سؤال منطقي لحد يكفرني !
بقلم البراء العوهلي al_bara@
قبل أسبوع .. انطلق في تويتر هاشتاق أعتقد أنه من أهم الهاشتاقات التي مرت في تاريخ تويتر السعودي أو العربي.. كان اسم الهاشتاق #سؤال_منطقي_لحد_يكفرني ! وما إن انطلق الهاشتاق حتى تفجر بتغريدات كثيرة وتفاعل هائل وغير متوقع ! يمكن اعتبار هذا الهاشتاق من الهاشتاقات التاريخية في تويتر والذي يمكن أن يكون مادة خصبة للمتخصصين والباحثين في الدين والفلسفة والمجتمع وعلم النفس !
كنت سابقاً أظن أنني مستوعب لحجم ظاهرة الشك والتساؤل واللادينية والإلحاد ولكن ما شاهدته وقرأته في هذا الهاشتاق أذهلني ، وأكد لي أن حجم هذه الظاهرة أكبر مما كنت أتوقعه، وأنها آخذة في الازدياد وبشكل عشوائي وغير منهجي ..
ولي حول هذا الهاشتاق وهذا الموضوع وقفات عابرة:
- رأى الكثيرون في هذا الهاشتاق فرصة مناسبة للتنفيس عن أسئلة مكبوتة ربما ظلّت حبيسة الصدر سنين طويلة ولم تجد من يستوعبها أو يستمع إليها وجاء هذا الهاشتاق ليستقبل كل تلك الأسئلة المبعثرة.. إن الكبت دوماً يولد الانفجار ولا يأتي بخير .. وهذه رسالة لكل المربين والمصلحين أننا يجب أن نرسّخ لدى أبنائنا منذ الصغر أن السؤال هو أمر مشروع وحق من حقوقهم ، ويجب أن نتفهّم أن التساؤل والشك هو أمر طبيعي جداً وينتاب الإنسان غالباً في مرحلة وعيه ونضجه، بل هو علامة إيجابية وصحية، وتفهّم هذا الأمر يقتضي منا أن نتقبل الأسئلة أياً كانت ونحتويها ونتعامل معها بهدوء وعقلانية لا أن نلجأ للكبت والوصم بالضلال والانحراف، فهذا الأسلوب قد يقود إلى نتائج خطيرة وقد يولد الانفجار الذي لا تحمد عقباه ..
أيها المصلحون والمربون .. نحن ببساطة أمام جيل لا يمرر أي فكرة دون أن يفحصها ويسائلها ويشكك فيها .. هذه هي الحقيقة .. بلا رتوش.. رضينا أم أبينا.. ونحن يجب أن نكون على قدر من الوعي بالتغير الذي يحصل في مجتمعنا تحديداً .. وأن نتقبله ونتعامل معه بهدوء وحكمة..
- كان الاستعراض الثقافي واضحاً في بعض التغريدات ، إذ يجد البعض في مثل هذا الهاشتاق فرصة لأن يظهر بمظهر الشخص المختلف الذي لا يتبع فكر الأغلبية وهذا الأمر له وهج يغري بعض أصحاب الشخصيات التي تشعر بحاجة للظهور بمظهر المتميز والمختلف.. أياً كان مجال الاختلاف.. وهذا أمر عجيب حقاً فموضوع الدين والإيمان خطير لا يمكن التضحية به في سبيل الاستعراض الثقافي والبحث عن النمط المختلف عن المجتمع .. ابحث عن الاختلاف في كل شيء، ولكن ليس في مثل هذا الموضوع الخطير! علماً بأن الإنسان قد لا يشعر بهذا الدافع إلا حينما يراجع نفسه ويبحث في أعماقه عن دوافع أقواله وكتاباته وعن الهدف من إثارتها بهذا الشكل..
- كثير من الأسئلة التي طُرحت لها إجابات سهلة ولكنها تدل على أن الكثيرين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الإجابات والقراءة و سؤال المختصين .. من طبيعة الحياة والدين والأفكار والإيمان أن الغموض يعتريها في بعض الجوانب وقد يستشكل الإنسان استشكالات تحيّر عقله.. هذا أمر طبيعي جداً، ولكن العجيب أن يترك الإنسان هذه الأسئلة تعشعش في عقله دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن إجاباتها، أو يسأل المختصين الذين يمكن أن يفيدوه بخصوصها..
أما الأسئلة الفلسفية العميقة المتعلقة بالإيمان والخالق فلم تورد إلا نادراً.. وهذا يدلك على أن غالب من كتب هم ممن خطرت على ذهنه أفكار بسيطة وشكوك عابرة وليس ممن بحث وتبحر في هذه المواضيع ..
- كثير جداً من مشاركات الفتيات كانت اعتراضات على الظلم الذي يوجه للمرأة دينياً .. وأغلبها هي نتيجة تطبيق خاطئ للدين اجتماعياً ، أو نتيجة قراءة منغلقة وحرفية للنصوص الدينية دون النظر في مقاصد النص وأبعاده التاريخية والاجتماعية ..
ولا ألوم مثل هؤلاء الفتيات خصوصاً أن بعضهن ممن حصلت لها ردة فعل نفسية تجاه ظلم وجّه لها أو حقوق حرمت منها باسم الدين ! ولكن قضايا الفكر والإيمان والدين يجب أن تبنى بعيداً عن ردات الفعل النفسية وإن كان التجرد منها أمراً صعباً وبحاجة لمجاهدة..
- هذا الهاشتاق وأمثاله يوجه رسالة للمشايخ والمتخصصين في الدين أن يكونوا أكثر وعياً بأسئلة الشباب وإشكالاتهم .. أن يقتربوا من عقولهم ويحاولوا فهم طريقة تفكيرهم، بدلاً من أن يحلّقوا في عوالم أخرى ويشغلوا أنفسهم بمسائل تافهة وفرعية تجاوزها الزمن وصار يسخر بها هذا الجيل!
- من يؤرقه الشك ويبحث عن الحقيقة غالباً تجده يبحث بصمت دون أن يثير الضجيج .. لا يمكن أن تجده عابثاً ساخراً بل تجده جاداً صادقاً في بحثه يسهر الليل وهو يقلّب صفحات الكتب ويقضي كثيراً من وقته كي يخلو بنفسه ويتأمل في هذا الوجود المدهش!
أبو حامد الغزالي اعتزل الناس سنوات طويلة كي يعالج شكوكه ويبحث بتجرد ، وبعض شبابنا ما إن يقرأ فكرة في منتدى أو في تويتر حتى يذهب ليستعرض بها في المجالس ويربك بها عقول الآخرين !
وهذه خاطرة كتبتها حول هذا الموضوع قبل أكثر من سنتين عبارة عن نصائح على شكل حوار بين تلميذ وشيخه، أرجو أن فيها ما يفيد..
http://albara2.tumblr.com/post/1507928043
- لا شك أن للظروف النفسية التي يعيشها الإنسان دور كبير في التأثير على أفكاره وسوداوية نظرته للوجود والدين والبشر ، والواقع يثبت هذا ، وقد أشرت لهذه النقطة في مقالي السابق : "لماذا يلحد بعض شبابنا؟" وهو موضوع يستحق البحث من المختصّين..
- عوالم الغيب تختلف كلياً عن عوالم الشهادة ومقاييسها مختلفة تماماً ولذا فإن من الخطأ إثارة استشكالات متعلقة بعالم الغيب دون مراعاة لهذا الفارق..
- قناعتي التي صرت إليها أن الإيمان حالة قلبية أكثر من كونها عقلية.. هي حالة شعورية قلبية ، وإن كانت تستند على أسس ودلائل عقلية .. قد نمتلك نفس المعطيات ونفس الإشكالات فيكون أحدنا مؤمناً عميق الإيمان والآخر عكس ذلك ! لذلك، لا تتوقع أبداً أن يكون إيمانك عقلياً خالصاً وبكل تفاصيله، لأنه بهذه الطريقة لا يمكن أن يسمى إيماناً، بل الإيمان فيه قدر من التسليم والتفويض والقبول بقدر من الغموض ..
نحن مع العقل، ولا بد أن يكون الإيمان مستنداً إلى الأدلة العقلية والمنطقية وأن تخضع كل العقائد والأفكار للمحاججة المنطقية والعقلية.. لكن هناك أمور تحلق عالياً.. منطقها مختلف.. يبصرها القلب بنوره أكثر من أن يبصرها العقل بقيوده ..!
- من الممكن أن نحتضن الشكوك ونعيش بأسئلة معلقة .. بلا إجابة.. يجب أن نتقبل حقيقة أن هناك أسئلة ستظل دوماً بلا جواب .. ولو وجدنا جواباً لكل سؤال لما كان هناك معنى للابتلاء .. الغموض جزء أصيل من معنى الابتلاء .. والإيمان يستند على قدر من التسليم والقبول بهذا الغموض ..
- أخي .. أختي .. أسئلتك.. شكوكك.. حيرتك.. احتضنها برفق.. تصالح معها.. تعامل معها بكل هدوء.. لا تطرحها على كل أحد فتربك بها عقله وإيمانه.. عقولنا تختلف، وأسئلتنا تختلف، وما يثير لي إشكالاً قد لا يثير لك الإشكال نفسه .. وما أجده محيراً قد لا تراه أنت كذلك .. إشكالاتك المحيّرة لا تطرحها إلا عند من تعتقد أنه سيفهمها جيداً ويحسن التعاطي معها، أو من يمكنه أن يفيدك ويجيبك عنها ..
ختاماً .. لا تؤمن بشيء لأن المجتمع يريد منك ذلك ، ولا تؤمن بشيء لأن الإيمان به مفيد لك اجتماعياً .. كن متصالحاً مع ذاتك وقناعاتك .. المهم هو أن تكون صادقاً مع ربك ، ومنسجماً مع ذاتك..
اللهم إنا نسألك قلوباً مؤمنة مطمئنة، وعقولاً راشدة متفكرة، وأرواحاً تشعر بك وتقترب منك..
Bookmarks