دكتورنا الفاضل جزاك الله خيرا !
كنت قد درست الفيزياء الحديثة في الجامعة قبل سنوات و توصلت إلى أنها تنسف الفيزياء الكلاسيكية برمتها كما قال أينشتاين ( إذا كان هذا صحيحا فهو يدل على نهاية الفيزياء كعلم .)
و لا أعني بهذا عدم صحة الفيزياء الكلاسيكية بل أقصد قصور تفسيراتها المادية و عدم اطرادها بما يسدد ضربة موجعة للماديين و نسف فهمهم المادي للعالم !!!!!
لذلك فيزياء الكم أرى أنها من أقوى الضربات الموجعة للماديين !
فيفيزياء الكم أفرزت معضلات ضربت مسلمات الفيزياء الكلاسيكية !
و التفسير الصحيح لهذه المعضلات مبني على افتراض عدم ماديتها !!!!
بعد أن عجزت التفسيرات المادية تقديم حل للظواهر التي تم رصدها !!
فمثلا الانحراف البسيط (حوالي 0.1 ٪) للعزم المغناطيسي الحقيقي للإلكترون في الفيزياء الكلاسيكية يعتمد كلا من الزخم الزاوي والعزم المغناطيسي للجسم على أبعاده المادية !!!!
لذا فإنه لا يتجانس مع تلك الخصائص أن يأخذ مفهوم إلكترون عديم الأبعاد حيزا فيها !!!!
و في هذه و غيره صفعة قوية للماديين بعدم جدوى نظرتهم المادية للعالم !
و هذا مقال ماتع لــــ(ـبروس جوردون )حاصل علي درجة الدكتوراة في تاريخ وفلسفة الفيزياء من جامعة نورثويسترن وكانت اهتمامات ابحاثه الأساسية في مجالات فلسفة العلوم، فلسفة الفيزياء، والميتافيزيقا التحليلية والفلسفة الثيولوجية واسئلة عن تداخل تلك النظم مع بعضها. وقد عمل في جامعة بايلور منذ عام ١٩٩٩ في وظيفة مدرس ومساعد استاذ ملحق للفلسفة. وهو حاليا اكاديمى في معهد بايلور
عنوانالمقال ( لماذا لاتؤيد نظرية الكَمْ المذهب المادى) !!.
المذهب المادى (أو المذهب الفيزيائى أو المذهب الطبيعى) هو المنظور القائل بأن مجموع ومادة كل شىء موجود تفنى عن طريق اغراض وعمليات مادية ومايطرأ بالصدفة عليها. والموارد المتاحة للماديين لتقديم تفسير عن كيف يدور الكون مقصورة علي الأغراض والأسباب و الأحداث و العمليات. ولأن نظرية الكَمْ هى المعول عليها في تقديم حجر الأساس لفهمنا العلمى للحقيقة الفيزيائية وهي نفسها النظرية التى يلجأ إليها الماديين بطريقة حتمية لدعم منظورهم للعالم. سيجد الماديين أن نظرية الكَمْ في الحقيقة تفكك وتدحض فهمهم المادي للعالم بدلا من هروبهم إلي العلم طلبا لمأوى آمن لمبادئهم.
وقبل أن ننطلق إلي تفاصيل أكثر دفاعا عن هذه الدعوى فسيكون من المفيد لهؤلاء الذين علي غير دراية بنظرية الكَمْ أن نضع تحت تصرفهم قليل التعريفات الغير فنية لبعض من المفاهيم الرئيسية. أولا وقبل كل شىء ماهي نظرية الكَمْ. بشكل عام هي النظرية الرياضية التى تصف سلوك العالم المادي عند اصغر واقل مستوى اساسي. وتتألف من الميكانيكا الكَمِّيَّة ونظرية الحقل الكَمِّي سوياً مع بعض تنوعات المفاهيم المرتبطة بها وتطبيقاتها.
•
الميكانيكا الكَمِّيَّة تصف حركة الأشياء علي مقياس الذرة ودُوَيْنَ الذَّرَّة. ومن اساسيات الميكانيكا الكَمِّيَّة أزدواجية ظواهرها.-وأغراضها مثل أن ألإلكترونات والبروتونات تتصرف كجزيئيات أو موجات اعتماد علي سياق التجربة. وبالمثل الأشعاع مثل الضوء يوضح كلا من السلوكين كموجات وكجزئيات.
•
ونظرية الحقل الكَمِّي هي الوصف الكَمِّي لنظم في عدد محدد نهائي من درجات الحرية. ومن الملائم غالباً أن نمثل النظم المكونة من عدد كبير من الأشياء - مثل الأيونات والألكترونات في المعدن أو النيوكلونات في النَّوَى الكبيرة- في صيغة الحقل الكَمِّي.
•
نظرية الحقل الكَمِّي النسبية تضم نظرية الحقل (علي سبيل المثال نظرية الحقل الكهرومغناطيسي ) و الميكانيكا الكَمِّيَّة ونظرية نسبية خاصة في تركيب رياضي واحد. وهي واحدة من الأدوات الأولية للفيزيائي الرياضى. ومازال البحث مستمراً عن نظرية كَمِّيَّة ملائمة للجاذبية والتي ستعبر عن النسبية العامة كما في نظرية الحقل الكَمِّي.
•
والكَمْ الكوني يطبق نظرية الكَمْ للحقول علي اسئلة نشأة الكون وتطوره في المراحل الأولي ولكن إيجاد نظرية كم كونية يتطلب بصورة حتمية نظرية كاملة الكَمْ الجاذبية.
•
واحد من الخصائص الرئيسية لظواهر الكَمْ هو عدم تحديدها مكانياً وعدم قابليتها للتحديد المكانى. في كل مرة يتفاعل فيها غرض كَمِّي أو نظام كَمِّي مع آخر يصبح وجودهما "متشابكاً" بطريقة تجعل أن مايحدث لواحد منهما يؤثر علي الآخر لحظياً بغض النظر عن مدي المسافة التي انفصلا فيها عن بعضهما. وحيث ان المؤثرات الوضعية تخضع لقيود نسبية خاصة وتنتقل بسرعة اقل من أو تساوى سرعة الضوء فأن مثل تلك المحصلة الآنية تسمى غير موضعة والنظم الكَمِّيَّة التى تعبر عنها يقال عنها انها تتضمن اللاتحديد مكانى. ونتيجة في الفيزياء الرياضية تسمى مَقولَة بلز Bell's - توضح أنه لا توجد معطيات خفية (لايمكن الكشف عنها تجريبياً) يمكن أضافتها إلي وصف النظم الكَمِّيَّة التى تعرض سلوك اللاتواضع والتي يمكنها تفسير تلك المحصلات الآنية علي اساس من الإعتبارات الموضعية.
وحينما يتم تقديم تلك المتغيرات الموضعية فأن التنبؤ بالنظرية المعدلة يختلف عن تلك الخاصة بالميكانيكا الكَمِّيَّة. وسلسلة من التجارب تبدأ بتلك التجارب التى قام بها ألان اسبكت في جامعة باريس عام ١٩٨٠ قد أوضحت بصورة شاملة أن النظرية الكَمِّيَّة وليس اى نظرية معدلة بواسطة بارامِتْرات موضعية خفية قد ولدت التوقعات الصحيحة. ولذا فأن العالم المادي بصورة اساسية غير موضعي وتتخلله صلات ومحصلات آنية. عدم القابلية للتحديد المكانى هي ضاهرة مرتبطة في الميكانيكا الكَمِّيَّة النسبية ونظرية الحقل الكَمِّي بحيث يكون من المستحيل أن نعزل غرض كَمِّي غير ملحوظ مثل ألكترون في منطقة محددة من الفضاء. وكما سنرى فأن عدم التوضع وعدم القابلية للتحديد المكانى يقدم مشاكل عنيدة بالنسبة للماديين.
وقد تم تمهيد الآن لتلخيص طرح يوضح ليس فقط أن نظرية الكَمْ لاتدعم المذهب المادي ولكن ايضاً أنها غير متوافقة مع المذهب المادى. يمكن صياغة الطرح في ضوء الحدود التالية والاستنتاج التالى:
حد١- المذهب المادى هو المنظور القائل بأن مجموع ومادة كل شىء موجود تفنى عن طريق اغراض وعمليات مادية ومايطرأ بالصدفة عليها.
حد٢- مصادر التفسير في المذهب المادي لهذا السبب مقصورة علي الأغراض والاسباب والاحداث والعمليات المادية.
حد٣- لا المحصلات الكَمِّيَّة الغير موضعية ولا (في ضوء عدم القابلية للتوضع) ماهية المكونات الأساسية للحقيقة المادية يمكن تفسيرها أو سرد خصائصها إذا ما تمت مراعاة قيود التفسير الخاصة بالمذهب المادى.
حد٤- الظواهر الكَمِّيَّة تحتاج إلي تفسير. __________________________________________________ __________
إستنتاج - ولذا فأن المذهب المادى /المذهب الطبيعى/المذهب الفيزيائى معيوبون بصورة غير قابلة للإصلاح وبالتالي يجب رفضهم لأنهم زائفين وغير ملائمين.
الحدين الأولين من هذا الطرح لاخلاف عليهما: فالأول مجرد تعريف والثاني هو نتيجة للتعريف. الحدود المفتاحية لهذا الطرح هما الثالث والرابع وبمجرد ان يتم إثباتهما فالبرهان يصبح نتيجة مباشرة. لذلك دعونا نركز انتباهنا علي تبرير الدعاوى في الحدين الثالث والرابع.
كي يصبح الجُزَيء مادة متفردة فيجب ان يحوز علي واحد أو أكثر من خصائص التعريف المتفردة وان تكون محددة بشكل جيد. والمثال الأول لمثل تلك الخاصية هي موضع الثبات-الزمانى. من اجل ان يوجد شيء كغرض مادى منفرد فيجب أن يشغل حيزا في الفراغ في زمان معين. وإذا لم يفعل فأى ما كان - إذا ما كان شيئا علي الإطلاق- فأنه ليس غرض مادي. المشكلة بالنسبة للماديين هي أن جزيئات الميكانيكا الكَمِّيَّة لايمكن تحديدها مكانياً.
وبصياغة تقريبية كما أوضح كلا من جيرهارد هيجيرفيلدت و دافيد مالامينت أنه اذا افترص شخص ما (بطريقة مقبولة ) أن جُزَيء منفرد لايمكن أن يعمل كمصدر لامتناهي للطاقة ولا ان يوجد في مكانين في آن واحد فأن احتمالات إيجاد هذا الجزيء في أى منطقة تابتة محددة مهما بلغ حجمه من الكبر هي صفر. وبإختصار "الجُزَيء" غير موجود في إى مكان في الفراغ ولذا وكي نكون أمناء فهو لايوجد علي الإطلاق حقاً. هانز هالفورسون و روبيرت كليفتون قد مَدَّدَا تلك النتائج واغلقا بعض الحلقات المفرغة عن طريق توضيح أن دليل هيجيرفيلدت -مالامنت لا يزال عاملا تحت شروط أكثر عمومية. وعلي وجه الخصوص فقد أوضحا أنه بمجرد اخذ النسبية في الإعتبار لن يكون هناك مفهوم مدرك عن اجسام مادية ميكروسكوبية. والحديث عن الجُزَيء له وظائف براجماتية في ضوء علاقته بالمظهر الماكروسكوبي ولكن ليس له أساس في الحقيقة الميكروفيزيائية (وهذه هي قاع الحقيقة الوجودية عند الماديين)
والمشكلة المطروحة هي التالى: هناك محصلات في الطبيعة بحاجة إلي تفسير عام ولكن لا يوجد تفسير مادي محتمل لها من حيث المبدأ. وأكثر من هذا فأن عدم القابلية للتحديد المكانى للحقل الكَمِّي يستلزم أن تلك الكيانات أى ما كانت تخفق شرط التفرد المادى. ولذا بصورة موازية عكسية وللسخرية فأن المكون الأساسي والعلاقات الأساسية للعالم المادي لا يمكن من حيث المبدأ فهما في ضوء الاجسام المادية. وحيث انه من الضرورى أن يكون هناك تفسير لتلك الأشياء فأن التفسير الصحيح لها يجب أن يكون أنها أشياء غير مادية - وهذا لايتفق مع أى وكل من التنوعات المذهب المادي.
واحدة من استراتيجيات الدفاع المحتملة للمذهب المادي هي الإدعاء أن ظواهر اللاتحديد مكانى لاتحتاج إلي تفسير حيث أنها قد تكون محيرة من جانب علوم المعرفيات ولكنها ليست كذلك علي الإطلاق مشكلة ميتافيزيقية. وفكرة أن الأشياء النظامية في الطبيعة تحتاج إلي قاعدة عامة تدرك من ناحية المفهوم كما يصفها دايفيد لويس " التدخل فوق الإنسانى" التدخل فوق الإنسانى قصد به كيف أن الطبيعة تحدد ما هو حقيقى من القوانين والفرص بمعزل عن ما نعتقده نحن كبشر عن العالم. وبتعبير آخر يجب ان نفهمها كنظرية وجودية وليست كنظرية معرفية. و تأخذ النظرية العلاقات الأصولية في العالم علي انها ثابتة - زمانيا بطريقة متناسقة مع النسبية الخاصة ولها عدد من النقاط الوجودية أو نقاط تقاس بما تشغله من نقاط بجانب الخصائص الوضعية والتى هي خصائص داخلية. وكل شىء آخر يطرأ علي ذلك الترتيب الثابت - زمانيا لخصائص التحديد المكانى. من وجهة النظر هذه فأن ما يتم ملاحظته من النظم الطبيعية هي قوانين في حالة أن تكون مقولات ناتجة من نظم استنتاج بديهى والتي تكون مقولاته حقيقة والتى تحقق أمثل توازن بين البساطة ودلالاتها المعلوماتية. ويروج لويس أن هناك مثال مضبوط من هذه النظم .
ولكن هذه الحدود غير مترابطة حيث أن التدخل الفوق انساني سيتطلب ان تكون النواتج الكَمِّيَّة بينما هي محصلات غير محددة مكانياً يجب أن تفهم في ضوء الخصائص المحددة مكانياً. وتحت مثل تلك الشروط فيصبح من الضرورى أن نروج للأجهزة العشوائية المتناغمة في الإنفصال الفراغي دونما التعمق في اى تعريف وجودى آخر. وربما استطيع ان اصنف متطلبات الأحساس بالتخبط في ما يلى: قبول احتمالية التدخل الفوق إنسانى في هذا السياق يساوى الإعتقاد بأن الناس تجلس على آلات كاتبة في غرف مقابلة لبعضها البعض عبر العالم وفي نفس الوقت ينتجون نصوص تطابق بعضها البعض حيث لا يكونوا و لم يكونوا علي اتصال ببعضهم البعض. والوصف الكَمِّي للعالم غير ملائم بأقل قدر ممكن تحت التدخل الفوق إنسانى مع أضافة التعقيد أنه لايوجد سبب شائع في تاريخ النظام أو المعلومات المتناقلة محليا يمكن أن تفسر المحصلة. سخف ليس فقط الإستجابة الطبيعية هنا بل هي الإستجابة الضرورية. حينما يتم فهم ضمنيات المفهوم فأن التدخل الفوق إنسانى سيعمل كمقلص لنفسه. ولذا فأننى أكرر: تفسير أعمق لعدم التحديد المكانى الكَمِّي مطلوب ولايوجد تفسير مادى ممكن.
والتحدى ان تضع مفهوما ميتافيزيقيا لنظرية الكَمْ لهذا السبب هو أن تفسر كيفية العالم في حين أن له تركيب موضوعي لا يتبع الأشياء المادية. ومع هذا التحديد المقيد فأن الإجابة المستفزة التي بدأت تبدو قابلة للتصديق هي أن مراعاة وتفسير التركيب الموضوعي للمظاهر يحتاج إلي إعادة أحياء علوم الظواهر والتى فيها يصبح إدراكنا للعالم المادى مكون من معطيات حسية تتفق مع قيود تركيبية معينة ولكن مع غياب الحقيقة المادية التى تتسبب فى احياء الإدراكات المتولدة من تلك المستقبلات الحسية. ولذا فأن مايتبقى هو وجودية من العقول تعانى وتنتج احداث وعمليات عقلية التى وحينما تتصف بالحسية لها التركيب الأطري الذي يتسم بالسيمترية الأصولية والقيود الممثلة في النظرية المادية. والحقيقة الماثلة أن تلك المستقبلات الحسية ليست من صنعنا غالبا تشير الي زيف اى هوى تخبطى ولكنه أيضاً يشكل بعض الحيرة الميتافيزيقية والمعرفية. وهناك طريقة معقولة لوضع قاعدة لتلك الوجودية وإزالة الحيرة: أن الموضوعية الميتافيزقية والموضوعية الذاتية المعرفية محفوظة بداخل الميتافيزيقية الإلهية والتي تشبه بدرجة كبيرة اللامادية التى اقترحها كلا من جورج بيركلى وجوناثان إدواردز.
Bookmarks