعَلِ الْوَارِثَ مِنْ نَسْلِنَا لَا كَلَالَةً خَارِجَةً عَنَّا.

    قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْكَشَّافِ: وَهُوَ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِلْعُقَلَاءِ حَكَاهُ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي قَوْلِهِ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (مريم: 5 – 6).

    وَهَذَا أَوْلَى لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالْفَائِدَةِ؛ فَإِنَّ فِي قَوْلِنَا: مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا مَا يُغْنِي عَنْ جَعْلِهَا كَالْوَارِثِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأْوِيلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}. (الأنبياء: 89).

    وَأَطَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعَقُّبِ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلِذَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَعَنْ جَوَابِ اعْتِرَاضَاتِهِ.

    وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلتَّمْتِيعِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالْوَارِثُ هُوَ الثَّانِي وَمِنَّا صِلَتُهُ، أَيِ اجْعَلِ التَّمْتِيعَ بَاقِيًا مِنَّا وَمَأْثُورًا فِيمَنْ بَعْدَنَا.

    وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَفِّقْنَا لِحِيَازَةِ الْعِلْمِ لَا الْمَالِ، حَتَّى يَكُونَ الْعِلْمُ هُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنَّا.

    وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَّةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ؛ أَيِ اجْعَلِ الْمَذْكُورَ بَاقِيًا لَازِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ لُزُومَ الْوَارِثِ.

    قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ: يُرِيدُ اجْعَلْهَا سَالِمَةً لَازِمَةً مَعَنَا إِلَى الْمَوْتِ، وَبُولِغَ فِيهِ فَقِيلَ: اجْعَلْهَا كَأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَهُ; لِأَنَّ الْوَارِثَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ.

    وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلتَّمْتِيعِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّمْتِيعُ، وَالْمَعْنَى اجْعَلْ تَمَتُّعَنَا بَاقِيًا مِنَّا مَحْفُوظًا لَنَا إِلَى يَوْمِ الْحَاجَةِ.

    وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ؛ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبْقِيَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ إِذَا أَدْرَكَهُ الْكِبَرُ، وَضَعُفَ مِنْهُ سَائِرُ الْقُوَى; لِيَكُونَا وَارِثَيْ سَائِرِ الْقُوَى وَالْبَاقِينَ بَعْدَهَا أهـ.

    وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قُوَّةُ السَّامِعَةِ وَالْبَاصِرَةِ أَنْفَعَ الْقُوَى خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَّمَ.

    وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ هَذَا الْفَيْضُ الْإِلَهِيُّ عَنْهُ وَعَنِ أَتْبَاعِهِ؛ لِكَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ]. ونحوه قال المناوي في (فيض القدير 2/ 133)

    وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين (4/ 362): [واجعله الوارث منا يعني اجعل تمتعنا بهذه الأمور؛ السمع والبصر والقوة الوارث منا، يعني اجعله يمتد إلى آخر حياتنا حتى يبقى بعدنا، ويكون كالوارث لنا، وهو كناية عن استمرار هذه القوات إلى الموت..].

    هذا والله تعالى أعلم











  6. #6

    Arrow ما حكم بيع التصريف؟



    ما حكم بيع التصريف؟

    الحمد لله؛؛؛

    بيع التصريف بهذا اللفظ لا أعلمه عن السلف الصالح ومن بعدهم، ولكن العلماءَ المتأخرين اصطلحوا على أن ما باعه التاجر لصاحب المحل (الدكان) إن نفق فله ربحه، وما لم ينفق يرجع إلى التاجر، فسموا هذه المعاملة ببيع التصريف؛ يعني ما تصرف به صاحب المحل فله ربحه، وما لم يبعه أو فسد أو انتهت صلاحيته فيرد إلى التاجر.



    أقول وبالله التوفيق:

    هذه المعاملة فيها ربح مضمون لصاحب المحل، وربما يقع فيها ظلم للتاجر، وغرر وجهالة، هذا من السلبيات فيجعلها محظورة.

    أما من الإيجابيات؛ فقد وجد التاجر من يبيع له ويصرف بضاعته بشكل واسع، وترك هذه المعاملة أو ما هو بديلٌ عنها يحدِث بين الناس المشقة والضيق في المعيشة، فيجيز التعامل بنحوها.

    وبعد تقرير ذلك أرى جوازها بغير اشتراط الرد، وأن يكون عن تراضٍ إن كان هناك رد.

    أو تكون المعاملة عن طريق توكيل التاجر لصاحب المحل أن يبيع البضاعة وله أجرة مقدار معين من المال.



    سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم بيع التصريف:

    [ما حكم تعامل "البقالات" ونحوها مع مورِّدي بعض المواد الغذائية والجرائد، بالتصريف؛ أي يتم الحساب بقدر الكمية التي صُرِّفت وبيعت فعلاً، أو باستبدال الكمية المتبقية التي ربما انتهت مدتها من خبز وألبان وجرائد مثلاً، بمثلها جديدة؟

    جرى في هذا بحث طويل خلاصته: البيع بالتصريف عقد محرم لحصول الجهالة والغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.

    أما الاستبدال فأهون؛ لأن المورِّد أبدل بضاعة بأخرى برضاه، مع بقاء ما وقع عليه العقد.

    والمخرَج؛ أن يكون صاحب المحل وكيلاً للمورد في تصريف بضاعته، ويقول مثلا: كل كرتونٍ تبيعه لي فلك فيه كذا وكذا.

    فسئل: لكن حينئذٍ ستتطرق الجهالة من جهة المورد، وقد يتلف بانتهاء صلاحيته؟

    فأجاب: لا يضر، لأنه لو لم يتلف عند صاحب المحل تلف عنده.

    فسئل: الواقع أن الموردين يجلبون البضائع للمحلات ولا يقع بينهم مشارطة على كمية معينة، ويستردون ما بقي بطيب نفس.

    فأجاب: أن لم يكن شرط مسبق وعقد فلا بأس.

    ثم سئل: يحصل هذا في التعامل مع محلات الأدوات الصحية ومواد السباكة، والكهربائية، فيأخذ كمية ويعيد الباقي.

    فأجاب: هذه نفس مسألة التصريف، فإن رده ورضي البائع فقد أقاله، وإنما يظهر الفرق عند الخصومة والمقاضاة.

    ثم سئل: ألا يمكن أن يطلب المستهلك ما يحتاجه من محلات الأدوات الصحية والكهربائية تباعاً بحيث يجري العقد لاحقاً؟

    جواب: لا بأس في هذا]. ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين، مسألة (384) (18/1/1420هـ ). وانظر لقاء الباب المفتوح.



    وسئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، عن حكم رد السلعة بعد بيعها إذا انتهت صلاحيتها وهذا نص السؤال:

    [أنا صاحب متجر ويأتيني تجار بعض السلع، فإذا انتهت صلاحيتها استبدلوها بغيرها، فهل هذا من بيع التصريف، أثابكم الله؟

    فقال: الجواب

    إذا اشترى أحد منك سلعة، وتم البيع وانقطع خيار المجلس، فإن البيع يلزمه ويلزمك، بعد هذا لو رد إليك السلعة بعد انتهاء الصلاحية ولم يكن هذا بشرط بينكما، فجاء وقال: انتهت صلاحية السلعة، فأرجوك أن تردها لي، والتمس منك أن تردها له، فإن رضيت وكان بطيب نفس منك أن توسع عليه، وأن تقيله من البيع، فإنك تؤجر، وهذا جائز ويعتبر في حكم الإقالة، وهي مستحبة عند العلماء رحمهم الله، ويثاب البائع إذا أقال المشتري لما فيه من تنفيس كربة المسلم.

    وأما لو رفضت وقلت له: لا أردها فإنه من حقك.

    والسبب في هذا: أن الله عز وجل عدل بين البائع والمشتري، فإذا اشترى منك السلعة فإنه يتحمل المسئولية، فلو أن هذه السلعة بعد أن اشتراها منك أصبحت قيمتها ثلاثة أضعاف لم يأتِ إليك ولم يردها، ومن حقه أن يتمتع بهذه المنفعة وبهذا الربح والزيادة، فكما أنه يغنم فإنه يغرم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان) فكما أنه يأخذ الربح ولا تستطيع أن تنتزع منه الربح بعد مضي العقد، كذلك ليس من حقه أن يسقط عليك الكسر، إلا إذا رضيت؛ لأنه لا يعقل أن يأخذ الربح ويجعل الخسارة على البائع فهذا ظلم، لكن لو طابت نفس البائع بذلك فإنه لا بأس به، وهو من إقالة النادم]. شرح زاد المستقنع للشنقيطي.

    والله تعالى أعلم




  7. #7

    Arrow حكم الصلاة على الجنازة بعد العصر




    حكم الصلاة على الجنازة بعد العصر

    السؤال: ما حكم الصلاة على الجنازة بعد العصرِ؟

    الجواب: الحمد لله؛؛؛

    ورد النهي عن الصلاة المطلقة ودفن الموتى في أوقات ثلاثة؛ وهي: عند طلوع الشمس، وقبيل وقت الظهر، وعند الغروب، وهذا ما ثبت عند مسلم وغيره عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قال: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ». مسلم (831).



    قال النووي في شرحه على مسلم (6/ 114): [..قَوْلُهُ: "تَضَيَّفَ لِلْغُرُوبِ" ..أَيْ تَمِيلُ.

    قَوْلُهُ: "حِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ"؛ الظَّهِيرَةُ حَالُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ؛ وَمَعْنَاهُ حِينَ لَا يَبْقَى لِلْقَائِمِ فِي الظَّهِيرَةِ ظِلٌّ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا) ... مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ كَمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا" فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الدَّفْنُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ فَلَا يُكْرَهُ.

    وثبت [أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يُصَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَبَعْدَ الغداة إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا].

    و[أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُوُفِّيَتْ، وَطَارِقٌ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَأُتِيَ بِجَنَازَتِهَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، فَوُضِعَتْ بِالْبَقِيعِ، وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ لأَهْلِهَا: (إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جَنَازَتِكُمُ الآنَ، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوه حتى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)]. موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (1/ 402، رقم 1020، 1021)



    و[سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْجِنَازَةِ يُصَلَّى عَلَيْهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ: (يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلَّى الْمَغْرِبُ)]. مصنف ابن أبي شيبة (2/ 485، رقم 11333)



    و[عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: (نَعَمْ! إِذَا كَانَتْ نَقِيَّةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا أَزِفَتْ لِلْإِيَابِ، فَلَا تُصَلِّي عَلَيْهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ). مصنف ابن أبي شيبة (2/ 485، رقم 11327)



    و[كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا كَانَتِ الْجِنَازَةُ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ قَالَ: (عَجِّلُوا بِهَا قَبْلَ أَنْ تَطْفُلَ الشَّمْسُ)]. مصنف ابن أبي شيبة (2/ 485، رقم 11328)

    قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر في مادة (طفل): [وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَرِه الصلاةَ عَلَى الجَنَازة إِذَا طَفَلَتِ الشمسُ للغُرُوب) أَيْ دَنَتْ مِنْهُ. واسمُ تِلْكَ السَّاعة: الطَّفَل].



    والمسألة فيها خلاف بين العلماء والذي اخترته من أقوالهم أن صلاة الجنازة ودفن الموتى والصلوات ذوات الأسباب مستثناة من النهي، لما سبق من الآثار وغيرها، والأولى والأفضل البعد عن أو قات النهي خروجا من الخلاف.

    قال ابن تيمية: [فَصْلٌ: وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ.

    قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: (إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ)، وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا قَوْلُ أَحْمَد أَنَّهَا تُفْعَلُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَحَادِيثُ خَاصَّةٌ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ، فَلِهَذَا اسْتَثْنَاهَا، وَاسْتَثْنَى الْجِنَازَةَ فِي الْوَقْتَيْنِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ]. مجموع الفتاوى (23/ 191)



    وفي اللقاء الباب المفتوح سئل الشيخ ابن عثيمين: عن [رجل دخل المقبرة بعد صلاة العصر وقد صُلي على جنازة ودفنت، فهل يجوز له الصلاة على هذه الجنازة بعد الدفن؟ وهل هذا الوقت وقت نهي لا يدفن فيه الميت؟

    فأجاب:

    (إذا أتيت إلى المقبرة وقد دفن الميت بعد العصر فلا تصلِّ عليه، لعموم قوم النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس"، ولك أن تصلي عليه في الليل أو في النهار من الغد.

    وأما الصلاة عليه قبل أن يدفن فلا بأس؛ وذلك لأن الصلاة عليه قبل أن يدفن صلاة لها سبب، وجميع الصلوات التي لها سبب ليس عنها نهي، كل صلاةٍ لها سبب صلِّها متى وُجِد سببها في أية ساعةٍ شئت من ليل أو نهار، فمثلاً: إذا دخلت المسجد بعد العصر صلِّ ركعتين، لو توضأت بعد العصر صلِّ ركعتين للوضوء، لو حدث لك أمر تريد أن تستخير الله فيه ويفوت قبل انتهاء وقت النهي، صل ركعتين واستخر)].



    وفي (مجموع فتاوى ابن باز) [س: كيف نجمع بين نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والدفن في ثلاث ساعات وبين حديث التعجيل بالجنازة، وكانت الجنازة مثلا بعد العصر؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا. (من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته) من (مجلة الدعوة)

    ج: (ليس بين الأحاديث تعارض، فالسنة تعجيل الصلاة على الجنازة ودفنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم». رواه البخاري في (الجنائز) برقم (1315)، ومسلم في (الجنائز) برقم (944)، وأبو داود في (الجنائز) برقم (3181) واللفظ له.

    ولكن إذا صادف ذلك وقت الساعات الثلاث أجَّلت الصلاة عليها ودفنها، لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب». أخرجه مسلم في صحيحه في (صلاة المسافرين وقصرها). باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها برقم (831)، والنسائي في (الجنائز) باب الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن برقم (2013).

    وهذه الساعات الثلاث كلها قليلة لا يضر تأخير الصلاة على الميت فيها ولا تأخير دفنه، ولله الحكمة البالغة سبحانه في ذلك، وهو سبحانه أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، والله الموفق)].



    وفي فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 402) [السؤال السادس من الفتوى رقم (4373):

    س6: إذا كان عندنا جنازة وصلينا صلاة العصر، والوقت كاف فكيف نعمل؟

    ج6: إذا كان الواقع ما ذكر صلوا صلاة الجنازة بعد صلاتهم العصر؛ لأنها من ذوات الأسباب، وهي مستثناة من عموم حديث: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس». البخاري، ومسلم برقم (827)، وأبو داود برقم (1276).

    وبالله التوفيق
    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم]
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
    والله تعالى أعلم


  8. #8

    افتراضي

    جزاك الله خيرا ًعلى النقل الطيب والفتاوى العملية المفيدة ...
    فبعضها جديد بالفعل على عامة المسلمين مثل أوقات النهي الثلاثة ...
    وفقك الله ..

  9. #9

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حب الله مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا ًعلى النقل الطيب والفتاوى العملية المفيدة ... فبعضها جديد بالفعل على عامة المسلمين مثل أوقات النهي الثلاثة ... وفقك الله ..
    والله يوفقك وجميع المسلمين سعدت أن وجدتم فيها فوائد وتذكرة بارك الله فيكم

  10. #10

    افتراضي سؤال عن ظلم النفس. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله




    سؤال عن ظلم النفس

    سائلة فاضلة جزاها الله خيرا تسأل صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى سؤالا عبر صفحة موقع: (ملتقى أحبة القرآن) تعليقا على خطبة الجمعة: (أيها المظلومون! لكم الله جل جلاله)، تقول فيه:


    بسم الله الرحمن الرحيم

    جزاكم الله خيرا شيخنا؛ لدي استفسار بخصوص ظلم النفس, هل هناك تفصيل عن ظلم الإنسان لنفسه؟ وما حكم ظلم الإنسان لنفسه؟

    {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، جعلنا الله جميعا من أهل الجنة.

    فأجاب فضيلته فتح الله عليه بقوله:

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد:

    ظلم النفس يكون بمخالفة الأوامر وارتكاب النواهي الشرعية، فكلُّ معصية فهي ظلم للنفس، {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. [النساء: 110، 111]

    ورد في تفسير السعدي (ص: 200): [أي من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم، ثم استغفر الله استغفارا تاما، يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه، والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.

    فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه.

    واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي؛ الصغيرة والكبيرة، وسمي "سُوْءًا" لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن.

    وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

    ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس "ظُلما" لأن نفسَ العبد ليست ملكًا له يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد، وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملا فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.

