يصرّ الكثيرون على أن "الدماغ"، إذا أصيب بعطل ما (كبير أو صغير) ، فهذا قد يمنع صاحبه من التمتع بالوعي ، أو يمنعه من التواصل فكرياً مع المحيط بطريقة أو بأخرى ، كفقدان الذاكرة مثلاً ، لأن الدماغ (كما يقولون) هو مصنع الأفكار الأساسي ، و هو مصدر العقل ، و مخزن الذاكرة ، ... إلى آخره .لكن في الثمانينات من القرن الماضي ، خرج عالم بيولوجي من جامعة "كامبرج" يدعى "روبرت شيلدريك" ، معلناً عن نظريته "الحقل المورفوجيني" Morphogenic Field . و قال أن الدماغ ليس سوى قناة تواصل مع العقل و ليس مكان وجود العقل . و قد أعطى مثال على ذلك بجهاز التلفزيون ، الذي يستقبل الإرسالات المختلفة ، لكنه ليس مصدر تلك الارسالات . فإذا أصيب التلفزيون بعطل ما و لم نستطيع الحصول على صورة صافية أو حتى أي صورة على الإطلاق ، هذا لا يعني أن الإرسال لم يعد موجوداً في الأثير .
و قد تقدم بنظريته الجديدة التي أقامت الدنيا و لم تقعدها ، خاصة في الأوساط العلمية التقليدية التي شّنت عليه هجوماً شرساً . ( كما هي العادة مع كل فكرة جديدة ) لكن هذا لم يمنع بعض العلماء من الاقتناع بهذه الفكرة التي ، كما قالوا ، قامت بملء فجوات كثيرة في دراسة بعض الظواهر التي لم يجد لها العلم المنهجي تفسيراً .
ـ جاء شيلدريك بحزورتين مختلفتين ، من النوع الذي يظهر في الجرائد و المجلات لتسلية القراء . تتمحور كل حزورة حول ( البحث عن الصورة الضائعة ) .
قام بإظهر إحدى هاتين الحزورتين على شاشة التلفاز ، أمام الملايين من المشاهدين . ( في محطة البي . بي . سي التلفزيونية ) و قام بحلّها أمام هذا الكم الهائل من المشاهدين . أما الحزورة الثانية ، فقد جال بها فريق من الباحثين في الشوارع و المناطق العامة و قاموا بحلّها أمام بضعة مئات من الناس .
إذاً ، أصبح لدينا الآن حزورتين ، إحداها قد تعرّض للملايين من العقول و تعرّفوا على طريقة حلها ، و الأخرى تعرّضت للمئات من العقول و تعرفوا على طريقة حلها .
قام بعدها فريق من الباحثين بالسفر إلى مناطق نائية من العالم ، حيث لم يكن التلفزيون مالوفاً بينهم . وبعد عرض هاتين الحزورتين على السكان المحليين كانت النتيجة أنهم تمكنوا من حلّ الحزورة التي عرضت على شاشة التلفزيون بسهولة تفوق تلك التي عرضت للمئات فقط . و هذا أثبت أنه كلما ازداد عدد الناس المشتركين في فكرة معيّنة ، كلما كان لهذه الفكرة انطباع أعمق في العقل الجماعي ، مما يؤدي إلى ازدياد قوة تأثيرها على جميع الشعوب بشكل لاواعي !.
ـ يسرد لنا العالم "ليال واتسون" ، في كتابه " تيار الحياة" عام 1970م عن حادثة وقعت على جزيرة يابانية ، ( سمى هذه القصة بمبدأ "عدوى المئة قرد" Hundred Monkey syndrome ) ، حيث قام الباحثون بإطعام القرود حبات البطاطا كغذاء يومي ، و قد أحبّ القرود هذا الغداء الجديد الذي لا يعرفونه من قبل ، لكنهم لم يحبوا رمال الشاطئ التي كانت تتعلّق بالحبّات ، فقام أحد القرود بغسل حبة البطاطا في مياه البحر قبل أن يتناولها ، و اكتشف أن طعمها أصبح أفضل بسبب زيادة ملوحتها نتيجة تغطيسها في المياه المالحة ، فراح القرد منذ ذلك الحين يأكل البطاطا بعد تغطيسها في ماء البحر . لكن بعد فترة من الزمن ، و على الجانب الآخر من الجزيرة ، راحت القرود الأخرى تستخدم نفس الطريقة في الحصول على البطاطا المالحة ، مع العلم أنهم لم يتواصلوا مع القرد الأول الذي هو صاحب الفكرة . و بعد فترة من الزمن ، و في جزيرة أخرى يعيش فيها قرود أخرى ، نشأت هذه العادة (أكل البطاطا المالحة) بين القرود ، و بالرغم من أنهم يعيشون في الغابة بعيداً عن الشاطئ ، راحوا يسافرون من الغابة إلى الشاطئ لكي يغطسون حبات البطاطا من أجل الحصول على الملوحة .
كيف انتشرت هذه الفكرة بين القرود بالرغم من تلك الحواجز الطبيعية التي يستحيل تجاوزها ؟
Bookmarks