صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 26

الموضوع: خديعة التطور

  1. افتراضي خديعة التطور

    كثيرا ما يحتاج الاخوة ان ينقلوا بعض المقاطع من كتاب خديعة التطور

    لذلك فانى سانسخه لكم هنا بالكامل

    ليكون فى خدمتكم للاستعانة بى فى اى وقت

    والله الموفق والمستعان


    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  2. افتراضي




    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  3. افتراضي


    مقدمة

    مقدمة: لماذا نظرية التطور؟

    إن نظرية التطور أو الداروينية لا تمثل، في رأي بعض الناس، سوى دلالات علمية، ليس لها - حسبما يبدو لهم - أي تأثير مباشر في حياتهم اليومية. وهذا بالطبع سوء فهم شائع. ذلك أن نظرية التطور تتجاوز إلى حد بعيد مجرد كَوْنِها موضوعًا في إطار العلوم البيوليوجية، لتشكِّل أساپ فلسفة خادعة كان لها تأثير بالغ على عدد كبير من الناس، وهي الفلسفة المادية.

    إن الفلسفة المادية - التى لا تقبل وجود شيء سوى المادة، وتفترض مقدما أن الإنسان ‘’كومة من المادة’’ - تؤكد أنه ليس سوى حيوان، يشكل ‘’الصراع’’ القاعدة الوحيدة لوجوده. وبالرغم من الترويج لها بوصفها نظرية حديثة تقوم على العلم، فإن المادية في الحقيقة ليست سوى عقيدة قديمة تفتقر إلى أي أساپ علمي. فهذه العقيدة - التي تم اعتناقها في اليونان القديمة - قد أعاد اكتشافها الفلاسفة الملحدون في القرن الثامن عشر. وبعد ذلك تم غرسها في القرن التاسع عشر في فروع علمية عديدة بواسطة مفكرين مثل كارل ماركس Karl Marx، وتشارلز داروين Charles Darwin، وسيجموند فرويد .Sigmund Freud وبعبارة أخرى، فقد تم تشويه العلم ليفسح المجال للفلسفة المادية.







    أكد كارل ماركس على أن نظرية دارون قد شكلت أساساً جوهرياً للمادية والشيوعية، وأبدى تعاطفه مع دارون حين أهدى إليه كتابه «رأس المال»، الذي يعد أعظم أعماله. وقد كتب ماركس على الطبعة الألمانية من الكتاب: «من محب مخلص إلى داروين».
    لقد كان القرنان الماضيان ميدان صراع دموي للفلسفة المادية: فالإيديولوجيات القائمة على المادية (أو الإيديولوجيات المتنافسة المناهضة للمادية، ولكنها تشاركها عقائدها الأساسية) قد أتت بالعنف والحروب والفوضى الدائمة إلى العالم. إن الشيوعية - المسؤولة عن موت 120 مليون إنسان - هي النتيجة المباشرة للفلسفة المادية. وبالرغم من تظاهر الفاشية بأنها بديل للرؤية المادية للعالم، فقد قبلت المفهوم المادي الأساسي المتمثل فى التقدم من خلال الصراع، وكانت بمثابة الشرارة الأولى لأنظمة ظالمة، ومذابح، وحروب عالمية، وإبادة جماعية. وبالإضافة إلى هاتين الإيديولوجيتين الدمويتين، فإن الأخلاق الفردية والاجتماعية قد فسدت كذلك بسبب المادية.

    إن الرسالة الخادعة للمادية - باختزالها الإنسان إلى حيوان وُجد بالصدفة، ولا يحمل أي قدر من المسؤولية تجاه أي كائن - قد هدمت الركائز الخلُقية مثل الحب، والرحمة، والتضحية بالنفس، والتواضع، والأمانة، والعدل. وإذ ضُلل الناس بشعار الماديين ‘’الحياة صراع’’، فقد وصل بهم الأمر إلى ألا يروا في حياتهم أكثر من صدام للمصالح، أفضى بدوره إلى حياة يحكمها قانون الغابة.

    ويمكننا أن نجد آثار هذه الفلسفة - التي تفسر إلى حد كبير الكوارث التي صنعها الإنسان في القرنين الماضيين - في كل إيديولوجية تنظر إلى الاختلافات بين البشر بوصفها ‘’سببا للصراع’’، بما في ذلك الإرهابيون في عصرنا الحاضر الذين يدعون نصرة الدين، إلا أنهم يرتكبون أحدى أعظم الكبائر بقتلهم الأبرياء.

    وتأتي نظرية التطور، أو الداروينية، في هذه المرحلة لتكمل الصورة. إنها تقدم الخرافة المتمثلة في أن المادية فكرة علمية. وهذا ما يفسر أن كارل ماركس، مؤسس الشيوعية والمادية الجدليـة، قد كتب أن الداروينية هي ‘’الأساس في التاريخ الطبيعي’’ في رؤيته للعالم.1

    ومع ذلك، فإن ذلك الأساس فاسد. ذلك أن الاكتشافات العلمية الحديثة تكشف يوما بعد يوم أن الاعتقاد الشائع الذي يربط الداروينية بالعلم هو اعتقاد زائف. إن الأدلة العلمية تدحض الداروينية تماما، وتكشف أن أصل وجودنا ليس التطور، وإنما هو الخلق. لقد خلق الله الكون، وكل الكائنات الحية، والإنسان.

    وقد كُتب هذا الكتاب ليجعل هذه الحقيقة معروفة للناپ. ومنذ نشره للمرة الأولى في تركيا، ثم في بلدان عديدة أخرى، قرأ ملايين الناس هذا الكتاب وقدَّروه. وبالإضافة إلى اللغة التركية، فقد طُبع هذا الكتاب بالإنجليزية، والإيطالية، والأسبانية، والروسية، والبوسنية، والعربية، والماليزية، والإندونيسية. (نص هذا الكتاب متاح مجانا بجميع هذه اللغات في الموقع التالي على شبكة الإنترنت: www.evolutiondeceit.com). لقد اعترف بتأثير كتاب ‘’خدعة التطور’’ «The Evolution Deceit» قادة معارضي هذا الرأي. وكان ‘’هارون يحيى’’ موضوعا لمقال نشر في مجلة «New )Scientist»العالِم الجديد)، بعنوان ‘’إحراق داروين’’ «Burning Darwin». لقد سجلت هذه المجلة الرائدة المعروفة، المؤيدة للداروينية، في عددها بتاريخ 22 أبريل ،2000 أن ‘’هارون يحيى’’ هو ‘’بطل عالمي’’، معربةً عن قلقها من أن كتبه ‘’قد انتشرت في كل مكان في العالم الإسلامي’’.

    أما مجلة «Science)العلم)، وهي المجلة الرائدة في المجتمع العلمي بوجه عام، فقد أكدت تأثير ورفعة مستوى كتب ‘’هارون يحيى’’. وقد سجل مقال مجلة «Science» بعنوان ‘’نظرية الخلق تتأصل حيث تلتقي أوروبا وآسيا’’ «Creationism Takes Root Where Europe, Asia Meet»، في عددها الصادر بتاريخ 18 مايو ،2001 أنه في تركيا ‘’أصبحت كتب رفيعة المستوى مثل The Evolution Deceit (خدعة التطور) وThe Dark Face of Darwinism (الوجه المظلم للداروينية) ... أكثر تأثيرا من كتب التطور في مناطق معينة من البلاد’’. ثم يستمر كاتب المقال ليقيِّم كتب ‘’هارون يحيى’’، التي أنشأت - على حد قوله - ‘’إحدى أقوى الحركات العالمية المعارضة للتطور خارج أمريكا الشمالية’’.

    وعلى الرغم من أن مثل هذه المجلات المؤيدة للتطور تسجل تأثير كتاب ‘’خدعة التطور’’، فإنها لا تقدم أي إجابات علمية للرد على البراهين الواردة به. والسبب - بالطبع - أن هذا ببساطة غير ممكن. إن نظرية التطور في مأزق لا تستطيع الفكاك منه بحال من الأحوال، وهذه حقيقة سوف تكتشفها وأنت تقرأ الفصول التالية من الكتاب. وسوف يساعدك هذا الكتاب في إدراك أن الداروينية ليست نظرية علمية، وإنما هي عقيدة زائفة تتمسح بالعلم، يتم تأييدها - بالرغم من الأدلة التي تثبت خطأها وتدحضها كليةً - باسم الفلسفة المادية.

    إننا نأمل أن يستمر كتاب ‘’خدعة التطور’’، لوقت طويل، في إسهامه فيدحض العقيدة المادية-الداروينية، التي ضللت الإنسانية منذ القرن التاسع عشر. وسوف يذكِّر هذا الكتاب الناس بالحقائق الحاسمة في حياتهم، مثل كيف جئنا إلى الوجود وما هي واجباتنا تجاه خالقنا.
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  4. افتراضي

    الفصل الأول

    لكي نتحرر من الأحكام والأفكار المسبقة

    إن معظم الناس يقبلون ويصدقون كل شيء يسمعونه من العلماء ، ولا يكاد يخطر ببالهم أن العلماء قد تكون لهم أيضا أهواء فلسفية أو أيديولوجية شتَّى . والحقيقة أن العلماء التطوُّريين يفرضون أهواءَهم الذاتية وآراءَهم الفلسفية على العامة تحت ستار العلم. وعلى سبيل المثال، فبالرغم من أنهم يعلمون أن الأحداث العشوائية لا تُنتِج إلا الشذوذ والفوضى، فإنهم لا يزالون يدَّعون أن النظام والتخطيط والتصميم البديع الذي نراه في كلٍّ من الكون والكائنات الحية قد نشأ بطريق الصدفة.

    وعلى سبيل المثال، فإن مِثل هذا العالِم البيولوجي يدرك -بسهولة- أن في جُزيء البروتين (الذي هو وحدة بناء الحياة) انسجاماً لا يُسبَر غورُهُ وأنه لا يوجد أي احتمال لأن يكون ذلك قد جاء بطريق الصدفة، ومع ذلك، فإنه يزعم أن هذا البروتين قد وُجد في ظل ظروف بدائية للأرض بطريق الصدفة منذ بلايين السنين. وهو لا يتوقف عند هذا الحد؛ إنه يزعم أيضاً، دون تردد، أن الأمر لم يقتصر على بروتين واحد، وإنما ملايين البروتينات قد تكونت بطريق الصدفة، ثم تجمعت على نحو لا يصدَّق لتكوِّن الخلية الحية الأولى. وبعد ذلك كله، فإنه يدافع عن رأيه بعناد أعمى. إن هذا الشخص هو عالِم تطوُّري!

    ولكن لو أن هذا العالِم نفسه كان يمشي في طريق من الطرق فوجد ثلاثةً من أحجار البناء مصفوفةً الواحد فوق الآخر، فإنه لن يفترض أبداً أن هذه الأحجار قد وُجدت معاً بطريق الصدفة ثم تسلقت ليستقر الواحد منها فوق الآخر أيضاً بطريق الصدفة. وفي الواقع، فإنه سيعتبر أيَّ شخص يُصِرُّ على ذلك الزعم مجنوناً.

    كيف -إذن- يمكن للأشخاص الذين ينجحون في فهم وتفسير الأحداث العادية على نحو معقول أن يتبنَّوا مثل هذا الموقف غير المعقول عندما يتعلق الأمر بالتفكير في وجودهم هم أنفسهم؟ إن من غير الممكن أن نزعم أن هذا الموقف يُتبنَّى باسم العلم؛ فالعلم يقتضي أخذ كِلا البديأتين في الاعتبار كلما وُجِد بديلان محتمَلان بنفس القدر فيما يتصل بقضية معينة. وإذا كان احتمالُ أحد البديأتين أقلَّ كثيراً من الآخر (كأَنْ يكونَ واحداً في المئة على سبيل المثال) فإن الشيء المنطقي والعلمي يكون إذن هو اختيار البديل الآخر، الذي يقدَّر احتماله بتسعة وتسعين في المئة، واعتباره البديلَ الصحيح. ودعونا نواصل حديثنا آخذين في اعتبارنا هذا الأساس العلمي. إن ثمة رأيين يمكن طرحهما فيما يتصل بالكيفية التي أتت بها الكائنات الحية إلى الوجود على الأرض: الرأي الأول هو أن كل الكائنات الحية قد خلقها الله في صورتها المعقدة الحالية. والرأي الثاني هو أن الحياة قد تكوَّنت بطريق مصادفات عشوائية غير مقصودة، وهذا هو الرأي الذي تزعمه نظرية التطوُّر.

    إننا عندما نتأمل المعطيات العلمية (ولتكُن معطيات علم البيولوجيا الجزيئية على سبيل المثال) فإنه يكون بوسعنا أن نرى أنه لا توجد أي فرصة أبداً لاحتمال أن تكون خلية حية واحدة (أو حتى واحد من ملايين البروتينات الموجودة في هذه الخلية) قد وُجدت بطريق الصدفة كما يزعم التطوُّريون. وكما سنبين في الفصول الآتية، فإن حسابات الاحتمالات أيضاً تؤكد هذه الحقيقة مراراً وتَكراراً. ومن ثم فإن رأي التطوُّريين بشأن ظهور الكائنات الحية لا يوجَد أي احتمال أبداً لكونه صحيحاً.

    إن هذا يعني أن نسبة احتمال كون الرأي الأول صحيحاً هي مئة في المئة، أي أن الحياة قد أُوجِدت على نحو مقصود. وبتعبير آخر، فإنها قد خُلقت. إن كل الكائنات الحية قد جاءت إلى الوجود بتخطيط خالق تعالت قدرته وحكمته وعلمه. إن هذه الحقيقة ليست مجرد مسألة إيمانية؛ بل إنها النتيجة الطبيعية التي تقود المرءَ إليها الحكمةُ والمنطقُ والعلم.

    والحالة هذه، فإنه ينبغي على عالِمنا التطوُّري أن يتراجع عن زعمه ويتمسك بحقيقة جلية ومبرهَنة على حد سواء، وهو إذا فعل غير ذلك فإنه يُثبِت أنه -في الواقع- شخص يضحّي بالعلم من أجل فلسفته وأيديولوجيته وعقيدته أكثر من كونه عالِماً حقيقياً. إن الغضب والعناد ونزعات التعصب لدَى عالِمنا تزيد أكثر وأكثر في كل مرة يواجه فيها الحقيقة. إن موقفه يمكن تفسيره بكلمة واحدة: الاعتقاد، إلا أنه اعتقاد خرافي أعمى، ذلك أنه لا يمكن أن يوجَد تفسير آخر لتجاهل المرء لكل الحقائق أو لتكريسه حياته بأكملها لخدمة سيناريو لامعقول نَسَجَهُ في خياله.

    التعصب الأعمى للفلسفة المادية

    إن الاعتقاد الذي تحدثنا عنه هو الفلسفة المادية التي ترى أن المادة موجودة منذ الأزل ولا تقبل وجود شيء إلا المادة ولا شيء غيرها. ونظرية التطور هي ما يزعم أنه الأساپ العلمي لهذه الفلسفة المادية، ولذلك فإنهم يدافعون عنها دفاعاً أعمى لتدعيم هذه الفلسفة. أما حين يدحض العلم ادعاءات التطور ويبطلها (وهذا ما توصل إليه العلم في أواخر القرن العشرين) فإنهم يسعون جاهدين إلى تحريف الحقائق العلمية بحيث تبدو وكأنها تؤيد التطور، وذلك من أجل الإبقاء على حياة الفلسفة المادية.

    ريتشارد دوكنز، منشغل بنشر نظرية التطور.

