لنفترض أن شخصا ما من سكان القرى بجمهورية مصر العربية امتلك بطريق ما جميع العمارات والمنازل والأكواخ والبيوت التي تقع في قريته ... الآن هذا الشخص أصبح ثريا لكن خبر ثراؤه ربما لا يتجاوز القرية التي يقطن بها أو المركز الذي يتبع له .. ثم فجأة قرر هذا الشخص أن يبيع جميع العقارات والأراضي التي يملكها والتي تشمل بيوت وأكواخ وعمارات ومنازل ثم أودع هذه المبالغ الطائلة في أحد البنوك الإسلامية وحصل على صك يفيد بثروته التي تتجاوز المليارات .. في هذه اللحظة بالذات هذا الرجل سوف تعمل له جميع بورصات العالم ألف حساب .. سوف يستطيع أن يمول مشروعات عملاقة .. يؤثر في اقتصادات بنوك بأكملها .. يستطيع أن يرهن أمواله وأن تكون أمواله ضمان لقرض أو حقوق لمساهمين مقابل الإستثمار وأن يكون عضوا مؤثرا بالهيئات الاقتصادية العالمية ..!!
الآن ماذا فعل هذا الرجل ؟؟ هو فقط قام برسملة ممتلكاته .. لكن هل يستطيع هذا الرجل أن يظل ممتلكا للعقارات التي توجد في قريته وفي نفس الوقت أن يستفيد بقوة أمواله ؟؟؟ هذا هو الفرق بين مصر وأمريكا ... الفرق بين الشرق والغرب .. عندنا لا تتحول الأصول والممتلكات إلى ملكية رسمية مُعترف بها وبدون وجود ملكية رسمية لا يستطيع الناس تحقيق ازدهار مهما بلغ قدر الاصول والعقارات التي يراكمونها ومهما بلغ اجتهادهم في العمل إذ سيبقون خارج رادار صانعي السياسة خارج متناول السجلات الرسمية ومن ثَم يبقون غير مرئيين من الناحية الاقتصادية ..
فالملكية الرسمية يمكن استخدامها كضمان لقرض أو حقوق لمساهمين مقابل الإستثمار أو كعنوان لتحصيل الضرائب والديون والرسوم وكموقع لتحديد الأفراد لأغراض تجارية وقانونية ومدنية وكمحطة نهائية ومسئولة لتلقي خدمات المرافق العامة مثل خدمات الطاقة والمياه والصرف الصحي والتليفونات والكابل وبينما تعمل البيوت في الدول المتقدمة كمأوى فإنه يتم تمثيلها لتحيا حياة موازية وتقوم بتشكيلة من الوظائف الإضافية لضمان مصالح الأطراف الأخرى فالملكية القانونية وفرت للغرب أدوات لإنتاج فائض القيمة إضافة لاصولها المادية
إن احترام الملكية والمعاملات في الدول الغربية لم يرسخ في جينات مواطنيها بل تحقق نتيجة وجود نظم ملكية رسمية قابلة للإنفاذ .
والملكية الرسمية ليست هي العقار الموجود بالقرية وإنما المفهوم الاقتصادي عن العقار مجسدا في تمثيل قانوني فالتمثيل الرسمي للملكية شيء منفصل عن الاصل الذي يمثله وهي قدرة يمكن استخدامها لاحقا وضمانها عن طريق الرهن العقاري والرهن وحق الارتفاق وغيرها من الاتفاقيات.

روى المحاضر الأمريكي روسيل كونويل حكاية تاجر هندي رأى أنه سيصبح غنيا بما يفوق الخيال فقط إذا بحث عن كنزه وجاب التاجر العالم وبعد سنوات عاد إلى بلده عجوزا حزينا مهموما وعندما همَّ بدخول منزله المهجور منذ زمن شعر برغبة في شربة ماء لكن البئر الموجودة في أملاكه كانت قد انطمرت منذ زمن وأخذ وهو مكدود جاروفه ليحفر بئرا جديدة ولما همَّ بذلك ارتطم فورا بالجلوكندا أكبر منجم للألماس في العالم ..( ففي خضم أفقر المجاورات ومدن الاكواخ إن لم يكن فدادين من الألماس فتريليونات من الدولارات كلها جاهزة لوضعها موضع الاستعمال فقط اذا امكن التوصل الى السر الذي يبين كيف تتحول الأصول والعقارات إلى ملكية رسمية حتى تدر عائدا ).

الملكية الرسمية ليست هي الرصيد المتراكم من الأصول وإنما الإمكانية التي تحوذها في أن تنشر إنتاجا جديدا تماما مثل الطاقة النووية الكامنة في معادلة اينشتاين فبدون عملية التحويل لن يحدث انفجار ويتطلب خلق رأس المال أيضا عملية تحويل.

كتب سيموند دي سيسموندي الاقتصادي السويسري الذي عاش في القرن التاسع عشر أن رأس المال كان دائما قيمة تتضاعف ولا تفنى وعندئذ تنفصل هذه القيمة عن المنتَج الذي يخلقها وتصبح كمية ميتافيزيقية وغير مادية توجد دوما في حيازة من ينتجها أيا كان ..
وكما يقول الاقتصادي الفرنسي الشهير جان بابتيست ساي إن طبيعة رأس المال لامادية على الدوام حيث أنه ليست المادة هي التي تشكل رأس المال وإنما قيمة هذه المادة وليس هناك شيء مادي بشأن القيمة ..

رأس المال مثل الطاقة له قيمة هاجعة بداخله ويتطلب ذلك عملية لتحديد وتثبيت الإمكانية الإقتصادية الكامنة في أصل شيء ما في شكل يمكن استخدامه لاستهلاك انتاج اضافي .
وعلمية التحويل هذه لم تجر قصدا لخلق رأس المال وانما لحماية الملكية العقارية لكن مع الوقت تطورت مع الزمن وتشابكت وتمخضت عن رأس المال كما لم يحدث من قبل ورغم أننا ندرك هذه الآليات من قبل فإننا لم ندرك ان لها وظائف في توليد رأس المال فان ما يخلق رأس المال في الغرب هو علمية مطمورة في تعقيدات نظم الرسملة للملكية .

إن الملكية الرسمية هي التي توفر العمليات والأشكال التي تحدد وتثبت الاصول في وضع يتيح لنا إدراكها باعتبارها رأس مال منتج .. بينما أي أصل لم تُحدَد وتثبت جوانبه الاقتصادية والاجتماعية في نظام رسمي للملكية يصعب لأقصى حد تحركه في السوق .
إن ما يفتقر إليه الفقراء هو سهولة الوصول الى آليات الملكية بينما في الغرب كل أصل كل قطعة ارض كل بيت كل ملك منقول مثبت ومحدد رسميا في سجلات يجري تحديثها وتُحددِها قواعد متضمنة في نظام الملكية وبدون الملكية الرسمية تصبح أصول البلدان النامية رصيد غير مُستَغل من الطاقة الكامنة .
إن الملكية مفهوم مثلها مثل الطاقة لا يمكن اختبارها مباشرة فلم تُشاهَد الطاقة المحضة مطلقا ولا يستطيع انسان ان يرى الملكية .
إن راس المال يتولد عن التمثيل كتابة في سند ملكية - أوراق مالية - عقد وغيرها من السجلات للوسائل الأشد نفعا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالاصل.

وحتى الذين يعيشون في أشد نظم عدم المساواة غلظة يملكون ما يزيد كثيرا على ما أدركه الجميع في أي وقت حيث يملأ رأس المال غير المنتج الذي لا يدر عائدا تلالا في شوارع البلدان النامية ومع ذلك فإن ما يملكونه لا يتم وضعه وتمثيله بطريقة تجعله يُنتج قيمة اضافية .

فكما علمنا اينشتاين بخصوص تحويل المادة إلى طاقة فكذلك رأس المال هو نتيجة لاكتشاف وإطلاق طاقة كامنة من تريليونات الدولارات في ثمن الاكواج وبيوت الصفيح راكمها الفقراء عبر السنين في مبانيهم والناس لا يستطيعون أن يستمدوا الحياة الاقتصادية من مبانيهم لتوليد رأس المال .. والدول الغربية تبدو عاجزة عن تعليمهم جعل الاصول تنتج رأس مال فهذا صار سرا نسيه الزمن .

في حالة مصر تبلغ قيمة رأس المال الذي لا يدر عائدا في العقارات قريبا من تريليون دولار ويبلغ هذا ثلاثين مثل قيمة كل الاسهم المسجلة في بورصة القاهرة ويبلغ 55 مثل قيمة كل الاستثمار الاجنبي بمصر .. لقد خلق إبداع الفقراء ثروة واسعة النطاق ثروة تمثل أكبر مصدر لرأس المال المحتمل اللازم للتنمية ثروة تزيد عدة مرات عن كل المعونة الملقاة من البلدان المتقدمة وكل القروض التي يمنحها البنك الدولي .
إن الفقراء لم يعودوا مشكلة بل صاروا هم الحل إنها فدادين من الالماس .

في الغرب كل قطعة أرض وكل بناية وكل قطعة من المعدات أو مخزن للموجودات أو قرميدة في الحقل تمثلها وثيقة للملكية تشكل دليلا مرئيا على عملية مستترة شاسعة تربط كل هذه الاصول بباقي الإقتصاد وبفضل هذه العملية الوصفية التمثيلية فإن الاصول يمكن ان تكتسب حياة غير مرئية موازية الى جانب وجودها المادي اذ يمكن استخدامها كرهن ضمان لائتمان ما .. إن أهم مصدر وحيد للأموال بالنسبة لمشروعات الأعمال الجديدة في الولايات المتحدة هو الرهن على مؤسسات منظمي المشروعات ويمكن لهذه الاصول أيضا أن توفر رابطة بتاريخ المالك الائتماني وعنوان مختار خاضع للمسائلة لتحصيل الديون وزكاة الأموال وأساس لإقامة مرافق عامة يعول عليها وشاملة وأساس لإنشاء الأوراق المالية مثل السندات المستندة إلى رهن والتي يمكن عندئذ إعادة خصمها وبيعها في الاسواق الثانوية وبهذه العملية يبعث الغرب بانفاس الحياة في الاصول ويجعلها تولد رأس المال ولا تتوافر لبلدان العالم الثالث هذه العملية الوصفية التمثيلية ومن جراء ذلك فان معظمها يشكومن نقص الرسملة بنفس الطريقة التي تعاني بها شركة ما من نقص الرسملة عندما تصدر أوراقا مالية أقل مما يبرره دخلها وأصولها إن مشروعات الفقراء وأكواخ المعوزين تشبه كثيرا الشركات التي لا تستطيع أن تصدر أسهما أو سندات للحصول على استثمار وتمويل جديدين ذلك أنه بدون توافر الوصف التمثيلي تعد أصولها رأسمالا ميتا غير منتج .. إن عدم توافر هذه الأنواع الأساسية من الوصف والتمثيل هو الذي يفسر السبب في أن الناس الذين طوعوا كل الاختراعات الغربية الاخرى من مشبك الورق إلى المفاعل النووي لم يستطيعوا أن ينتجوا ما يكفي من رأس المال لجعل رأسماليتهم المحلية تثمر ذلك هو سر رأس المال إن من أكبر التحديات التي تواجه العقل البشري فهم والوصول الى الأشياء التي نعرف أنها موجودة ولا نستطيع أن نراها ليس كل ما هو حقيقي ومفيد ملموس ومرئي فالزمن مثلا حقيقي ولكن لا يمكن إدارته بصورة كفء إلا عندما تمثله الساعة والتقويم الزمني ... رأس المال يمكن استخلاصه ومعالجته من الأصول لكن الغرب وحده لديه عملية التحويل المطلوبة لجعل غير المرئي مرئيا وهذا التباين هو الذي يفسر السبب في أن الدول الغربية تستطيع أن تخلق رأس المال وأن بلدان العالم الثالث لا تستطيع ذلك .

إن غياب هذه العملية في بلادنا ليس نتيجة نوع من المؤامرة الاحتكارية الغربية بل بالأحرى أن الغربيين اعتبروا هذه الآلية أمرا مسلما به وبصورة كاملة الى حد انهم فقدوا الوعي بوجودها .
وفي مصر تبلغ قيمة البيوت الغير قانونية قرابة 320 مليار دولار وهو مبلغ يفوق الاستثمارات الاجنبية المباشرة في الدول النامية مجتمعة
لا يزال معظم المواطنين غير قادرين على استخدام القانون لتحويل المدخرات لرأس مال ومتى تم تحويل الموارد إلى نقود وتقسيم الملكية إلى أسهم وتم وصف الأصول نمطيا والمقارنة بينها بسهولة عندها فحسب يمكن توليد رأس المال .
إن ما يفوت العين المجردة أن كل التقدم تحقق في مجال العمل المصرفي تلقاء الاوراق المالية فالرأسمالية تعمل على مستوى اللاوعي .

الآن هل يمكن رسملة ملايين العقارات بمصر وإنتاج رأس مال إضافي ميتافيزيقي للأسف الشديد فالروتين المقرف في بلادنا يحرمنا من رسملة ما نملك من تريليونات الدولارات يحرمنا من استراتيجية التحرك من رأس مال غير منتج الى رأس مال منتج ففي مصر يتعين على الشخص الذي يرغب في الحصول على قطعة أرض من الصحراء مملوكة للدولة ويسجلها قانونا أن يشق طريقه خلال قريبا من 77 إجراء بيروقراطي على الاقل في 31 هيئة عامة وخاصة وقد يستغرق هذا بين 5-14 سنة .. واذا قرر رجل بناء بيته على أرض زراعية وأن يكون مواطن ملتزم بالقانون فإنه يخاطر بهدمه ودفع غرامة باهظة وأن يمضي في السجن ما يصل الى 10 سنوات فهؤلاء لا يحطمون القانون بقدر ما يحطمهم القانون .
كل هذه الإجراءات من أجل الحصول على ترخيص فما بالنا ونحن نريد رسملة تريليونات قطع القرميد في بيوتنا وأكواخنا وفيلاتنا .. متى نبدأ في تنفيذ هذه الفكرة الجبارة ؟؟ متى نبدأ في انتاج رأس مال إضافي ...!!
وعلى الرغم من التعقيد والضبابية والشعور بتعسر تطبيق الفكرة فإن الوعي العام بقيمة الفكرة سيدفع الجميع لتسجيل ممتلكاتهم وعقاراتهم وأدواتهم وأجهزتهم وكل قطعة قرميد في منازلهم وهذا أمر جد يسير لو أننـا عقدنا العزم .. فالكلاب تعرف أين تقع حدود الملكية فهي متأكدة تماما من الاصول التي يملكها أصحابها فهل نعجز أن نحدد أصول ملكياتنا وأن نسجلها ونرسملها ..؟

إن الفارق بين الامم المتقدمة وباقي العالم هو الفارق بين البلدان التي تنتشر فيها الملكية الرسمية والبلدان التي تنقسم فيها الطبقات إلى من يستطيعون تثبيت حقوق الملكية وانتاج رأس المال ومن لا يستطيعون ذلك.
فالنقود والسلع في حد ذاتهما ليستا برأس مال بدرجة أكبر من وسائل الانتاج وإن وسائل الإنتاج تروم أن تتحول إلى رأس مال .
فقدرة الملكية على تمثيل جوانب الاصول في أشكال تسمح لنا باعادة الجمع فيما بينها لتجعلها حتى اكثر فائدة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي حيث ان النمو في جوهره هو الحصول على مخرجات عالية القيمة من مدخلات منخفضة القيمة.
إن حجر العثرة الاساسي بالنسبة للدولة النامية تتمثل في عجز تلك الدول عن إنتاج رأس المال فرأس المال هو القوة التي تزيد انتاجية العمل وتخلق ثروة الامم .

يبدو لي أن هذه هي اللعبة الوحيدة في البلدة إنها النظام الوحيد المُتاح الذي يُزودنا بالأدوات المطلوبة لخلق فائض القيمة على نطاق حاشد .. إنه النظام المتاح الذي نصنع من خلاله رأس المال الإسلامي والصكوك الإسلامية إنه الطريق الثالث من وجهة نظري ..!!

الفكرة مستقاه من كتاب سر رأس المال .. لماذا تنتصر الرأسمالية في الغرب وتفشل في كل مكان آخر .هرناندو دي سوتو .. ترجمة :كمال السيد .. مكتبة الاسرة طبعة 2009