النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: المَرجعيَّةُ السَّلفيَّةُ في فَهمِ نُصوصِ الكتابِ والسُّنة النَّبوِية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي المَرجعيَّةُ السَّلفيَّةُ في فَهمِ نُصوصِ الكتابِ والسُّنة النَّبوِية

    بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه , وإخوانه , اما بعد ,
    ووفقنا الله واياكم لمراد الاله , من كلام الله , ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق مرادِهما ! فلا اختيار مع قضاء الله وقراره اذا ما تحقق " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم " فهذه قاعدة "لا اجتهاد مع النص" : ويقصد بها النص الصحيح الصريح الذي لا تجتذبه القرائن عن دلالاته ! اذ الاصل في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة كما قال الرب " وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين" وهذه الاية تنص على ذلك , فلا يعدل عن المعنى الحقيقي -المنصوص عليه من اللسان العربي المبين من الرب العليم بكلامه الى من يخاطب !- الى المعنى المجازي ,الا بقرينة تخرجه من حيّز الحقيقية الى فضاء المجاز التي تسبح فيها الاراء والاجتهادات و تكون في مجملها في حيّزة القبول . اما قبل ذلك فلا اجتهاد !, ولا يفتح الباب الا بشاهدين عدلين ! من كلام الله ومن كلام رسوله صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ! , ويتفرعُ عن هذا الاصلِ انه لا يصح اجتهادُ مجتهدٍ حتى يجمع أطراف الأدلة ومراتبها من الكتاب والسنة , فالقرآن يفسرُ بعضه بعضاً , وسياق خِطاب المخَاطِب للمُخَاطَب , فإن استعجل المجتهد ذلك أُوقف عن اجتهاده بتهمة العجلة المذمومة التي فُطر عليها , وكان ينبغي له ان يصبر ويتصبر , ويحلم ويتحلم , ويعلم ويتعلم , قال الله " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علماً " , فكل ما أثبته المجتهد قبل ان يتم مراتب الادلة كان مرفوضاً , واما المؤاثمة والمؤاجرة على اجتهاده فله محله , وان كُنت أخشى ان يناله اثم بعدما قرأت هذا النهي الالهي !

    والأمر الاخر : أن الله سبحانه كما اختار شريعته قد اختار لهذا الشريعة حملة لها, حباهم الله بهذا الشرف العظيم , لنقائهم , ولعلمه المسبق بأحوال عباده ممن يتحملون أعباء الرسالة والمشاق والتعب , والاقتفاء والاقتداء , والتقيّد بشريعة الملك الوهاب قولاً وعملاً واعتقاداً , وتطبيقها في جميع احوال حياتهم الدنيوية والاخروية , وان ممن حباهم الله بهذا الفضل هم سادة العلماء والاتقياء صحابة النبي صلى الله عليه سلم , ومن تبعهم باحسان لقربهم من السراج المنير , وعصر الرسالة , وفيح رياحين السنة آن ذلك .

    فهم تلامذة النبي صلى الله عليه وسلم وأعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهم , وعلة ذلك ! * كونِهم اهل لسان , يقول شيخ الاسلام في رسالة (التوسل) " ومن لم يعرف لغة الصحابة التى كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبى صلى الله عليه وسلم وعادتهم فى الكلام، وإلا حرف الكلم عن مواضعه، فإن كثيراً من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم فى الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ فى كلام اللّه أو رسوله أو الصحابة، فيظن أن مراد اللّه أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده بذلك أهل عادته واصطلاحه، ويكون مراد اللّه ورسوله والصحابة خلاف ذلك .

    وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم، وآخرون يتعمدون وضع ألفاظ الأنبياء وأتباعهم على معان أخر مخالفة لمعانيهم، ثم ينطقون بتلك الألفاظ مريدين بها ما يعنونه هم، ويقولون : إنا موافقون للأنبياء ! وهذا موجود فى كلام كثير من الملاحدة المتفلسفة والإسماعيلية ومن ضاهاهم من ملاحدة المتكلمة والمتصوفة، مثل من وضع المحدث و المخلوق و المصنوع على ماهو معلول وإن كان عنده قديماً أزلياً، ويسمى ذلك الحدوث الذاتي ثم يقول : نحن نقول : إن العالم محدث، وهو مراده . ومعلوم أن لفظ المحدث بهذا الاعتبار ليس لغة أحد من الأمم، وإنما المحدث عندهم ما كانوا بعد أن لم يكن .

    وكذلك يضعون لفظ الملائكة على ما يثبتونه من العقول والنفوس وقوى النفس . ولفظ الجن و الشياطين على بعض قوى النفس، ثم يقولون : نحن نثبت ما أخبرت به الأنبياء وأقر به جمهور الناس من الملائكة والجن والشياطين ومن عرف مراد الأنبياء ومرادهم علم بالاضطرار أن هذا ليس هو ذاك، مثل أن يعلم مرادهم بالعقل الأول، وأنه مقارن عندهم لرب العالمين أزلا وأبداً، وأنه مبدع لكل ما سواه، أو بتوسطه حصل كل ما سواه "

    * ثم إنهم رأووا النبي صلى الله عليه وسلم , ونقلوا عنه ما يرجحون به مفهوم أفعاله واقواله , فنقلوا السنن الينا على وفق مراد الله , والا لما صح اختيار الرب لهم حملةً لشريعته وهم لا يفقهون شيئاً , وصار من بعدهم يستدرك عليهم ! زكان ذلك استدراك على الله بوجود اناس أقوم وأهيأ منهم يتفهمون خطابات النبي صلى الله عليه وسلم على اتم وجه !
    فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال " ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون "مسلم . يقول د. عبد الله الوكيل في- فهم السنة - " ومن المعلوم في بداهة العقول أن العمل لا يكون إلا بعد تمام العلم ! من أجل ذلك فسر قتادة قوله تعالى" ويرى الذين أتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد " بأنهم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. "

    * وكان القران لا يزال ينزل مخبراً النبي صلى الله عليه وسلم بأحوال أصحابه فمثلاً كقول النبي صلى الله عليه سلم لسعد " لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة " ! وكذا فضحه لبعض المنافقين حتى نزلت الفاضحة , حتى صار الصاحبة يتوجسون خيفة أخرج الإمام البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لـابن عباس رضي الله عنهما: سورة التوبة، قال: التوبة هي الفاضحة، السورة التي فضحت المنافقين، ما زالت تنزل ومنهم: ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحداً منهم إلا ذكر فيها، ما زالت تنزل في السورة: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي )تفضح أخبار المنافقين، وتهتك سترهم؛ ولذلك سميت: الفاضحة، حتى ظنوا أنها لم تبق أحداً منهم إلا ذكر فيها، فكانوا يشتكون من نزول مزيد من الآيات لأنها تفضح وتكشف وتهتك أستار المنافقين .

    وقال جابر يقول " لا زلنا نعزل والقرآن ينزل " وهذا دليل على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخَبر بأحوال أصحابه ! , واما المسكوت عنه فهو اما في حيز الاباحة , او له أصل يقاس عليه , او هو محل اجتهاد تركه الله امتحانا ً!

    وكانوا أحرص الناس على طلب العلم وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مليكة في العلم عن عائشة رضي الله عنها أنها " كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه , ولما حاجج ابن عباس الخوارج احتج بذلك فقال لهم " جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس فيكم منهم أحد , ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعليهم نزل القرآن , وهم أعلم بتأويله " - فهم السنة -
    إذ كانوا أصحابه فقد كانوا مواكبين له حال نزول الوحي , وحال بيانه , فكانوا ادرى الناس بمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لذلك !
    يقول شيخ الاسلام "من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق . وكلاهما ممتنع . أما الأول : فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه؛ أعني بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته . وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر . وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضا عن الله وأعظمهم إكبابا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى؛ فكيف يقع في أولئك ؟ وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه : فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم . "

    واعلم اخي وفقنا الله واياك ان ما تقرر من تحقيق حال السلف مع الوحي وانهم ادرى الناس بمراد الله لما ذكرنا , لا يضفي الى ذلك عصمة بل قد يخطئون وقد تكون المرجحات في الكفة الاخرة شريطة صحة القرينة التي تدل على الدليل الصحيح , فالدليل الذي لا يدل على المقصود لا يُستدل به ! فالقرينة المقدمة في موطن النزاع لتكون دليلاً لا بُدل ان تفوق المأثور عنهم أو تتساوى معه ,- وفي الترجيح بينهما قد يكون من الخلاف السائغ - اما ان تقدم القرينة الواهية على انها المرجح فهذا شارد من قواعد الاجتهاد , وتحلقه معرة !
    وقد اشار الله الى فضل السابقين وفضل اتباعهم في كتابه , وذم من خالف هذا السبيل المتين المبني على الادلة , المنافي للتبعية حيث قال " يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا"
    ففي ذلك تخفيف والله من اتباع الظنون والتفلسف المجنون !

    وقد حذر الله من هذا السبيل حيث قال " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا"
    ولذلك حذر اهل العلم من استخراج دليل ليس له سلف , فقد بعض السلف يحذر تلامذته فيقول لهم " اياك ان تجتهد في مسألة وليس لك فيها سلف !" وليس المقصود من ذلك الاستنباطات العلمية الحديثة والاعجازية التي توافق المعنى التام للمراد من الاية , وبيان اعجاز كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذا لا خلاف فيه لمطابقته دلائل الخطاب التطابقية , او الالتزامية , او الضمنية !

    انما الاجتهادات المذمومة التي لا تُبنى على حقائق علمية ويُورد لها المنصوص تكلفاً , وليّا , و خنقاً ! فهذا يضيف معنىً جديداً في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ضارباً بعقود من الزمان متعاقبة صفحاً ! وهل هذا الا اتهام لمن سبقنا بأنهم لم يعوا مراد الله ولا رسوله , ولا من كان ملازماً لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولا لنقلته عنهم , حتى يظهر الله لنا من بعدهم 1400 سنة من يستخرج مراد الله ؟ اليس هذا طعن بحكمة الله وعدله ان يبقي عباده على الجهل التام , والمخالفة لمراده طوال هذه المدة ؟

    وامر اخير مهم للباحث عن مراد الله من كلامه حتى يتبعه , ان يستدل ثم يعتقد , فهذا منهج أهل السنة , يأصلون ثم يعتقدون , فلا اعتقاد قبل الاستدلال لان المحصلة ستكون مشوهة , وستفترس ايّ دليل صحيح يعرض لها وتمزقه كل ممزق ! , الا ان الانصات الى الداعِ , وتجديد النية مما يسكن هذه النفرة , وتوجيه النفس لمقصد الاخلاص , مع عدم الالتفات الى صيحات المهذربين من الملاحدة والمرتدين , من ايراد استشكالات قد تنبت في القلب الخوف من صيحاتهم , والخشية من مواجهة افتراءات التي لا تعدو ان تكون سحائب شبه , تتلاشى مع نور الحق ! , وقد يظهر هذا النور فجأة ليبدد هذه السحائب وقد يتأخر , فبالاستعانة بالله والصبر على مراد الله خير خير هدى للمهتدي بهدي الهادي
    وفي قوله " سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " دلالة على ان التكذيب واقع من كفرة لكتاب الله ومراده , فلا تُتَبع أهوائهم , ويُحذّر المكلف من أن يفتنونه عن ما أنزل العليم الخبير بمثل هذه الشبه التي لم تقف علموهم اصلاً على قدم , ولم يبلغوا ذورته , بل كل يوم هم في امر يتجدد لهم !
    وكما أُثر عن الامام مالك رحمه الله انه جاءه رجل يريد المناظرة فقال: فإن غلبتني؟ قال: اتبعني قال: فإن غلبتك؟ قال: اتبعتك قال: فإن جاء رجل، فكلمنا، فغلبنا؟ قال: اتبعناه. فقال مالك: يا هذا، إن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بدين واحد، وأراك تتنقل.!

    هذه بعض الملاحظات التي أرجو من الله ان يبين لنا فيها الحق ويرزقنا اتباع رضاه فيها, والله الموفق
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

  3. #3

    افتراضي

    مقال هام جدير بالتدبر والاهتمام خصوصا لطلبة العلم الشرعي....

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء