النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: لِماذا تُلْزَمُونَنَا بِفَهْم السَّلَفِ ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي لِماذا تُلْزَمُونَنَا بِفَهْم السَّلَفِ ؟

    بسم الله , والحمدُ لله , والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله , وعلى آله وصحبه , وإخوانه , أما بعدُ :
    فقد رويَ عن أبي الدرداءِ أنه قال " لَا تُهْلِكَ أُمَّة حَتَّى يتبعوا أهواءَهم، ويتركوا ما جاءتهم به أنبياؤهم من البينات والهُدى " , وما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم الا وقد أتم دعوته , وبلغ رسالته , وأكمل الله به الدين القويم , فمن اتبعه كانَ على صراطٍ مستقيم . ولقد سار السلف على وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم , وبلغوا رسالته الى الافاق ,على نور من الله , يرجون ثواب الله , على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكانوا قدوة لمن بعدهم قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 15-100 " من قول مالك في السنة:وبه: حدثنا محمد بن أحمد بن علي، حدثنا الفريابي، حدثنا الحلواني، سمعت مطرف بن عبد الله، سمعت مالكا يقول: سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها، فهو مهتد، ومن استنصر بها، فهو منصور، ومن تركها، اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم، وساءت مصيرا."

    فالمقصود بالسلف تلك الثُّلة المباركة, في تلك الحقبة النيّرة التي أثنى الله عليهم في كتابه , وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة والتابعون وتابعيهم باحسان الى يوم الدين ! قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قوله " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .." بخاري

    قال السفاريني في اللوامع " المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - وأعيان التابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة ، وعرف عظم شأنه في الدين ، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف ، دون من رمي ببدعة ، أو شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية " 1-20

    وقد كانت طريقتهم السمع والطاعة " وقالوا سمعنا واطعنا " راجين بذلك المغفرة من رب عفور رحيم , ليقينهم بان مآلهم إليه يوماً " غفرانك ربنا واليك المصير " قد تلقوا القرآن والسنة من النبي صلى الله عليه وسلم غضاً طرياً بلا تأويل ولا تحريف ولا تعطيل ! فكانوا ادرى الناس باحوال النبي صلى الله عليه وسلم واقواله وافعاله وتقريراته . فكان السير على منوالهم طريق نجاة! لما حباهم الله عليه من التقى حيث علق النبي صلى الله عليه وسلم النجاة بذلك قائلاً " تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي " الترمذي صحيح بطرقه .

    فاصطفاهم الله لصحبة خليله صلى الله عليه وسلم , للاخذ والفهم عنه وحتى ينشروا دينه , فيُجل الله ان يختار لنصرة دينه وشرعه من لا يعيّ كلامه ولا يفقَه مرامه !

    قال الشاطبي في الاعتصام " فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام ما أنا عليه واصحابي فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنوه وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق وبشهادة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهم بذلك خصوصاً في قوله "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" وأشباهه أو لأنهم المتقلدون لكلام النبوة المهتدون للشريعة الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال بخلاف غيرهم فإذا كل ما سنوه فهو سنة من غير نظير فيه بخلاف غيرهم فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالا قطعا على هذا القول "

    فكانوا على هذا أهدى أهل الارض لصراط رب العالمين , بتزكيّة نبيّ الاميين لهم ! فقهاً وعلماً وأصولاً وفروعاً , يقول الشاطبي " والذي عليه النبي وأصحابه ظاهر في الأصول الاعتقادية والعملية على الجملة، لم يخص من ذلك شيء دون شيء." , وقال " فهذا نص على دخول الأصول العملية تحت قوله: "ما أنا عليه وأصحابي"، وهو ظاهر؛ فإن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية. "

    وقال البيهقي قال البيهقي في الاعتقاد 234 " وفي حديث عبد الله بن عمرو: (إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي) وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول، فإنه لم يُرْوَ عن واحدٍ منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب. فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه، فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتُهم فيه، وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوّغ لهم هذا النوع من الاختلاف؛ حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف، وجعل للمصيب منهم أجرين، وللمخطئ منهم أجرًا واحدًا، وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد، ورُفع عنه ما أخطأ فيه "

    فتأمل يرعاك الله حال أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم , وحملة رسالته , حتى تعيَ عظمَ غراس من يغرسهم الله ليستخدمهم في طاعته ! روى الامام احمد 3600 في مسنده
    عن عبد الله بن مسعود قال " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه و سلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ " وهو حديث حسن موقوف

    قال الشافعي في الرسالة بعد أن ذكرهم وذكر من تعظيمهم وفضلهم: "وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به عليهم , وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا" وقال "وقد أثنى الله على الصحابة في القرآن والتوراة والإنجيل وسبق لهم من الفضل على لسان نبيهم ما ليس لأحد بعدهم"

    قال ابن القيم في اعلام الموقعين " ومن المحال أن يخطئ الحق في حكم الله خير قلوب العباد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظفر به من بعدهم !, وأيضا فإن ما أفتى به أحدهم وسكت عنه الباقون كلهم فإما أن يكونوا قد رأوه حسناً , أو يكونوا قد رأوه قبيحاً ! فإن كانوا قد رأوه حسناً فهو حسن عند الله! -لعصمة اجتماعهم على غلط- وإن كانوا قد رأوه قبيحاً ولم ينكروه لم تكن قلوبهم من خير قلوب العباد وكان من أنكره بعدهم خيراً منهم وأعلم وهذا من أبين المحال" فتأمل هذا الكلام البديع الاصيل , حتى تبصر مواطن نبل قومٍ , قد تجرأوا على مقامهم , وعلى ما حباهم الله به من هذا الاختيار ليكونوا حملةً لدينه !


    ولقد أرشد الصحابي الجليل ابن عمر لعلو كعبهم , داعياً اقتفاءَ آثارهم فقال "من كان مستناً فليستن بمن قد مات ؛أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم -كانوا خير هذه الأمة ،أبرّها قلوباً، وأعمقها علماً ،وأقلها تكلفاً ،قوم اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-" الحلية 305
    ولو قمتَ بقلب هذا المعنى لظهر لك سوءة الاستنان بهدي من بعدهم , لكونهم لا يعدون من خيار هذه الامة , ولجهالة احوال قلوبهم وما انطوت عليه ! , والتكلف سيمة من بعدهم
    كيف لو انضاف له قلة علم ؟ ولذلك قال ابن رجب " كلام السلف قليل كثير الفائدة , وكلام الخلف كثير قليل الفائدة !" -والله المستعان !- , فلو لم يكن في سنة غيرهم الا شرف الصحبة لكفى بها شرفاً !

    وروى البخاري عن حذيفة قال " يا معشر القراء استقيموا فقد سُبِقتم سبقاً بعيداً فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالاً بعيداً " 6853

    قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (استقيموا) أي على جادة الشريعة ، أي اسلكوا طريق الاستقامة ، بأن تتمسكوا بأمر الله فعلاً وتركاً. (فقد سبقتم) بفتح السين والموحدة ، قال الحافظ : هو المعتمد ، وحكي بضم السين وكسر الباء مبنياً للمفعول ، والمعنى على الأول : اسلكوا طريق الاستقامة ؛ لأنكم أدركتم أوائل الإسلام ، فإن تتمسكوا بالكتاب والسنة ، تسبقوا إلى كل خير ؛ لأن من جاء بعدكم إن عمل بعملكم لم يصل إليكم لسبقكم إلى الإسلام ، ومرتبة المتبوع فوق مرتبة التابع ، وإلا فهو أبعد منه حساً وحكماً. وعلى الثاني : أي سبقكم المتصفون بتلك الاستقامة إلى الله ، فكيف ترضون لنفوسكم هذا التخلف المؤدي إلى الانحراف عن سنن الاستقامة يميناً وشمالاً ، الموجب للهلاك الأبدي. (سبقاً بعيداً) أي ظاهر التفاوت. (وإن أخذتم يميناً وشمالاً) أي خالفتم المذكور بالإعراض عن الجادة والانحراف عن طريق الاستقامة. (فقد ضللتم ضلالاً بعيداً) أي عن الحق بحيث يبعد رجوعكم عنه إليه ، وكلام حذيفة منتزع من قوله تعالى : "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ، والذي له حكم الرفع من حديث حذيفة هذا الإشارة إلى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين مضوا على طريق الاستقامة "


    يقول ابن الحاج " فما حدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به ومعاذ الله أن يكون ذلك إذ أنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم ومعلوم أنهم أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعاً , وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به لم يتركوا إلا لموجب أوجب تركه فكيف يمكن فعله؟ هذا مما لا يعقل! وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وأفضل وأعرف بوجوه البر وأحرص عليها ! ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم وقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: عقول الناس على قدر أزمنتهم ولأجل هذا المعنى لم يكن عندهم إشكال في الدين ولا في الاعتقادات لوفور عقولهم وإنما حدثت الشبه بعدهم لما خالطت العجمة الألسن فلنقصان عقول من بعدهم عن عقولهم وقع ما وقع " 4-264

    * فإن قيل: من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟.

    فهذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحب لنا مستحب آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ورفع بها صوته وقال من أين لكم أنه لم ينقل! واستحب لنا آخر لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر الله واسم رسوله جماعة وفرادى وقال: من أين لكم أن هذا لم ينقل! واستحب لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال من أين لكم أن إحياءهما لم ينقل ؟! وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى بدعة من أين لكم أن هذا لم ينقل؟!! ومن هذا تركه أخذ الزكاة من الخضروات والمباطخ وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة فلا يطالبهم بزكاة ولا هم يؤدونها إليه." اعلام الموقعين 2- 460

    ولذلك كانت القاعدة أن ما ترجحت مصلحته , وكان المقتضي لفعله ظاهراً مع الوسع والطاقة ولم يُفعل , كانت المصلحة في تركة , ويستدل لذلك شيخ الاسلام في تركة السلف بدعة المولد النبوي قائلاً " فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيراً , ولو كان هذا خيراً محضاً، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص."



    لو كان خيراً لسبقونا اليه ..

    يقرر الشاطبي في الموافقات 6-392 قاعدة " لو كان خيراً لسبقونا اليه " توهم بعض المتأخرين استظهار نص قد خفي عليهم فقال " وما توهمه المتأخرون من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه ألبتة؛ إذ لو كان دليلا عليه؛ لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له، ولو كان ترك العمل؛ فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين، وكل من خالف الإجماع؛ فهو مخطئ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، فما كانوا عليه من فعل أو ترك؛ فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثم إلا صواب أو خطأ؛ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كافٍ، والحديث الضعيف الذي لا يعمل العلماء بمثله جارٍ هذا المجرى.

    ومن هنالك لم يسمع أهل السنة دعوى الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي أنه الخليفة بعده؛ لأن عمل كافة الصحابة على خلافه دليل على بطلانه أو عدم اعتباره، لأن الصحابة لا تجتمع على خطأ، وكثيراً ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة، يحملونهما مذاهبهم، ويغبرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة، ويظنون أنهم على شيء.

    ولذلك أمثلة كثيرة كالاستلالات الباطنية على سوء مذهبهم بما هو شهير في النقل عنهم، وسيأتي منه أشياء في دليل الكتاب إن شاء الله، واستدلال التناسخية على صحة ما زعموا بقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}... وكثير من فرق الاعتقادات تعلق بظواهر من الكتاب والسنة في تصحيح ما ذهبوا إليه؛ مما لم يجر له ذكر ولا وقع ببال أحد من السلف الأولين، وحاش لله من ذلك.!

    ومنه أيضا استدلال من أجاز قراءة القرآن بالإدارة، وذكر الله برفع الأصوات وبهيئة الاجتماع بقوله عليه الصلاة والسلام: "ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسُونه فيما بينهم" الحديث، والحديث الآخر: "ما اجتمع قوم يذكرون الله..." إلخ، وبسائر ما جاء في فضل مجالس الذكر وكذلك استدلال من استدل على جواز دعاء المؤذنين بالليل بقوله تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} .. وقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.. وبجهر قوام الليل بالقرآن، واستدلالهم على الرقص في المساجد وغيرها بحديث لعب الحبشة في المسجد بالدرق والحراب، وقوله عليه الصلاة والسلام لهم: "دونكم يا بني أرفدة". متفق عليه

    واستدلال كل من اخترع بدعة أو استحسن محدثة لم تكن في السلف الصالح، بأن السلف اخترعوا أشياء لم تكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ككتب المصحف، وتصنيف الكتب، وتدوين الدواوين، وتضمين الصناع، وسائر ما ذكر الأصوليون في أصل المصالح المرسلة؛ فخلطوا وغلطوا، واتبعوا ما تشابه من الشريعة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها، وهو كله خطأ على الدين، واتباع لسبيل الملحدين؛ فإن هؤلاء الذين أدركوا هذه المدارك، وعبروا على هذه المسالك؛ إما أن يكونوا قد أدركوا من فهم الشريعة ما لم يفهمه الأولون، وحادوا عن فهمها وهذا الأخير هو الصواب إذ المتقدمون من السلف الصالح هم كانوا على الصراط المستقيم، ولم يفهموا من الأدلة المذكورة وما أشبهها إلا ما كانوا عليه، وهذه المحدثات لم تكن فيهم، ولا عملوا بها؛ فدل على أن تلك الأدلة لم تتضمن هذه المعاني المخترعة بحال، وصار عملهم بخلاف ذلك دليلاً إجماعياً على أن هؤلاء في استدلالاتهم وعملهم مخطئون ومخالفون للسنة.

    فيقال لمن استدل بأمثال ذلك: هل وجد هذا المعنى الذي استنبطت في عمل الأولين أو لم يوجد؟ فإن زعم أنه لم يوجد -ولا بد من ذلك- فيقال له: أفكانوا غافلين عما تنبهت له أو جاهلين به، أم لا؟ ولا يسعه أن يقول بهذا؛ لأنه فتح لباب الفضيحة على نفسه، وخرق للإجماع، وإن قال: إنهم كانوا عارفين بمآخذ هذه الأدلة، كما كانوا عارفين بمآخذ غيرها؛ قيل له: فما الذي حال بينهم وبين العمل بمقتضاها على زعمك حتى خالفوها إلى غيرها؟ ما ذاك إلا لأنهم اجتمعوا فيها على الخطأ دونك أيها المُتَقَوِّل، والبرهان الشرعي والعادي دالٌ على عكس القضية، فكل ما جاء مخالفاً لما عليه السلف الصلاح؛ فهو الضلال بعينه.

    فإن زعم أن ما انتحله من ذلك إنما هو من قبيل المسكوت عنه في الأولين، وإذا كان مسكوتاً عنه ووجد له في الأدلة مساغ؛ فلا مخالفة، إنما المخالفة أن يعاند ما نقل عنهم بضده، وهو البدعة المنكرة، قيل له: بل هو مخالف؛ لأن ما سكت عنه في الشريعة على وجهين:

    أحدهما:أن تكون مظنة العمل به موجودة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشرع له أمر زائد على ما مضى فيه؛ فلا سبيل إلى مخالفته لأن تركهم لما عمل به هؤلاء مضاد له، فمن استلحقه صار مخالفاً للسنة، حسبما تبين في كتاب المقاصد.

    والثاني: أن لا توجد مظنة العمل به ثم توجد؛ فيشرع له أمر زائد يلائم تصرفات الشرع في مثله، وهي المصالح المرسلة، وهي من أصول الشريعة المبني عليها؛ إذ هي راجعة إلى أدلة الشرع، حسبما تبين في علم الأصول؛ فلا يصح إدخال ذلك تحت جنس البدع.

    وأيضا؛ فالمصالح المرسلة -عند القائل بها- لا تدخل في التعبدات ألبتة، وإنما هي راجعة إلى حفظ أصل الملة، وحياطة أهلها في تصرفاتهم العادية، ولذلك تجد مالكا وهو المسترسل في القول بالمصالح المرسلة مشددًا في العبادات أن لا تقع إلا على ما كانت عليه في الأولين؛ فلذلك نهى عن أشياء وكره أشياء، وإن كان إطلاق الأدلة لا ينفيها بناء منه على أنها تقيدت مطلقاتها بالعمل؛ فلا مزيد عليه، وقد تمهد أيضا في الأصول أن المطلق إذا وقع العمل به على وجه؛ لم يكن حجة في غيره فالحاصل أن الأمر أو الإذن إذا وقع على أمر له دليل مطلق؛ فرأيت الأولين قد عنوا به على وجه واستمر عليه عملهم؛ فلا حجة فيه على العمل على وجه آخر، بل هو مفتقر إلى دليل يتبعه في إعمال ذلك الوجه، وذلك كله مبين في باب الأوامر والنواهي من هذا الكتاب، لكن على وجه آخر؛ فإذًا ليس ما انتحل هذا المخالف العمل به من قبيل المسكوت عنه، ولا من قبيل ما أصله المصالح المرسلة؛ فلم يبق إذًا أن يكون إلا من قبيل المعارض لما مضى عليه عمل الأقدمين، وكفى بذلك مزلة قدم، وبالله التوفيق."

    ويقول الشاطبي في الموافقات 6-404 " فاعلم أن أخذ الأدلة على الأحكام يقع في الوجود على وجهين:
    أحدهما: أن يؤخذ الدليل مأخذ الافتقار واقتباس ما تضمنه من الحكم ليعرض عليه النازلة المفروضة لتقع في الوجود على وفاق ما أعطى الدليل من الحكم، أما قبل وقوعها؛ فبأن توقع على وفقه، وأما بعد وقوعها؛ فليتلافى الأمر، ويستدرك الخطأ الواقع فيها، بحيث يغلب على الظن أو يقطع بأن ذلك قصد الشارع، وهذا الوجه هو شأن اقتباس السلف الصالح الأحكام من الأدلة.

    والثاني: أن يؤخذ مأخذ الاستظهار على صحة غرضه في النازلة العارضة، أن يظهر في بادئ الرأي موافقة ذلك الغرض للدليل من غير تحر لقصد الشارع، بل المقصود منه تنزيل الدليل على وفق غرضه، وهذا الوجه هو شأن اقتباس الزائغين الأحكام من الأدلة , ويظهر هذا المعنى من الآية الكريمة: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} ؛ فليس مقصودهم الاقتباس منها وغنماً , مرادهم الفتنة بها بهواهم؛ إذ هو السابق المعتبر، وأخذ الادلة فيه بالتبع لتكون لهم حجة في زيغهم، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ليس لهم هوى يقدمونه على أحكام الأدلة؛ فلذلك {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، ويقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ، فيتبرؤون إلى الله مما ارتكبه أولئك الزائغون؛ فلذلك صار أهل الوجه الأول محكمين للدليل على أهوائهم، وهو أصل الشريعة؛ لأنها إنما جاءت لتخرج المكلف عن هواه حتى يكون عبدا لله، وأهل الوجه الثاني يحكمون أهواءهم على الأدلة حتى تكون الأدلة في أخذهم لها تبعا"

    ويقول في الاعتصام 285 " كل من اتبع المتشابهات أو حرف المناطات أو حمل الآيات مالا تحمله عند السلف الصالح أو تمسك بالأحاديث الواهية أو أخذ الأدلة ببادي الرأي له أن يستدل على كل فعل أو قول أو أعتقاد وافق غرضه بآية أو حديث لا يفوز بذلك اصلاً ! والدليل عليه استدلال كل فرقة شهرت بالبدعة على بدعتها بآية أو حديث من غير توقف - حسبما تقدم ذكره - ... ,فمن طلب خلاص نفسه تثبت حتى يتضح له الطريق ومن تساهل رمته ايدي الهوى في معاطب لا مخلص له منها إلا ما شاء الله"

    وقال ابن عبد الهادي في معرض من رده على السبكي في تأوله بعض الادلة ليقوي بها بدعته حيث قال بعد تفنيده شبهته " وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل قطعاً ، ولو كان حقاً لسبقونا إليه علماً وعملاً وإرشاداً ونصيحة , ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة ، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه ، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر ، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه" الصارم المنكي في الرد على السبكي 318

    وقال الموصلي في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 2-128 " إن إحداث قول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والائمة على خلافه , يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأ في نفسه , أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ , ولا يشك عاقل انه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف . "

    فكانوا بحق أتباع الرسل !
    يقول شيخ الاسلام " ومن المستقر في أذهان المسلمين : أن ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء هم الذين قاموا بالدين علما وعملا ودعوة إلى الله والرسول فهؤلاء أتباع الرسول حقا وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير فزكت في نفسها وزكى الناس بها . وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة ولذلك كانوا ورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم : { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار } فالأيدي القوة في أمر الله والأبصار البصائر في دين الله فبالبصائر يدرك الحق ويعرف وبالقوة يتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه . فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم والفقه في الدين والبصر والتأويل ؛ ففجرت من النصوص أنهار العلوم واستنبطت منها كنوزها ورزقت فيها فهما خاصا كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل : " هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس ؟ فقال : لا ؛ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ؛ إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه . فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الذي أنبتته الأرض الطيبة . وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن الطبقة الثانية ؛ وهي التي حفظت النصوص فكان همها حفظها وضبطها ؛ فوردها الناس وتلقوها بالقبول ؛ واستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها واتجروا فيها ؛ وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات ؛ ورووها كل بحسبه . { قد علم كل أناس مشربهم } ..."


    * فلذلك كان إجماعهم حجة !

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة " رواه الترمذي وغيره وصححه الالباني

    قال شيخ الاسلام " وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصومًا، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم، فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم، ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه"

    وقال ابن القيم في اعلام الموقعين " من المتنع ان يقولوا في كتاب الله الخطأ المحض ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به وهذه الصورة المذكورة وامثالها قد تكلم فيها غيرهم بالصواب والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب واشتماله على ناطق بغيره فقط فهذا هو المحال.."

    يتبع ..
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    استعراض شيء من النصوص الحاثة على لزوم منهج السلف والتحذير من مغبة الاعراض عنه !

    يقول الله تعالى " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " (108) يوسف

    قال الشنقيطي في أضوائه " والبصائر جمع بصيرة والمراد بها البرهان القاطع الذي لا يترك في الحق لبسا .. أي على علم ودليل واضح."

    فكان أولى الناس بوصف الاتباع هم الصحابة لأنهم أولى بالاتّباع من غيرهم , فكانوا على بصيرة بنص الاية , وما قُبض عنهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكمل لهم الدين , وخلاف ذلك يعتبر نقصاً في الدين , وخللاً في اداء الامانة , إما في البيان , او على سبيل التلقي عنه ! , فإما أن يكونَ قد أوعز لمنافقين , او كانوا مغفّلين ! -عياذاً بالله-, لم يفهموا مراد الله ورسوله , والله يرى ذلك ويقره , وهذا من أمحل المحال , لانه تكليف بما لا يطاق , وهو ضربٌ من العبث ! قد نزّه الله نفسه عنه , ولازمه دفن الوحي وبيانه مع النبي صلى الله عليه وسلم !, أو أن يتفرع بيان القرآن بعدد الانام !, فيخرج لنا دينٌ جديد ! , وهذا باطل ! , فلزم أن يكون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عدول أمناء ضابطين , قد فهموا عن الله ورسوله , مع اقرار الله لهم على ذلك , فتم الدين على ما فهموه ووعوه ونقلوه للناس فوصف البصيرة اللازم لهم !

    ولا أدل على ذلك من دلالة الله الصريحة في قوله تعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" الجمعة (2) " فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعث مربيّاً ومعلماً للكتاب وللسنة , لجيلٍ أُميّ , فزاكهم وعلمهم وبصّرهم بمدارك الفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه و سلم , والاعراض عن طريقتهم هذه المتلقاه عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في الفهم عنه ضلال مبين , اذ انه صلى الله عليه وسلم علّم اصحابه نصوص الكتاب ومعانيه وقواعده وضوابطه , كما علمهم السنة أتم تعليم وأكمله !

    وقد أرشد الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله تعالى في بيان خطورة الاعراض عن منهج السلف واضطراب بعض الفرق لاضطرابهم في هذا الاصل فيقول "
    http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/255.htm

    ظَهَرَت المعتَزِلة بِفَهْم لم تُسبَق إليه ، تقول بِنَفْي أسماء الله تعالى وصِفَاته ، وتقول بِخَلْق القرآن ، وابْتِدَاء ذلك حينما اعتَزل وَاصِل بن عطاء حَلقة الحسن البصري ، وانفَرَد بِفَهْم لم يُسبق إليه ! وظَهَرَت القَدَرِيّة بِفَهْم معبَد الجهني ! وهو أول من اشتهر عنه إنكار القَدَر ، ثم توسّع فيها غيلان الدمشقي . وغَيلان هذا هو أوَّل من أنْكَر استواء الله عَزّ وَجَلّ على عرشِه .
    وضَلّت المرجئة بِفَهمها ! ففهِمَت خِلاف ما كان عليه السلف ، وأتوا بِبِدْع مِن القول !وانحرفت الأشاعرة بِفهمها ، ففهِمَت خِلاف ما كان عليه السلف ، وأتوا بِبِدْع مِن القول أيضا في فَهْم صِفَات الله عَزّ وَجَلّ ، بل وقالوا قولاً في القرآن لم يُسْبَقُوا إليه ، وأتوا بِأقوال أخرى لم يُسبَقوا إليها . وما أدّاهم إلى ذلك إلاّ أفهامهم التي انفردوا بها عن السلف .

    ومَرَقَت الجهمية بِفهمها ، وقالت على الله قولا عظيما , وانحرفت الصوفية حتى بدَلّت دِين الله وغيّرته بِفهمها ! وَحَدِّث عن أفهام الروافض ولا حَرَج ! أفهام لا تنقضي ، ولا ينقضي منها العَجَب ! بل اخترعوا لهم دِينا جديدا نتيجة أفهامهم !وظَهَرت الباطنية ؛ التي تقول إن للنصوص ظواهِر وبواطِن ! وظَهَر على إثر ذلك التفسير الإشاري !
    ورَحِم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذْ كان يقول : وكُلّ قول يَنْفَرد به المتأخِّر عن المتقدمين ولم يَسْبِقه إليه أحد منهم فإنه يكون خطأ . اهـ .
    ذلك القول يقتضي أن يُفسَّر القرآن بِفَهْم كل صاحِب فَهْم ! فالباطني يُفسِّر القرآن تفسيرا باطنا ! أو تفسيرا إشاريا ، لا علاقة له بالقرآن .
    قال الإمام مالك : لا أُوتَي بِرَجُلٍ غير عالم بِلُغَاتِ العَرَب يُفَسِّر كِتاب الله إلاَّ جَعَلْتُه نَكَالاً .وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : تفسير القرآن بِمُجَرَّد الرأي حرام . اهـ .

    ويقتضي ذلك القول أن يُفسَّر القرآن بِما ظَهَر مِن معناه اللغوي دون النظر في مقاصد القرآن , فالقول بِتَفْسِير القُرآن بِلغُة العَرَب لا بُدَّ له مِن قَيد ، وهو أنْ يَجْرِي على أصُول الْمُفُسِّرِين ، وأن لا يَكون نَتِيجَة مُسَارَعَة في تَفْسِير القُرآن بِظَاهِر العَرَبِيَّة , قال الإمام القرطبي في تفسيره : فَمَن لَم يُحْكِم ظَاهِر التَّفْسِير وبَادَر إلى اسْتِنْبَاط الْمَعَاني بِمُجَرَّد فَهْم العَرَبية كَثُر غَلَطُه ، ودَخَل في زُمرَة مَن فَسَّر القُرآن بالرَّأي ، والنَّقْل والسَّمَاع لا بُدّ لَه مِنه في ظَاهِر التَّفْسِير أوَّلاً لِيَتّقِي به مَواضِع الغَلَط ، ثم بعد ذلك يَتَّسِع الفَهْم والاسْتِنْبَاط . اهـ "

    فاذا تأملت سحائب الظلام في ضلال أفكار هؤلاء القوم , وانتفاء هذه السُحب في القرون الثلاثة , تبين لك ان القتم كان فيمن بعد العصور المشرقة !
    وفي هذا أعظم بيان لسلوك الصراط المستقيم صراط الذي أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين !
    " إذ أن البراءة من سبل المغضوب عليهم والضالين , في الاعتقاد والعبادة والسياسة والاخلاق والعبادات شرط للبراءة من العذاب والغضب والضلال " فتأمل !

    يقول الله سبحانه " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " النساء (115)

    ولقد استنبط الشافعي حجيّة الاجماع , وبخاصة ما كان على عهد الصحابة , وقد استحسن ذلك الحافظ ابن كثير فقال " هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم صلى الله عليه وسلم , وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحة كثيرة، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب "أحاديث الأصول"، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي، رحمه الله، في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة، بعد التروي والفكر الطويل. وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدلالة منها على ذلك "

    " والاية قرنت بين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الاضلال وصلي جهنم . ومشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين , كما أن سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ...
    لان اتباع سبيل المؤمنين ممتنع دون اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم , كما أن اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم متعذر بمخالفة ما سلكه المؤمنون في تأويل الكتاب والسنة والتحليل والتحريم والايجاب "

    ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال « النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابى فإذا ذهبت أتى أصحابى ما يوعدون وأصحابى أمنة لأمتى فإذا ذهب أصحابى أتى أمتى ما يوعدون ». مسلم

    قال النووي في المنهاج " معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان.."

    قال ابن الأثير: " فالإشارة في الجملة إلى مجيء الشر عند ذهاب أهل الخير فإنه لما كان بين أظهرهم كان يبين لهم ما يختلفون فيه وبموته جالت الآراء واختلفت الأهواء وقلت الأنوار وقويت الظلم وكذا حال السماء عند ذهاب النجوم وقال بعضهم: الأمنة الوافر الأمانة الذي يؤتمن على كل شيء سمى المصطفى صلى اللّه عليه وسلم به لأنه ائتمنه على وحيه ودينه ..."

    قال العامري" عنى هنا أئمة أصحابه الذين لازموا دوام صحبته سفراً وحضراً فتفقهوا في الدين وعلوم القرآن وساروا بهديه ظاهراً باطناً وهم القليل عدداً من أصحابه يقتدي بهم كل من وقع في عمياء الجهل "

    قال ابن القيم " ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه وكنسبة النجوم إلى السماء .ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم .-وأيضاً - فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم وحرزاً من الشر وأسبابه . فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنةً للصحابة وحرزاً لهم. وهذا من المحال . "

    وكذلك النجوم جعلها الله رجوماً للشياطين في استراق السمع فقال تعالى " إنّا زينّا السماء الدُنيا بزينة الكواكب , وحفظناها من كل شيطانٍ مارد لا يسمّعون الى الملإ الاعلى ويقذفون من كل جانب دحوراً ولهم عذابٌ واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهابٌ ثاقب "

    وقال تعالى " ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين "

    وكذلك الصحابة كانوا زينة هذه الامة , كانوا رصداً لتأويل الجاهلين , وانتحال المبطلين , وتحريف الغالين الذين جعلوا القرآن عضين .

    وكذلك فإن النجوم مناراً لأهل الارض , ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ,كما قال الله " وعلامات وبالنجم هم يهتدون "وقال " هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر " وكذلك الصحابة يهتدى بهم للنجاة من ظلمات الشبهات والشهوات


    وعن حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال ( نعم ) . قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن ) . قلت وما دخنه ؟ قال ( قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ) . قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال ( نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) . قلت يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) . قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال ( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) " بخاري ومسلم

    فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة على ما استقر عليه أمرهم من الخير! ثم بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم ان الدخن مشوب فيمن بعدهم ! , فأرشده الى الامر العتيق الذي أقره الله عليه , مع اعتزال الفرق المخالفة , وقد تمتزج بشيء من الخير المختلط , مما يُعرفه الصدر الاول أو كان مما ينكر , فأشرده الى لزوم الجماعة مع النصح فإن تعذر فالاعتزال , ويشمل الاعتزال الفكري والجسدي وما كان في معناه !

    يقول العباسي " - فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم عما سيقع ووقع كما أخبر، وهذا من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - فقد بين أن الإسلام سيتغير بفعل الناس، الذين يضيفون إليه تفسيراتهم، وثقافاتهم، وأهواءهم، ويغيرون فيه ويبدلون، ويزيدون وينقصون، حتى يصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، كما ثبت في بعض الأحاديث، وحتى إذا ترك الناس البدعة قالوا: تركت السنة كما في أثر ابن مسعود - رضي الله عنه. أما السلف الأول فيكون الدين لديهم حديث عهد بالنزول، يكون صافياً نقياً، تحرسه يد النبوة، وتحفظه سلامة الفطرة وصحة المنهج، ويستمر زمن الخلافة الراشدة على ذلك، ثم يبدأ التغيير فيه، ولكن الغلبة تكون في عهد السلف للفهم الأصيل، وكلما قرب هذا العهد من نهايته كلما قوي تيار البدعة والأهواء، حتى إذا بدأ عهد الخلف كانت الغلبة لتيار البدعة والأهواء، ويبقى الصراع بين المذهبين حتى يأذن الله - سبحانه - بعودة الخلافة الراشدة من جديد، فتعود الحياة ثانية لمنهج السلف الرشيد، ويتقهقر تيار البدعة والأهواء إلى بعيد بعيد {وكذلك يضرب الله الحق والباطل} ليمتحن الله العباد، ويمحص الحق، ويبطل الفساد، ولله في خلقه شؤون، لا يعلمها إلا من يقول للشيء كن فيكون. "


    * عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب " مسلم

    ووجه الدلالة : أن في التمسك بهدي السلف في كتاب الله قراءة , وتفسيراً , واستنباطاً , نجاة وسلامة من الهلكة , والتشبه باختلاف أهل الكتاب في تحريفهم , وتقصيرهم , وتحويرهم لنصوص كتابهم لما لا يوافق ما أُنزل عليهم , وجذب آياته لمراداتهم !


    * وعن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " مسلم


    قال القرطبي في المفهم
    " فأما من سلك سبيل الصدر الأول الذى هو زمان النبوة والخلافة من العدل ، واتباع الحق ، وأعرض عن الدنيا ، فهو من خلفاء الأنبياء ، وإن تأخر زمانه كعمر بن عبد العزيز , إذ لم يكن بعد الخلفاء من سلك سبيلهم ، واقتدى بهم في غالب أحوالهم غيره ، لا جرم هو معدوذ منهم ، وداخل في زمرتهم إن شاء الله تعالى. "

    فوصف الاقتداء والتلقي والفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم لازمٌ لهم ! كما أن وصف البدعة لازمٌ فيمن اهتدى بغير هديهم !


    " ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يقتدون بأمره ويأخذون بسنته , ومن كان كذلك فقد وجب الاقتداء بهم , لانه السبيل الى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم "

    * روى الامام احمد وابن ماجه وابن ابي عاصم باسناد صحيح من حديث العرباض بن سارية يقول وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا ؟ قال " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي الا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعليكم بالطاعة وان عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد " , -وان كان في زيادة التشبيه بالجمل الانف نزاع , وبعضهم يرى بأنها مدرجة -


    يقول الشاطبي في الاعتصام " وثبت ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يمت حتى اتى ببيان جميع ما يحتاج اليه في امر الدين والدنيا وهذا لا مخالف عليه من اهل السنة , فاذا كان كذلك فالمبتدع انما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله ان الشريعة لم تتم وانه بقي منها اشياء يجب أو يستحب استدراكها لانه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها ,وقائل هذا ضال على الصراط المستقيم ,قال ابن الماجشون سمعت مالكا يقول من ابتدع في الاسلام بدعه يراها حسنه فقد زعم ان محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) خان الرسالة لان الله يقول " اليوم أكملت لكم دينكم " فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا"
    "فقد ترك الله صحابته الكرام على المحجة البيضاء الناصعة , والناس تبع لهم في العلم والفهم بهذا البيان الناصع .."

    قال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد " قال الإمام أبو عمر الأوزاعي : " عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول " .

    وقال محمد بن عبد الرحمن الأذرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها : هل عَلِمها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، أو لم يعلموها ؟ قال: لم يعلموها . قال : فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته أنت ؟ قال الرجل : فإني أقول : قد علموها . قال : أفوسعهم أن لا يتكلموا به ، ولا يدعوا الناس إليه ، أم لم يسعهم ؟ قال : بلى وسعهم ، قال : فشيء وسع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه ، لا يسعك أنت ؟ فانقطع الرجل ، فقال الخليفة - وكان حاضراً - لا وسّع اللَّه على من لم يسعه ما وسعهم .وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم ، والراسخين في العلم ، من تلاوة آيات الصفات ، وقراءة أخبارها ، وإمرارها كما جاءت ، فلا وسَّع اللَّه عليه ) .

    والى هذا المعنى اشار عمر بن عبد العزيز اذ كتب له عدي ابن أرطاه يستشيره في بعض القدريه فكتب اليه اما بعد فاذني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في امره واتباع سنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وترك ما احدث المحدثون فيما قد جرت سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنه فان السنه انما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك بما رضي به القوم لانفسهم فانهم على علم وقفوا وببصر نافذ قد كفوا وهم كانوا على كشف الامور اقوى وبفضل كانوا فيه احرى فلئن امر حدث بعدهم ما احدثه بعدهم الا من اتبع غير سننهم ورغب نفسه عنهم انهم لهم السابقون فقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر لقد قصر عنهم آخرون فقلوا وانهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم ثم ختم الكتاب بحكم مسئلته " الاعتصام

    * وكذا في مناظرة ابن عباس للخوارج كما عند النسائي وغيره فقال لهم " أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم المهاجرين والأنصار ومن عند بن عم النبي صلى الله عليه و سلم وصهره وعليهم نزل القرآن فهم أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد"

    هذا وقد أثنى من عاد الى هذا النهج القويم من بعد سياحة في الطرق فقدذكر أبو المعالي الجويني في العقيدة النظامية لما رجع عن التأويل مستدلاً على ذلك بفعل الصحابة فقال " وهم صفوة الاسلام , والمستقلون بأعباء الشريعة , وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها , وتعليم الناس ما يحتاجون اليه منها , فلو كان تأويل هذه الآي مسوغاً ومحتوماً لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة "
    فانتهى الى ما انتهى اليه القوم ..

    يتبع ..
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي فهم السلف شبهات وردود !

    فَهُم السَّلَف ..

    يقول د. عبد الله الدميجي - حفظه الله - " المراد بفهم السلف للنصوص الشريعة هو ما علمه وفقهه الصحابة والتابعون وأتبعاهم من مجموع النصوص الشرعية أو آحادها مرادً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بمسائل الدين العلمية والعملية مما أُثر عنهم من قول أو فعل أو تقرير , وهذا يقتضي إجماعهم أو إطباق جمهورهم على ذلك الفهم , او انتشار قول آحادهم وظهوره مع عدم وجود مخالف منهم لذلك الفهم .

    كما يُخرج اجتهاد أفراد الصحابة أو مَن دونهم , وما فهموه من بعض النصوص الشرعية , أو اختلفوا في فهمه , وتعددت آراؤهم , أو لم ينتشر ذلك عنهم , أو جانب الصواب فيها بعضهم , فهذا يُعد قولاً أو فهماً لبعض السلف , وليس هو فهم السلف والفرق بين الامرين واضح .

    وعليه ففهم السلف هو ما فهموه مراداً لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم من تلك النصوص , ومستندهم في معرفة مراد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديّه , وهو يفصّل القرآن ويفسره , فما أمرهم به فعلوه ,وما نهاهم عنه تركوه , وما أخبرهم به صدقوه , وما أشكل عليهم فهمه سألوه .." شبهات العصرانيين 15

    قال ابن تيمية في تلبيس الجهمية " والطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول أن تعرف ألفاظه الصحيحة وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى ولغتهم التي كانوا يتخاطبون بها وما حدث من العبارات وتغير من الاصطلاحات "


    وقال في المقدمة " ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعًا . ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية "

    ولقد كان لهم قدم السبق في الفهم لعوامل عدة منها اللغة , ومعايشتهم التنزيل , وملازمة صاحب الوحي المعصوم , الذي قد جلّى لهم كثيراً من الامور ومناطاتها ," فقد أورثهم ذلك مزيد فهم لا يشاركه فيه غيرهم ! "

    ونقل د. الدميجي قول ابن تيمية في ذلك أن " للصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل وعاينوا الرسول وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك فطلبوا الحكم ما اعتقدوا من إجماع أو قياس "

    ويقول الشاطبي في تعداد مرجحات الاعتماد على بيان الصحابة " مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة؛ فهم أقعد في فهم القرائن الحالية وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات؛ فالعمل عليه صواب، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة، فإن خالف بعضهم؛ فالمسألة اجتهادية." فهذه المعرفة لها أثرها الكبير في مزيد اختصاصهم في فهم معاني ما أنزل الله في كتابه لا تظهر الا بمعرفة سبب نزولها , وهذه الخاصية لا تكون الا لاؤلئك الذين شاهدوا التنزيل وفهموا التأويل .

    من الامثلة على ذلك :

    1- ما فهمه أبو أيوب رضي الله عنه من قوله تعالى " وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة " لما حمل رجل يوم القسطنطينية على العدو فقال الناس : مه ! لا اله الا الله !يلقي بنفسه الى التهلكة ! .. فذكر أبو أيوب سبب نزولها وقال : الالقاء بالايدي الى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ! " فمعرفة ابي أيوب ومعاصرته لنزول الاية كانت سبباً في زيادة العلم بمعنى الاية , وتصحيح المعنى الخطأ لها .

    2- ومن ذلك تصحيح عائشة رضي الله عنها لفهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما لقوله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكرٌ عليم " ففهم من الاية أن لا جناح على من لم يطف بهما , فأنكرت عليه ذلك ! وبينت أن الاية نزلت في الانصار الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الصفا والمروة , لما كانوا يهلون في جاهليتهم لمناة الطاغية , فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الاية " بخاري

    3- وما فهمه بعض الصحابة من الاعراض عن الضُلّال وعدم مناصحتهم مما فهموه من قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم " فبين الصديق لهم خطأ هذا الفهم , فعن إسماعيل عن قيس قال قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال عن خالد وإنا سمعنا النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول « إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ».ابو داود

    4- ومما جاء في قوله تعالى " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " أن حًميداً بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بن الحكم قال : اذهب يا رافع -لبوابه- إلى بن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يُحمد بما يفعل معذباً لنعذبن أجمعون ! فقال بن عباس : ما لكم ولهذه الآية إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ثم تلا بن عباس " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " وتلا ابن عباس " لا تحسبن الذين يفرحون بما آتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه و سلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وفرحوا أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه " الترمذي وغيره

    وقد روى البخاري في مناسبة هذه الاية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لا يفعلوا فنزلت { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } . الآية " - ينظر فهم السلف للدكتور 41 وما بعدها ففيه تفصيل -

    فأنت ترى أنه لا منافاة بين القولين إذ العلة واحدة , وهي نُص عليها ! , فتُحمل على كل فرح بما أتى وانشغل به عن طاعة ربه , فاستحمد ذلك حتى أخرجه عن شكر ربه , واستقل بنفسه ! والله المستعان !



    اعتراضات وردود حول ما تقرر


    فإذا تقرر أن الله سبحانه قد اجتبى واصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم لرسالته , فقد اجتبى له ورزاء فقد قال الله " وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس " .
    فأخبر تعالى أنه اجتباهم والاجتباء :- كالاصطفاء - وهو افتعال. من اجتبى الشيء يجتبيه . إذا ضمه إليه وحازه إلى نفسه
    فهم المجتبون الذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين . ولهذا أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حق جهاده . فيبذلوا له أنفسهم ويفردوه بالمحبة والعبودية ويختاروه وحده إلهاً محبوباً على كل ما سواه ، كما اختارهم على من سواهم . فيتخذونه وحده إلههم و معبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم . فيؤثرونه في كل حال على من سواه كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحباءه وآثرهم بذلك على من سواهم
    ثم أخبرهم تعالى أنه يسر عليهم دينه غاية التيسير ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتة لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم . ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم وهي إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام . فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره .
    ثم أخبر تعالى أنه نوه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم وسماهم عباده المسلمين قبل أن يظهرهم ثم نوه بهم وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناءً بهم ورفعةً لشأنهم وإعلاءً لقدرهم . ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس . فيكونون مشهوداً لهم بشهادة الرسول ، شاهدين على الأمم بقيام حجة الله عليهم . فكان هذا التنويه وإشارة الذكر لهذين الأمرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين ." - حجية قول الصحابي د. ترحيب -

    الا انه ثمة اعتراضات قد اعترض بها المعترض على ما قد تقرر تتلخص في محاور منها :.

    * هل إلتزام فهم السلف يؤدي الى الجمود والتقليد, وإلغاء تدبر القرآن وانحسار الاضافات العلمية , وغلق باب الاجتهاد واستنباط أحكام النوازل والمستجدات التي لم تكن معروفة عند السلف ؟

    يقول عبد الله الدميجي " إن الاجتهاد المنضبط فيما لا نص فيه ضرورة شرعية , انعقد الاجماع على وجوبه إلى سقوط التكليف, وذلك بفناء الدنيا , والاجماع على وجوبه منقول عن الصحابة رضي الله عنهم , فهو اجماع متقدم , ولا عبرة بمخالفة من خالف من الاصوليين المتأخرين ومقلدة المذاهب , لما اشار الشاطبي لذلك بلأن الوقائع في الوجود لاتنحصر , فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة , ولذا احتيج الى فتح باب الاجتهاد والقياس

    والحكمة من فرضه على المسلمين هو الابتلاء , كما قال الشافعي "ابتلى طاعتهم في الاجتهاد , كما ابتلى طاعتهم في غيره مما افترض عليهم "

    وهو ضروري لاقامة الحياة الطبيعية لهذه الامة على أساس دينها الحنيف , وشريعتها الربانية التي من طبيعتها الحركة والنمو والتجديد , وهو السبيل الاعظم لحفظ هذا المجتمع وحفظ عقيدته وشريعته , وتطبيق أحكامها على الحوادث المتجددة , كما أنه كاشف لزيف من يدعي أن الدين خاص بزمان قد مضى , وان الشريعة لا تصلح لهذا الزمان .
    وعليه فإن التزام فهم السلف يضبط الاستنباط والتدبر , ويحدد مساره ويوجهه الى الوجهة السليمة , حتى لا يتقوّل متقوِّل على كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه و دينه باسم الاستنباط وغيره , كما كان عند الصوفية واشاراتهم , والباطنية وضلالاتهم , فبعدما تبيّن ان من فسّر القرآن او الحديث على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله , ملحد في ايات الله, محرف للكم عن مواضعه ! , وهو فتحٌ لباب الزندقة والإلحاد , وهو معلوم البطلان بالإضطرار من دين الاسلام كما يقوله شيخ الاسلام .

    فإذاً لا بُد للاستنباط من ان يكون تابعاً للمعنى الصحيح المبني على الاية , ولذا فلابد أن يكون المعنى المستنبط منه صحيحاً ثابتاً في نفسه ! , وأن يكون بين وبين معنى الاية ارتباط وتلازم , وألا يعد استنباطه من الآية تفسيراً لها باطلاق! , ولا معنى الآية مقصوراً عليه قال القرطبي " والنقل والسماع لابد منه في التفسير أولاً , ليتقي به مواطن الغلط , ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط , فلا مطمع للوصول الى الباطن قبل إحكام الظاهر " " لأنه كما يقول السيوطي " ان من ادعى فهم اسرار القرآن ولك يحكم التفسير الظاهر , فهو كمن ادّعى البلوغ الى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب " .

    - ثم إنه لا بد من أن يكون موافقاً للسان العربي , لكونه لسان الملة والدين , قال الشاطبي " كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي فليس من علوم القرآن في شيء , لا مما يستفاد منه , ولا مما يستفاد به ! , ومن ادعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل "الموافقات 4-224 و أن يكون له شاهد يوافقه من القرآن أو السنة , وزاد بعضهم : أن يكون المعنى المستنبط مفيداً , غير متكلف ! .

    وعليه فتكون الاجتهادات والاستنباطات منضبطة المسار , من جهة :


    * دلالة النصوص على بعض المعاني الاخرى التي لا تخالف فهم السلف .
    * ومن جهة استنباط الاحكام للنوازل المستجدة من هذه النصوص ودلالاتها على بعض الاحكام
    * ومن جهة الاختيار والترجيح بين المعاني التي ظهرت للسلف وتعددت مفاهيمهم لها .
    * ومن جهة نظر القارئ لحاله مع هذه الايات , واين موقعه من تطبيقها أو انطباقها عليه . " من شبهات العصرانيين بتصرف .


    *
    هل في انتهاج منهج السلف في فهم النصوص الشرعية تحجيراً وتجميداً للعقل ؟


    العقل عند السلف هبة من الله تعالى ومنّة ربانية , أكرم الله به الانسان وفضّله به على كثير من خلقه , وجعله مناط التكليف , وشرع له من الاكاف ما يكفل حمايته باعتباره أحد الضرورات الخمس التي أُنزلت الشرائع بالمحافظة عليها وحرّم ما يضعفه أو يزيله , والعقل الذي يعنيه السلف في أطروحاتهم وتقريراتهم هو تلك الغريزة الانسانية التي يعلم بها الانسان ويعقل , وهي كقوة البصر في العين , والذوق في اللسان , والسمع للاذن , فهي شرط في المعقولات والمعلومات , وهي مناط التكليف , وبها يمتاز الانسان عن سائر الحيوانات كيف اشار لذلك ابن تيمية , اما عند غيرهم ممن يسمون أنفسهم بالعقلانيين , فلا يزال مفهومه عندهم غامضاً , وهم أكثر الناس حيرةً واضطراباً في تعريفه , بل حتى عند الغرب ,مع كثرة الاتجاهات العقلية عندهم ...

    والسؤال الذي يطرح نفسه , ما هو العقل الذي يوزن به كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ وبأي عقل يراد به أن يكون معياراً للنص الشرعي ؟ , أهو العقل المسلم المؤمن إيماناً جازماً بصحة ما ورد في النصوص الشرعية , أم عقل المرتابين في دينهم المنهزمين نفسياً أمام مدنية الآخرين الدنيوية , أم عقل الكافر بدين الله تعالى وبكتابه وبرسوله صلى الله عليه وسلم ؟

    وللعقل عند علماء السلف أهمية كبيرة , فهو كما قال الشافعي "آلة التمييز " وكما يقول ابن القيم " آلة العلم وميزانه الذي يعرف به صحيحه من سقيمه , وراجحه من مرجوحه , والمرآة التي يعرف بها الحسن من القبيح " ولهذا فهو كما يقول شيخ الاسلام " شرط معرفة العلوم , وكمال وصلاح الاعمال , وبه يكمل العلم والعمل , لكنه ليس مستقلاً بذلك "
    والعقل عند السلف جزءٌ من الانسان المخلوق , , ومن ثّم فإن المعرفة الناتجة عنه تبقى دون العلم الذي يقدمه الوحى , إنه علم الإنسان أمام علم الله وهي معادلة واضحة وعقلية , فهو غير معصوم من الزلل , وهو آله إدراكيّة محدودة كمحدودية الحواس , لها حدود لا تتجاوزها , يقول الشاطبي " أن الله جعل للعقول في إدراكها حدا تنتهى إليه لا تتعداه ولم يجعل لها سبيلا إلى الإدراك في كل مطلوب ولو كانت كذلك لاستوت مع البارى تعالى في إدارك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون إذ لو كان كيف كان يكون فمعلومات الله لا تتناهى ومعلومات العبد متناهية والمتناهي لا يساوى ما لا يتناهى" 2-316

    فلذلك احترم السلف العقل فلم يزجوا به فيما لا يحسنه , ولا يملك آلته , ولا يدخل في طوره , وإنما استعملوه فيما أمر الله تعالى باستعماله به , من استمداد نقصانه بما يكمّله من مشكاه النبوة , وتدبره وتفكره واعتباره في آيات الله الكاملة , التي ترشده الى ما لا يدركه , فلذلك فإن العقل السليم يقرر التسليم للنص الشرعي ويأبى المعارضة والرد لما ورد عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

    فلذا كان من الطبيعي عند السلف أن يكون العقل تحت الوحي , تابعاً ومسترشداً ومستبصراً ومستنيراً , فالوحي هو الحاكم والموجّه وله السيادة , والعقل تابع يمارس دوره في حدود صلاحيته التي رسمها له الوحي , "فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن، كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار . وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها، وإن عزل بالكلية، كانت الأقوال، والأفعال مع عدمه : أمورًا حيوانية، قد يكون فيها محبة، ووجد، وذوق كما قد يحصل للبهيمة , فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة , والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، لم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها، وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقا، وهي باطل، وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة، ودخلوا في أحوال، وأعمال فاسدة، وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم ." ابن تيمية

    فلذلك كما يقول الشاطبي في الاعتصام " الواجب عليه أن يقدم ما حقه التقديم - وهو الشرع ويؤخر ما حقه التأخير - وهو نظر العقل - لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكما على الكامل لأنه خلاف المعقول والمنقول بل ضد القضية هو الموافق للأدلة" 2-228

    ويلزم من تقديم العقل على الوحي أحد أمرين لا مناص عن أحدهما هو الطعن في الوحي , أو الطعن في علم الله تعالى , وكل واحد من القولين كفر .
    ولربما تحاذق متحاذق فاتهم الاسناد بأنه آحاد او قدح فيه وتعلل بأي علة يرضاها , فليس الشأن في علته , بل الشأن في عقله , اذ ان فيما قدح فيه له مثيلات فيما قُطع بثبوته , فذلك يقوده الى النزاع في دلالته ! بطرح اشكالات واعتبارات لا وجود لها الا في عقله ! " شبهات العقلانين

    هذا ونسأل الله العظيم أن يبصرنا في ديننا وان يعصمنا من مواطن الزلل , وان يغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا في الايمان وان لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم


    استفيدت هذه المادة من :
    محمد عيد عباسي – مقال :لماذا ندعوا الى اتباع السلف الصالح . الالوكة
    عبد الرحمن السحيم – مقال : في بيان اهمية فهم السلف – صيد الفوائد
    د. ترحيب الدوسري – حجية قول الصحابي عند السلف
    د. عبد الله الوكيل الشيخ – ضوابط فهم السنة النبوية
    مواطن من القول الفصل في المولد النبوي – اسماعيل الانصاري
    شبهات العصرانيين – عبد الله الدميجي
    فهم السلف الصالح – عبد الله الدميجي
    شبهات العصرانيين – سليمان الخراشي
    التعديل الأخير تم 02-11-2013 الساعة 01:38 AM
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  4. #4

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي الكريم على هذا النقل الطيب وهذا التجميع المختصر الدقيق ما شاء الله ..
    أعجبني تسلسل الطرح ومنطقيته إذا تم عرضه على المخالف ..
    وخصوصا الأمثلة التي قل أن يلتفت إليها أحد منهم بهذا المعنى مع معرفته بها منفردة ربما ..
    جزاك الله خيرا ونفعنا بك ..
    وأستأذنك في النشر ..
    التعديل الأخير تم 02-11-2013 الساعة 09:02 AM

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    شكر الله لك , وبارك فيك وحفظك , وان كان هذا البحث في هذه الايام يُعدُ ركيزةً في فهم نصوص الكتاب والسنة , وسوراً منيعاً لتسور الدخلاء عليه , من التفسير بالرأي , ولي أعناق النصوص , راجين بذلك كسر رق التقليد -زعموا - , واستقلالية الفهم ,وان من أخطر هذه الدعاوي قول احدهم - اصلحه الله أو كسره !- " ان دلالة الكتاب والسنة دلالة ظنية !!" ثم يبدأ بالرد على نفسه بقطعه بأنها يقينية ! " , وقد مرت آثار اضطراب بعض الفرق لاجل هذه الفهوم المخالفة , فكانت المقدمة في بيان أصالة هذا الامر من اجماع الاولين , مروراً بامتناع ترجيح قولٍ مخالفٍ لفهم السلف , وهذا ما تقرر في قاعدة " لو كان خيراً لسبقونا اليه " , ولا يعني ذلك اغلاق باب الاجتهاد , بل كان دأب السلف في الاجتهاد بمعاني لا تخل بمعنى الاية كما جاء في المشاركة 3 من كلام الدكتور "عليه فتكون الاجتهادات والاستنباطات منضبطة المسار , من جهة :
    * دلالة النصوص على بعض المعاني الاخرى التي لا تخالف فهم السلف .
    * ومن جهة استنباط الاحكام للنوازل المستجدة من هذه النصوص ودلالاتها على بعض الاحكام
    * ومن جهة الاختيار والترجيح بين المعاني التي ظهرت للسلف وتعددت مفاهيمهم لها .
    * ومن جهة نظر القارئ لحاله مع هذه الايات , واين موقعه من تطبيقها أو انطباقها عليه . "

    ومِن مَن تعرض لشبهاتهم الدكتور الدميجي في كتابه شبهات العصرانيين "الاسلاميين " حول اعتماد فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية , وقد تعرض اشبهات آثرت منها ما نقلته في البحث .

    والله اعلم , يسر الله امرك
    التعديل الأخير تم 02-11-2013 الساعة 08:31 PM
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء