صفحة 3 من 6 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 45 من 83

الموضوع: سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم

  1. افتراضي سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم

    وتجرى الاحداث بقدر الله وخطوات تبدأ معها نهاية دولة الفراعنة وحضارتهم بميلاد موسى عليه السلام .. وكان امر الله مفعولا .. يتلقى اليم الامر فيحنو على الصندوق ويحتضنه بهدوء وتسير به مياهه مأمورة فى اتجاه قصر فرعون فى توقيت قدره الله بتواجد امرأة فرعون وبعض من وصيفاتها والاميرات فى نزهة استجمام على الشاطىء .. وتنتبه للصندوق وتأمر الخدم باحضاره
    (اذ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) )
    ( أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))
    .. ويلقى الله بقلب امرأة فرعون حب لهذا الرضيع الذى تجهل اصوله ومن اى جهة أتى . . كان من الممكن ان تعهد الى احدى الوصيفات او الاسر برعايته .. لكن محبته استاثرت بقلبها فاصطفته وارادت ان تتبناه وان تجعله ابنا لها .. انزعج الكهنة من هذا الرضيع الذى اتت به رياح الماء الى قصر فرعون .. ارتعبوا من ملامحه العبرانية التى لا تشابهه المصريين .. وزادهم انزعاجا ان الرضيع حديث الولادة بالعام الذى تذبح فيه ذكور بنى اسرائيل .. كل الاشارات والادلة تجزم انه من مواليد بنى اسرائيل .. صرحوا بكل مخاوفهم لفرعون وحرضوه على قتل الطفل منذرينه بان هلاك بلاده وعرش جدوده وحضارته العظيمة بكل علومها واموالها قد يكون على يد هذا الرضيع .. وكاد فرعون ان يقتله ولكن تشبثت امرأته بالرضيع واصرت على ابقائه حيا

    القصص (آية:9):
    (وقالت امرات فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا وهم لا يشعرون )

    ورغم ان الامر خطيرا ويتعلق بمستقبل عرش فرعون ومصير بلاده .. لكن يبدو ان للمصريات محبة خاصة ودلال فى قلوب رجالهن عرفن بها منذ القدم وشخصية ايضا مميزة .. هاهى هاجر المصرية تضفى على ابراهيم محبه فتنجب له باذن الله ابنه اسماعيل وهو شيخ كبير .. وامرأة العزيز تستحوذ على محبة زوجها فيغفر لها .. وقيل فى الاثر بالعهود القديمة ان يوسف عليه السلام تزوجها بعد خروجه من السجن واسلامها لله وتوبتها وانجب منها اولاد منهم انبياء لبنى اسرائيل توارثوا العلم .. ومارية القبطية التى أحبها الرسول وانجبت له باذن الله ابنه ابراهيم دون غيرها من النساء بعد خديجة وتأقلمت واختها سيرين بمرونة وألفة على حياة البادية التى لم تألفها وهى من مصر بلاد الخصب والخيرات .. وهذا هو فرعون الذى لا يجرأ احد على مراجعته فى اوامره ويرهبه كل الكهنة والقوم وله من السطوة والشدة مايخيف امم وملوك من مخالفة اوامره واذا به يمتثل لارادة امرأته وتغلبه بمحبته لها وحرصه على ارضائها فيترك له الرضيع لتهتم برعايته .. أتوا لموسى بالمرضعات فاذا به يأبى المراضع .. ليتم الله وعده ويرجعه الى امه لتقر عينها وتعلم ان وعد الله حق ..وترضع أم موسى وليدها الايمان والولاء لامه و قومه ..
    ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
    وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
    وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
    فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) )
    ازداد انزعاج الكهنة وتملكهم الرعب والهلع .. وضحت الرؤية وليس هناك مجالا للشك او الريبة فى ان اصول هذا الرضيع من بنى اسرائيل بعد ان سكن الى امه ورضع منها .. ويعيدوا المحاولات لتحريض فرعون على قتل الرضيع ووأد دعوته من مهدها .. ويطمئن فرعون لغروره وكبره ويتوهم ان نشأة موسى فى قصره تحت عينه وعلى يد كهنته ومعلميه من الفراعنة اسبابا كافية لعدم وجود اى احتمالات لان يصبح هذا الرضيع رسولا لاله بنى اسرائيل .. ويظهر الله القوى قدرته واياته ويخرج ألد اعداء فرعون من قصره وبرعايه امرأته وحاشيته .. فى تلك المرة لن يأتى رسل الله من البدو من خارج مصر كما جاءها ابراهيم خليل الله .. ولا من قصر عزيز مصر ووزير الملك كما حدث عهد الكريم يوسف عليه السلام .. بل من قصر فرعون الاكبر والاعظم والاشد جبروتا وسطوة .. وفى اقوى واشد عصور الفراعنة حضارة ومالا وعلما ونفوذا وفتنة .. سيخرج موسى حفيد ابراهيم وتظهر معه دعوته لله الواحد القهار من قصر فرعون .. وسيشهد الفراعنة بملوكهم وكبرائهم وكهنتهم منشأه منذ ان كان رضيعا الى ان يصبح رسولا ويطيح بهم وبحضارتهم ويجعلهم ايه وعبرة لمن يخاف العذاب الاليم على مر الحضارات والعصور الى ان يرث الله الارض ومن عليها .. سيجهل التاريخ وعلماؤه واحبة الحضارات الملعونة اسم فرعون .. وسيخلد الله اسم موسى فيعرفه احبائه وحتى اعدائه ويرددون اسمه .. سيعاين فرعون ووزيره هامان وجنودهما وقومه آيات الله وعظمته .. ويشهدوا مهلكهم على علم وهم أذلة صاغرين ..

  2. افتراضي

    وعلى الجانب الاخر كان قارون من قوم موسى .. من بنى اسرائيل .. لم ينشأ فى قصور الفراعنة ولا نال من خيراتهم شيئا غير الذل والهوان والعبودية .. ولد لابوين من بنى اسرائيل وذاق كل مرارة الفقر والحاجة والسخرية .. نشأ بين قوم عبيد وخدم لشعب الفراعنة الذى لم يعد منهم حرفيا ولا صانعا ولا فلاحا الا القليل من فرط الغنى والرفاهية .. نظر قارون برؤيته الى قومه الفقراء الاذلاء المتخلفين فى عيونه وقناعاته عن هؤلاء الفراعنة اصحاب الحضارات والعلوم التى دامت عشرات القرون وهى فى تصاعد وازدياد .. تمرد على حاله وحال قومه ولم يتقبل فكرة التنازل عن مباهج الحياة فى سبيل الايمان بالله .. بهرته عظمة الفراعنة ومساكنهم التى دخلها كخادم وشاهد رونقها ورحبها وبهائها وفخامتها .. لم تروق له فكرة قبول اله واحد وانفاق العمر فى التمسك بعبادته وترك الدنيا بزينتها .. لم يكن باستطاعته ان يجمع بين الاسلام لله وامتلاك المال والتمتع بمباهج الدنيا فى ظل هؤلاء الفراعنة المتكبرين المسرفين فى بطشهم بكل المعلنين لعبادة الله الواحد القهار .. المعادلة بالنسبة له اصبحت صعبه وعليه الاختيار اما ان يرضى بقدر الله ويظل على دين ابائه وقومه ممسكا عليه بجمرة حتى يأتى الله بفتح من عنده وحتى لو كان الثمن ان يظل على حاله من الفقر والذل والهوان .. او ان يتمرد على هذا الدين الذى اسلمه لرب لا يرضى طموحاته ونزعااته الدنيوية من رؤيته .. لم يكن لقارون ان يترك الارق والتردد ليتملك منه طويلا .. المسأله برؤيته واضحة لا تحتمل اى تردد . . ليس له فى الغيبيات ولا يحتمل الانتظار لثواب يجنيه بالاخرة .. ليس له الا الاخذ بظاهر الامور ومعايشة الدنيا باحداثها .. وعلى ارض الواقع وبعيدا عن التنبؤات والتوحيد والاسلام برب واحد ووجوب التزامه بعلماء قومه فى امور العبادة وملازمة قومه . . تمرد قارون واغتر بعقله ورؤيته الضحله ووجد فى الفراعنة وطريقتهم المثلى فى الحياه واستمتاعهم بكل مباهج الدنيا وعدم خضوعهم لاله واحد لا يحقق لهم ما يتمنونه هو الاسلوب الامثل والرؤية الصائبة لمعيشته .. لم يتقبل فكرة ان هؤلاء القوم بكل ماهم عليه من حضارة هم على باطل .. شغلته المقارنات بين حال قومه وبين ما عليه الفراعنة .. ليس هناك تكافوء ولا احتمال لاقرار صحة عقيدة ابراهيم برؤيته .. هى نفس رؤية الملحدين والعلمانيين واصحاب المذاهب الفكرية المنحرفة فى كل زمان ومكان .. مقارنات تشغل عقولهم وشكوك وريبة تملأ نفوسهم وحب للدنيا ومباهجها وزينتها يطغى على اى انتماء دينى او عقيدة تعرقل مسيرتهم .. حبهم لمناهج اصحاب الحضارات والتقدم والرفاهية والذين وصلوا للقمر والمريخ يطغى عن اى تصديق بدين او عبودية او أجر مؤجل ليوم الحساب والثواب والعقاب .. لاداعى لان يؤجل طموحانه واطماعه وحبه للحياه الدنيا فى سبيل ايمان بالحياة الآخرة التى لا يعلم مدى مصداقيتها .. ربما لا تصدق وعليه اغتنام فرص الحياه .. هو بمفهوم عصرنا علمانى المنهج والفكر لا يثق بالآخرة ولا يرى فى العبادة والايمان والاسلام لرب واحد غير طقوس لاله قد يصدق وجوده وقد لا يصدق .. وعليه ان ينتمى صوريا له دون اى الزام باتباع منهجه ولا تعاليمه .. وبذلك يكون قد ارضى نفسه ولم ينسلخ عن قومه .. .. تقرب قارون من الفراعنة الكفرة الملحدين والمشركين .. تودد اليهم واغتنم الفرص للتآنس بمجالسهم وزيارة معابدهم والتعلم من كهنتهم .. وسبحان الله بينما مكن الله موسى بقوته وعزته من المعيشة بعزة وكرامة بقصر فرعون منذ ان كان رضيعا .. واذا بقارون يبذل الجهد وينافق ويسعى بكل ما اوتى بالحيل والاساليب للتودد للفراعنة وملازمتهم وخدمتهم والاستمتاع بفتات وبقايا خيراتهم .. وجد كهنة الفراعنة فى طموحات قارون املا فى اجتذابه وابهاره ودسه بين قومه لفتنتهم فى دين ابائهم وبذلك يقضوا على دين التوحيد والاسلام لله بين اتباع ملة ابراهيم .. رحبوا بتودده اليهم وعلموه من علومهم واكتسب من معايشتهم الكثير وتفوق عليهم فى جمع الثروات واتقان العلوم التى تجلب له خيرات الارض .. فرح الفراعنة به وصنعوا منه نجما فتنوا به بنى اسرائيل حتى اصبح قارون من الغنى والمال يمتلك خزائن لكل خيرات الارض من ذهب واحجار كريمة ومجوهرات ومعادن نفيثة واملاك وقصور تعجز عصبة من الرجال على حمل مفاتيح خزائنه .. اصبح بغناه املا وامنيه كل شباب ورجال قومه من بنى اسرائيل ومنال لكل نسائهن وفتياتهن .. استوقفه علماء قومه بالنصيحة وأمروه ان يتقى الله ويحسن من ماله لفقراء قومه بدلا من التعاظم والافتخار عليهم وفتنتهم فى دينهم وولائهم لله .. وافهموه ان احسانه وتصدقه وتزكيته عن ماله لا يمنع استمتاعه بماله ولكن عليه الا يجهل او يتغافل عن حقوق الله الذى اقطتعها من اموال الاغنياء للفقراء من عباده .. وبكل كفر واستعلاء وتكبر وتعالى على الحق انكر عليهم قارون هذا المطلب .. وبكل غرور ادعى اسباب الغنى والمال والتقدم للعلم وحده وليس لله يدا فيه .. نفس منهج المستكبرين بعلومهم بكل زمان ومكان .. تشابهات قلوبهم

    القصص (آية:76):
    (ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم واتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبه اولي القوه اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين )

    القصص (آية:77):
    ( وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخره ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين )

    القصص (آية:78):
    ( قال انما اوتيته على علم عندي اولم يعلم ان الله قد اهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوه واكثر جمعا ولا يسال عن ذنوبهم المجرمون )

  3. افتراضي سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم

    على عكس قارون كان موسى .. جاءته الدنيا تسعى بقصورها واموالها وفراعينها دون ان تجهده او ان يطلبها .. ولكنه كان سليم الفطرة اتاه الله حكما وعلما بحقيقة الامور فلم تفتنه الدنيا بمظهرها .. امتلكها وامسكها بيده ولم تتملك من قلبه وفكره .. هكذا يكون عطاء الله لمن يحبهم الحكمة والعلم والايمان .. هكذا تقاس محبه الله لعباده وليس بالمال والجاه والسلطان وغيرها من النعم الزائلة
    القصص (آية:14):
    ( ولما بلغ اشده واستوى اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
    يوسف (آية:22):
    ( ولما بلغ اشده اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
    .. نشأ موسى فى قصور الفراعنة .. فى اكبر قصورها ولكنه أبى ان يلتمس العزة من اهل الكفر والشرك .. كانت عزته وانسه ومحبته فى مصاحبة وملازمة اهل العلم والايمان من بنى اسرائيل .. لم تبهره حضارة الفراعنة ولا تلك القشور الزائفة الزائلة .. حكمته تعدت هذا المجال المحدود الافق والرؤية السطحية .. لم ينخدع بالعلوم والاموال والرفاهية التى عليها الفراعنة .. ادرك بعلم من الله ان تلك المظاهر البراقة والنعم الدنيوية اذا لم يصاحبها الايمان والاخلاص والعبودية والاسلام لله وحده لن تكون غير قتنة لاصحابها .. نفر وابتعد بفطرته السوية عن كل آلهة الفراعنة ومعابدهم .. حاول معه فرعون بكهنته ان يرضخ موسى لعبادته ويتخذه الها ولكنه عجز فقد كان موسى مثل جده ابراهيم وامه واخيه هارون مسفها لكل الهتهم ومعبوداتهم .. اعتزل عباداتهم وافكارهم والتزم الصحبة الصالحة من المؤمنين القلة من بنى اسرائيل .. هكذا يكون السبيل للنجاه ملازمة الصالحين واحسان صحبتهم ومعاشرتهم والانعزال عن اهل الشرك والكفر والطاغوت .. هكذا حفظ الله موسى وجعله وكل الرسل و الانبياء قدوة ومثلا اعلى نحتذى بهم .. قصصهم وسيرتهم ليست اساطير الاولين تتلى علينا بكرة واصيلا .. ولكن بها العبرة والقدوة والنهج السليم الذى يجب ان يكون عليه المؤمن .. هم بشر منا عانوا الكثير وحاولت معهم الدنيا بكل مفاتنها .. كانوا انبياء ورسل ومفضلين عند الخالق ولو سألوه السلامة من المحن لاجبهم ولكنهم تحملوا المشقة وخاضوا الصراعات وذاقوا مرارة الصدامات من اهل الكفر والشرك ليكونزا لنا مثلا واملا وقدوة نحتذى بهم ..
    انتبه فرعون وكهنته وقومه لملازمة موسى لقومه من بنى اسرائيل .. عاد الخوف والجزع والعلع ينهش صدورهم .. هو اذا منهم وعلى دين ابائهم .. هو يأنس لمصاحبتهم .. لم يعد هناك مجالا للشك فى خطورة موسى على عرش فرعون خاصة بعد ان اصبح شابا شديدا واعيا عاقلا رافضا لعبادتهم ومتعاليا عليهم بولائه لبنى اسرائيل اهل التوحيد واتباع ملة ابراهيم رغم فقرهم ومذلتهم .. هو بهذا الاختيار وتفضيل بنى اسرائيل عليهم يسخر منهم ومن حضارتهم ويأبى دخول معابدهم ..
    ويمشى موسى فى المدينه فيجد احد الفراعنة يتشاجر مع رجل من بنى اسرائيل .. اخذته العاطفة لكف بطش القبطى ودفعه بعيدا عن الرجل الضعيف الهزيل من بنى اسرائيل .. وكان موسى شديدا قوى البنية فما ان وكز القبطى الفرعونى ليبعده فاذا به يسقطه صريعا دون قصد او عمد ..
    القصص (آية:15):
    ( ودخل المدينه على حين غفله من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين )
    استغفر موسى ربه وتملكه الخوف والفزع مما فعل .. وكان يعلم ان فرعون وقومه يبغضونه يتربصون به المصائب ويتصيدون له الاخطاء التى تدينه .. وسيفرحهم فعلته لكى ينالوا منه .. نعم فرعون كان لا يتورع عن قتل من يريد .. ولكن هى سياسة و ولع الظالمين بكل زمان التظاهر بما ليس فيهم .. بالعدل والكرم والحكمة والتروى والحكم بالبينة والطريقة المثلى فى الحكم امام شعوبهم ورعاياهم ويقتنصون الفرص للنيل من اعدائهم .. وخاصة ان موسى كان له شخصية ذائعة الصيت بنزاهته وكرم خلقه واصلاحه فى الارض ومكانه مميزة بين المصريين وبنى اسرائيل على حد سواء ..
    القصص (آية:18):
    (فاصبح في المدينه خائفا يترقب فاذا الذي استنصره بالامس يستصرخه قال له موسى انك لغوي مبين )
    القصص (آية:19):
    (فلما ان اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين )
    شاع الخبر فى المدينة وكانت الادانة التى انتظرها فرعون وكهنته والملأ من اسرته للفتك بموسى على بينة من امره .. وزاد الامر يقينا حين اسرع احد رجال فرعون الى موسى ليحذره وناصحا له ان يهرب بعيدا عن بطش فرعون .. سبحان الله دائما لله جنود السموات والارض .. حتى من اقرب المقربين من فرعون يكون جند من جنود الله .. وهكذا يكون اولياء الله فى ولائهم وحمايتهم لبعضهم البعض .. ولولا هذا الرجل الذى يكتم ايمانه ولولا محبيته لموسى فى الله ونصحه له لفتك عدو الله بموسى .. هو التراحم والمودة بين عباد الله واوليائه ..
    القصص (آية:20):
    ( وجاء رجل من اقصى المدينه يسعى قال يا موسى ان الملا ياتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين )
    وسارع موسى بالهرب والخروج من مصر هربا من بطش فرعون وقومه .. وسبحان الله مصر التى دعا يوسف اليها اهله .. ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين .. هى مصر التى خرج منه حفيده موسى رسول الله خائفا يترقب ..
    القصص (آية:21):
    ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين )
    ليس هناك بلد باى ارض كانت يمكن ان توصف بالامان الا اذا اسلمت وحاكمها وولاة امورها و شعبها وارضها لله الواحد القهار .. لا مؤانسة ولا أمان ولا ثقة ولا ولاء ولا سكن ولا سكيننة بارض يحكمها طغاه متعالين مستكبرين على الخضوع لله وشرعه ومنهاجه .. مصر التى دخلها بنو اسرائيل ( يعقوب واخوة يوسف واهليهم ) آمنين سالمين بعد ان اسلمها يوسف وملكها وشعبها وارضها لله العزيز القدير .. هى مصر التى ابت وفرعونها وملأه وكهنتها الاسلام لله رب العالمين فخرج منها نبى الله موسى خائفا يترقب ..

  4. افتراضي

    لم يستثنى موسى وهو نبى الله من البلاء الذى يبتلى الله به المؤمنين .. عرف الخوف من بطش الطاغية وخرج هاربا يترقب تربص جنود فرعون به وتتبعهم له .. عبر الصحارى والقفار ومجاهل الارض وهو الذى نشأ باعظم قصور الفراعنة منذ ان كان رضيعا .. عرف الجوع والعطش واكل العشب ورشف قطرات الندى من اوراق الشجر .. لفحته حرارة الشمس واوجعه صقيع الليل .. عانى قسوة الوحدة والفقر والحاجة الى المسكن والاهل والامان .. بلت قدماه ونعله من مشقة الجهد والسير على الرمال الساخنة والحصى والاشواك التى ادمتها .. خرج من مصر خائفا يترقب بعد ان خرج منها الاسلام بموت يوسف عليه السلام .. وبعد ان حكمها الكفر والشرك والطاغوت قرون حتى توارثها فرعون وبطانته وكهنته المتعالين على العبودية لله .. خرج خائفا من فرعون الذى لا يتقى الله ولا يعرفه ولا يخشاه بل يبغضه ويبغض اوليائه ..
    و يدعو موسى ربه .. ربى انى لما انزلت الى من خير فقير .. فينجيه الله من القوم الظالمين ويرزقه المأوى والزوجة الصالحة والسكن والطمأنينة ومصاحبة ومجاورة اهل الايمان
    القصص (آية:25):
    ( فجاءته احداهما تمشي على استحياء قالت ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين )
    .. قدر الله لموسى ان يعيش سنوات طويلة بارض مدين وفى بيت من خيرة بيوتها
    (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في اهل مدين )
    قيل انه بيت نبى الله شعيب والد زوجته .. وقيل انه كان احد الصالحين الابرار .. اختار ان يزوجه احدى ابنتيه لورعه وتقواه .. فضله عن غيره وائتمنه على ابنته رغم ان موسى فقيرا غريبا هاربا من مصير غير معلوم .. لكن يكفيه من الصفات والشيم التى تزكيه للزواج ايمانه واخلاصه لله .. يكفيه انه القوى الامين ..
    ( قال اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين على ان تاجرني ثماني حجج فان اتممت عشرا فمن عندك وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين )
    فترة من الزمن هدأت فيها نفس موسى واطمأنت لعبادة الله فى بيئة يغمرها الايمان والسكينة والقرب من الله والاستمتاع بعبادته فى امان وصحبة صالحة ليعده الله سبحانه وتعالى لامر هام
    القصص (آية:45): (ولكنا انشانا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في اهل مدين تتلو عليهم اياتنا ولكنا كنا مرسلين )
    واطمئن ايضا فرعون وقومه وكهنته لخروج موسى هاربا خائفا الى غير عودة كما يظنون .. ولكن ليس بأمانيهم تجرى الامور .. مرت الايام والشهور وموسى لم يعد .. ذاع الخبر فى كل ارجاء مصر .. انتهت نبوءة علماء بنى اسرائيل وانتصر فرعون على الههم واله موسى ولن يبعث من بعد يوسف رسولا .. انتهت رسالات رب موسى باختفاء موسى .. وعمت البهجة ارض مصر واظهر الجميع الولاء لفرعون .. ومدحه الكهنة ومجدوه واصبغوا عليه صفات فاقت الالوهية من فرط تعظيمهم له .. وتملك الشك والريبة من بنى اسرائيل وتمردوا على علمائهم ووصفوا دعوتهم للتوحيد والاسلام لرب واحد هو الله بانها دعوة للتخلف والفقر والمذلة والعبودية .. وتطاولوا بالقول على الله الذى لم يمنحهم من النعم مثلما منحت الهة الفراعنة اتباعهم كما يظنون .. واتهموا الله بالشح لعنهم الله انى يؤفكون
    المائدة (آية:64):
    ( وقالت اليهود يد الله مغلوله غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )
    كانت هذه قناعتهم من قديم الزمن .. دائما يقيسون الامور والافضلية بالمال والغنى .. وارتاب بنو اسرائيل فى رجوع موسى ويأسوا من عودته او ان يبعث الله رسولا اخر بعد يوسف .. تمردوا على العبودية لله واشربوا فى قلوبهم حب الهة الفراعنة وحب العجل ( عجل أبيس احد معبودات الفراعنة ) وتفاءلوا باقتناء صنم مجسم له لجلب الخيرات كما يفعل الاقباط ( قدماء المصريين ) .. ولولا ان ينهاهم الربانيون وعلمائهم عن امور الشرك هذه وتحذيرهم من عقاب الله واقتراب مجىء رسوله لبئس ما كان يفعل بنو اسرائيل .. وازداد فرعون تحديا وظلما لبنى اسرائيل .. وازداد جبروتا وقوة واسرافا فى القتل وترويعا لهم .. واصدر اوامره لجنوده باذلال كل اتباع الله واستحياء نسائهم حتى يسجدوا لفرعون وآلهة الفراعنة .. وامعانا فى الظلم والتحدى اصدر الاوامر لحاشيته فى تسخير عمال بنى اسرائيل فى صنع تماثيل عظيمة فى تشيدها مبهرة فى حجمها لفرعون مصر ( قيل انه رمسيس الثانى وقيل انه امنتحتب .. لا يعنينا اسمه يكفيه ظلما وجورا انه احد الفراعنة الجبارين المستكبرين ..ويكفيه تجاهل كتاب الله له ) ونصبت التماثيل العملاقة بكل ارجاء مصر والمسلات العظيمة الارتفاع المدون عليها اسس حكمه وتاريخ حياة الفراعنة .. وتضامنا مع فرعون مصر فى اعلانه الحرب على الله العلى القدير بذل كهنته ووزيره هامان كل ما استطاعوا لفتنه بنى اسرائيل فى دينهم والذين لم يكونوا بحاجة الى المزيد ليثبتوا ردتهم عن ملة ابراهيم والتزامهم صوريا بالولاء للاسلام على استحياء من علمائهم وخوفا ان تصدق النبوءة بمجىء رسول الله الذى ينقذهم من عبوديتهم لفرعون ويكون هلاك مصر وطواغيها على يده .. ودفع هامان والكهنة بقارون فى المقدمة ليبهروا به قومه وصنعوا منه نجما شاهدا على كرم الهتهم ونظمهم المثلى وقوة ثرائهم .. ووضعوه وموسى فى كفتى الميزان للمقارنة والمشاهدة على الواقع المادى البعيد عن التنبؤات والخزعبلات كما يعتقدون .. هذا موسى الهارب الهالك ترك الهتهم وولاية فرعون وتشبث برب واحد لم ينفعه فذاق الفقر والخوف والضياع .. وهذا قارون الذى تمرد على ربهم وملة ابراهيم فنال الخيرات بالقرب من الفراعنة وولائة لفرعونهم الاكبر .. الفتنة اصبحت شديدة وقاسية ومريرة .. زادتها المقارنات والافضليات المادية سوءا وانحرافا فى ولاء بنى اسرائيل لعقيدتهم .. ملة ابراهيم وصحفه .. والتى دعاهم الله فيها للتمسك بالاخرة وعدم الافتتان بالحياه الدنيا

    بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)

    وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)

    إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)

    صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
    لا تؤخذ الامور بظاهرها بل بحقيقتها .. ليس كل من ترك وطنه سواء كان مهاجرا فى سبيل الله او هاربا من بطش طاغية او تاركا لبلاد كفر وشرك هو هالك .. حتى لو قضى نحبه فهو فى امان الله .. خرج ابراهيم من مصر مطرودا فدخلها احفاده بقوة الله وارضخوا ملوكها للعزيز القدير .. خرج يوسف من سجنه ليسلم مصر وعروشها لله الواحد القهار فأسلمت مصر بسلطان وعلم من الله .. خرج موسى من مصر خائفا يترقب ودخلها ليخرج فرعون وجنوده منها ويهلكهم بقدر الله ومشيئته .. خرج محمد صلى الله عليه وسلم من ارضه هاربا من بلاد الشرك ومهاجرا الى الله ليعود اليها فاتحا لها ولمشارق الارض ومغاربها .. ومع موسى عليه السلام نستكمل

  5. افتراضي سياحة الفراعنة الملعونين واثارهم

    استكمل موسى سنوات الاعداد بارض مدين .. سنوات اثقلته خبرة فى القدرة على التكيف مع خشونة الحياة والمواجهة و قوة التحمل والصلابة .. ومن الرعى تعلم مهارات القيادة والصبر والخلود بالنفس بعيدا صراعات الحياة المادية ومعايشة الطبيعة ومعاينة قدرة الخالق البديع والتناغم مع خلق الله والتسبيح له .. فترة اعداد ربانى غمرت موسى بفيض نورانى من الايمان استعدادا لمهام شاقة ومواجهة اكثر صعوبة ستكون ايه وعبرة لكل البشر على مر العصور .. ورسالة من الله يجب ان يؤديها موسى على اجمل وجه
    (وفتناك فتونا فلبثت سنين في اهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى)
    صناعة ربانية واعداد موسى لرسالة عظيمة سيدونها التاريخ الانسانى ويثبتها الله بقدرته ويمحو مادونها من الحضارات المعاصرة لها الزائفة
    ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) (41)
    ويمضى موسى باهله بعد ان اتم الاجل بارض مدين .. ويمر بجانب الطور .. جبل مبارك بارض سيناء ويطلق على الجبل الاخضر الكثيف الاشجار لفظ طور وهذا ما يثبت ان ارض مصر كانت خضراء ولم تكن صحارى سيناء على الحال التى هى عليه الان
    ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ )
    شعور اخر تملك موسى وشفافية اكتسبها فى سنوات طويلة قضاها بمدين زادته قربا من الله بمداومته للتسبيح والدعاء والاستمتاع بعبادته فى امان وسكينه .. انس مع تلك النار هدى وحاجة لشىء ما يجذبه اليها
    ( إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى )
    كانت ارض سيناء شلالات وشواطىء ووديان بنص القرآن .. ومن اصدق من الله قيلا .. وجاء القدر بموسى لبقعة مباركة منها .. انتبه فيها بصره لموضع بعينه على جبل اخضر (طور سيناء ) .. مكان مازال الى يومنا هذا يملأ النفس رهبة وخشوعا وجلالا .. وهو مزار لكل اتباع الديانات السماوية الى الان ..
    ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
    وتناولت الايات هذا الامر الجليل بتصوير رائع مجسد فى مواضع كثيرة متنوعة فى عرضها وسردها لهذا الحدث العظيم .. كل ايه منها تنقل الى الوجدان احساس معين ومعايشة للاحداث والمشاعر والاحاسيس بزاوية ورؤية لكل الجوانب المتباينة التى تصف ما كان عليه موسى فى هذا الحدث الدينى التاريخى الجليل الذى ستتناقلة الاجيال ويرسخ فى وجدانها .. بينما يطمس الله تاريخ الفراعنة ولغتهم .. حدث يجسد خلجات العابد وخوفه من الله وايضا حاجته اليه للثبات على الايمان .. الخوف والتأدب مع الله والحاجة والتوسل والاعتزاز والمؤانسة به والتماس القوة منه وحده لا شريك له ويبدأ اجمل حديث بين الخالق وعبده بأدب الوقوف بين يدى الله ..امره ان يخلع نعليه
    ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى )
    ويبين له الله سبب دعوته اليه فى تلك البقعة المباركة واختياره له .. وتكشف الايات على اهمية العبودية لله وحده لا شريك له و الصلاة والايمان بالساعة وضرورة الثبات على الايمان واجتناب فتن واهواء الضالين
    ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
    إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
    إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
    فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ) (16) )
    استمع موسى لكلمات ربه وقد غمرته رهبة وخوف .. ويطمئن الله موسى ويبين له معرفته باحوال خلقه فهو الاعلم بخائنة الاعين وما تخفى الصدور وان ايمان المؤمن بقدر الله ومشيئته سببا للطمأنينة والرضا والامتثال لقدر الله وقضائه لعباده فى كل مراحل حياتهم
    ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى )
    ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي )
    اطمئن موسى بمعرفة الله بكل احوال عباده وهدأت نفسه واستعد لاستقبال اوامر ربه .. وثبته الله بايات من عنده تظهر له قدرة الله وتكون عونا له فى مهمته ورسالته لفرعون
    ( لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى )
    ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى )
    واوضح الله لموسى طبيعة تلك المهمة التى ستكون حجة على كل الكافرين والملحدين والمشركين الى يوم الدين .. الامر لا يتعلق بفرعون وحده بل كل من على شاكلته وانتهج نهجه من قومه او التابعين له الى يوم الدين
    ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
    قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) )
    ويبدأ موسى بعد ان اطمئن وهدأت نفسه ان يبوح لربه بكل مخاوفه وخلجات نفسه .. علاقة غاية فى الجمال والروعة والاحاسيس الراقية بين العبد وخالقة .. علاقة محبه بين الحبيب وربه الودود .. بين العبد الفقير وحاجته الى الغنى الوهاب الكريم .. بين العبد الضعيف الذليل واحتمائه بربه القوى المتين الجبار المنتقم من كل ظالم وطاغية .. ويبدا موسى يصرح لخالقه بكل طمأنينة بما يجيش به صدره من مخاوفه من بطش فرعون به .. مخاوف انسان لا حول له ولا قوة الا بالله العلى العظيم ...

  6. افتراضي

    وبكل الحب والثقة فى قدرة الله وقوتة يبدأ موسى بالكلام ويلقى مافى جعبيته من احزان ومخاوف ( فضفضة ) .. فعلها قبله جده نبى الله يعقوب عندما حزن لفراق ابنه يوسف
    سورة يوسف ( قال انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون )
    الشكوى الى الله والتضرع اليه حين تلم بالمؤمن الاحزان والكربات .. الدعاء الى الله والتوسل اليه هو الركن الشديد الذى يأوى اليه العابد حين تتملكه المخاوف .. دعى موسى ربه وهو على يقين بنصرة الله له ..
    الشعراء ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12)
    وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
    وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14) )
    هى صفة غالبة على كل مؤمن غيور على دينه .. يضيق صدره بمجادلة اهل الكفر والشرك المستمسكين بالضلال والمزينين له والذين لا يملون من الجدال بالباطل .. ميزتها طبيعة اختص بها موسى فى صفاته الشخصية فهو سريع الغضب لكل من يتجرأ على الله ويتعدى حدوده ولا يستطيع مع ذلك صبرا .. وتظهر الايات عمق المحبة التى تربط موسى بربه واطمئنانه للقرب منه والسكن اليه .. حب خالص لا يعلق به شائبة عندما يصل الحبيب للبوح بكل مايخجله اوينتقصه او يعيبه او يؤلمه ولا يستطيع ان يعلنه للاخريين .. موضحا انه بحاجة الى اخيه هارون فهو اصلح منه لمساعدته فى تلك المهمة .. هو افصح منه لسانا ..
    ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ )
    اجاب الله سبحانه وتعالى طلبه .. على ان مهام الرسالة الرئيسية لموسى .. وهارون وزيره ومساعده
    (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ )
    .. لا ينتقص المؤمن لعثمتة ولا ضعف فى قدراته البدنية .. ولكن تزيده كمالا فى اخلاصه فى تبليغ رسالات ربه .. ونشهد لموسى تبليغه لرساله ربه على اكمل وجه كما شهدت له الايات .. وبدلال العابد وثقته فى قدرة ربه واجابته يدعو موسى ربه طمعا فى كرمه
    طه (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي 25
    وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
    وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27)
    يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
    وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29)
    هَارُونَ أَخِي (30)
    اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
    وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)
    كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)
    وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)
    إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
    قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) )
    نعم أجابه ربه قد أوتيت سؤلك ياموسى .. وكما اثنى عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الاختيار الموفق .. هكذا يكون توفيق الله لاوليائه فى اختيار بطانتهم الصالحة .. نعم الوزير ونعم الصحبة ونعم الاخ كان هارون ..

  7. افتراضي

    حدث جليل بمكان مبارك الى يومنا هذا زاده هذا الحوار رهبة واجلالا .. حدث عظيم بداية لنزول شرائع الله السماوية .. قبل ذلك كانت الرسالة الدعوة للاسلام لله وعبادته وحده لا شريك له .. الدعوة للتوحيد ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين
    ال عمران (آية:65): ( يا اهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما انزلت التوراه والانجيل الا من بعده افلا تعقلون )
    .. لكن بعد هذا الحدث العظيم بالبقعة المباركة بطور سيناء كانت البداية للتمهيد بنزول قانون سماوى وشريعة تحكم المؤمنين وزوال اى ولايه على المؤمنين لاى منهج حكم او فكر دنيوى .. سيكون بهلاك الفراعنة ونزول التوراة وشريعتها بداية لوجوب امثال العباد لمناهج وشرائع وقوانين ربانية ونبذ ماعداها من قوانين حكم دنيوية باطلة مهما كانت مثاليتها وامتيازاتها وبريقها .. ويصبح الاسلام لله بتوحيده واتباع شريعته ومنهاجه وعدم تفضيل أى منهج آخر عليه .. هى بداية لنزول التوراة ثم الانجيل ثم القرآن
    الاعراف (آية:157): (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراه والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون ) ..
    ولم يخلو هذا الحدث العظيم من مؤانسة الله لعبده فى مواضع عديدة .. فعندما يريه الله من الايات الكبرى يتلطف به لمعرفته سبحانه بشدة هذا الوقع على نفس موسى فيبدا بسؤاله رحمة به وتمهيدا له لتلقى المعجزة
    طه (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى )
    فيجيب موسى بورع
    (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
    قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)
    فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) )
    انتفض موسى من الخوف وهم بأن يجرى فيأمره الله ان يقبل فلا يخاف لديه المرسلون
    النمل (آية:10):
    (والق عصاك فلما راها تهتز كانها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون )
    ويأمره ان يأخذها بثقة وان يطمئن بجواره لله ولايخف وهذا حال المؤمنين هم أولى بالامن والامان لتوكلهم وموالتهم لله .. ويخفف عنه ويوضح له مسبقا ما سوف يفعله سيعيدها سيرتها الاولى .. وسيخرج يده بيضاء من غير سوء
    ( قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21))
    ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
    لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23))
    هو درس لكل مؤمن ليضع ثقته الكاملة فى الله وان يطمئن بجواره له وان يتولاه فى كل اموره ويلتمس العزة والامان بالتوكل عليه وحده لا شريك له ..
    ويمضى موسى الى مصر .. ويتلقى هارون الامر من ربه ليكون عونا لاخيه
    ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
    فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
    قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (45)
    قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
    فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
    إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) )

    وكانت المفاجأة التى اذهلت بنى اسرائيل والفراعنة المصريين .. عودة موسى

  8. افتراضي

    طاف الخبر بالمدينة واجتمع فرعون بهامان وكهنته والملأ من قومه للتشاور فى امر القاء القبض على موسى وقد تملكهم الخوف والشك والريبة من امر عودته .. وقبل ان يتخذ قراره واذا بموسى قد قطع عليه وعلى قومه عناء الفكر وبادر بالذهاب اليه بقصره .. تملك الذهول فرعون وقومه كيف يجرأ هذا الطريد الاعزل ان يبادر بالذهاب اليه قبل ان يصدر اوامره لجنوده بالقبض عليه .. واذا بموسى وبصحبته اخيه هارون يطلبون مقابلته .. مهمة ربانية لا بد من تبليغها له .. أمر الهى
    (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
    أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17))
    بالبدايه ظن فرعون ربما سيبادر موسى بالاعتذار عن فعلته طالبا منه العفو والمغفرة .. وربما توسط الى اخيه للذهاب معه والتوسل الى فرعون .. تخيل كل منهما ذليلا ضعيفا منكسرا ينحنى راكعا وساجدا له طمعا فى كرمه .. فسمح لهما بالدخول وجمع حشد من الحضور لاستعراض مهانتهم وتذللهم له على مشهد من الملأ .. واذا بهما يدخلان فى عزة ويتقدم منه موسى متحدثا الي فرعون بصفة غير التى يعرفها عنه .. بصفتة ومكانتة هو واخيه كرسولين من رب العالمين مهمتهما توصيل رسالة من ربهما وربه الآمر الناهى له .. المهمة جريئة ومباشرة وموجهة الى فرعون وقومه بأمر من الله بالكف عن ايذاء بنى اسرائيل وتركهم ليرحلوا مع موسى منذرين اياه وقومه بعاقبة مخالفة هذا الامر او الاستعلاء على الله وتكذيبة والسلام على من اتبع الهدى
    إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
    إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48
    وبدأ اقوى حوار يستحق ان يدرس فى علم الجدال ومرجع هام للمهتمين المتخصصين فى مجال المناظرة .. حوار بين موسى رسول الله وفرعون اقوى اعمدة الكفر الى يوم الدين .. حوار بين ولى الله العبد الفقير موسى وبين فرعون احد ائمة الطاغوت والشرك والاسراف والالحاد والكبر والاستعلاء على الله .. بين موسى الداعى الى الاسلام لله رب العالمين والخضوع له وحده لا شريك له وبين فرعون معلم الملاحدة والكفار وممثلهم والمناظر عنهم بالباطل على مر التاريخ .. حوار له قواعد وسمات وتدرج فى شدته ..
    نظر فرعون اليهما وكعادة اهل الكفر القاسية قلوبهم تظاهر بالهدوء والثقة بالنفس المصطنعة وبدأ بسؤال ظاهره الاستفسار وباطنه الاستخفاف قائلا
    (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) )
    اجابه موسى باطمئنان وثبات على نفس مستوى الحوار بهدوء وآخذا بظاهر السؤال ومتجاهلا النوايا التى لا يعلمها الا الله
    (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) )
    وكعادة اهل الكفر والشرك فى تشتيت الامور .. أمسك فرعون بدفة الحوار واراد تحويل مجرى الحديث فى متاهات بغرض الجدال بالباطل
    (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) )
    اضاع عليه موسى الفرصة واعاده الى صلب الرسالة التى اتى من اجلها وطمأنه ان لا داعى ان يشغل باله بأمر القرون الاولى فعلمها عن خالقها الذى لا ينسى من خلق .. موضحا نعم الله وفضله على عباده .. ورد كل اسباب الحياة لله وحده لا شريك له
    ( قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52)
    الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (53)
    كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (54 مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) )
    بدأ فرعون فى تغيير استراتيجية الحوار ويسلك اسلوب المن والترهيب

  9. افتراضي

    بدأ فرعون يلجأ الى محور آخر فى الحوار . . سياسة قديمة للوى الاذرع والاعناق .. اسلوب المن والتفاضل والانتقاص من قدر العباد وارهابهم بماضيهم
    (( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ
    وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ))
    لم يدرك فرعون ان المؤمن لا يخشى الا الله وان اسلوب المنن والتغنى بفضائل اهل الكفر لا يأخذ به مؤمن ولا يؤثر فيه .. موسى مثل حال يوسف حين راودته التى هو فى بيتها عن نفسه .. لم يعيرها اهتماما ولم يهتم بفضلها عليه وايوائها له واختار السجن عن الامتثال لاوامرها .. وكما من قوم شعيب عليه بعدم ايذائهم له لمكانة اهله
    (( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما انت علينا بعزيز ))
    فاجابهم بقوة (( قال يا قوم ارهطي اعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ان ربي بما تعملون محيط ))
    حال كل مؤمن لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق مهما تعددت اسباب المنن والفضائل .. مرجعيتنا وقياسنا للامور مردها الى الله وليس مسايرة اصحاب النعم والمنن والفضل بالباطل خجلا وحياءا منهم .. بكل عزة المؤمن وايمانه بان اسباب الهداية من الله اجاب موسى هذا الفرعون هل من اجل ان رباه رضيعا يحق له ان يتخذ قوم بنى اسرائيل باكملهم عبيدا له .. من اجل طفل رضيع يستعبد امة قوامها اكثر من مائة الف انسان
    ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
    فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)
    وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) )
    امام قوة الايمان والثقة بالله يعجز الجهلة عن النيل من المؤمنين ولوى اعناقهم .. ليس لمؤمن نقاط ضعف او مذلة تستوجب خضوعه لاهل الشرك والغافلين .. لا يخجل المؤمن ولا يتوارى من افعال ارتكبها او ماضى مهما تعاظمت فيه الذنوب بل يفتخر بهداية الله له واختياره اياه ..هو منهج مازال قائم الى الان ملاحقة التائبين واحراجهم ومعايرتهم بافعال مضت الى غير رجعة باذن الله .. بل والتربص باخطاء المؤمنين لاذلالهم .. خير الخطائين التوابين .. لن نتعاظم ولن نكون اكرم من كليم الله موسى حين قال باعلى صوته فى مواجهة فرعون ( فعلتها اذن وانا من الضالين ) .. ولا اقل جرأة وايمانا من امرأة العزيز حين قالتها بكل ثقة فى حضرة الملك وردت اسباب الهداية لله ( ان النفس لامارة بالسوء الا من رحم ربى ) .. فشل فرعون من النيل من موسى فلجأ الى التهكم المغلف بالهدوء والتصنع بالحكمة وكأنه احب ان يستزيد
    (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ )
    اجابه موسى باستزادة فى التعريف بخالقه لعلهم يكونوا من المصدقين
    ( قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ )
    بدأ فرعون يعلن عن سخريته فنظر الى قومه وكأن موسى ألقى بدعابة او نكته قائلا بابتسامة صفراء مستفزة .. دائما تميز اهل الباطل فى كل حواراتهم الى يومنا هذا حتى على المرئيات
    (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ )
    فاخذ مستوى الحوار فى الارتفاع تدريجيا واجابه موسى برد قوى اخضع فيه فرعون وقومه وابائهم واجدادهم لعبوديه الله الواحد
    (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ )
    انتفض فرعون وازاح عن وجه قناع الحكمة والهدوء الذى يتخفى به الجهلة والسفهاء من المشركين وظهر بحقيقته ومرارة قلبه وغيظه وحقده وكراهيته للخضوع لله الواحد القهار
    ( قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ )
    دائما والى يومنا هذا هو منهج المسرفين المستكبرين على الله .. القاء المؤمنين بتهمة الجنون والاختلال العقلى .. تشابهت قلوبهم فى كل العصور
    قوم نوح ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر )
    مضغة كريهة فى فم كل المستكبرين على الخضوع لله واوامره نالت كل الرسل والمؤمنين بالقول السفيه والتهام الباطل بالجنون
    (( كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون ))
    وقول قوم هود عنه هود (آية:54): ( ان نقول الا اعتراك بعض الهتنا بسوء قال اني اشهد الله واشهدوا اني بريء مما تشركون )
    وقولهم عن محمد صلى الله عليه وسلم الصافات (آية:36): (ويقولون ائنا لتاركوا الهتنا لشاعر مجنون )
    هى سياسة لها جذور اتبعها اهل الباطل فى كل ازمنة الشرك و التعالى على الله ونهجه وشريعته الى يومنا هذا.. كلما جاءهم الحق بما لا تهوى انفسهم ويخالف اهواءهم ومناهجهم اتهموا صاحبه بالجنون .. هم فقط بمناهجهم المنحرفة العلمانية والاشتراكية والديمقراطية وغيرها من رؤيتهم اصحاب فكر وعقل وحكمة
    زاده موسى غيظا ونزع عن فرعون قناعه الزائف ورد عليه وعلى قومه جنونهم واخضع الكون كله بمشرقه ومغربه لله الواحد القهار
    ( قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ )
    فزع فرعون من قوة رسالة موسى التى قد تنزع عنه سلطانه بل وتبيد عروش ونظم الفراعنة بكل اشكالهم وازمانهم الى الابد
    ( قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ )
    ارتفع صوت موسى يرج المكان دون ان يعيره اهتمام له ولتهديداته واعاده عليه بقوة وثبات
    ( وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
    حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ )
    لم يكن فرعون بحاجة الى اية فهو على عناده وكفره وتمرده على الولاء لله واستكباره على الخضوع والعبودية له وحده لا شريك له .. ولكنها وسيلة مكر ودهاء يتبعها حكام الباطل لمعرفة امكانيات اعدائهم ثم تحديد الوسائل المناسبة للتصدى لهم
    ( قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِيين )
    ( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ )
    ( وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ )
    وتباينت ردود الفعل وامسك فرعون بزمام الامور
    ( قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
    يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
    قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ
    يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ )
    وكأى طاغية مستكبر جبان مجادل بالباطل تملك فرعون الهلع والخوف من موسى ورساله ربه التى سوف تنزع عنه سلطانه وعن كل من هم على شاكلته الى يوم الدين
    ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى
    فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى )
    وبكل هدوء وثبات وثقة فى نصر الله اجابه موسى واختار يوما مشهود عيد للفراعنة يشهد اكبر حشد وجمع من الناس
    ( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى )

  10. افتراضي

    (( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى )) الامر بالنسبة لفرعون اكبر من تحدى او استعراض للقوى .. الرسالة تتعلق بوجوب ايمانه برب واحد رب العالمين .. والاقرار بالعبوديه له والخضوع لكل اوامره .. وهو بكبره واستعلائه على الله لم يكن ليعترف بموسى رسولا .. الاعتراف به يعنى تقديم تنازلات والامتثال لاوامر ربه التى بدأت باطلاق سراح بنى اسرائيل والكف عن ايذائهم واستعبادهم .. وفرعون كان مطمئنا لحضارة بلادة ورخائها وعلومها وتميز شعب مصر عن كل شعوب العالم القديم .. هو من منظوره ليس بحاجة الى رب يحكمة ويلقى اليه بالاوامر .. هو فى قناعاته اله يماثل رب موسى بل اقوى منه واحوال رعاياه اغنى واكثر تحضرا ورفاهية ممن تولوا الله .. هو مسرف مستكبر لا يريد ان يرد كل اسباب القوة والرزق والعلم لله الواحد القهار .. ووصل به التحدى لتقديم الوعود للسحرة باعطائهم المال الوفير وجعلهم من المقربين له تشجيعا وحافزا لهم للنيل من موسى رسول رب العالمين رغم احتقاره لهم ولمهنتهم الوضيعة
    وجاء يوم الزينة (( فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ )) .. المشهد عظيم والجمع غفير وحشد من بنى اسرائيل المفتونين وكل فئات المصريين بحضور فرعون وملئه ووزيره هامان وكهنته والسحرة متحفزين مستعدين .. والاصوات تعلوا (( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى )) .. وموسى يقف وحيدا يناصره عدد قليل من بنى اسرائيل بقلوبهم على خوف من فرعون وملئه
    الامر كان شديد الصعوبة على نفس موسى شأن اى مؤمن يحتاج فى تلك المواقف الى تثبيت من الله
    (( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ))
    (( قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ))
    واذا بعصا موسى تلقف حبالهم وعصيهم وما كانوا يأفكون
    (( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ))
    (( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))
    (( رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ))
    المصريون فراعنة فى كفرهم .. ولكنهم فى ايمانهم اشد واقوى من اعظم الجيوش وأعتى الجبابرة والعتاه .. ولما لا ومنهم سيخرج خير اجناد الارض ..
    سجلت الايات اعظم موقف وضربت اقوى الامثال للصورة التى يكون عليها المؤمنين فى مواجهة اقوى جبابرة الفراعنة الظالمين فى تاريخ الانسانية .. ثوانى معدودة بدلت احوال السحرة من فئة حقيرة متسولة تستجدى الاحسان والمال والعزة من فرعون الى عصبة قوية بايمانها بربها لا تقبل ان تشرك به احدا .. سلة من المؤمنين فى مواجهة فرعون .. انتفض فرعون وكعادة الظالمين لا يملكون الا سلاح القتل والتهديد والترهيب والتعذيب
    (( قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ))
    وبرد اكثر منه قوة وجرأه وارهابا واقرارا بالحقائق التى يعلمها المصريون عن الله من عهد يوسف
    (( قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
    إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
    إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74)
    وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
    جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (76) ))
    سحرة لا حول لهم ولا قوة الا بالله افزعوا فرعون وارهبوه .. لم تهزمه جيوش فقد كان حاكم اقوى بلاد الدنيا واعظمها .. مصر ام الدنيا .. لم تكن بداية نهايته فى معركة ولا منازلة حربية ولا حتى انقلاب على حكمه بل هزمه جماعة من السحرة لم يكونوا قبل ايمانهم يملكون غير عصى وحبال .. رعبوه بسجودهم لله على مشهد مشرف بحضور الجميع .. ومنهج ايمانى ربانى قوى لا يصلح سواه لردع الطغاه المستكبرين .. اعلنوها صراحة وبكل قوة وثقة بالله واعلاءا لكلمته واقرارا بالعبودية له وحده لا شريك له
    (( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ
    إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ))

  11. افتراضي

    بدأت مرحلة من اهم المراحل فى تاريخ الانسانيه .. مرحلة صراعات ومواجهات بين فرعون وملئة وقومه وجيوشه وحضارته وطريقته المثلى فى الحكم من جهة .. وبين موسى رسول الله واتباعه الفقراء الاذلاء المستعبدين ممن آمنوا بالله .. قلة من بنى اسرائيل (( فما امن لموسى الا ذريه من قومه على خوف من فرعون وملئهم ان يفتنهم وان فرعون لعال في الارض وانه لمن المسرفين )) ..
    مواجهات تدرج بها موسى من اللين فى القول الى الحوار العاقل الى الاصرار على الحق ثم بيان ايات الله الكبرى ومعجزاته ... وجمبعها لم تفلح لاثناء فرعون وقومه عن استكبارهم فى الارض بغير الحق
    ((فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ))
    (( وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ))
    .. فترة هامة مهدت لمرحلة اخرى من الفصل بين المؤمنين وبين اعداء الله والكافرين به .. بعد هذا اليوم الذى اظهر الله موسى على فرعون دون حرب او قتال وسجد فيه السحرة لله رب العالمين ستكون هناك شريعة تحكم عباد الله ولن يخضعوا بعد ذلك اليوم لاى منهج عقائدى او دنيوى او فكرى غير ما امرهم به الله .. فترة سبقت نزول التوراة اول شريعة سماوية يحكم بها المؤمنين .. قبلها ومن عهد ادم كانت الدعوة للتوحيد والاسلام لله الواحد القهار وحده لا شريك له ونبذ مادونه من آلهه .. وبنزول شريعة سماوية لن يكون لنظام مهما تعاظمت قوته وسلطانه وحضارته واسباب رفاهيته اى ولاء ولا سلطة ولا امر على المؤمنين الى يوم الدين .. الى ان يرث الله الارض ومن عليها .. بعد هذا الحدث وزوال ملك الفراعنة ونزول اول الشرائع السماوية لن يقف المؤمنين مكتوفى اليد ينتظرون نصر الله ..لن يحكم المؤمنين الا بشريعة الله التى فرضها الله واوجب على المؤمنين الاخذ بها والدفاع عنها والجهاد فى سبيلها وتثبيتها فى الارض .. بدأت بالتوراه ثم الانجيل ثم ختمها الله و اكملها وحفظها من اى تحريف وثبتها بالقرآن .. شريعة يسلم فيها المؤمنون لله قولا وعملا وفعلا وبيانا لكل الاحكام فى شتى مجالات الحياه للحكم بما انزل الله وازاحة وازالة ماعداها من نظم دنيوية شيطانية فاسدة ومضللة ..
    الامر غاية فى الخطورة بالنسبة الى فرعون المسرف المتعال المستكبر على الله هو وقومه وبدأت المواجهات .. كل بما استطاع من قوة .. فرعون بكل اسلحته الدنيوية وقومه وجيوشه وما اوتى من قوة .. وبين موسى واتباعه بدعائهم وصلاتهم وتوكلهم واحتمائهم بالله.. وانضم كل فرد بقناعاته مع من يحب ان يكون معهم .. وكل يساند ويؤازر من تولاه بكل ما استطاع ان يبذله من جهد .. ووقف قارون من قوم موسى فى جانب احبائه الفراعنة ولجأ الى سلاح الفتنة لرد بنى اسرائيل عن دينهم وافتتانهم بالمال وحظوظ الدنيا وصرفهم عن عقيدة اجدادهم التى جلبت اليهم الفقر من رؤيته .. وبحيلة ماكرة استعرض فيها قوته وامواله خرج عليهم بكامل زينته وجمعه لابهارهم وسحر اعينهم وليصرفهم عن موسى .. لم يكن بنى اسرائيل بحاجة الى المزيد من الفتن .. معاشرتهم للفراعنة اهل الشرك وتمردهم على حظوظهم فى الدنيا انتزعت ماتبقى من الايمان فى قلوبهم ..تمنوا لو تقربوا من الفراعنة ونالوا من صحبتهم مثل حظ قارون فى الدنيا ((فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .. وهنا يظهر دور اولياء الله واهل العلم فى تثبيت عباد الله وقت الفتن والشدائد .. ردوهم الى دينهم ردا جميلا (( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ )) .. استنصروا بالله من الفتن فنصرهم وثبت اقدامهم وثبت بهم بنى اسرائيل وخسف بقارون الارض
    (( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ
    وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
    تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ))
    مشهد شديد الاثر احدث هزة عنيفة فى نفوس الناجيين وكل من شاهد تلك الواقعة .. هزة اجبرت بنى اسرائيل على الالتزام باوامر موسى رسول الله . . واحدثت تصدعات وانشقاقات فى كيان المصريين وافقدتهم صوابهم ..

  12. افتراضي

    لم يبالى فرعون بما حدث لقارون واخذته العزة بالاثم .. فهو وقومة من القاسية قلوبهم .. اعماهم الكبر والاستعلاء على الله لمجرد تصور خضوعهم لعبودية الخالق .. المبدأ بالنسبة لهم مرفوض .. هم يؤمنون بعلومهم وحضارتهم واموالهم وطريقتهم المثلى فى الاستمتاع بالحياة الدنيا ويطمئنون لما هم عليه من اسباب القوى والغنى .. لذا لم يكن فرعون بحاجة الى بذل الكثير من الجهد للتأثير عليهم واعادة تجميع صفوفهم واستعادة قناعاتهم الملحدة والمشركة بعد حدوث كل اية كبرى ربانية هزت كيانهم .. وخاطبهم بمنطقهم ومنهجهم فى الاخذ بكل المظاهر المادية الدنيوية ونبذ ماعداها من غيبيات (( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ))
    مستهزئا بموسى رسول الله بمقارنات مظهرية زائفة زائلة .. ساخرا من لعثمته وفقره ومن جنود الله .. منهج الملاحدة والكفرة والمشركين المكذبين بكل زمان ومكان والى يومنا هذا
    (( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ))
    (( فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ))
    استخف قومه بمظاهر دنيوية باطلة مضللة فاطاعوه وانصرفوا عن ايات الله ورسوله موسى (( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ))
    واستمر على منهج الاستهزاء والاستخفاف مخاطبا قومه بما يسمى الان بالاسباب المنطقية للنيل من موسى بدهاء ومكر المجادلين واهما اياهم انه يخاطب عقولهم .. ومتوعدا بنى اسرائيل بمزيد من الاستعباد والاذلال مثلما فعل اجداده الفراعنة بتسخيرهم فى بناء الصروح العملاقة العظيمة والاهرامات
    (( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ))
    استطاع فرعون وكهنته وهامان بكل اساليب الخداع والمكر ان يسيطروا على عقول وقناعات المصريين فالتفوا حولهم بقوة فى مواجهة موسى وقومه من بنى اسرائيل واذاقوهم كل صنوف السخرية والعذاب .. اشتد الكرب والاهوال بعباد الله الذين لم يكن لهم طاقة ولا جهد ولا سلاح الا التضرع والدعاء والتوسل الى الله .. كانوا فقراء ضعفاء فى مواجهة فرعون وهامان وجنودهما .. كانوا لا حول لهم ولا قوة الا بالله العلى العظيم لنجدتهم من فرعون وملئه وجاء الرد على الفراعنة (( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ )) .. وما زلنا مع تاريخ الفراعنة المجرمين الذين يهلل لهم المنتسبين اليهم من احبائهم واوليائهم الحاليين

  13. افتراضي

    شهدت تلك المرحلة التى سبقت نهاية الحضارة الفرعونية حجم هائل من الصراعات والولائات والمتناقضات .. مرحلة من التخبط والهلع والفزع اصابت الفراعنة من مجرد تصور انتصار رب موسى رب العالمين .. مرحلة من العبر والمواعظ جعلت من نهايتهم عبرة لمن يخاف العذاب الاليم لكل الامم التى عاصرتهم والتى اتت من بعدهم الى يوم الدين .. بلغ بهم الكبر والتعالى مداه فاعلنوا حربا حقيقية على الله ورسوله واوليائه .. حربا استندوا فيها على قوة حضارتهم والتى ارجعوا اسبابها لطريقتهم المثلى فى الحياة .. فانطلق الملأ من قوم فرعون بكل مكان يصيحون فى المصريين (( قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى )) .. كل تلك الايات التى اتى بها موسى بقوة الله وعاينوها لم تحرك لهم ساكنا .. اخذتهم العزة بالاثم فاستكبروا عنها .. ارجعوا اسبابها لاحوال طارئة عابرة .. شأن كل المستكبرين بكل زمان لا تحركهم اسراب الجراد ولا تردعهم انفلونزا الطيور .. دائما لهم مصادرهم التى يشتقون منها الاسباب والتفسيرات الا مصدر واحد استبعدوه ظلما وعدوانا واستكبارا من انفسهم ان يقال انها ايات من الله لعلهم ينتهون
    ((وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ))
    ((وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ))
    (( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ))
    شأن كل الغافلين لا تؤثر فيهم النوازل ولا العبر لاهية قلوبهم .. بمجرد زوال الكوارث يعودوا لما هم عليه من الفسق والتعالى ويطمئنون لزوالها .. عادوا للسخرية من موسى (( فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ )) .. وتندروا على دعوته ورسالته ومكانته واخيه هارون (( فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ )) .. وبتعالى شديد واستهزاء بايات الله ونذره قال فرعون (( إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا )) .. وبكل ثقة وولاء لله اجابه موسى بقوة (( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا )) .. واشتد التحدى والصراع .. وكل فرد يلزم مع من يحب ان يكون بصحبته .. مرحلة الفصل بين المؤمنين وبين الكفرة الملحدين والمشركين .. واذا بامرأة فرعون تصبح مثلا اعلى مشرفا الى ان تقوم الساعة .. لما يجب ان يكون عليه المؤمن بولائه لله واوليائه وقت الشدائد .. اختارت جانب المؤمنين .. ان تتولى رسول الله موسى .. اطاحت بقصورها ومكانتها ومنزلتها وخدمها وعبيدها وفرعونها واختارت مرافقة عباد الله حتى لو كانوا فقراء معدومين لا يملكون من اسباب الحضارة شيئا ولا حيلة لهم الا الدعاء .. يكفيهم رفعة ومنزله انهم اولياء الله ..
    (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )) ..
    اشد فترات الغليان والصراعات والنزاعات فى تاريخ مصر .. ليست حرب عادية مألوفة فى اسبابها تقودها الجيوش .. ولكن حربا جديدة فى شدتها جندت كل العامة والطبقات والكهنة وحتى حاكم البلاد وحاشيته واسرته ووزيره وملئة .. حربا قسمت الجميع الى قسمين اولياء الله واولياء فرعون .. الى عباد الله .. وعباد الفراعنة المستكبرين .. الى الخاضعين والمسلمين لاوامر الله .. والمتمردين على رسله ورسالاته الذين استحبوا الحياة الدنيا واسباب حضاراتهم وقوتهم ورفاهياته عن الولاء لله .. حرب بين من هم على بصيرة من ربهم .. وبين من هم استحبوا العمى على الايمان فاضلهم الله على علم .. وكل منهم يمسك على ولائاته وقناعاته بكل ما أوتى من اسباب القوة .. الامر الذى ادى بفرعون الى هياج وثورة لا يحتمل معها ان يرى اوامره تهان وسلطانه يهوى .. وارادة الله تسرى فوق عنقه .. وشأن كل الجبابرة لم يزده كبره واسرافه الا كفرا واجراما ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ))
    وهنا دعا موسى ربه .. نعم المولى ونعم النصير (( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ))
    فاخرج الله من ال فرعون رجل صالح جند من جنود الله يكتم ايمانه وايده بالحجة القوية الرادعة .. رجل مصرى عاقل حكيم من الفراعنة صفع قومه بمنطقهم الباطل ورد عليهم سخريتهم وبدأ معهم باللين مخاطبا عقولهم وقت كانوا يدعون مثل اتباعهم الحاليين ان لهم عقول يفقهون بها او آذان يسمعون بها .. وحقا انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ..

  14. افتراضي

    وفى مجلس من مجالس الفراعنة التى تفرغ فيها فرعون وحاشيته لمحاربة موسى ورسالة ربه .. قام رجل مؤمن من ال فرعون .. نعم رجل مؤمن يكفيه شرفا وعلوا هذا الوصف عندما تجتمع الرجولة بالايمان بالله .. قام خطيبا فى ال فرعون فنعم وأسبق من انجبت مصر من الخطباء .. وحاورهم بحجة قوية تتوافق ومنطقهم .. ما الذى يضرهم لو اخذوا بدعوة موسى وآمنوا بها .. فاذا كان كاذبا ولم يكن هناك رب للعالمين عليه كذبه ولن يضرهم شيئا .. وان كان صادقا واستمروا على كفرهم وعنادهم سيصبهم من هذا الوعيد عقاب من الله (( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ))
    ودعاهم الا يطمئنوا لحضارتهم وملكهم .. وبماذا تنفعهم اذا حل بهم غضب من الله .. (( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا )) ..
    فانتفض فرعون بغطرسة الجبابرة برد قاطع غير خاضع لاى نقاش (( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )) تجاهله الرجل الصالح بهدوء وعزة المؤمن موجها نصيحته مباشرة الى قومه .. وتكشف تلك النصيحة التى سجلتها الايات عن كذب ادعاءات علماء الاثار والتاريخ ومحبى الفراعنة عن سبب شركهم وتعدد الهتهم وكفرهم بالله ووحدانيته عندما انكروا معرفة الفراعنة برسل الله ورسالة التوحيد .. ومن نصيحة الرجل الصالح يتبين ان الفراعنة كانوا على علم تام باخبار الحضارات التى سبقتهم والتى شاعت قصصهم وسيرتهم بكل بقاع الارض وانتصار رسل الله
    (( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ
    مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ
    وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ
    يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
    واعاد ذاكرتهم لعهد يوسف ودعوته وارتدادهم عنها بعد موته حين اتخذوا الشك والريبة منهجا فجادلوا بالباطل وضلوا عن سبيل الله بغير علم ولا سلطان غير اتباع الظن والهوى (( وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ .. الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ )) ..
    وشأن كل المسرفين الملاحدة المستكبرين تابع فرعون سخريته ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ .. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ))
    استمر الرجل المؤمن على تجاهله لفرعون مذكرا قومه بحلاوة الايمان والعبودية لله وان الاطمئنان للدنيا وزينتها سبيلا للهلاك (( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ
    يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ
    مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )) .. ويتعجب من مسلكهم ما سبب اصرارهم على الكفر والشرك بالله .. ما الذى يؤرقهم فى دعوة موسى بالايمان بالله وتبشيره للمؤمنين بالجنة .. لماذا اصرارهم على النار (( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ .. تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ .. لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ))
    ودعاهم الى مراجعة انفسهم والتذكرة بنصيحته
    (( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))
    كلمة حق من رجل مؤمن فى عصر فتن فيه الفراعنة الملعونين عباد الله بحضارتهم الزائفة الزائلة الملعونة وبالدنيا وزينتها الى يومنا هذا واضلوهم عن سواء السبيل (( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ )) ..

  15. افتراضي

    اشتد البلاء والكرب ببنى اسرائيل .. اذاقهم الفراعنة شتى الوان العذاب .. الفراعنة شأن كل المفسدين فى الارض يفزعهم اى نظام او حكم يسلم العباد لحكم الله ..اذا ذكر الله وحده اشمئزت قلوبهم .. لا يطيقون الاسلام لله دون غيره من الانظمة التى يطلقون عليها اصلاحية
    ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )) .. انتابتهم حالة هلع ورعب وفزع من رؤية اتباع لله ورسوله وغرتهم قوتهم وما كانوا يعبدون
    (( وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ )) .. سالت دماء اتباع موسى بكل مكان واشتدت الفتنة .. ونبى الله يثبتهم ويبشرهم بنصر قريب
    (( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )) .. حقا العاقبة للمتقين ..حقيقة منذ بدأ الخليقة والى ان يرث الله الارض ومن عليها (( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )) .. سنة الله على ارضه .. الخلافة للمتقين المؤمنين .. ولن تجد لسنة الله تبديلا .. ولن تجد لسنة الله تحويلا .. قانون ربانى منذ ان قال الله (( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )) .. ولن يعلو قانون ولا حكما فوق شريعة وحكم الله فهو سبحانه الذى استخلف وليس ابليس بنظمه ومناهجه المضللة ..
    (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))
    ولكن بنى اسرائيل كانوا اقرب للنفاق من الايمان .. مخالطتهم ومعاشرتهم للفراعنة اهل الشرك ازاغ قلوبهم وحاد بهم بعيدا عن الايمان السليم .. تمردوا على موسى وكادوا ان يشركوا بالله لينجوا بانفسهم .. وموسى يحاول جاهدا استعادتهم للايمان الحق (( قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )) ..
    فترة عصيبة اسرف فيها فرعون فى القتل والاجرام (( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ )) .. وموسى ممسك برسالة ربه وموقفه من فرعون لا يتغير ولا يتبدل (( أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ )) .. وفرعون وقومه على عنادهم وكفرهم وتحديهم لله ورسوله (( وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ )) ..
    الامر الذى تطلب من موسى وضع خطة منهجية ربانية لتثبيت بنى اسرائيل الذين وصلت بهم الفتنة لاشدها .. وهم بطبيعتهم اهل دنيا قاسية قلوبهم وليسوا بحاجة الى المزيد ووضعهم فى مواجهة صريحة مع انفسهم
    (( قَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ
    فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
    وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ))
    واوحى الله الى موسى وهارون ان ينعزلوا بالمؤمنين بعيدا عن الفراعنة الجبارين وان يتخذوا بيوتا للصلاة والعبادة وتسبيح الله .. مرحلة فصل واعداد وتمحيص سبقت نجاة بنى اسرائيل بفضل الله ومنهج ربانى يلزم المؤمنين باعتزال المفاسد والمفسدين وقت الفتن والشدائد وببلاد الشرك
    (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))
    واعلنها موسى بقوة فى وجه الفراعنة الملعونين ان لم يؤمنوا بالله فليعتزلوه ويتركوه ومن آمن معه ليخرجوا من بلاد المشركين ((وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ .. وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ))
    وكانت الاحوال بمصر بتلك الفترة قد اضطربت بصورة كبيرة حتى الطقس والامطار تمهيدا لتغيرات مناخية ستغير من خريطة مصر الجغرافية لتصبح حضارة الفراعنة الكفرة والمشركين وما فعلتها بمصر ايه لكل عصور الانسانية لمن يخاف العذاب الاليم شاهدة على حجم الكوارث والاهوال التى حلت بمصر الفراعنة ..
    ((وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )) ..والفراعنة على كبرهم بعلومهم وتعاليهم على الله (( فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ))
    ويدعو موسى ربه (( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ))
    (( قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ )) .. وجاء الامر من الله لموسى (( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ .. وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ))
    وقد كان .. قضى الامر الذى فيه يمترون (( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ))
    وكان غرق جيوش فرعون بداية للكوارث والاهوال التى حلت بارض مصر وقضت على حضارة الفراعنة الملعونين وطمست كل علومهم وقصورهم واوتادهم ولغتهم واموالهم الى غير رجعة .. وتتوالى الكوارث بعد خروج موسى بقومه بنى اسرائيل .. وتضع الايات الكريمة الاجوبة الشافية على استفسارات اتباع الفراعنة الحاليين الذين يبذلون الجهد لتبنى فكرة الانتساب اليهم واحياء لغتهم وقوميتهم .. حين يسألون .. اين ذهبت حضارة اجدادهم الفراعنة الملعونين كيف انتهت .. ستجيبهم الايات والحقائق باذن الله اين ذهبوا بعلومهم واموالهم الى غير رجعة .. فبعدا للقوم الظالمين ..

صفحة 3 من 6 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الفراعنة
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-06-2011, 05:03 PM
  2. هل كان الفراعنة موحدين
    بواسطة حامي الحمى في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-09-2010, 11:35 PM
  3. الفراعنة تُبطل نظرية التطور
    بواسطة أدناكم عِلما في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-27-2010, 02:29 PM
  4. صورة الغلام وخليفته الملعونين
    بواسطة DirghaM في المنتدى قسم الحوار عن القاديانية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 09-28-2007, 06:37 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء