بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه ووالاه
أما بعد:
فمعنى مصطلح "الحادِث" عند علماء التوحيد بجميع طوائفهم (سنة وشيعة ومعتزلة وغيرهم) وبجميع مدارسهم (مُحَدّثين ومتكلمين وفلاسفة): هو ما وُجد بعد أن لم يكن موجودا. ويمكن التعبير عنه بالأمر الذي أُنشِئ من العدم .. أي أنه حدَثَ بعد أن كان معدوما .. ولذلك سمّوه الحادث. ويُجمع على حوادث.
والحوادث تشمل كل ما سوى الله سبحانه وتعالى من الأجسام والأعراض والأفكار والأوهام والتصورات وغيرها .. لأنه هو الوحيد الذي لم يسبق وجودَه العدمُ. بل هو موجود بلا بداية لوجوده. لأن وجوده واجبٌ محتّم ضروريٌّ.
وأجمع كل من سبقت الإشارة إليهم على أن كل حادث لا بُدّ له من مُحدِث أحدثه. يعني لا بد له من موجِد أوجَده. أو لا بد له من صانع صنَعَهُ.
وبناءً على ذلك: اتفقوا جميعا على أن الحوادث لا توصَف بالكمال المطلق. لأن حدوثها يدل دلالة قاطعة على احتياجها إلى مَن أحدثها وأوجدها وصنعها. والاحتياجُ إلى الغير نقصٌ واضحٌ لا يجادل فيه إلا مكابر أو مُسَفْسِطٌ.
ومن هنا قال أهل السنة: أن الله تعالى لا يجوز أن يتصف بصفة حادثة. لأن الحوادث كلها ناقصة. وإلا جاز أن يتصف الله تعالى بالنواقص وهو ذو الجلال والكمال.
ولم يقبلوا قول من ادعى أن الحوادث تحلّ في ذاته تعالى، أو يتصف بها سبحانه.
وساقوا الأدلة على ذلك في صور متعددة:
فمنها: أنَّ كون اتصاف الله تعالى بالحوادث معناه أنه اتّصف بشيء لم يكن فيه ثم كان بعد ذلك، ولا معنى للاتصاف بالحوادث إلا هذا.
وهذا الحادث الذي اتصف به سبحانه بعد أن لم يكن موصوفا به إما أن يفيده كمالا أو يفيده نقصا.
ولو قلنا أنه أفاده كمالا فمعنى ذلك أن الله تعالى كان ناقصا ومحتاجا في بعض كمالاته إلى حادثٍ من الحوادثِ. وهذا واضحُ البطلان.
ويستحيل أن يفيده النقص لأن النقص محال على الله تعالى. فبطل إذن قول من يقول بجواز اتصاف الله تعالى بالحوادث.
ومن أمثلة الاتصاف بالحوادث: قول القائل إن الغضب والرضا والمجيء والنزول صفات تتجدد لله سبحانه بعد أن لم تكن.
وردّ عليه أهل السنة: بأن اتصاف الله تعالى بهذه الأمور ورد في نصوص ظنيّة في دلالتها، حيث تحتمل ألفاظُها الدلالةَ على معانٍ غير المعنى القاموسي. والقرائن الصارفة عن هذه المعاني موجودة سواء كانت قرائن لفظية أو حالية. وحملوا كل هذه الأمور على تعلُّقات صفة الإرادة. فالرضا يدل على إرادة الإنعام، والغضبُ يدل على إرادة النقمة، والمجيء والنزول لها معان كذلك يدل عليها السياق الذي وردت فيه.
- أو أنها صفات لله تعالى ليست على نفس المعنى الذي يتصف به المخلوق، لكن تثبت لله تعالى لورودها في القرآن والسنة بأسانيد صحيحة. مع القطع بعدم حدوثها. لأن الحادث محتاج والمحتاج ناقص والله تعالى لا يتصف بالنقائص ولا تحل به النواقص.
وبدون ذلك يلزم القول باتصاف الله تعالى بالحوادث، فتكون ذاته متصفة بالنقائص، لِما ثبت من كون الحوادث كلها نواقص لأنها محتاجة إلى من يحدثها.
- وطالما أن أهل السنة مجمعون على أن المُحدِث لكل ما سواه هو الله تعالى، فإن التسليم بصحة اتصافه تعالى بالحوادث يعني عندهم التسليم بكون الله تعالى محتاجا في تكميل ذاته إلى مخلوقاته ومصنوعاته. والاحتياج نقصٌ محالٌ على الله تعالى.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيرا
Bookmarks