    ثم قال: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير، فمن كسب سيئة فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية على نفسه، لا تتعداها إلى غيرها..] أهـ

    ولما أكلَ أبوانا من الشجرة {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. [الأعراف: 23]

    فـ{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. [يونس: 44]

    فالكفر والشرك وعدم طاعة الأنبياء ظلم للأنفس، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. [التوبة: 70]

    واتخاذ إلهٍ غير الله ظلم للنفس، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}. [البقرة: 54] فبنو إسرائيل أكثر الناس ظلما لأنفسهم، لذا عاقبهم الله بشتى العقوبات: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. [الأعراف: 160]

    وتدمير الأمم وهلاك البلدان ليس ظلما لأهلها، بل أهلها هم الظالمون بشركهم وكفرهم: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}. [هود: 100، 101]

    قال القاسمي في محاسن التأويل (6/ 130): [وَما ظَلَمْناهُمْ بإهلاكنا إياهم؛ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؛ أي بتعريضها لما أوجبه من الشرك، وعبادة الأوثان، والظلم، فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ أي إهلاك وتخسير]. أهـ

    والمعاصي والذنوب ظلم للنفس: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. [آل عمران: 135]

    قال القاسمي في تفسيره محاسن التأويل (2/ 414): [وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً: من السيئات الكبار، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ: أي بأي نوع من الذنوب، ذَكَرُوا اللَّهَ: أي تذكروا حقه وعهده فاستحيوه وخافوه، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ: أي لأجلها بالتوبة والإنابة إليه تعالى]. أهـ

    ومن ظلم النفس؛ الحكم على بعض الأشياء بالتحليل أو التحريم كذبا دون برهان من الرحمن، القائل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. [النحل: 116 - 118]

    جاء في تفسير الطبري (17/ 315): [(وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فجزيناهم ذلك ببغيهم على ربهم، وظُلمِهم أنفسهم بمعصية الله، فأورثهم ذلك عقوبة الله]. أهـ

    وبلقيس ظلمت نفسها ببعدها عن منهج الأنبياء، واعترفت أخيرا: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. [النمل: 44]

    وكفران النعم ظلم للنفس، فمن منَّ الله عليهم بالأمن والأمان وكثرة الأرزاق، كما حدث مع سبأ {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. [سبأ: 19]

    قال الطبري في تفسيره جامع البيان (20/ 389): [قالوا: يا ربنا باعدْ بين أسفارنا؛ فاجعل بيننا وبين الشأم فلوات ومفاوز، لنركب فيها الرواحل، ونتزود معنا فيها الأزواد، وهذا من الدلالة على بطر القوم نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم، وجهلهم بمقدار العافية، ولقد عجل لهم ربهم الإجابة..] أهـ

    ومن طلق زوجته؛ ولكنه أمسكها إضرارا بها وهو لا يريدها، فإذا اقتربت نهاية عدتها ارتجعها فهو ظالم لنفسه، {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا }. [البقرة: 231]

    ومن تلاعب بأحكام الطلاق والعدد ونحو ذلك فهذا تعدٍّ لحدود الله وظلمٌ للنفوس {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. [الطلاق: 1] [فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي: بخسها حظها، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والآخرة]. تفسير السعدي (ص: 870)

    في كتاب (أدب الدنيا والدين) (ص: 139) قال الماوردي: [فَأَمَّا عَدْلُهُ فِي نَفْسِهِ؛ فَيَكُونُ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمَصَالِحِ، وَكَفِّهَا عَنْ الْقَبَائِحِ، ثُمَّ بِالْوُقُوفِ فِي أَحْوَالِهَا عَلَى أَعْدَلِ الْأَمْرَيْنِ؛ مِنْ تَجَاوُزٍ أَوْ تَقْصِيرٍ. فَإِنَّ التَّجَاوُزَ فِيهَا جَوْرٌ، وَالتَّقْصِيرَ فِيهَا ظُلْمٌ. وَمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَظْلَمُ، وَمَنْ جَارَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ أَجْوَرُ.

    وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَوَانَى فِي نَفْسِهِ ضَاعَ].

    والله تعالى أعلم


  11. #11

    Arrow حكم صلاة كبير السن المريض الذي لا يعقل وينسى. الشيخ: فؤاد أبو سعيد




    صلاة كبير السن المريض الذي لا يعقل وينسى

    سائلة فاضلة جزاها الله خيرا تسأل عبر صفحة موقع المجلس العلمي (الألوكة) سؤالا، لأهل العلم والفتوى ما نصه:

    جدتي كبيرة سن ومريضة، ما تقدر تتوضوء، ولا تعرف للصلاة، ما تقدر تقوم، ولا تصلي إلا وهي منسدحة، وأحيانا تنسى الصلاة، وأوقات تنسى السور، وأوقات تقرأ نص السور، وتنسى الباقي، هل عليها شيء؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.

    ونحن بدورنا قمنا في إدارة الموقع الرسمي لصاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى بتوجيه السؤال إلى فضيلته، فأجاب بجواب ما نصه:

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

    وبعد:

    إن كانت لا تعقل ولا تفهم؛ فهذه فاقدة التكليف، ولا وضوء ولا صلاة عليها ولا قراءة.

    وإن كانت تفيق وتعقل أحيانا، وتفقد عقلها أحيانا، فهي مطالبة بالوضوء والصلاة عند إفاقتها.

    وإن كانت تنسى؛ فهذه تصلي على حالها، وما كان منها من نسيان فهو مرفوع عنها، للحديث: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». سنن ابن ماجه (2043)، فإن استطاعت الوضوء؛ توضأت أو وضأها غيرها، وإلا تتيمم أو ييممها غيرها، فإن لم تجد تصلي على حالها، ولو بدون طهارة، لأنها تدخل في حكم فاقد الطهورين، فتصلي على حالها.

    والله تعالى أعلم







  12. #12

    Arrow سؤال عن الشهادة والشهداء وأحكام غسلهم والصلاة عليهم. الشيخ: فؤاد أبو س



    سؤال عن الشهادة والشهداء وأحكام غسلهم والصلاة عليهم. الشيخ: فؤاد أبو سعيد

    سؤال حول الشهادة والشهداء
    وأحكام غسلهم والصلاة عليهم
    فضيلة الشيخ
    فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد؛

    الشهادة تكون نتيجة القتال في سبيل الله سبحانه، وذلك بتلاقي جند الرحمن مع جند الشيطان، ويكون جيش المسلمين تحت قيادة واحدة لا متفرقة، يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها.

    فمتى وقع قتل في المعركة فالمقتول شهيد إن شاء الله تعالى نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.

    [واتفقوا على أن الشهيد المقتول في المعركة لا يغسل]. اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة الشيباني (1/ 178)

    أما بالنسبة للشهيد [الْجُنُبِ يُقْتَلُ فِي الْمَعْرَكَةِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْجُنُبِ يُقْتَلُ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُغْسَلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: (جُنُبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ جُنُبٍ لَا يُغْسَلُ). وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ قَالَ: (يُغْسَلُ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (لَا يُغْسَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ تَرْكَ غَسْلِ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ عَامٌّ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحَدٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ)..]. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر (5/ 351، 352)

    وفي الأسئلة والأجوبة الفقهية للسلمان [س446: من هو شهيد المعركة؟ وهل يغسل؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.

    ج: شهيد المعركة هو: من مات بسبب قتال كفار وقت قيام القتال لا يغسل ولا يصلى عليه، لما ورد عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في الثوب الواحد»، ثم يقول: «أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟»، فإذا أشير إلى أحد قدمه في اللحد، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصلَّ عليهم. رواه البخاري والنسائي وابن ماجه والترمذي، وصححه، عن أنس: (إن شهداء أُحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم ولم يصلَّ عليهم). رواه أحمد وأبو داود والترمذي

    وإن سقط من دابته، أو وُجِد ميتًا ولا أثر به، أو حُمِل فأكل أو شرب، أو طال بقاؤه عرفًا غسل وصلى عليه.

    أما من مات بغير فعل العدو؛ فلعدم مباشرتهم قتله وتسببهم فيه، فأشبه من مات بمرض.

    وأما من وجد ميتًا ولا أثر به، فلأن الأصل وجوب الغسل، فلا يسقط يقين ذلك بالشك في مسقطه.

    فإن كان به أثر لم يغسل ولم يصل عليه.

    وأما من حمل بعد جرحه فأكل ونحوه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم غسَّل سعدَ بنَ معاذ وصلى عليه، وكان شهيدًا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله، فحمل إلى المسجد فلبث فيه أيامًا ثم مات]. الأسئلة والأجوبة الفقهية للسلمان (1/ 255)

    أما الشهيد الذي يغسّل ويكفّن ويصلَّى عليه فهو «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»، وفي رواية: و «..مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ..»، وفي رواية: «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلِمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».

    قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ =ابنُ حزم= -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [فَصَحَّ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّمَا قُتِلَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَهُوَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ شَهِيدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ شَهِيدٍ يُدْفَنُ دُونَ غُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ.

    وَقَدْ صَحَّ: أَنَّ الْمَبْطُونَ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونَ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقَ شَهِيدٌ، وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمَعٍ شَهِيدٌ، وَصَاحِبَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، =وصاحب الحرق شهيد، ومن مات في سبيل الله –أي في طاعة الله- فهو شهيد، = وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.

    وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، إلَّا مَنْ خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ، إلَّا فِيمَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فِي الْمُعْتَرَكِ وَمَاتَ فِي مَصْرَعِهِ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُزَمَّلُوا بِدِمَائِهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيُدْفَنُوا كَمَا هُمْ دُونَ غُسْلٍ وَلَا تَكْفِينٍ، وَلَا يَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ، فَبَقِيَ سَائِرُ الشُّهَدَاءِ، وَالْمَوْتَى، عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الْغُسْلِ، وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ]. المحلى بالآثار (11/ 348، 349)

    أما الجريح في المعركة ثم عادوا به إلى موطنه فمات فهذا ما يسمَّى بالمرتثِّ و[الاِرْتِثَاثُ فِي اللُّغَةِ: أَنْ يُحْمَل الْجَرِيحُ مِنَ الْمَعْرَكَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَدْ أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحُ، يُقَال: ارْتُثَّ الرَّجُل -عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ- أَيْ حُمِل مِنَ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا؛ أَيْ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ، وَيَزِيدُ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِهِ بَعْضَ الْقُيُودِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ: الْخُرُوجُ عَنْ صِفَةِ الْقَتْلَى، وَالصَّيْرُورَةُ إِلَى حَال الدُّنْيَا، وَالْمُرْتَثُّ هُوَ مَنْ حُمِل مِنَ الْمَعْرَكَةِ مُسْتَقِرَّ الْحَيَاةِ، بِأَنْ تَكَلَّمَ، أَوْ أَكَل أَوْ شَرِبَ، أَوْ نَامَ، أَوْ بَاعَ أَوِ ابْتَاعَ، أَوْ طَال بَقَاؤُهُ عُرْفًا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ.

    =أما بالنسبة إلى= الْحُكْمُ الإجمَالِيُّ: فالْمُرْتَثُّ يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، لأِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، فَلاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشُّهَدَاءِ.

    وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا؛ فَهُوَ شَهِيدٌ فِي حَقِّ الثَّوَابِ، حَتَّى إِنَّهُ يَنَال ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ مَعَ الْكُفَّارِ...]. الموسوعة الفقهية الكويتية (3/ 9)

    والخلاصة:

    أن الشهداء أنواع:

    جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [الشَّهِيدُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: الأوَّل شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَالثَّانِي شَهِيدُ الدُّنْيَا، وَالثَّالِثُ شَهِيدُ الآْخِرَةِ.

    فَشَهِيدُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ هُوَ الَّذِي يُقْتَل فِي قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ، مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا هِيَ السُّفْلَى، دُونَ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا...

    أَمَّا شَهِيدُ الدُّنْيَا: فَهُوَ مَنْ قُتِل فِي قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ وَقَدْ غَلَّ في الْغَنِيمَةِ، أَوْ قَاتَل رِيَاءً، أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا.

    وَأَمَّا شَهِيدُ الآْخِرَةِ: فَهُوَ الْمَقْتُول ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَكَالْمَيِّتِ بِدَاءِ الْبَطْنِ، أَوْ بِالطَّاعُونِ، أَوْ بِالْغَرَقِ، وَكَالْمَيِّتِ فِي الْغُرْبَةِ، وَكَطَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا مَاتَ فِي طَلَبِهِ، وَالنُّفَسَاءِ الَّتِي تَمُوتُ فِي طَلْقِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ]. الموسوعة الفقهية الكويتية (26/ 273)

    وَالدَّلِيلُ؛ [أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ]. المجموع شرح المهذب (5/ 264)

    والله أعلم







معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-24-2011, 02:44 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-04-2010, 08:22 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-10-2010, 12:29 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-24-2010, 10:50 AM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-20-2010, 06:04 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء