إنفكاك الجهة بين وجود الخالق ... ومسائل الحكمة والخير والشر

وهذه من المغالطات المنطقية التى يقع فيها المخالفون من الملحدين دائماً ..
وتحتل محوراً هاماً فى حديث أكثرهم .. خاصة العرب منهم .
وأصل الإعتراض أن يقال : إذا كان موجوداً فكيف يسمح بهذا ..؟؟!!
وكيف يفعل هذا ..؟؟!! وكيف يترك ذاك ....؟؟!!
والصحيح أن مسألة وجود الخالق لا علاقة لها بأفعاله وحِكمها ومُراداتها .
ولذلك من يحاول إثبات الصفات قبل إثبات الذات ..
يقع فى هذه المغالطة المنطقية ..
فوجود الخالق قد ثبت بدليل منفصل ..بالنظر فى مصنوعاته ..
ودلائل قدرته ... وعلمه وحكمته .. ظهرت فى مخلوقاته وتدبيراته ..
وثبتت النبوة بالنظر فى معجزات رسله و أنبيائه ..
وصدق دعوتهم و تأييد الله تعالى لهم ..
لذلك فإن ثبوت وجود الله عز جل بدليل منفصل عن مسألة الحكمة ..
يجعل مناقشة مسألة وجوده تحت باب حكمته من اللغو الباطل ..

**ومن تكلف ذلك فكأنما يحاكى من رأى خللاً فى الحاسوب ..
فنفى أن يكون صانعه الإنسان موجوداً ..
أو شرخاً فى جدار فزعم أن بانيه غير موجود ..
** ودلائل وجود الله ظاهرة لكل متأمل بعين العقل فى سماء الوجود ..
فقد دلت الحوادث على وجوده ..
ودلت المصنوعات على قدرته ..
ودل الإتقان على علمه ..
ودل التدبير على حكمته ..
ودل الكون على بديع صنعه ..
والمنتدى يزخر بالموضوعات التى ناقشت أدلة وجود الهُ عز وجل ..
وليس هذا مقام بسطها ...

** وهب أنك أثبت (( ولا سبيل لك إلى ذلك ))
أن الحكمة والرحمة منتفية من الكون ..
فهل يعنى هذا عدم وجود صانع وخالق ومدبر له ...؟!
بل إن ذلك ظاهر البطلان ..
فلماذا لا نفترض خالقاً صانعاً لا يتحلى بكمال الحكمة .. ولا بكمال الرحمة وإطلاقها .. فيكون الأمر أكثر منطقية ..؟!
ولعل هذا يثبت بطلان الإستدلال بما خفى من مسائل الحكمة على نفى وجود الخالق ..
فهم يحاولون إثبات صفات الصانع على كيفية يرتضونها .. قبل أن يقروا بوجد ذاته وخلقه للكون ..
وإنما كان ديدن العقلاء .. ومنهج القرأن فى إثبات وجود الله عز وجل بمصنوعاته ..
والإستدلال على صفاته وتقريرها من إتقان مخلوقاته وعجائب تدبيراته ..
يقول تعالى
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ))
و مسألة إنفكاك الجهة هذه تفطن لها بعض كبار الملاحدة ..
وأقروا أن الإستدلال بها على نفى وجود الخالق إستدلال ضعيف للغاية..
فدوكينز رغم مغالطاته المنطقية الكثيرة .. يرد فى كتابه God delusion
على من يستدل بهذه المسألة ..

يقول فى معرض رده على أونوين أحد العلماء الرياضيين المتدينين .. صاحب كتاب إحتمالات الله ..
وهو كتاب يناقش وجود الله على أساس .. مقدمات بإحتمالات ... مرجحة ونافية .. يعطى كل منها نسبة رياضية ..
ووضع أونوين (( مسألة وجود الشر )) ضمن الإحتمالات التى لا ترجح وجود الخالق ..
يقول دوكينز :
(( من ناحية أخرى فإن أونوين يفكر بأن وجود الشر خصوصاً الكوارث كالزلازل والتسونامى هى أمور لا تدعم وجود الله ..
هنا يعاكس أونوين رأيي ولكنه يتماشى مع الكثير من علماء الدين الغير مرتاحين ..
((جمعية أكسفورد للفلسفة )) تعطى تعريفاً لمشكلة الشر (( المعارضة الأقوى للإيمان التقليدى بالله ))
لكنها فقط حجة ضد وجود إله طيب .. الطيبة ليست جزء من التعريف لفرضية الإله .. بل هى مجرد إضافة مرغوبة ..
فى الحقيقة الناس الذين لديهم نزعة دينية لديهم أيضاً عدم تمييز مزمن بين الحقيقة وما يرغبون أن يكون الحقيقة .. .. مُسَلمة بسيطة عن إله شرير كالذى فى كل صفحات العهد القديم .. أو لو لم يعجبك ذلك إخترع إله شرير مغاير سمه الشيطان .. إعتبر أن معركته مع الإله الخير فى العالم
أو حل أكثر تطوراً إله عنده أمور أهم من أن يحصر إهتمامه بالإنسان
أو إله ليس مبالياً بمعاناة الإنسان .. ولكنه يعتبرها ثمناً للخيار الحر يجب أن ندفعه .. ..كون خاضع للقوانين ...

لهذا السبب لو أعدت عمل تمرين أونوين فلن تحرفنى مشكلة الشر أو الأخلاق فى أى إتجاه عن خط الصفر ... 50 % فى حالة أونوين )) ....
إنتهى كلامه ..
وبغض النظر عن أراء دوكينز فى الفقرة السابقة ..
فإنه يقرر بكل وضوح أنه لايرى أى تلازم بين جود الشر و مسألة وجود الخالق من عدمه ..
وإن كان وجود الشر وإحساس الإنسان به .. و فهمه له لو تأملنا فيه دليل عقلى وجدانى على معانى غير مادية..
تستلزم مُلهماً لهذه المعانى التى لاتقوم بالمادة المجردة ...
وإلا فلماذا يستشعر الإنسان الشر فى تسونامى يغرق الآلاف ولا يستشعره فى قطرة ماء تقتل ملايين البيكترياً ..
إذ الأمر متساوى من الناحية المادية .. بلا شك ..