    إن سطوراً قليلة كتبها أحد أشهر علماء الأحياء المدافعين عن نظرية التطور في تركيا لَهِي نموذج جيد لمشاهدة ما يؤدي إليه التعصب الأعمى من تخبط وفساد في التفكير والتقدير. يقول عالم الأحياء هذا عن موضوع إمكانية التشكل العشوائي (عن طريق الصدفة) لمادة سيتوكروم-سي (Cytochrome-C) التي هي واحدة من أهم الإنزيمات اللازمة للحياة:

    ن احتمال تكوين سلسلة واحدة من (سيتوكروم - سي) قليل جداً يكاد يكون صفراً... أو إن تكوين هذه السلسلة المعقدة حدث من قِبَل قوى فوق تصورنا ولا نستطيع تعريفها. ولكن قبول الاحتمال الأخير لا يناسب الأهداف العلمية؛ إذن علينا فحص الاحتمال الأول وتمحيصه والاقتصار عليه.(2)

    إن هذا العالِم يرى أن قبوله احتمالاً ضعيفاً يصل إلى حد الصفر هو أمر أكثر تجسيداً لطبيعة العلم من قبول مسألة الخلق، بينما القواعد العلمية تقضي -كما تناولنا آنفاً- أنه إذا كان يمكن تفسير موضوع ما عن طريق احتمالين وكان احتمال أحدهما صفراً، فالصواب هو الاحتمال الثاني. ومع ذلك، فإن الفكر المادي المتعنت يرفچ من الأساپ قبول وجود قوة خالقة فوق المادة، وهذا الرفچ يؤدي بهذا العالِم (وبكثيرين غيره من أنصار التطور المؤمنين بالمادية والمتعصبين لها) يؤدي بهم جميعاً، مع الأسف، إلى تقبل أمور لا يقبلها العقل ولا الفطرة السليمة. وبالآتي يصبح الأشخاص الذين يؤمنون بهؤلاء العلماء ويثقون بهم عُمياً ومستعبَدين لنفس السحر المادي، ويتبنون ذات النفسية غير العقلانية عند قراءة كتب هؤلاء العلماء ومقالاتهم.

    وقد كانت وجهة النظر المادية المتعنتة هذه هي السبب في إلحاد عديد من الأسماء المشهورة في المجتمع العلمي، ولا يتردد أولئك الذين يخلِّصون أنفسهم من وطأة عبودية هذا السحر ويفكرون بعقل متفتح في التسليم بوجود خالق. وقد وصف عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي، الدكتور مايكل بيهي (وهو أحد هذه الأسماء المشهورة التي تؤيد نظرية التصميم الذكي (intelligent design) التي لاقت مؤخراً قبولاً كبيراً في الأوساط العلمية)، وصف العلماء الذين يقاومون الإيمان بالتصميم أو الخلق في الكائنات الحية بقوله:

    على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية الحديث أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم في العمل الممل داخل المختبرات... وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية (ودراسة الحياة عند المستوى الجزيئي) في صرخة عالية، واضحة، حادة تقول: التصميم المبدع!. وكانت هذه النتيجة من الوضوح والأهمية بمكان بحيث كان من المفترض أن تصنَّف ضمن أعظم الإنجازات في تاريخ العلم. ولكن -بدلاً من ذلك- أحاط صمت غريب ينم عن الارتباك بالتعقيد الصارخ للخلية. ولكن لماذا لا يتوق المجتمع العلمي إلى قبول هذا الاكتشاف المذهِل؟ لماذا يتم تكميم مفهوم التصميم المبدع بقفازات فكرية؟ تكمن الورطة هنا في أن قبول فكرة التصميم الذكي المبدع، يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله (3).

    ويجسد ما سبق الوضع المؤسف لعلماء التطور الملحدين الذين تراهم في المجلات وتشاهدهم على شاشات التلفزيون، والذين قد تكون من قارئي كتبهم. ذلك أن جميع البحوث العلمية التي قام بها هؤلاء العلماء تبرهن لهم أن هناك خالقاً، بَيد أن هؤلاء العلماء أصبحوا عُمياً ومتبلدي الإحساپ بسبب التعليم المادي المتعنت الذي تشربوه لدرجة جعلتهم يصرون على إنكارهم.

    ويتحول الأشخاص الذين يُهملون باستمرار الدلائل والبراهين الواضحة على وجود الخالق إلى أشخاص متبلدي الإحساپ تماماً. ونتيجة لانغماسهم في الثقة بالنفس المبنية على الجهل بسبب تبلد إحساسهم، فقد ينتهي بهم الأمر إلى تأييد إحدى السخافات على أنها حقيقة. ومن أفضل الأمثلة على ذلك عالم التطور الشهير ريتشارد داوكينز الذي يطلب من الناس ألا يتسرعوا بالاستنتاج بأنهم قد شاهدوا معجزة حتى لو شاهدوا تمثالاً يلوِّح لهم بيده؛ فحسب رأيه: ربما تصادف أن كل الذرات في ذراع التمثال قد تحركت في نفس الاتجاه في آن واحد... إنه احتمال ضعيف بالطبع، ولكنه ممكن (4)! لقد وُجدت نفسية الكافر على مر التاريخ، وقد وُصفت في القرآن الكريم كما يأتي:

    }وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ.} (سورة الأنعام 111).

    وكما توضح هذه الآية، فإن التفكير المتعنت لعلماء التطور ليس طريقة أصلية في التفكير، ولا حتى طريقة مميِّزة لهم. وفي الواقع، لا تعد الأفكار التي ينادي بها عالم التطور من التفكير العلمي الحديث في شيء، إنما هي مجرد جهل تم الحفاظ عليه منذ عصر أكثر المجتمعات الوثنية بدائية. وقد تم تعريف ذات النفسية في آية قرآنية أخرى:

    }وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُون.} (سورة الحجر 14-15).

    التلقين الجماعي لنظرية التطور

    كما تشير الآيات المستشهَد بها أعلاه، فإن أحد الأسباب التي تمنع الناپ من رؤية حقائق وجودهم يتجسد في نوع من السحر يقوم بإعاقة تفكيرهم. ويشكل هذا السحر عينُه الأساپ الذي يقوم عليه القبول العالمي واسع النطاق لنظرية التطور. ونعني بالسحر هنا التهيئة المكتسبة عن طريق التلقين؛ إذ يتم إخضاع الناپ لعملية تلقين مكثفة حول صحة نظرية التطور لدرجة تجعلهم لا يدركون حتى التشويه الموجود فيها.

    ويوجِد هذا التلقين أثراً سلبياً على العقل يُعطِّل مَلَكة التمييز. وفي نهاية الأمر يبدأ العقل، الذي يخضع للتلقين المستمر في تصور الحقائق ليس كما هي بل كما تم تلقينه إياها. ويمكن مراقبة هذه الظاهرة في أمثلة أخرى. فمثلاً: إذا تم تنويم أحد الأشخاص تنويماً مغنطيسياً وتم تلقينه أن السرير الذي يستلقي عليه هو عبارة عن سيارة، فإنه بعد جلسة التنويم المغنطيسي يتصور أن السرير سيارة، كما أنه يعتقد أن هذه المسألة منطقية وعقلانية جداً لأنه يراها فعلياً بهذه الطريقة وليس لديه أدنى شك في أنه على صواب. وتعتبر مثل هذه الأمثلة (التي تؤكد على فعالية آلية التلقين وقوتها) حقائق علمية تم إثباتها عن طريق عدد لا حصر له من التجارب التي تم تناقلها في الأدبيات العلمية، والتي تمثل الزاد اليومي لعلم النفس وكتب علم النفچ. إن نظرية التطور والنظرة العالمية المادية التي تعتمد عليها تُفرض على العامة باستخدام أساليب التلقين هذه؛ إذ يتعذر على الأشخاص (الذين يتعرضون بشكل مستمر لتلقين نظرية التطور في وسائل الإعلام والمراجع الأكاديمية والمنابر العلمية) أن يدركوا أن قبولهم لهذه النظرية يتعارض -في الواقع- مع أبسط المبادئ الأساسية للعقل. ويقع العلماء أيضاً تحت وطأة ذات النوع من التلقين. ذلك أن الأسماء الشابة التي ترتقي سلم مستقبلها العلمي يزداد تبنيها للنظرة العالمية المادية أكثر فأكثر مع مرور الوقت. وبسبب افتتان عديد من علماء التطور بهذا السحر، يظل هؤلاء العلماء يبحثون عن تأكيد علمي لادعاءات التطور غير العقلانية التي عفى عليها الزمن منذ ظهورها في القرن التاسع عشر، والتي دحضتها جميع الأدلة العلمية منذ فترة طويلة.

    وهناك آليات إضافية أيضاً تجبر العلماء على أن يؤمنوا بالتطور ويعتنقوا الأفكار المادية. ففي البلدان الغربية، يجب على العالم أن يتقيد ببعض المعايير حتى يتسنى له الترقي، أو الحصول على الاعتراف الأكاديمي، أو نشر مقالاته في المجلات العلمية. ويأتي القبول الصريح لنظرية التطور على رأس هذه المعايير. ويقوم هذا النظام بدفع هؤلاء العلماء إلى حد قضاء كل حياتهم ومستقبلهم العلمي من أجل اعتقاد متعنت.

    ويعد هذا الوضع تجسيداً للحقيقة التي لا تزال تشكل أساساً للتأكيد القائل بأن: نظرية التطور ما زالت تلقى قبولاً في دنيا العلوم. ومن ثم، فإن السبب في إبقاء نظرية التطور في قيد الحياة لا يرجع إلى قيمتها العلمية بل لكونها التزاماً أيديولوجياً. ولا يوجد سوى قلة قليلة من العلماء المُلمين بهذه الحقيقة يمكنهم المجازفة بالإشارة إلى أن هذه النظرية لا تقوم على أي أساپ حقيقي من الصحة!

    وفي بقية فصول هذا الكتاب، سنستعرض النتائج العلمية الحديثة التي أدت إلى انهيار الاعتقاد بنظرية التطور كما سنعرض الأدلة الواضحة على وجود الله. وسيشهد القارئ بأن نظرية التطور هي -في الواقع- خدعة؛ خدعة تتناقص مع العلم في كل خطوة يخطوها ولكنها أُيدت بغية إسدال الستار على حقيقة الخلق. وما نرجوه من القارئ هو أن يستيقظ من السحر الذي يعمي عقول الناپ ويعطل قدرتهم على التمييز، وأن يُعمل فكره بجدية فيما سنرويه في هذا الكتاب.

    وإذا استطاع القارئ أن يخلص نفسه من هذا السحر ويفكر بوضوح، وحرية، ودون أي تحيز، فسرعان ما سيكتشف الحقيقة الواضحة وضوح الشمس. وتتمثل هذه الحقيقة الحتمية، التي أثبتها العلم الحديث أيضاً في كل جوانبه، في أن الحياة لم توجد عن طريق الصدفة بل جاءت نتيجة لعملية الخلق. ويمكن للمرء أن يرى حقيقة الخلق بسهولة عندما يتأمل في كيفية خلقه من قطرة ماء، أو في الكمال الموجود في كل كائن حي آخر .
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  5. افتراضي



    الفصل الثاني

    نبذة تاريخية عن نظرية التطور

    ترجع جذور الفكر القائم على التطور إلى العصور القديمة؛ وذلك بوصفه اعتقاداً متعنتاً يحاول التنكر لحقيقة الخلق. فقد دافع معظم الفلاسفة الوثنيين في اليونان القديمة عن فكرة التطور. وعندما نلقي نظرة على تاريخ الفلسفة، نجد أن فكرة النشوء والارتقاء تشكل العمود الفقري لكثير من الفلسفات الوثنية.

    ومع ذلك فإن الإيمان بالله، لا هذه الفلسفة الوثنية القديمة، هو الذي لعب دوراً محفزاً في ميلاد العلم الحديث وتطوره. فقد آمن بوجود الله غالبية الأشخاص الذين احتلوا مركزاً ريادياً في العلم الحديث؛ وبينما كانوا يدرسون العلم، سعوا إلى اكتشاف الكون الذي خلقه الله بغية وضع تصور لنواميسه وتفاصيل خلقه. وهناك مِن علماء الفلك (من أمثال ليوناردو دافنشي، وكوبرنيكس، وكبلر، وغاليأتيو، ورائد علم المتحجرات القديمة كوفيير، ورائد علم النبات والحيوان ليناوس، وإسحاق نيوتن الذي يشار إليه بوصفه أعظم عالم عاش على الأرض مَن قاموا بدراسة العلم وهم مؤمنون ليس فقط بوجود الله ولكن أيضا بأن الكون كله وُجد نتيجة لخلقه سبحانه وتعالى له(5).كما كان ألبرت آينشتاين أيضاً -الذي يعتبر أعظم عباقرة عصرنا- من ضمن العلماء المؤمنين بالله، وهو صاحب المقولة الآتية:لا أستطيع أن أتصور عالِماً حقيقياً دون إيمان عميق. ويمكن التعبير عن هذا الوضع من خلال الصورة الآتية: العلم بلا دين علم أعرج(6).

    وقد قال أحد مؤسسي الفيزياء الحديثة، الفيزيائي الألماني ماكس بلانك، إنه ينبغي على كل من يدرپ العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية المكتوبة على

    باب معبد العلم: تَحَلَّ بالإيمان، فالإيمان من الصفات الأساسية المميزة للعالِم (7). وتعتبر نظرية التطور نتاجاً للفلسفة المادية التي ظهرت على السطح عند إحياء الفلسفات المادية القديمة وانتشرت على نطاق واسع في القرن التاسع عشر. وكما أشرنا من قبل، فإن المادية تسعى لتفسير الطبيعة من خلال العوامل المادية البحتة. وبما أنها تنكر -منذ البداية- حقيقة الخلق، فإنها تؤكد على أن كل شيء، سواء كان كائناً حياً أو جماداً، قد ظهر ليس نتيجة لعملية الخلق بل عن طريق الصدفة التي اكتسبت بعد ذلك طابعاً نظامياً. ولكن العقل البشري مركب على أن يفهم وجود إرادة منظمة كلما رأى نظاماً. وقد أفرزت الفلسفة المادية، المخالفة لأبسط السمات الأساسية في العقل البشري، نظرية التطور (أو النشوء والارتقاء) في أواسط القرن التاسع عشر.

    خيال دارْوِن

    إن مَن قدم نظرية التطور على النحو الذي يدافع به العلماء عنها اليوم هو عالِم طبيعيات إنكليزي هاوٍ يدعى تشارلز روبرت دارْوِنْ. ولم يتلقَّ دارون أي تعليم رسمي في علم الأحياء، ولكنه اهتم بموضوع الطبيعة والكائنات الحية اهتمام الهواة، وحفزه هذا الاهتمام على الانضمام إلى رحلة استكشافية على متن سفينة تسمى إتش. إم. إس بيغل (H.. M. S. Beagle) أبحرت من إنكلترا عام 1832 وجابت مناطق مختلفة من العالم لمدة خمس سنوات. وانبهر الشاب دارون انبهاراً كبيراً بمختلف أنواع الأحياء، وخاصة بنوع معين من العصافير (الحساسين) التي شاهدها في جزر غالاباغوس (Galapagos)، واعتقد دارون أن التنوع في مناقير العصافير يُعزَى إلى تكيفها مع موطنها. وبوجود هذه الفكرة في عقله، افترض أن أصل الحياة والأنواع يكمن في فكرة التكيف مع البيئة. ووفقا لدارون، فإن الله لم يخلق مختلف أنواع الأحياء بشكل منفصل، بل إنها انحدرت من سلف مشترك واختلفت عن بعضها البعض نتيجة للظروف الطبيعية.

    صورة لشارلز داروين




    ولم تستند فرضية دارون على أي اكتشاف أو تجربة علمية؛ ولكنه حوَّلها -مع مرور الوقت- إلى نظرية حظيت بأهمية لا تستحقها، من خلال الدعم والتشجيع الذي تلقاه من أشهر علماء الأحياء الماديين في عصره. وتتمثل فكرة النظرية في أن الأفراد التي تكيفت مع موطنها على النحو الأفضل نقلت صفاتها إلى الأجيال الآتية، وقد تراكمت هذه الصفات المفيدة مع الوقت وحولت الفرد إلى نوع يختلف اختلافاً كاملاً عن أسلافه. (ولم يكن أصل هذه الصفات المفيدة معروفاً في ذلك الوقت). ووفقا لدارون، يمثل الإنسان أكثر نتاج متطور لهذه الآلية. وأطلق دارون على هذه العملية اسم: التطور بالانتقاء الطبيعي. وظن أنه اكتشف أصل الأنواع ؛ أي أن أصل نوع ما هو نوع آخر. ونشر هذه الآراء في كتابه الذي يحمل عنوان أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي عام .1859

    ولكن دارون كان يدرك جيداً أن نظريته تعاني من مشكلات كثيرة، وقد اعترف بهذه المشكلات في كتابه في فصل بعنوان صعوبات النظرية. ويأتي على رأپ هذه الصعوبات سجل المتحجرات، وتعقيد أعضاء الأحياء الذي لا يمكن أن يفسَّر عن طريق الصدفة (مثل العين) وغرائز الأحياء. وكان دارون يأمل في التغلب على هذه الصعوبات بواسطة الاكتشافات الجديدة؛ ولكن ذلك لم يوقفه عن تقديم عدد من التفسيرات غير الملائمة أبداً لبعچ هذه الصعوبات. وقد علق الفيزيائي الأمريكي ليبسون على صعوبات دارون بقوله:

    عندما قرأت كتاب أصل الأنواع لمست أن دارون نفسه كان أقل ثقة مما كان الناس يصوّرونه في أغلب الأحيان؛ إذ يوضح الفصل الذي يحمل عنوان صعوبات النظرية -مثلاً- قدراً لا يستهان به من عدم الثقة بالنفس. وبوصفي فيزيائيّاً، فقد أثارتني بشكل خاص تعليقاته حول كيفية ظهور العين (. وعندما كان دارون يضع نظريته، انبهر بعديد من علماء الأحياء السابقين المؤمنين بالتطور، وعلى الأخص عالم الأحياء الفرنسي لامارك (9). وحسب رأي لامارك، فقد نقلت الكائنات الحية السمات التي اكتسبتها أثناء حياتها من جيل إلى جيل، وبهذه الصورة تطورت هذه الكائنات. فعلى سبيل المثال: تطورت الزرافات من حيوانات شبيهة بالبقر الوحشي عن طريق إطالة أعناقها شيئاً فشيئاً من جيل إلى جيل عندما كانت تحاول الوصول إلى الأغصان الأعلى فالأعلى لأكل أوراقها، وبالآتي استخدم دارون فرضية توريث السمات المكتسبة التي اقترحها لامارك بوصفها العامل الذي جعل الأحياء تتطور.

    ولكن كلاًّ من لامارك ودارون كان مخطئاً، ذلك أنه لم يكن ممكناً في تلك الفترة دراسة الحياة إلا بواسطة تكنولوجيا بدائية جداً وبمستوى غير ملائم أبداً. ولم تكن هناك مجالات علمية مثل علم الوراثة وعلم الكيمياء الحيوية، بل لم يكن اسمها حتى موجوداً؛ ومن ثَم كان لا بد أن تعتمد نظريتهما اعتماداً كاملاً على قوة مخيلتيهما.

    وبينما كانت أصداء كتاب دارون مدوية، اكتشف عالم نبات نمساوي اسمه غريغور مندل قوانين الوراثة سنة .1865 وعلى الرغم من أن اكتشافات مندل لم يسمع بها الكثيرون حتى أواخر القرن، فإنها اكتسبت أهمية عظيمة في أوائل القرن العشرين الذي شهد ولادة علم الوراثة. وفي فترة لاحقة، اكتُشِف تركيب الجينات والكرموزومات. وفي الخمسينيات، أدى اكتشاف تركيب جزيء «DNA» (الذي يحتوي على المعلومات الوراثية) إلى إيقاع نظرية التطور في أزمة كبيرة. ويرجع ذلك إلى التعقيد المدهچ للحياة وبطلان آليات التطور التي اقترحها دارون.

    وكان حريّاً بهذه التطورات أن تؤدي إلى إلقاء نظرية دارون في مزبلة التاريخ. ولكن هذا لم يحدث نظراً لإصرار دوائر معينة على تنقيح النظرية وتجديدها والارتفاع بها إلى منابر العلوم. ولن نفهم مغزى هذه الجهود إلا إذا أدركنا أن وراء النظرية أغراضاً أيديولوجية أكثر من كونها اهتمامات علمية.

    عنصرية داروين

    يتمثل أحد أهم جوانب شخصية دارون وأقلها شيوعاً بين الناپ في عنصريته؛ ذلك أنه كان يعتبر الأوربيين البيچ أكثر تقدماً من الأجناپ البشرية الأخرى. وبينما افترض دارون أن الإنسان تطور من مخلوقات شبيهة بالقرد، خمّن أن بعض الأجناس تطورت أكثر من البعض الآخر وأن هذا النوع الأخير ما زال يحمل ملامح القردة. وفي كتابه سلالة الإنسان (الذي نشره بعد كتابه الذي يحمل عنوان أصل الأنواع) علق بجرأة على الفروق العظمى بين البشر من الأجناس المتباينة (1). وفي هذا الكتاب ساوى دارون بين السود وسكان أستراليا الأصليين وبين الغوريلا، ثم استنتج أن هؤلاء سيتم القضاء عليهم بواسطة الأجناس المتحضرة بمرور الوقت. وقد قال دارون:


    في فترة مستقبلية ليست بعيدة بمقياس القرون، يكاد يكون مؤكداً أن الأجناپ المتحضرة من البشر ستتمكن من استئصال الأجناس الهمجية والحلول محلها في كل أنحاء العالم. وفي نفس الوقت ستكون القردة الشبيهة بالإنسان قد استؤصلت بلا شك. (2)

    ولكن أفكار دارون، عديمة المنطق، لم توضع في شكل نظرية فحسب، وإنما احتلت أيضا مكانة استطاعت بها أن توفر أهم مبرر علمي للعنصرية. وبافتراض أن الكائنات الحية تطورت في نضال من أجل الحياة، فقد تم تكييف الدارونية حتى في مجال العلوم الاجتماعية وتحولت إلى مفهوم آخر يعرف بالدارونية الاجتماعية.

    وتزعم الدارونية الاجتماعية بأن الأجناس البشرية الموجودة تحتل مواقع مختلفة من درجات السلم التطوري، بحيث احتل الأوربي أكثر الدرجات تقدماً على الإطلاق، وأن العديد من الأجناس الأخرى ما زال يحمل ملامح القردة.





    1 Benjamin Farrington, What Darwin Really Said? London: Sphere Books, 1971 pp. 45-65

    2 Charles Darwin, The Descent of Man, 2nd ed., New York: A.L. Burt Co., 4781 p. 871



    المحاولات اليائسة للدارونية الجديدة

    دخلت نظرية دارون في أزمة كبيرة بسبب اكتشاف قوانين الوراثة في الربع الأول من القرن العشرين. ومع ذلك، حاولت مجموعة من العلماء الذين أصروا على ولائهم لدارون أن تتوصل إلى حلول مناسبة لتلك الأزمة. والتقى هؤلاء العلماء في اجتماع نظمته الجمعية الجيولوجية الأمريكية سنة ,1941 وبعد مشاورات طويلة نجح -في النهاية- علماء الوراثة (من أمثال ليديارد ستيبنچ وثيودوسياپ دوبزهانسكي) وعلماء الحيوان (من أمثال إرنست ماير وجوليان هاكسلي) وعلماء المتحجرات القديمة (من أمثال جورج غايلورد سمبسون وغلين جِبسِن) وعلماء الوراثة الرياضية (من أمثال رونالد فيشر وسيول رايت) في التوصل إلى اتفاق حول الطرق المناسبة لترقيع الدارونية.

    وقد ركز هذا الفريق من العلماء على مسألة أصل التغيرات المفيدة التي من المفترض أنها قد تسببت في تطور الكائنات الحية (وهي مسألة لم يستطع دارون نفسه تفسيرها، لذلك حاول -ببساطة- أن يتجنبها معتمداً على لامارك). وبدأ الآن تفكير هؤلاء العلماء يدور حول الطفرات العشوائية، وقد أطلقوا على نظريتهم الجديدة اسم النظرية التركيبية الحديثة للتطور التركيبي (The Modern Synthetic Evolution Theory)، التي تم تكوينها بإضافة فكرة الطفرة إلى فرضية دارون الخاصة بالانتقاء الطبيعي. وبعد مرور وقت قصير، أُطلِق على هذه النظرية اسم الدارونية الجديدة كما أطلِق على الأشخاص الذين قدموها اسم الدارونيين الجدد.

    وأصبحت العقود الآتية لتلك الفترة بمثابة حقبة للمحاولات اليائسة الرامية إلى إثبات صحة الدارونية الجديدة. وكان معروفاً من قبل أن الطفرات (أو المصادفات) التي حدثت في جينات الكائنات الحية كانت تلحق بها الضرر دائماً، لكن الدارونيين الجدد حاولوا أن يقدموا برهاناً على وجود طفرة مفيدة من خلال القيام بآلاف التجارب على الطفرات... ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع!

    كما حاولوا أيضاً إثبات أن الكائنات الحية الأولى قد نشأت عن طريق الصدفة وتحت ظروف أرضية بدائية وفقاً لفرضية النظرية، ولكن نفس الفشل صاحَبَ هذه التجارب أيضاً. وكان الفشل حليف كل تجربة تسعى إلى إثبات أن الحياة يمكن أن تنشأ بالصدفة، وأثبت حساب الاحتمالات أنه لا يمكن حتى لبروتين واحد (وهو الوحدة الأساسية للحياة) أن يتكون عن طريق الصدفة. أما بالنسبة للخلية (التي من المفترض أنها قد ظهرت عن طريق الصدفة تحت ظروف أرضية بدائية يتعذر التحكم فيها وفقاً لعلماء التطور) فإن من غير الممكن تركيبها حتى في أكثر المختبرات تطوراً في القرن العشرين.

    وقد مُنيت نظرية الدارونية الجديدة بالهزيمة من قِبَل سجل المتحجرات أيضاً؛ إذ لم يُعثر قط في أية بقعة من العالم على أي من الأشكال الانتقالية التي من المفترض أن تُظهر التطور التدريجي للكائنات الحية من الأنواع البدائية إلى الأنواع المتقدمة حسبما تزعم نظرية الدارونيين الجدد. وفي نفس الوقت، كشف التشريح المقارن أن الأنواع التي يفترض أنها تطورت بعضها من بعض تتسم -في الواقع- بسمات تشريحية مختلفة تماماً وأنها من غير الممكن أبداً أن تكون أسلافاً أو خلفاء لبعضها البعض.

    ولكن الدارونية الجديدة لم تكن نظرية علمية أبداً، بل كانت مبدأ أيديولوجياً (إن لم تكن نوعاً من الديانة!)؛ ولهذا السبب ظل أنصار نظرية التطور يدافعون عنها على الرغم من كل الأدلة المناقضة لها. ومع ذلك، هناك شيء لم يستطيعوا الاتفاق عليه؛ ألا وهو: أي من النماذج المختلفة المقترحة لفهم التطور هو النموذج الصحيح. ويتمثل أحد أهم هذه النماذج في السيناريو الخيالي المعروف باسم التوازن المتقطع.

    المستوى البدائي للعلوم في زمن دارون


    عندما قدم دارون افتراضاته لم تكن فروع المعرفة (مثل علم الجينات والمكروبات والكيمياء الحيوية) موجودة، ولو أن اكتشافها تم قبل أن يقدّم دارون نظريته لأدرك -بسهولة- أن نظريته كانت غير علمية على الإطلاق، وعندئذ ما كان ليحاول الترويج لمثل هذه الادعاءات عديمة المعنى. ذلك أن المعلومات التي تحدد الأجناپ موجودة في الجينات ويستحيل على الانتقاء الطبيعي أن يولّد أجناساً جديدة من خلال حدوث تغيرات في الجينات.




    وبالمثل، كان مفهوم دنيا العلوم في تلك الأيام عن تركيب الخلية ووظيفتها سطحياً وغير ناضج. فلو سنحت الفرصة لدارون أن يشاهد الخلية باستخدام المجهر الإلكتروني لكان قد اطّلع على التعقيد الكبير والتركيب غير العادي للجزيئات العضوية للخلية، ولكان قد رأى بأم عينيه أنه لا يمكن لمثل هذا النظام المعقد أن يَنشأ نتيجةَ تغيرات طفيفة. ولو كان يعلم بوجود الرياضيات الحيوية لكان قد أدرك أنه من غير الممكن (ولو حتى لجزيء بروتين واحد، ناهيك عن خلية كاملة) أن ينشأ بمحض الصدفة.


    ولم تصبح الدراسات التفصيلية عن الخلية ممكنة إلا بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني. ففي زمن دارون، وباستخدام المجاهر البدائية التي نراها في الصورة، لم يكن ممكناً سوى مشاهدة السطح الخارجي للخلية.






    التطور على قفزات

    إن معظم العلماء الذين يؤمنون بالتطور يقبلون نظرية الدارونيين الجدد المتعلقة بالتطور البطيء التدريجي. ومع ذلك، فقد تم خلال العقود الأخيرة اقتراح نموذج مختلف يُعرف باسم التطور على قفزات أو التوازن المتقطع ويرفض هذا النموذج فكرة الدارونيين بشأن حدوث التطور بشكل تراكمي وتدريجي، ويرى -بدلاً من ذلك- أن التطور قد تم بقفزات كبيرة ومتفرقة.

    وظهر أول المدافعين الصاخبين عن هذه الفكرة في بداية السبعينيات. فقد كان عالما المتحجرات الأمريكيّان، نايلز إلدردج وستيفن غولد، يدركان جيداً أن مزاعم نظرية الدارونيين الجدد يدحضها سجل المتحجرات تماماً، لأن المتحجرات أثبتت أن الكائنات الحية لم تنشأ بالتطور التدريجي بل ظهرت فجأة بكامل تكوينها. وعاپ الدارونيون الجدد - وما زالوا يعيشون - على أمل عزيز بأن الأشكال الانتقالية المفقودة ستكتشف يوماً ما. وعلى الرغم من أن غولد وإلدردج كانا يدركان أن هذا الأمل لا أساپ له من الصحة، فإنهما لم يتمكنا من التخلي عن اعتقادهما التطوري، لذا قدما نموذجاً جديداً هو : التوازن المتقطع. ويزعم هذا النموذج أن التطور لم يحدث نتيجة اختلافات صغيرة بل نتيجة تغيرات فجائية كبيرة.

    ولم يكن هذا النموذج سوى نموذج خيالي. فعلى سبيل المثال، زعم عالم المتحجرات الأوربي شايندولف (الذي سار على نهجه إلدردج وغولد) أن أول طائر خرج من بيضة إحدى الزواحف كطفرة هائلة، أي نتيجة مصادفة ضخمة حدثت في التركيب الجيني (10)! وحسب النظرية ذاتها، كان من الممكن أن تتحول بعض الحيوانات البرية إلى حيتان ضخمة إذا تعرضت لتحول فجائي شامل. وتحتل هذه الادعاءات (المخالفة تماماً لجميع قوانين علم الوراثة والفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية) نفس المكانة العلمية التي تحتلها القصص الخيالية التي تدور حول تحول الضفادع إلى أمراء! ومع ذلك، نتيجة لانزعاج بعض علماء المتحجرات المؤمنين بالتطور من الأزمة التي كان يمر بها جزْمُ الدارونيين الجدد، تمسكَ هؤلاء العلماء بهذه النظرية التي كانت تتميز بأنها أكثر غرابة حتى من الدارونية الجديدة نفسها.

    ويتمثل الغرض الوحيد من هذا النموذج في توفير تفسير للفجوات الموجودة في سجل المتحجرات التي لم يتمكن نموذج الدارونيين الجدد من تفسيرها. ومع ذلك، يكاد يكون من غير المعقول أن تجري محاولة لتفسير فجوات المتحجرات الموجودة في تطور الطيور عن طريق الادعاء بأن الطائر قد خرج فجأة من بيضة إحدى الزواحف؛ ذلك أن تطور نوع إلى نوع آخر يتطلب -باعتراف علماء التطور أنفسهم- حدوث تغير ضخم ومفيد في المعلومات الوراثية. ومع ذلك، لا يمكن لأية طفرة أياً كانت أن تحسّن المعلومات الوراثية أو تضيف إليها معلومات جديدة؛ ذلك أن الطفرات لا تؤدي سوى إلى إفساد المعلومات الوراثية. ومن ثم فإن الطفرات الهائلة التي تخيلها نموذج التوازن المتقطع لن ينتج عنها غير إضعاف وإتلاف هائل، أي كبير، في المعلومات الوراثية.

    وفضلاً عن ذلك، فقد انهار التطور المتقطع من أول خطوة بسبب عدم قدرته على التعامل مع مسألة أصل الحياة، وهي ذات المسألة التي تدحض نموذج الدارونيين الجدد منذ البداية. وما دام من غير الممكن أن يتكون ولو حتى بروتين واحد عن طريق الصدفة، فلا يوجد معنى للجدال حول ما إذا كانت الكائنات الحية المكونة من تريأتيونات البروتينات قد مرت بمراحل تطور متقطعة أو تدريجية.

    وعلى الرغم من ذلك، فما زالت الدارونية الجديدة هي النموذج الذي يتبادر إلى الذهن عند مناقشة التطور اليوم. وفي الفصول الآتية، سندرپ -أولاً- آليتين متخيَّلتين للدارونية الجديدة ثم سنلقي نظرة على سجل المتحجرات للتحقق منهما. وبعد ذلك سنمعن النظر في مسألة أصل الحياة التي تبطل الدارونية الجديدة وكل نماذج التطور الأخرى مثل التطور بالقفزات.

    وقبل أن نشرع في ذلك، قد يكون من المفيد أن نذكِّر القارئ بأن الحقيقة التي سنواجهها في كل مرحلة تجسد أن سيناريو التطور برمته ما هو إلا قصة خيالية وخدعة تتعارض تماماً مع العالم الواقعي. وقد استُخدم هذا السيناريو لخداع العالم منذ مئة وأربعين سنة، وبفضل الاكتشافات العملية الأخيرة أصبح من المستحيل -أخيراً- الاستمرار في الدفاع عنه.


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    في يومنا هذا يوجد عشرات الآلاف من العلماء حول العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوربا، يتحدّون نظرية التطور ويقومون بنشر العديد من الكتب حول بطلان النظرية. وهنا ترون بضعة أمثلة على ذلك.

    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  6. افتراضي

    الفصل الثالث

    آليات متخيَّلة للتطور

    يحاول نموذج الدارونية الجديدة (الذي سنتناوله بوصفه النظرية السائدة للتطور اليوم) أن يبرهن على أن الحياة قد تطورت من خلال آليتين طبيعيتين هما: الانتقاء الطبيعي والطفرة. ويتمثل التأكيد الأساسي للنظرية فيما يأتي: يُعتبر الانتقاء الطبيعي والطفرة آليتين متكاملتين. ويرجع أصل تحورات التطور إلى طفرات عشوائية تحدث في التركيب الجيني للكائنات الحية، ويتم انتقاء السمات الناتجة عن الطفرات عن طريق آلية الانتقاء الطبيعي، وهكذا تتطور الكائنات الحية.

    وبإخضاع هذه النظرية إلى مزيد من الدراسة الدقيقة، نكتشف أنها لا يوجد قط أية آلية تطور من هذا القبيل، لأنه لا الانتقاء الطبيعي ولا الطفرات تسهم بأي قدر في تدعيم الادعاء القائل بأن الأنواع المختلفة قد تطورت وتحولت إلى أنواع أخرى.

    الانتقاء الطبيعي

    كان الانتقاء الطبيعي -بوصفه أحد العمليات الطبيعية- أمراً مألوفاً بالنسبة لعلماء الأحياء قبل دارون، الذين عرّفوه على أنه آلية تحافظ على ثبات الأنواع دون إفسادها. ولكن دارون كان أول شخص يجزم بأن هذه العملية لها قوة تطويرية، وقد أقام نظريته بأكملها على أساپ هذا الجزم. ويشير الاسم الذي أطلقه على كتابه إلى أن الانتقاء الطبيعي يشكل أساس نظرية دارون، إذ أطلق عليه: أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي. غير أن أدنى دليل لم يقدَّم، منذ عصر دارون حتى اليوم، على أن الانتقاء الطبيعي هو السبب في تطور الكائنات الحية. ويؤكد كولين باترسون، كبير علماء المتحجرات في متحف التاريخ الطبيعي بإنكلترا (وهو -بالمناسبة- أحد أشهر دعاة التطور أيضاً)، على أن أحداً لم يلاحظ أبداً أن للانتقاء الطبيعي قوة تتسبب في التطور:

    لم ينتِج أي أحد نوعاً بواسطة آليات الانتقاء الطبيعي، بل لم يقترب أحد منه ويدور معظم الجدال الحالي في إطار الدارونية الجديدة حول هذه المسألة.

    ويقضي الانتقاء الطبيعي بأن تسود الأحياء الأكثر تكيفاً مع الظروف الطبيعية لمواطنها بإنجاب الذرية التي يكتب لها البقاء، بينما تختفي تلك غير القادرة على التكيف. فمثلاً، في قطيع الغزلان الذي تهدده الحيوانات البرية، يكون طبيعياً أن الغزلان التي تستطيع الركض أسرع هي التي سيكتب لها البقاء. هذا صحيح، ولكن مهما استمرت هذه العملية فإنها لن تحوّل الغزلان إلى نوع آخر من الأحياء ؛ فسيبقى الغزال غزالاً دائماً. وعند إلقاء نظرة على الحوادث القليلة التي يسوقها دعاة التطور بوصفها أمثلة مدروسة للانتقاء الطبيعي، نرى أنها ليست أكثر من مجرد محاولة بسيطة للخداع.

    الاصطباغ الصناعي

    في سنة 1986 نشر دوغلاس فوتويما كتاباً بعنوان بيولوجيا التطور، ويعد هذا الكتاب أحد المصادر التي تفسر بوضوح شديد نظرية التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي. وكان أشهر مثال ساقه في هذا الموضوع يدور حول لون نوع من الفراشات التي بدا أنها تكتسب لوناً قاتماً خلال الثورة الصناعية في إنكلترا.

    ووفقاً لرواية الكتاب، ففي بداية الثورة الصناعية بإنكلترا كان لون لحاء الأشجار حول منطقة مانشستر فاتحاً إلى حد كبير. ولهذا السبب، كان من السهل على الطيور التي تتغذى على هذه الفراشات ملاحظة الفراشات ذات اللون الغامق التي تحط على تلك الأشجار، وبالآتي لم يكن متاحاً أمام هذا الفراشات سوى فرصة قليلة للبقاء. ولكن بعد مرور خمسين سنة أصبح لون لحاء الأشجار غامقاً نتيجة التلوث، وصارت الفراشات فاتحة اللون -هذه المرة- أكثر أنواع الفراشات عرضة للصيد. ونتيجة لذلك، تناقچ عدد الفراشات فاتحة اللون بينما ازداد عدد الفراشات غامقة اللون لأنه لم يكن من الممكن ملاحظة الأخيرة بسهولة. ويستخدم دعاة التطور هذا المثال باعتباره دليلاً عظيماً على نظريتهم. ومن ناحية أخرى، يجد دعاة التطور عزاء في تحريف الحقائق عن طريق إيضاح أن الفراشات فاتحة اللون قد تطوّرت إلى فراشات غامقة اللون.

    ولكن من الواضح جداً أنه لا يمكن استخدام هذا الموقف بأي حال من الأحوال كدليل على نظرية التطور؛ لأن الانتقاء الطبيعي لم ينتج عنه نوع جديد لم يكن موجوداً من قبل. إذ أن الفراشات غامقة اللون كانت موجودة في جماعة الفراشات قبل الثورة الصناعية، ولم تتغير سوى الأعداد النسبية لأنواع الفراشات الموجودة في الجماعة. إذن، لم تكتسب الفراشات خاصية أو عضواً جديداً قد ينتج عنه ظهور نوع جديد. ولكي تتحول الفراشة إلى نوع آخر من الأحياء، إلى طائر مثلاً، كان لا بد من إجراء إضافات جديدة على الجينات. وبعبارة أخرى، كان لا بد من تحميل برنامج جيني منفصل تماماً يتضمن معلومات عن الخواص الجسدية للطائر.

    وخلاصة ما سبق: لا يملك الانتقاء الطبيعي القدرة على إضافة عضو جديد إلى كائن حي أو إزالته منه، أو تغيير نوع كائن حي إلى نوع آخر (على عكس الصورة التي يستحضرها دعاة التطور إلى الذهن). ولم يتمكن أعظم دليل تم تقديمه منذ زمن دارون إلى يومنا هذا من المضي أبعد من الاصطباغ الصناعي لفراشات الثورة الصناعية في إنكلترا.

    هل يستطيع الانتقاء الطبيعي تفسير تعقيد الأعضاء؟

    لم يسهم الانتقاء الطبيعي بأي شيء في نظرية التطور، لأنه لا يمكن أبداً لهذه الآلية أن تزيد المعلومات الوراثية للأنواع أو تحسنها، كما لا يمكنها أن تحول أحد الأنواع إلى نوع آخر ؛ فليس بمقدورها -مثلاً- أن تحول نجمة البحر إلى سمكة، ولا السمكة إلى ضفدع، ولا الضفدع إلى تمساح، ولا التمساح إلى طائر. وقد قام غولد، أكبر مدافع عن فكرة التطور المتقطع، بالإشارة إلى هذا الطريق المسدود الذي يواجه الانتقاء الطبيعي قائلاً: يكمن جوهر الدارونية في عبارة واحدة: الانتقاء الطبيعي هو القوة الإبداعية للتغير القائم على التطور. ولا أحد ينكر أن الانتقاء الطبيعي سيلعب دوراً سلبياً في التخلص من العناصر غير القادرة على التكيف، ولكن النظريات الدارونية تتطلب أيضاً خلق عناصر قادرة على التكيف.
    ومن الأساليب المضللة الأخرى التي يستعملها دعاة التطور لإقناعنا بمسألة الانتقاء الطبيعي محاولتُهم إظهار هذه الآلية على أنها مصمِّم يتسم بالوعي. غير أن الانتقاء الطبيعي ليس لديه أي وعي؛ لأنه لا يملك إرادة يمكن أن تقرر ما ينفع الكائنات الحية وما يضرها. ولهذا لا يستطيع الانتقاء الطبيعي أن يفسر النظم البيولوجية والأعضاء الحية التي تتسم بقدر من التعقيد يتعذر تبسيطه. وتتكون هذه النظم والأعضاء نتيجة تعاون عدد كبير من الأجزاء، وهي تصبح عديمة النفع إذا فُقد ولو عضو واحد منها أو صار معيباً (فمثلاً: لا يمكن أن تعمل عين الإنسان ما لم تكن موجودة بكل تفاصيلها). وبالآتي فمن المفتر? أن تكون الإرادة التي جمعت كل هذه الأجزاء معاً قادرة على أن تستقرأ المستقبل بشكل مسبق وتستهدف مباشرة الميزة التي ستكتسب في المرحلة الأخيرة. وبما أن آلية الانتقاء الطبيعي لا تمتلك وعياً أو إرادة، فلا يمكنها أن تفعل أي شيء من هذا القبيل. وقد أدت هذه الحقيقة التي تنسف نظرية التطور من أساسها إلى إثارة القلق في نفس دارون، الذي قال:

    إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يُرجَّح أن يكون قد تكَّون عن طريق تحورات عديدة ومتوالية وطفيفة، فسوف تنهار نظريتي انهياراً كاملاً.


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.



    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    يعمل الانتقاء الطبيعي كآلية لاستبعاد الأفراد الضعفاء في نطاق أحد الأنواع. إنه قوة واقية تحافظ على الأنواع الموجودة من الفساد. وبخلاف ذلك، ليست لديه أية قدرة لتحويل نوع إلى آخر.


    ولا يتعدى دور الانتقاء الطبيعي استبعاد أفراد النوع المشوهة أو الضعيفة أو غير القادرة على التكيف، ولا يمكنه أن ينتج أنواعاً جديدة أو معلومات وراثية جديدة أو أعضاء جديدة؛ أي ليچ بمقدوره أن يجعل أي شيء يتطور. وقد قبل دارون هذه الحقيقة بقوله: لا يستطيع الانتقاء الطبيعي أن يفعل شيئاً ما لم تُتح الفرصة لحدوث اختلافات مواتية ، ولهذا السبب اضطرت الدارونية الجديدة إلى الارتفاع بمستوى الطفرات بوصفها السبب في التغيرات المفيدة إلى مستوى الانتقاء الطبيعي. ومع ذلك، وكما سنرى بعد قليل، لا يمكن أن تكون الطفرات سوى سبب في التغيرات الضارة.

    الطفرات


    تُعرَّف الطفرات على أنها قَطعٌ أو استبدالٌ يحدث في جزيء «DNA» الموجود في نواة خلية الكائن الحي والذي يحمل كل المعلومات الوراثية، ويحدث هذا القطع أو الاستبدال نتيجة تأثيرات خارجية مثل الإشعاع أو التفاعلات الكيميائية. وتعتبر كل طفرة صُدفة، وإما أن تُدمِّر الطفرة النيوكليوتيدات المكوِّنة لجزيء «DNA» أو تغير أماكنها. وفي معظم الحالات تتسبب هذه الطفرات في قدر كبير من التدمير والتحور لدرجة تعجز معها الخلية عن إصلاحه.

    ولا يمكن أن ننظر إلى الطفرة (التي يختبئ وراءها دعاة التطور في أغلب الأحيان) على أنه عصا سحرية تحول الكائنات الحية إلى شكل أكثر تطوراً وكمالاً، لأن التأثير المباشر للطفرات ضار. ولا يمكن أن تأخذ التغيرات الناتجة عن الطفرات سوى شكلا مشابها لذلك الذي عانى منه الناپ في هيروشيما وناغازاكي وتشيرنوبل؛ أي الوفيات والإعاقة وفلتات الطبيعة!

    ويرجع ذلك إلى سبب بسيط جدا هو: أن تركيب «DNA» معقد جداً وأن التأثيرات العشوائية لن تؤدي إلى شيء غير إلحاق الضرر بهذا التركيب. ويوضح رانغانثان ذلك بقوله:

    إن الطفرات صغيرة وعشوائية وضارة. وهي تتسم بندرة حدوثها، وتتمثل أفضل الاحتمالات في كونها غير مؤثرة. وتلمّح هذه السمات الأربع إلى أن الطفرات لا يمكن أن تؤدي إلى أي تقدم على صعيد التطور. إن حدوث تغير عشوائي في كائن حي يتسم بقدر عال من التخصص إما أن يكون غير مؤثر أو ضاراً؛ ذلك أن التغير العشوائي في ساعة اليد لا يمكن أن يحسن أداء الساعة، بل أغلب الظن أن هذا التغير سيضرّ بها أو لن يؤثر فيها على أحسن تقدير. فالزلزال لا يحسن المدينة بل يجلب لها الدمار. (15)

    وليس مستغربا عدم ظهور أية طفرة مفيدة حتى الآن، فقد أثبتت كل الطفرات أنها ضارة. وعلق عالم التطور وَرن ويفر على التقرير الصادر عن لجنة التأثيرات الجينية للأشعة الذرية (التي شُكلت لدراسة الطفرات التي يمكن أن تكون قد نتجت عن الأسلحة النووية المستخدمة في الحرب العالمية الثانية) قائلاً:

    سيتحير الكثيرون من حقيقة أن كل الجينات المعروفة تقريباً التي أصابتها طفرة هي عبارة عن جينات ضارة، فالناس يظنون أن الطفرات تشكل جزءاً ضرورياً من عملية التطور، فكيف يمكن أن ينتج تأثير جيد (أي التطور إلى شكل أعلى من أشكال الحياة) من طفرات كلها ضارة تقريباً ؟

    لقد كان الفشل مصير كل الجهود المبذولة من أجل تكوين طفرة مفيدة. إذ قام دعاة التطور، لعقود عدة، بإجراء كثير من التجارب لإنتاج طفرات في ذباب الفاكهة، لأن هذه الحشرات تتكاثر بسرعة كبيرة ومن ثم تظهر فيها الطفرات بسرعة. وقد أُدخلت الطفرات على هذا الذباب جيلاً بعد جيل، ولكن لم تلاحَظ أية طفرة مفيدة قط. وقد كتب عالم الوراثة التطوري، غوردون تايلور في هذا الموضوع قائلاً:

    من بين آلاف التجارب الرامية إلى إنتاج ذباب الفاكهة التي تم إجراؤها في جميع أنحاء العالم لأكثر من خمسين سنة، لم يلاحظ أحدٌ أبداً ظهور نوع جديد متميز... أو حتى إنزيم جديد. (17)

    ويعلق باحث آخر، هو مايكل بيتمان، على إخفاق التجارب التي أجريت على ذباب الفاكهة بقوله:

    لقد قام مورغان وغولدشميدت ومولر وغيرهم من علماء الوراثة بتعريض أجيال من ذباب الفاكهة لظروف قاسية من الحرارة، والبرودة، والإضاءة، والظلام، والمعالجة بالمواد الكيماوية والإشعاع. فنتج عن ذلك كله جميع أنواع الطفرات، ولكنها كانت كلها تقريباً تافهة أو مؤكدة الضرر. هل هذا هو التطور الذي صنعه الإنسان؟ في الواقع لا؛ لأنه لا يوجد غير عدد قليل من الوحوپ التي صنعها علماء الوراثة كان بإمكانه أن يصمد خارج القوارير الذي أنتج فيها. وفي الواقع، إن هذه الطافرات إما أن يكون مصيرها الموت، أو العقم، أو العودة إلى طبيعتها الأصلية.

    جميع الطفرات ضارة


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    ذبابة فاكهة بأرجل ناتئة من رأسها؛ طفرة سببها التعرض



    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    ذبابة فاكهة عادية (الدروسوفيلا).


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    تأثير فادح الأضرار للطفرات على الجسد البشري. الطفل الموجود في الجهة اليسرى هو ضحية حادث انفجار مصنع الطاقة النووي بتشيرنوبل .



    وينطبق الوضع نفسه على الإنسان. فقد أظهرت كل الطفرات التي ظهرت على الإنسان نتائج ضارة. وعندما تطرح هذه المسألة يلقي عليها دعاة التطور ستاراً من الدخان، بل يحاولون حتى تقديم أمثلة على مثل هذه الطفرات الضارة بوصفها دليلاً على التطور. وتسبب كل الطفرات التي تحدث في الإنسان تشوهات جسدية، وعاهات مثل المغولية، أو متلازمة داون، أو المهق، أو القزامة، أو السرطان... وتُقدَّم هذه الطفرات في كتب التطور كأمثلة على أثر آلية التطور. ولا داعي لأن نقول إن العملية التي تترك الناس معاقين أو مرضى لا يمكن أن تكون آلية تطور (إذ من المفترض أن يُنتج التطور أشكالاً أفضل وأكثر قدرة على البقاء).

    وإيجازاً لما سبق: توجد ثلاثة أسباب أساسية لعدم إمكانية استخدام الطفرات كوسيلة لدعم تأكيدات دعاة التطور، وهي:

    1 التأثير المباشر للطفرات ضار: بما أن الطفرات تحدث عشوائياً، فإنها تكاد دائماً تضر بالكائن الحي الذي يتعرض لها. ويقضي المنطق بأن التدخل غير الواعي في تركيب كامل ومعقد لن يحسّن هذا التركيب بل سيفسده. وفي الواقع، لم يلاحظ حدوث أية طفرة مفيدة أبداً.

    2 لا تضيف الطفرات أية معلومات جديدة إلى جزيء «DNA» الخاص بالكائن الحي: فإما أن تؤدي الطفرات إلى نزع الجسيمات المكونة للمعلومات الوراثية من أماكنها، أو إلى تدميرها، أو إلى نقلها عنوة إلى أماكن مختلفة. ولا يمكن للطفرات أن تكسب الكائن الحي عضواً جديداً أو خاصية جديدة. ولا ينتج عنها شئ غير الحالات الشاذة مثل بروز القدم من الظهر، أو خروج الأذن من البطن.

    3 لكي تنتقل الطفرة إلى الجيل اللاحق، لابد أن تكون قد حدثت في الخلايا التناسلية للكائن الحي: لأن أي تغير عشوائي يحدث عرضاً في خلية أو عضو في الجسم لا يمكن أن ينتقل إلى الجيل الآتي. فعلى سبيل المثال: لن تورث عين الإنسان التي تغير تركيبها بسبب تأثير الإشعاع أو لأي سبب آخر إلى الأجيال اللاحقة.

    وباختصار، يستحيل أن تكون الكائنات الحية قد تطورت، نظراً لعدم وجود أية آلية في الطبيعة يمكن أن تؤدي إلى تطورها. ويتفق هذا الرأي مع الأدلة الموجودة في سجل المتحجرات الذي يظهر بوضوح أن هذا السيناريو بعيد كل البعد عن الحقيقة.
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  7. افتراضي


    الفصل الرابع

    آليات متخيَّلة للتطور

    وفقاً لنظرية التطور فإن كل نوع حي قد نشأ من سَلَف. وبمرور الوقت، تحول النوع الموجود أصلاً إلى نوع آخر، وبهذه الطريقة تكون كل الأنواع قد دخلت إلى حيز الوجود. وحسبما ورد في النظرية، فإن هذا التحول يتتابع تدريجياً خلال ملايين السنين.

    وإذا كان الحال كذلك، فمن المفترض أن توجد العديد من الأنواع المتوسطة التي عاشت خلال هذه الفترة الانتقالية الطويلة. فعلى سبيل المثال: يفترض أن تكون هناك كائنات نصفها أسماك ونصفها الآخر زواحف قد عاشت في الماضي واكتسبت بعضاً من خواص الزواحف بالإضافة إلى خواص الأسماك التي تتمتع بها فعلياً، أو يفترض أن تكون قد عاشت بعض الزواحف الطيور، التي اكتسبت بعضاً من خواص الطيور بالإضافة إلى خواص الزواحف التي تتمتع بها فعلياً. ويشير دعاة التطور إلى هذه الكائنات الخيالية، التي يؤمنون بأنها قد عاشت في الماضي، باسم: الأشكال الانتقالية.

    وإذا كانت مثل هذه الحيوانات قد عاشت بالفعل، فيفتر? -إذن- أن توجد منها الملايين، بل البلايين، من حيث العدد والتنوع. وأهم من ذلك، يفترض أن تكون بقايا هذه الكائنات الغريبة موجودة في سجل المتحجرات، كما يفترض أن يكون عدد هذه الأشكال الانتقالية أكبر بكثير من عدد الأنواع الحالية من الحيوانات، ويفترض أن توجد بقاياها في جميع أنحاء العالم. وفي كتاب أصل الأنواع، فسر دارون ذلك بقوله:

    إذا كانت نظريتي صحيحة، فمن المؤكد أن هناك أنواعاً لا حصر لها من الأشكال المتوسطة قد عاشت في الماضي، إذ تربط هذه الأنواع معاً كلَّ الأنواع التابعة لنفس المجموعة برباط وثيق جداً... وبالآتي، لا يمكن أن تتوفر أدلة على وجودها في الماضي إلا بين بقايا المتحجرات. (19)

    وكان دارون نفسه على دراية بغياب مثل هذه الأشكال الانتقالية، ولكنه كان يأمل في العثور عليها في المستقبل. وعلى الرغم من آماله، فقد أدرك أن أكبر حجر عثرة في طريق نظريته هو هذه الأشكال الانتقالية المفقودة؛ لذلك كتب في كتابه أصل الأنواع في فصل صعوبات النظرية ما يأتي: إذا كانت الأنواع قد انحدرت من أنواع أخرى عن طريق التسلسل الدقيق، فلماذا -إذن- لا نرى في كل مكان أعداداً لا حصر لها من الأشكال الانتقالية؟ لماذا لا تكون الطبيعة كلها في حالة اختلاط، بدلاً من أن تكون الأنواع -كما نراها- محددة تحديداً واضحاً؟ ولكن، وفقاً لما ورد في هذه النظرية، ينبغي أن يكون هناك عدد لانهائي من الأشكال الانتقالية. لماذا -إذن- لا نعثر عليها مطمورة بأعداد لا تعد ولا تحصى في قشرة الأرض؟... لماذا لا نجد الآن في المنطقة المتوسطة، التي تتسم بظروف حياتية متوسطة، أنواعاً متوسطة تربط بصفة دقيقة الأشكال البدائية بالأشكال المتقدمة؟ لقد حيرتني هذه الصعوبة منذ فترة طويلة من الوقت. (20)

    وتَمثّلَ التفسير الوحيد الذي استطاع دارون أن يقدمه لمواجهة هذا الاعترا? في الحجة القائلة بأن سجل المتحجرات الذي اكتشف حتى ذلك الوقت لم يكن كافياً، وأكد أنه عند دراسة سجل المتحجرات بالتفصيل سيتم اكتشاف الحلقات المفقودة.

    ونتيجة إيمان دعاة التطور بنبوءة دارون ما زالوا يفتّشون عن المتحجرات ويحفرون في كل بقاع الأرض منذ منتصف القرن التاسع عشر باحثين عن الحلقات المفقودة. وعلى الرغم من جهودهم الحثيثة، لم تكتشف حتى الآن أية أشكال انتقالية. وقد أثبتت كل المتحجرات المكتشَفة أثناء الحفر أنه -على عكس ما يعتقد دعاة التطور- فإن الحياة قد ظهرت على الأرض فجأة في تكوين كامل. وبينما كان دعاة التطور يحاولون أن يثبتوا نظريتهم، تسببوا -دون قصد- في انهيارها!

    وقد اعترف عالم المتحجرات الإنكليزي المشهور، ديريك آجر، بهذه الحقيقة على الرغم من كونه أحد دعاة التطور قائلاً:

    تتمثل نقطة الخلاف في أننا إذا فحصنا سجل المتحجرات بالتفصيل، سواء على مستوى الترتيب أو الأنواع، فسنكتشف -مراراً وتكراراً- عدم وجود تطور تدريجي، بل انفجار فجائي لمجموعة واحدة على حساب الأخرى

    متحجرات حية
    تدّعي نظرية التطور أن الأنواع تتطور باستمرار إلى أنواع أخرى، ولكن عندما نقارن بين الكائنات الحية ومتحجراتها نجد أنها بقيت دون تغيّر لملايين السنين. وتشكّل هذه الحقيقة دليلاً واضحاً يدحض حجج دعاة التطور.



    لا تختلف نحلة العسل الحية عن متحجرتها التي يبلغ عمرها ملايين السنين



    ====



    متحجرة ذبابة التنين التي يبلغ عمرها 135 مليون سنة لا تختلف عن نظيراتها العصرية.



    =====



    تشير متحجرة النمل البالغة من العمر100 مليون سنة إلى أنها لم تمر بأية عملية تغير عبر الزمن.



    ويعلق داع آخر من دعاة التطور، هو عالم المتحجرات مارك سيزارنكي، على هذا الموضوع قائلاً:

    إن المشكلة الأساسية في إثبات النظرية تكمن في سجل المتحجرات؛ أي آثار الأنواع المنقرضة المحفوظة في التكوينات الجغرافية للأرض. ولم يكشف هذا السجل قط أية آثار للأشكال المتوسطة التي افترضها دارون، وعوضاً عن ذلك تظهر الأجناپ وتختفي فجأة. ويدعم هذا الشذوذ حجة دعاة الخلق القائلة بأن الأنواع قد خلقها الله. (22)

    وقد اضطر دعاة التطور أيضاً إلى التعامل مع عدم الجدوى من انتظار ظهور الأشكال الانتقالية المفقودة في المستقبل، وذلك حسبما أوضح أستاذ علم المتحجرات بجامعة غلاسكو، نيفيل جورج:

    لا داعي للاعتذار عن فقر سجل المتحجرات؛ فقد أصبح هذا السجل غنياً لدرجة يكاد يتعذر معها السيطرة عليه، وأصبح الاكتشاف فيه يسبق التكامل... ومع ذلك، ما زال سجل المتحجرات يتكون بشكل أساسي من فجوات. (23)

    لحياة ظهرت على الأرض فجأة وفي أشكال معقدة

    عند دراسة طبقات الأرض وسجل المتحجرات، يتضح أن كل الكائنات الحية قد ظهرت في وقت واحد. وتعتبر أقدم طبقة من طبقات الأر? اكتشفت فيها متحجرات لكائنات حية هي تلك التي تكونت في العصر الكامبري والتي يقدر عمرها بنحو 550-500مليون سنة.

    لقد ظهرت الكائنات الحية التي اكتشفت في طبقة العصر الكامبري فجأة في سجل المتحجرات؛ أي ليس لها أسلاف سابقون. وتخچ المتحجرات التي اكتشفت في الصخور الكامبرية قواقع وحيوانات ثلاثيات الفصو? وإسفنجيات وديداناً أرضية وأسماكاً هلامية وقنافذ بحرية، وغيرها من اللافقاريات المعقدة. وقد ظهر هذا الخليط الواسع من الكائنات الحية المكونة من مثل هذا العديد الكبير من الكائنات المعقدة بشكل فجائي جداً لدرجة أن هذا الحدث المدهچ يُشار إليه في الأدبيات الجيولوجية باسم الانفجار الكامبري (Cambrian Explosion).


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    يبرهن سجل المتحجرات أن الأشكال الانتقالية لم تكن موجودة قط، وأن التطور لم يحدث، وأن جميع الأنواع قد خُلقت كل على حدة في شكل كامل.


    وتتسم معظم أشكال الحياة المكتشَفة في هذه الطبقة بنُظُم معقدة التركيب مثل العين، والخياشيم، وأجهزة الدورة الدموية، والتركيبات الفسيولوجية المتقدمة التي لا تختلف عن نظيراتها الحديثة. فعلى سبيل المثال: يعتبر تركيب عيون الحيوانات ثلاثية الفصوص الممشطة والمكونة من عدسات مزدوجة معجزة في التصميم. ويقول ديفيد روب، أستاذ الجيولوجيا في جامعات هارفرد وروتشستر وشيكاغو : إن عيون ثلاثيات الفصوص تملك تصميما لا يستطيع الإتيان به سوى مهندپ بصريات معاصر ذو قابليات كبيرة ومتدرب تدريبا جيدا. (24)

    لقد ظهرت هذه اللافقاريات معقدة التركيب فجأة في شكل كامل ودون أي حلقة وصل أو شكل انتقالي يربط بينها وبين الكائنات وحيدة الخلية، التي كانت تمثل -قبل اكتشاف اللافقاريات- الشكل الوحيد من أشكال الحياة على الأرض.

    وقام ريتشارد موناسترسكي، المحرر في مجلة علوم الأرض التي تعتبر إحدى أشهر المطبوعات الخاصة بأدب التطور، بتوضيح ما يأتي عن الانفجار الكامبري الذي جاء بمثابة مفاجأة كبيرة لدعاة التطور:

    قبل نصف بليون سنة، ظهرت -فجأة- أشكال الحيوانات التي نراها اليوم والتي تتسم بقدر لافت للنظر من التعقيد. وتعد هذه اللحظة، عند بداية العصر الكامبري للأرض بالضبط، أي قبل حوالي 550 مليون سنة، علامة على الانفجار التطوري الذي ملأ البحور بأول كائنات معقدة في العالم. وكانت شعب الحيوانات الكبيرة التي نراها اليوم موجودة بالفعل في أوائل العصر الكامبري، وكانت تتميز عن بعضها البعچ بنفس القدر الذي تتميز به عن بعضها البعض اليوم. (25)

    فكيف أصبحت الأر? تفيچ فجأة بمثل هذا العدد الكبير من أنواع الحيوانات؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الأنماط المتميزة من أنواع الأحياء قد ظهرت دون وجود سلف مشترك؟ ما زالت هذه الأسئلة تبحث عن إجابة لدى دعاة التطور. وقام عالم الحيوان، ريتشارد داوكنز من جامعة أكسفورد، وهو أحد أكبر أنصار الفكر التطوري في العالم، بالتعليق على هذه الحقيقة التي تبطل الجذور الأساسية لكل الحجج التي كان يدافع عنها بقوله:

    على سبيل المثال، تعتبر طبقات الصخور الكامبرية (التي يبلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة) أقدم الطبقات التي وجدنا فيها معظم مجموعات اللافقاريات الأساسية. ولقد عثرنا على العديد منها في شكل متقدم من التطور في أول مرة ظهرت فيها. ويبدو الأمر وكأنها زُرعت لتوها هناك دون أن تمر بأي تاريخ تطوري. وغني عن القول أن مظهر عملية الزرع المفاجئ هذا قد أسعد المؤمنين بالخلق. (26)

    وقد اضطر داوكنز للاعتراف بأن الانفجار الكامبري دليل قوي على الخلق، لأن الخلق هو الوسيلة الوحيدة لتفسير ظهور الحياة على الأرض في شكل كامل. وقد قام دوغلاس فوتويما، وهو عالم أحياء شهير من دعاة التطور، بالاعتراف أيضاً بهذه الحقيقة قائلاً: إما أن تكون الكائنات الحية قد ظهرت على وجه الأرض وهي كاملة التطور وإما أنها لم تظهر. وإذا لم تكن قد ظهرت في شكل كامل التطور، فلابد أنها قد تطورت من أنواع كانت موجودة من قبل عن طريق عملية تحور ما. وإذا كانت قد ظهرت في شكل كامل التطور، فلا بد أنها قد خُلقت بالفعل بواسطة قوة قادرة على كل شيء. (27)

    وقد أدرك دارون نفسه احتمال حدوث ذلك عندما كتب: إذا كانت الأنواع الكثيرة، التي تنتمي إلى نفس الأجناس أو الفصائل، قد دبت فيها الحياة فجأة، فستمثل هذه الحقيقة ضربة قاتلة لنظرية انحدار الأنواع بالتحور البطيء من خلال الانتقاء الطبيعي (28) ويمثل العصر الكامبري بالضبط الضربة القاتلة لدارون. ولهذا السبب يعترف عالم المتحجرات السويسري التطوري، ستيفن بنغستون، بعدم وجود حلقات انتقالية أثناء وصفه للعصر الكامبري قائلاً: إن هذا الوضع الذي أربك دارون وأخجله ما زال يبهرنا. (29)

    وكما يتضح لنا، فإن سجل المتحجرات يشير إلى أن الكائنات الحية لم تتطور من الأشكال البدائية إلى الأشكال المتقدمة، بل ظهرت فجأة في حالة مثالية. وباختصار، فإن الكائنات الحية لم تأتِ إلى حيز الوجود بواسطة التطور، بل خُلِقَت.




    عين ثلاثي الفصوص
    تصف ثلاثيات الفصوص التي ظهرت في العصر الكامبري فجأة بتركيب عين غاية في التعقيد. ونظراً لتكوّن هذه العين من ملايين الجسيمات الصغيرة التي تتخذ شكل قر? العسل ونظام مزدوج العدسات، فإن تصميمها المثالي للعيون يستلزم خبرة مهندپ بصريات متدرب تدريبا جيدا ويملك خبرة كبيرة حسب كلمات ديفيد روب أستاذ علم الجيولوجيا.


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    لقد ظهرت هذه العين قبل 350 مليون سنة في حالة كاملة. ومما لا شك فيه أن الظهور الفجائي لمثل هذا التصميم الرائع لا يمكن تفسيره بالتطور، وهو يثبت واقعية الخلق.

    وفوق ذلك، فإن تركيب عين ثلاثي الفصوص التي تشبه شكل قرص العسل قد بقي حتى يومنا هذا دون أن يطرأ عليه تغيير واحد. وتتصف بعچ الحشرات (مثل النحلة وذبابة التنين) بنفس تركيب عين ثلاثي الفصوص(*). وينفي هذا الوضع الفرضية التطورية التي تدّعي أن الكائنات الحية تطورت تدريجياً من البدائية إلى التعقيد.

    (x) R.L.Gregory, Eye and Brain: The Physiology of Seeing, Oxford University Press, ,1995 p.31

    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  8. افتراضي

    الفصل الخامس

    حكاية الإنتقال من الماء إلى اليابسة

    يفترض علماء التطور أن اللافقاريات البحرية التي ظهرت في الطبقة الكامبرية قد تحولت بطريقة ما إلى أسماك خلال عشرات الملايين من السنين. ومع ذلك، كما لا يوجد أي أسلاف للافقاريات الكامبرية، كذلك لا توجد أية حلقات انتقالية تشير إلى حدوث تطور بين هذه اللافقاريات وبين الأسماك. وجدير بالذكر أن هناك اختلافات تركيبية هائلة بين اللافقاريات والأسماك؛ إذ توجد الأنسجة الصلبة الخاصة باللافقاريات خارج أجسادها في حين تنتمي الأسماك إلى الفقاريات وتوجد أنسجتها الصلبة داخلها. ولا بد أن مثل هذا التطور الهائل قد استغرق بلايين الخطوات ليكتمل، ومن المفترض أن توجد بلايين الأشكال الانتقالية التي تصوره.

    وقد أخذ دعاة التطور يحفرون في طبقات الأرض منذ 140 سنة بحثاً عن هذه الأشكال الافتراضية. وقد عثروا على ملايين المتحجرات اللافقارية، وملايين المتحجرات السمكية؛ ولكن لم يعثر أحد أبداً ولو حتى على متحجرة واحدة في حالة متوسطة بين الاثنين. ويعترف عالم المتحجرات التطوري، جيرالد تود، بهذه الحقيقة في مقال بعنوان: تطور الرئة وأصل الأسماك العظمية: لقد ظهرت الأقسام الثلاثة الفرعية للأسماك العظمية في سجل المتحجرات لأول مرة في نفس الوقت تقريباً. وتختلف هذه الأسماك فعلياً اختلافاً واسعاً عن بعضها البعض من الناحية الشكلية، كما أنها مصفحة بقوة. فكيف ظهرت هذه الأسماك؟ وما الذي سمح لها بهذا الكم الواسع من الاختلاف؟ وكيف أصبحت جميعها مصفحة بقوة؟ ولماذا لا يوجد أي أثر لأشكال متوسطة بدائية؟ (30)

    ويخطو سيناريو التطور خطوة أخرى ويحاول أن يبرهن على أن الأسماك قد تطورت من اللافقاريات ثم تحولت إلى برمائيات. ولكن هذا السيناريو أيضا ينقصه الدليل؛ إذ لا توجد حتى متحجرة واحدة تؤكد وجود كائن نصفه سمكي ونصفه الآخر برمائي. وقد قام أحد أشهر علماء التطور الثقات، روبرت كارول، مؤلف كتاب متحجرات الفقاريات والتطور، بالاعتراف بهذه الحقيقة بشيء من التردد: ليست لدينا متحجرات متوسطة بين الأسماك الرايبدستية (rhipidistian fish) (التي يحبذ كارول اعتبارها أسلافاً للحيوانات التي تدبّ على أربعة أقدام) وبين البرمائيات الأولى (31) وقد قام عالما المتحجرات التطوريان، كولبرت ومورالچ، بالتعليق على الطوائف الثلاث الأساسية للبرمائيات وهي: الضفادع والسمندرات والسِّسيأتيات (caecilians) بقولهما:

    لا يوجد أي دليل على وجود أية برمائيات تعود إلى العصور القديمة وتجمع بين الصفات المتوقع وجودها في سَلَف واحد مشترك؛ إذ إن أقدم الأنواع المعروفة من الضفادع والسمندرات والسِسيأتيات تشبه بدرجة كبيرة أسلافها الحية.



    لماذا يكون الانتقال من الماء إلى اليابسة مستحيلاً؟
    يدّعي دعاة التطور أنه في يوم من الأيام تمكّن أحد الأنواع المائية من أن يخطو -بطريقة ما- إلى اليابسة وتحول إلى نوع بري. وهناك عدد من الحقائق الواضحة التي تجعل مثل هذا الانتقال مستحيلاً:
    (1) حمل الوزن: لا تواجه الكائنات البحرية أية مشكلة في حمل أوزانها، في حين أن معظم الكائنات البرية تستهلك 40% من طاقتها لمجرد حمل وزنها هنا وهناك. لذا يتحتم على الكائنات التي تنتقل من الماء إلى اليابسة أن تطور نظماً عضلية وهيكلية جديدة (!) لتفي بالحاجة إلى الطاقة اللازمة في نفس الوقت، وهو الشيء الذي يستحيل أن يحدث بفعل الطفرات العرضية.

    (2) الاحتفاظ بالحرارة: يمكن لدرجة الحرارة على اليابسة أن تتغير بسرعة وتتذبذب على نطاق واسع. ويتمتع الكائن البري بآلية جسدية تستطيع أن تقاوم مثل هذه التغيرات الكبيرة في درجة الحرارة، أما في البحر فتتغير درجة الحرارة ببطء ولا يحدث التغيير على نطاق واسع. فالكائن الحي الذي يمتلك نظاماً بدنياً منظماً حسب درجة حرارة البحر المستقرة يحتاج إلى الحصول على نظام حماية يضمن له أدنى قدر من الضرر من جراء تغيرات درجة الحرارة على اليابسة، ومن الأمور المنافية للعقل الادّعاء بأن الأسماك اكتسبت مثل هذا النظام بفعل طفرات عشوائية بمجرد خطوها إلى اليابسة.

    (3) استخدام الماء: تقضي الحاجة بأن يتم استخدام الماء (بل وحتى الرطوبة) -بوصفهما ضرورين للأيض- بشكل مقيد نظراً لندرة مصادر الماء على اليابسة. فعلى سبيل المثال، يجب أن يتم تصميم الجلد لكي يسمح بفقد الماء بدرجة محددة على أن يقوم في الوقت نفسه بمنع التبخير المفرط. إذن، تشعر الكائنات الحية البرية بإحساس العطش، وهو الشيء الذي لا تشعر به الكائنات البحرية. وفوق ذلك، فإن جلد الحيوانات البحرية لا يناسب البيئة غير المائية.

    (4) الكلى: تستطيع الكائنات الحية البحرية أن تصرف الفضلات، خاصة الأمونيا، الموجودة في أجسادها من خلال الترشيح، نظراً لوجود كمية وفيرة من الماء في بيئتها. أما على اليابسة فلا بد من استخدام الماء بطريقة اقتصادية، ولذلك يوجد لدى هذه الكائنات الحية نظام كلوي. وبفضل الكلى، يتم تخزين الأمونيا من خلال تحويلها إلى يوريا ويتم استخدام أقل كمية من الماء أثناء عملية الإفراز. وإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لنظم جديدة لتمكن الكلى من أداء وظيفتها. باختصار، إذا كان للانتقال من الماء إلى اليابسة أن يحدث لكان سيتحتم على الكائنات الحية التي لا تملك كلى أن تطور نظاماً كلوياً فجأة.

    (5) الجهاز التنفسي: «تتنفس» الأسماك عن طريق الحصول على الأكسجين المذاب في الماء وإخراجه من خلال خياشيمها، ولا تستطيع أن تعيچ أكثر من دقائق قليلة خارج الماء. ولكي تعيچ على اليابسة عليها أن تكتسب نظاماً رئوياً كاملاً فجأة.

    إن من الاستحالة بمكان أن تكون جميع هذه التغيرات الفسيولوجية الدراماتيكية قد حدثت في نفس الكائن الحي وفي نفچ الوقت بصورة مفاجئة.

    ولكن حدث اكتشاف مثير جداً في المحيط الهندي في 22 كانون الأول (ديسمبر) 1938؛ إذ تم اصطياد سمكة حية من فصيلة الكولاكانث (التي قدمت في السابق بوصفها شكلاً انتقالياً انقرض منذ سبعين مليون سنة مضت)! ولا شك في أن اكتشاف طراز بدائي حي من الكولاكانث قد جاء بمثابة صدمة قاسية لدعاة التطور. وقد قال عالم المتحجرات التطوري، ج. ل. سميث، إنه ما كان ليندهچ أكثر لو أنه صادف ديناصوراً حيا(33) وفي الأعوام الآتية، تم في أحيان عدة اصطياد أكثر من مئتي سمكة كولاكانث في مختلف أرجاء العالم.



    وكشفت أسماك الكولاكانث الحية مدى تمادي دعاة التطور في اختراع السيناريوهات الخيالية. وعلى عكس ادعاءاتهم، فلم يكن لدى هذه الأسماك رئة بدائية ولا دماغ كبير، وتبين أن العضو الذي اقترح دعاة التطور أنه رئة بدائية لم يكن أكثر من مجرد كيس دهني(34) وعلاوة على ذلك، فإن سمكة الكولاكانث التي تم تقديمها باعتبارها مرشحة الزواحف التي تستعد للخروج من الماء إلى اليابسة لم تكن -في الواقع- أكثر من مجرد سمكة تعيش في أعماق المحيطات ولم تقترب قَط بمسافة تقل عن 180 متراً من سطح الماء
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  9. افتراضي


    الفصل السادس

    أصل الطيور والثدييات

    وفقاً لنظرية التطور، فإن الحياة قد نشأت في البحر وانتقلت إلى اليابسة بواسطة البرمائيات. ويقترح هذا السيناريو التطوري أيضاً أن البرمائيات تطورت إلى الزواحف؛ أي إلى كائنات تعيش على اليابسة فقط. ومرة أخرى، لا يُعَد هذا السيناريو مستساغاً من الناحية العقلية نظراً للاختلافات التركيبية الهائلة بين هاتين الطائفتين من الحيوانات. فمثلاً، بيضة الحيوان البرمائي مصممة للنمو في الماء في حين أن بيضة أي زاحف مصممة للنمو على اليابسة، ومن ثَم يعتبر التطور التدريجي للبرمائيات أمراً محالاً، لأنه بدون بيضة مثالية كاملة التصميم لا يمكن أن يُكتب البقاء لأي نوع. وفضلاً عن ذلك، وكالعادة، لا يوجد أي دليل على الأشكال الانتقالية التي يُفترض أن تربط البرمائيات بالزواحف. وهكذا، كان لزاماً على عالم المتحجرات التطوري الذي يعد أحد الثقات في علم المتحجرات الفقارية روبرت كارول، أن يقبل بأن: الزواحف الأولى كانت مختلفة جداً عن البرمائيات وأنه لم يتم العثور على أسلافها بعد.(36)

    ولكن سيناريوهات دعاة التطور المحكوم عليها بالفشل لا محالة لم تنتهِ بعد. فما زالت هناك مشكلة في جعل هذه الكائنات تطير! وبما أن دعاة التطور يؤمنون بأن الطيور لا بد أنها قد تطورت بشكل ما، فإنهم يؤكدون أنها تحولت من الزواحف. ومع ذلك، لا توجد أية آلية من الآليات المميزة للطيور (التي تتصف بتركيب مختلف تماماً عن حيوانات اليابسة) يمكن تفسيرها عن طريق التطور التدريجي. فبادئ ذي بدء، تشكل الأجنحة التي تعتبر الخاصية الاستثنائية للطيور مأزقاً كبيراً لدعاة التطور. وقد اعترف أحد دعاة التطور الأتراك، أنكين قورور، باستحالة تطور الأجنحة بقوله: إن الخاصية المشتركة في العيون والأجنحة هي أنهما لا تؤديان وظائفهما إلا إذا اكتمل نموهما. وبعبارة أخرى، لا يمكن لعين نصف نامية أن ترى؛ ولا يمكن لطائر أجنحته نصف مكتملة أن يطير. وفيما يتعلق بالكيفية التي تكونت بها هذه الأعضاء، فإن الأمر ما زال يمثل أحد أسرار الطبيعة التي تحتاج إلى توضيح. (37)

    وما زالت الكيفية التي تكوَّن بها هذا التركيب المثالي للأجنحة نتيجة طفرات عشوائية متلاحقة تعتبر سؤالاً يبحث عن إجابة؛ إذ لا توجد وسيلة لتفسير الكيفية التي تحولت من خلالها الأذرع الأمامية للزواحف إلى أجنحة تعمل على أكمل وجه نتيجة حدوث تشويه في أجنتها (أي طفرة) وفوق ذلك، لا يُعد امتلاك الأجنحة أمراً كافياً لطيران الكائن البري؛ إذ تفتقر الكائنات البرية إلى العديد من الآليات التركيبية الأخرى التي تستخدمها الطيور في الطيران. فعلى سبيل المثال: عظام الطيور أخف بكثير من عظام الكائنات البرية، كما أن رئة الطيور تعمل بشكل مختلف تماماً، وتتمتع الطيور بجهاز عضلي وعظمي مختلف وكذلك بجهاز قلب ودورة دموية على درجة عالية من التخصص. وتعتبر هذه الميزات متطلبات ضرورية للطيران يحتاجها الطائر بنفچ قدر احتياجه للأجنحة. ولا بد أن تكون كل هذه الآليات قد نشأت معاً وفي نفچ الوقت؛ إذ من غير الممكن أن تكون قد تشكلت تدريجياً عن طريق التراكم. ولهذا السبب، تعتبر النظرية التي تؤكد على تطور كائنات اليابسة إلى كائنات جوية نظرية مضللة تماماً. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر: حتى إذا افترضنا أن هذه القصة المستحيلة صحيحة، لماذا -إذن- لم يتمكن دعاة التطور من العثور على أية متحجرات بنصف جناح أو بجناح واحد تدعم قصتهم؟

    شكل آخر من الأشكال الانتقالية المزعومة: الأركيوبتركس

    يردد دعاة التطور اسم كائن واحد للإجابة على السؤال السابق، ويشير هذا الاسم إلى متحجرة طائر يدعى الأركيوبتركس (Archaeopteryx)، وهو أحد أشهر الأشكال الانتقالية المزعومة من بين القلة القليلة التي ما زال دعاة التطور يدافعون عنها. وقد عاپ الأركيوبتركس، سلف الطيور الحديثة حسب اعتقاد دعاة التطور، قبل 150 مليون سنة. وترى النظرية أن بعضاً من أنواع الديناصورات صغيرة الحجم التي يطلق عليها اسم الفيلوسيرابتور (Velociraptor) أو الدروميوصور (Dromeosaur) قد تطور عن طريق اكتساب الأجنحة ثم ممارسة الطيران. ومن ثم، يفترض أن يكون الأركيوبتركس شكلاً انتقالياً تحول عن الديناصور وبدأ في الطيران لأول مرة.

    ومع ذلك، فقد أشارت آخر الدراسات التي أجريت على متحجرات الأركيوبتركس إلى أن هذا المخلوق ليس شكلاً انتقالياً أبداً، بل هو أحد أنواع الطيور التي تتسم ببعض الصفات المختلفة عن صفات طيور اليوم.

    وحتى فترة قريبة، كانت الفرضية القائلة بأن الأركيوبتركچ نصف طائر لا يجيد الطيران بشكل كامل فرضية تلقي شعبية كبيرة في أوساط دعاة التطور. وقد رأى دعاة التطور أن عدم وجود عظمة القچ أي عظمةالصدر في هذا المخلوق، أو على الأقل عدم وجودها بالشكل الذي توجد به في الطيور التي تجيد الطيران، يعتبر أهم دليل على أن هذا الطائر لم يكن يجيد الطيران إجادة سليمة(وعظمة الصدر هي عبارة عن عظمة توجد تحت الصدر تثبت فيها العضلات اللازمة للطيران. وفي الوقت الحالي، توجد هذه العظمة الصدرية في كل الطيور سواء أكانت تجيد الطيران أم لا، بل حتى إنها موجودة في الخفاپ؛ وهو عبارة عن حيوان ثديي طائر ينتمي إلى فصيلة تختلف كل الاختلاف عن فصيلة الطيور).

    ومع ذلك، فقد تسببت المتحجرة السابعة لطائر الأركيوبتركس التي عثر عليها سنة 1992 في إثارة قدر كبير من الذهول بين دعاة التطور. ويرجع السبب في ذلك إلى أن متحجرةالأركيوبتركس المكتشَفة أخيراً قد وجدت فيها -بالفعل- عظمة الصدر التي افترض دعاة التطور أنها مفقودة منذ فترة طويلة. وقد وصفت مجلة الطبيعة (Nature) هذه المتحجرة المكتشفة أخيراً كالآتي:

    تحتفظ العينة السابعة المكتشفة أخيراً من طائر الأركيوبتركس شبه مستطيل كان يشتبه في وجوده منذ فترة طويلة ولكن لم يتم على الإطلاق توثيقه من قبل. وتشهد هذه العينة على قوة عضلات الطيران الخاصة بهذا الطائر. (38)

    وقد أبطل هذا الاكتشاف الدعامة الأساسية للمزاعم القائلة بأن الأركيوبتركس كان نصف طائر لا يجيد الطيران إجادة سليمة. ومن ناحية أخرى، أصبح تركيب ريچ هذا الطائر أحد أهم الأدلة التي تثبت أن الأركيوبتركس كان طائراً قادراً على الطيران بالمعنى الكامل للكلمة. إذ إن التركيب غير المتناسق لريش الأركيوبتركش (الذي لا يختلف عنه في الطيور الحديثة) يشير إلى أن هذا الحيوان يجيد الطيران إجادة كاملة. وكما صرح عالم المتحجرات المشهور كارل دانبار فإن: ريش الأركيوبتركس هو السبب في تصنيفه بشكل متميز مع فئة الطيور. (39)

    وحقيقة أخرى كشفها تركيب ريش الأركيوبتركس، وتتمثل في سخونة الدم الذي يستخدمه الطائر في عملية الأيض. وكما هو معروف، فإن الزواحف والديناصورات من الحيوانات ذوات الدم البارد التي تتأثر بدرجات الحرارة المحيطة بها بدلاً من أن تنظم حرارة أجسادها بشكل منفصل، أما الطائر فهو من ذوات الدم الحار وأهم وظيفة يؤديها ريشه هي المحافظة على حرارة الجسم. وقد بينت حقيقة وجود الريچ على جسم الأركيوبتركس أنه كان طائراً حقيقياً من ذوات الدم الحار يحتاج إلى المحافظة على حرارة جسمه على عكس الديناصور.


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    يختلف تشريح الطيور عن تشريح السلاحف، أسلافها المفترضة، اختلافاً كبيراً؛ إذ تعمل رئة الطيور بطريقة مختلفة تماماً عنها
    في الحيوانات البرية. فالحيوانات البرية تتنفچ دخولاً وخروجاً من نفس الوعاء الهوائي. أما الطيور، فبينما يدخل الهواء إلى رئتها
    >من الأمام فإنه يخرج من الخلف. لقد صُنع هذا «التصميم» المتميز خصيصاً من أجل الطيور التي تحتاج إلى كميات كبيرة من
    الأكسجين أثناء الطيران، ومن المستحيل لمثل هذه البنية أن تتطور من رئة الزواحف


    تكهنات دعاة التطور: أسنان الأركيوبتركس ومخالبه

    إن النقطتين المهمتين اللتين يعتمد عليهما دعاة التطور عندما يزعمون أن الأركيوبتركس شكل من الأشكال الانتقالية هما المخالب الموجودة على جناحي الطائر وأسنانه.

    وصحيح أن لدى الأركيوبتركس مخالب في أجنحته وأسناناً في فمه، ولكن هاتين الخاصتين لا تُلمِحان إلى أن هذا الكائن الحي تربطه أي نوع من أنواع القرابة بالزواحف. إلى جانب أن هناك نوعين من طيور اليوم، وهما التاووراكو (Taouraco) والهواتزن (Hoatzin)، كلاهما لديه مخالب للتمسك بأغصان الشجر. ويعد هذان الكائنان طائرين كاملين لا يحملان أية صفة من صفات الزواحف. لذلك، فإن الجزم بأن الأركيوبتركس شكل انتقالي لمجرد أنه يمتلك مخالب في أجنحته يعد جزماً لا أساس له من الصحة.

    نها ية خرافة طائر الأركيوبتركس: اللّونْجِسْكواما



    لقد جاء أحدث دليل يدحض ادعاء التطوريين بخصوص الأركيوبتركس من متحجرة طائر يدعى اللّونْجِسْكواما. وقد اكتُشفت متحجرة هذا الطائر المنقرض في قيرغيزستان بواسطة عالم متحجرات روسي في أواخر الستينيات، ولكنها لم تلفت انتباه المجتمع العلمي إلا في عام .2000 إن السمات التشريحية العامة للطائر (مثل الريش والهيكل العظمي المفرَّغ) تشبه مثيلاتها في الطيور المعاصرة، وقد جاء في مقالة نشرتها مجلة العلوم بتاريخ 23/6/2000 وكتبها تيري جونز، عالم المتحجرات في جامعة ولاية أوريغون بأميركا (وهو عضو في الفريق الذي قام بالاكتشاف): إن الهيكل يشبه تماماً هيكل طائر، وهو يملك نفس الرأس والكتفين وعظام الترقوة التي تكون في الطيور.
    النقطة المهمة هنا هي أن عمر هذه المتحجرة هو نحو 220 مليون سنة، وهو ما يعني أن اللّونْجِسْكواما أقدم من الأركيوبتركس بنحو 75 مليون سنة! وهذه الحقيقة تلغي -بالتأكيد- خرافة التطوريين القائلة إن الأركيوبتركس هو السلف الذي تطورت عنه كل الطيور اللاحقة. وقد قال جونز في المقال ذاته: إن هذه المتحجرة كافية لتجعلنا نشك فيما يقال من أن الطيور قد تطورت عن الدينصورات.


    ولا تلمح أيضا الأسنان الموجودة في منقار الأركيوبتركس إلى أنه شكل انتقالي. ويعمَد دعاة التطور إلى حيلة ذات مغزى بقولهم إن هذه الأسنان إحدى صفات الزواحف. ومع ذلك، لا تعد الأسنان صفة نموذجية في الزواحف؛ فبعض الزواحف لديها أسنان في حين لا توجد أسنان لدى البعض الآخر. وفضلاً عن ذلك، فإن الأركيوبتركس لا يعد النوع الوحيد من الطيور الذي لديه أسنان. وصحيح أن الطيور ذات الأسنان لا تعيش بيننا اليوم، ولكن عندما نلقي نظرة على سجل المتحجرات، نرى أنه في نفس عصر الأركيوبتركس وما تلاه من عصور، بل وحتى عصور قريبة، كان هناك جنس مميز من الطيور يمكن أن يصنف تحت فئة الطيور ذات الأسنان.

    وتتمثل أهم نقطة في هذا الصدد في أن تركيب أسنان الأركيوبتركس والطيور الأخرى ذات الأسنان يختلف اختلافاً تاماً عن تركيب أسنان أسلافها المزعومة، الديناصورات. وقد لاحظ علماء تشريح الطيور المشهورون، مارتن وستيوارد وويتستون، أن أسنان الأركيوبتركچ والطيور الأخرى ذات الأسنان تتصف بسطح علوي مستوٍ وجذور عريضة، في حين تتصف أسنان الديناصورات الثيروبودية (theropod) (السَّلَف المزعوم لهذه الطيور) بسطح بارز مثل المنشار وجذور ضيقة (40) وقارن الباحثون أيضاً بين عظام الرسغ الخاصة بالأركيوبتركس وبين تلك الخاصة بأسلافها المزعومة، الديناصورات، ولكنهم لم يلحظوا أي تشابه بينها. (41)

    وقد كشفت دراسات علماء التشريح (أمثال تارسيتانو وهيخت ووالكر) أن تأكيد البعچ على أن هناك بعض أوجه الشبه التي كانت موجودة بين هذا الكائن والديناصورات كما فعل جون أوستروم (أحد العلماء الذين يزعمون أن الأركيوبتركچ قد تطور من الديناصورات) هو في الواقع تأويلات غير صحيحة. (42)

    وتشير كل هذه النتائج إلى أن طائر الأركيوبتركس لم يكن حلقة انتقالية، بل هو مجرد طائر يندرج تحت فئة يمكن أن

    نطلق عليها فئة الطيور ذات الأسنان.

    تصميم ريش الطيور
    إن نظرية التطور، التي تدّعي أن الطيور تطورت من الزواحف، تجد نفسها عاجزة عن تفسير الفروق الهائلة بين هذين الصنفين المختلفين من الأحياء. إذ تختلف الطيور اختلافاً كبيراً عن الزواحف من حيث مقوماتها؛ مثل البنية الهيكلية، والنظم الرئوية، وسخونة دم الأيض. ويعد الريش ميزة أخرى تشكل فجوة لا تذلل بين الطيور والزواحف، كما يعد الريش ميزة خاصة بالطيور فقط.
    وتغطي أجسادَ الزواحف قشورٌ بينما يغطي أجسادَ الطيور الريش. وبما أن دعاة التطور يعتبرون الزواحف أسلافاً للطيور فإنهم مضطرون للادعاء بأن ريش الطيور قد تطور من قشور الزواحف. ولكن لا يوجد أي شبه بين القشور والريش!

    ويقبل أ. هـ. بروپ، أستاذ الفسيولوجيا والبيولوجيا العصبية من جامعة كنكتكت، هذا الواقع على الرغم من انتمائه لدعاة التطور فيقول: كل مقوم -بدءاً من بنية الجينات وتنظيمها حتى النمو والتشكل وتنظيم النسيج- مختلف في الريش والقشور1. كما يقوم الأستاذ بروس بدراسة البنية البروتينية لريش الطيور ويبرهن على أنها متميزة بين الفقاريات2.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    ولا يوجد دليل من المتحجرات على أن ريش الطيور قد تطور من قشور الزواحف. بل على العكچ، يظهر الريش فجأة في سجل المتحجرات بوصفه صفةً فريدة -بشكل لا يمكن إنكاره- تتميز بها الطيور، كما يبين ذلك الأستاذ بروس (3). وبالإضافة إلى ذلك، لم يكتشف حتى الآن في الزواحف أي تركيب للبشرة يوفّر أصلاً لريش الطيور (4).

    وفي عام 1996 أثار علماء المتحجرات القديمة ضجة حول متحجرات ما يُسمّى بالدينصور ذي الريچ المكتشف في الصين (المعروف باسم سينوسوروبِتْركچ sinosauroptryx). ومع ذلك، ففي عام 1997 تم الكشف عن أن هذه المتحجرات لا شأن لها ولم تكن تملك أي تركيب مشابه لريش الطيور (5).

    ومن جهة أخرى، وعند إجراء دراسة دقيقة على ريچ الطيور، نجد تصميماً معقداً جداً لا يمكن تفسيره بأية عملية تطورية. ويعلن آلان فيدوشيا، عالم تشريح الطيور المشهور،: إن كل مواصفة من مواصفات الريچ تملك خاصية أيروديناميكية (ديناميكية-هوائية). فهي خفيفة إلى أقصى حد، ولديها المقدرة على الارتفاع التي تقل عند السرعات المنخفضة، ويمكنها العودة إلى أوضاعها السابقة بكل سهولة. ثم يواصل قائلاً: لا أستطيع أن أفهم أبداً كيف يمكن لعضو مصمم بشكل مثالي للطيران أن يكون قد ظهر نتيجة ضرورة أخرى عند البداية(6)
    .

    لقد فرض تصميم الريش على تشارلز دارون أيضاً أن يمعن فيه النظر، كما كان الجمال المثالي لريش الطاووس سبباً في إصابته بالغثيان (بنص كلماته)؛ فقد قال في خطاب كتبه إلى آسا غراي في الثالث من أبريل سنة 1860: كلما تأملت العين انطفأت حماستي لنظريتي ولكني تغلبت بمرور الزمن على هذه المشاكل، أما الآن فبعض التراكيب الموجودة في الطبيعة تسلب راحتي، مثلا إن منظر ريش الطاووس يجعلني سقيما! (7).

    1 A. H. Brush, «On the Origin of Feathers». Journal of Evolutionary Biology, Vol. ,9 ,1996 p.132

    2 A. H. Brush, “On the Origin of Feathers” p. 131

    3 Ibid.

    4 Ibid.

    5 «Plucking the Feathered Dinosaur», Science, Vol. ,872 41 November ,1997 p. 1229

    6 Douglas Palmer, «Learning to Fly» (Review of The Origin of and Evolution of Birds by Alan Feduccia, Yale University Press, 1996), New Scientist, Vol. ,153 March, 1 ,1997 p. 44
    7 Norman Macbeth, Darwin Retried: An Appeal to Reason. Boston, Gambit, ,1971 p. 101


    الأركيوبتركس ومتحجرات الطيور القديمة الأخرى

    في حين كان دعاة التطور ينادون منذ عشرات السنين بأن الأركيوبتركس هو أكبر دليل على السيناريو الذي قدموه بشأن ارتقاء الطيور، فإن بعض المتحجرات المكتشفة في الآونة الأخيرة أبطلت هذا السيناريو من جوانب أخرى.

    فقد قام اثنان من علماء المتحجرات بـالمعهد الصيني للمتحجرات الفقارية، هما ليانهاي هو وزونجهي زهو، باكتشاف متحجرة طائر جديد سنة 1995أطلقا عليها اسم كونفوشيوسورنِس (Confuciusornis). وكان هذا الطائر في نفس عمر الأركيوبتركس (أي كان عمره نحو 140 مليون عام)، ولكن لم يكن لديه أية أسنان في فمه. وبالإضافة إلى ذلك، كان منقاره وريشه يتسمان بنفس الصفات التي تتسم بها طيور اليوم. وعلى الرغم من أن هذا الطائر يتصف بنفس التركيب العظمي للطيور الحديثة، فإنه كان يتصف أيضاً بوجود مخالب في أجنحته، تماماً مثل الأركيوبتركس. وكان هذا النوع من الطيور يتميز بوجود تركيب خاص في جسمه يسمى عظمة الإلية (pygostyle)، وتقوم هذه العظمة بتدعيم ريش الذيل. وباختصار، فإن هذا الطائر الذي كان في نفچ عمر الأركيوبتركس (والذي يعتبر أقدم سلف لجميع الطيور والمسلم بأنه كائن شبيه بالزواحف) كان شديد الشبه بالطائر الحديث. لقد أبطلت هذه الحقيقة كل فرضيات دعاة التطور القائلة بأن الأركيوبتركچ هو السلف البدائي لكل الطيور. (43)



    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    عند دراسة ريچ الطيور بالتفصيل يتضح أنه مكون من آلاف القطع الدقيقة التي يتصل بعضها ببعچ بما يشبه الخطافات. وهذا التصميم المتميز ينتج عنه أداء إيرودينامي متميز.


    وقد تسببت متحجرة أخرى اكتُشفت في الصين في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1996في إثارة قدر أكبر من الارتباك. فقد أعلن هو ومارتن وألان فيدوشيا في مجلة العلوم (Science) عن وجود ذلك الطائر البالغ من العمر 130مليون عام والمعروف باسم لياونينجورنس (Liaoningornis). وكان لدى الطائر عظمة صدرية ترتبط بها عضلات الطيران، تماماً كما هو الحال في الطيور الحديثة. وكان من غير الممكن أيضاً التمييز بين هذا الطائر والطيور الحديثة في نواحٍ أخرى، وكان الفرق الوحيد يكمن في أسنان فمه. ويبين هذا الموقف أن الطيور ذوات الأسنان لم يكن شكلها بدائياً على الإطلاق كما يزعم دعاة التطور(44) وقد تم التصريح بذلك في مقال نشرته مجلة الاكتشاف (Discover) بعنوان: من أين جاءت الطيور؟ هذه المتحجرة تقول إنها لم تأت من الديناصورات. (45)

    وهناك متحجرة أخرى تدحض مزاعم دعاة التطور فيما يتعلق بالأركيوبتركس ألا وهي أولولافيز (Eoalulavis)؛ فقد لوحظ أن تركيب جناح الأولولافيز (الذي يقال إنه أحدث من الأركيوبتركچ بنحو 30مليون سنة) موجود أيضاً في الطيور الحديثة التي تطير ببطء. ودل ذلك على أنه، قبل 120مليون سنة، كانت تحلق في السماء طيور لا يمكن تمييزها عن الطيور الحديثة من نواحٍ عدة. (46)

    وتشير هذه الحقائق مرة أخرى بكل تأكيد إلى أنه لا الأركيوبتركچ ولا الطيور الأخرى القديمة المشابهة له كانت أشكالاً انتقالية؛ إذ لا تدل المتحجرات على أن الطيور بمختلف أنواعها قد تطور بعضها من بعض، بل على العكس، يثبت سجل المتحجرات أن طيور اليوم الحديثة وبعض الطيور القديمة مثل الأركيوبتركس قد عاشت مع بعضها البعض بالفعل في نفس الوقت. ومع ذلك، فقد انقرضت بعض من أنواع هذه الطيور مثل الأركيوبتركس والكونفوشيوسورنس ولم يتمكن سوى جزء من الأنواع الموجودة في السابق من الصمود حتى يومنا هذا.

    وباختصار، لا تدل بعض السمات المحددة في الأركيوبتركس على أن هذا الكائن الحي يمثل شكلاً انتقالياً! ويقر ستيفن غولد ونايلز إلدردج، عالما المتحجرات بجامعة هارفرد واثنان من أشهر دعاة التطور على مستوى العالم، بأن الأركيوبتركس كائن حي يضم في تكوينه خليطاً من السمات المتنوعة، غير أنه لا يمكن اعتباره أبداً شكلاً انتقالياً!!

    ما هو أصل الذباب؟
    يزعم دعاة التطور أن الديناصورات قد تحولت إلى طيور، وهم يدعمون تأكيدهم هذا بقولهم إن بعض الديناصورات التي تصفق أرجلها الأمامية لتصطاد الذباب «اتخذت أجنحة وطارت» كما يتضح في الصورة. ونظراً لعدم وجود أي أساس علمي من أي نوع لدعم هذه النظرية وكونها لا تعدو أكثر من ضرب من ضروب الخيال، فإنها تستتبع أيضاً تناقضاً منطقياً بسيطاً جداً ألا وهو: المخلوق الذي قدمه دعاة التطور لتفسير أصل الطيران، أي الذبابة، يتمتع بمقدرة مثالية مسبقة على الطيران. وفي حين يعجز الإنسان عن فتح عينيه وإغماضهما بمعدل عشر مرات في الثانية، تصفق الذبابة المتوسطة أجنحتها بمعدل 500 مرة في الثانية. وفوق ذلك، فإنها تحرك جناحيها في وقت واحد! وسيترتب على أدنى تنافر في ذبذبة الجناحين فقد الذبابة لتوازنها، ولكن ذلك لا يحدث أبدا!
    وبداية، يجب على دعاة التطور أن يجدوا تفسيراً لكيفية اكتساب الذبابة مثل هذه المقدرة المثالية على الطيران. وبدلاً من ذلك، فإنهم يلفّقون سيناريوهات تخيلية حول الكيفية التي تمكنت بها مخلوقات أكثر ثقلاً (مثل الزواحف) من الطيران.

    وحتى الخلْق الأمثل للذبابة المنزلية يبطل ادعاء التطور. وقد كتب عالم البيولوجيا الإنكليزي، روبرت واتُن، في مقال بعنوان «التصميم الميكانيكي لأجنحة الحشرات: »كلما تحسن فهمنا لعمل أجنحة الحشرات كلما ظهرت هذه الأجنحة بشكل أكثر براعة وجمالاً. ويتم تصميم البنية عادة بحيث يكون كم التشوه فيها أقل ما يمكن، وتصمم الآليات لتحرك الأجزاء المركبة بأساليب يمكن التنبؤ بها. وتجمع أجنحة الحشرات كلا التصميمين في تصميم واحد مستخدِمة مركّبات لديها نطاق واسع من الخواص المطاطية، ومجمَّعة بأناقة لتسمح بتشوهات مناسبة استجابة لقوى مناسبة، ولتحصل على أفضل فائدة ممكنة من الهواء. ولا توجد أي مماثلات تكنولوجية لها حتى الآن« (1).

    ومن جهة أخرى، لا توجد حفرية واحدة يمكن أن تقدَّم دليلاً على التطور التخيلي للذباب. وهذا ما كان يقصده عالم الحيوان الفرنسي المتميز، بيير غراسيه، عندما قال: نحن جاهلون فيما يتعلق بأصل الحشرات(2).

    أنموذج على سيناريو تطوري: ديناصورات تكتسب أجنحة نتيجة محاولاتها صيد الذباب.!!

    1 Robin J. Wootton, «The Mechanical Design of Insect Wings», Scientific American, v. ,263 November ,1990 p.120

    2 Pierre-P Grassé, Evolution of Living Organisms, New York, Academic Press, 1977 , p.30


    الرابطة الخيالية بين الطيور والديناصورات

    إن ادعاء المؤمنين بالتطور الذين يحاولون تقديم الأركيوبتركس بوصفه شكلاً انتقالياً يقوم على أن الطيور قد تطورت من الديناصورات. ومع ذلك، فقد قام أحد أشهر علماء تشريح الطيور في العالم، وهو ألان فيدوتشيا من جامعة كارولينا الشمالية، بالاعتراض على النظرية القائلة بأن هناك قرابة بين الطيور والديناصورات، على الرغم من أنه هو نفسه أحد دعاة التطور. ويقول فيدوتشيا في هذا الصدد:

    حسناً، لقد درستُ جماجم الطيور لمدة خمس وعشرين سنة، وأنا لا أرى أي وجه تشابه بينها وبين جماجم الديناصورات...إن نظرية تطور الطيور من كائنات ذات أربع أرجل هي في رايي وصمة عار على جبين علم البالانتولوجيا في القرن العشرين. (48)

    ويبدي لاري مارتن، اختصاصي الطيور القديمة بجامعة كنساپ، اعتراضه على النظرية القائلة بأن الطيور والديناصورات تنحدر من نفس السلالة. وأثناء مناقشته للتناقض الذي تقع فيه نظرية التطور في هذا الصدد، يوضح مارتن رأيه قائلاً:

    لأصدُقَك القول، إذا اضطرِرْتُ إلى تأييد الفكرة القائلة بأن أصل الطيور هو الديناصورات بصفاتها الحاليةفسأشعر بالخجل في كل مرة أُضطر فيها للنهوض والتحدث عن هذا الموضوع. (49)

    أصل الثدييات

    كما ذكرنا من قبل، فإن نظرية التطور تفترض أن بعض المخلوقات الخيالية التي جاءت من البحر قد تحولت إلى زواحف وأن الطيور تكونت بواسطة تطور الزواحف. واستناداً لنفس السيناريو، فإن الزواحف ليست أسلافاً للطيور فحسب، بل هي أيضا أسلاف للثدييات. ومع ذلك، توجد فجوات تركيبية كبيرة بين الزواحف (التي تغطي أجسامها القشور، والتي تعتبر من الحيوانات ذوات الدم البارد، والتي تتكاثر عن طريق وضع البيض) وبين الثدييات (التي يغطي أجسادها الفرو، والتي تعتبر من الحيوانات ذوات الدم الحار، والتي تتكاثر عن طريق ولادة ذريتها حية).


    زعم دعاة التطور أن جميع أنواع الثدييات قد تطورت من سلف مشترك. ومع ذلك، هناك فروق عظيمة بين أنواع الثدييات المختلفة (مثل الدببة والحيتان والفئران والخفافيش)؛ إذ يمتلك كل واحد من هذه الكائنات الحية نظماً مصممة خصيصاً له. فعلى سبيل المثال، خُلقت الخفافيش بنظام سونار حساپ جداً يساعدها على شق طريقها في الظلام . وهذه النظم المعقدة لا يمكن أن يكون ظهورها نتيجة لمصادفة محظوظة. ويبين سجل المتحجرات أيضاً أن الخفافيش ظهرت في حالتها الكاملة الحالية فجأة وأنها لم تخضع لأية عملية تطور.
    تحجرة لخفاش عمرها 50 مليون سنة ولا يوجد أي اختلاف عن الخفاش المعاصر) من مجلة ساينس جزء 154)


    ويتجسد أحد أمثلة العوائق التركيبية بين الزواحف والثدييات في تركيب الفك. إذ يتكون الفك السفلي للثدييات من عظمة فكية واحدة توضع عليها الأسنان. أما في الزواحف، فتوجد ثلاث عظام صغيرة على جانبي الفك السفلي. وهناك اختلاف أساسي آخر هو أن كل الثدييات لديها ثلاث عظام في أذنها الوسطى (المطرقة والسندان والرِّكاب)، بينما توجد عظمة واحدة في الأذن الوسطى لدى كل الزواحف. ويدّعي علماء التطور أن فك الزواحف وأذنها الوسطى قد تطورت تدريجياً إلى فك الثدييات وأذنها. ولكن السؤال ما زال قائماً حول كيفية حدوث هذا التغيير. وعلى وجه الخصوص، فإن من غير الممكن أبداً تفسير كيفية تطور أذن بعظمة واحدة إلى أذن بثلاث عظام، مع استمرار عملية السمع في أداء وظيفتها أثناء حدوث هذا التطور. وليس مستغرَباً أنه لن يُعثر على متحجرة واحدة تربط بين الزواحف والثدييات. ولهذا السبب اضطر عالم المتحجرات التطوري، روجر ليوين، للقول بأن: عملية التحول إلى أولى الثدييات، التي حدثت -على الأرجح- في نسل واحد أو نسلين على الأكثر، ما زالت تمثل لغزاً بالنسبة لنا! (50) وها هو جورج غايلورد سيمبسون، أحد أكبر الثقات في علم التطور وكذلك أحد أكبر مؤسسي النظرية الدارونية الجديدة، يبدي التعليق الآتي على هذه الحقيقة التي سببت قدراً كبيراً من الحيرة لدعاة التطور:

    إن أكثر حدث محير في تاريخ الحياة على الأر? هو الانتقال الفجائي من العصر المازوزيكي، أي عصر الزواحف، إلى عصر الثدييات. ويبدو الأمر وكأن الستار قد أسدل فجأة على خشبة المسرح حيث كانت الزواحف، وخاصة الديناصورات، تلعب أدوار البطولة الرئيسية بأعداد كبيرة وتنوع محير، ثم أزيح الستار مرة أخرى في الحال ليكشف عن نفس المشهد ولكن بشخصيات جديدة تماماً؛ شخصيات لا تظهر بينها الديناصورات على الإطلاق، في حين تلعب الزواحف الأخرى دور الكومبارس فقط. وأخذت الثدييات تلعب كل الأدوار الرئيسية علما بأننا لا نعثر على أي أثر لها في الأدوار والعهود السابقة. (51)

    وبالإضافة إلى ذلك، فعندما ظهرت الثدييات فجأة كانت تختلف -في الواقع- اختلافاً كبيراً بعضها عن بعض. فمثلاً، كانت هناك حيوانات متباينة مثل الخفافيش، والأحصنة، والفئران، والحيتان... كلها تعتبر من الثدييات وكلها ظهرت في نفس العصر الجيولوجي. ويعد من المستحيل إثبات وجود علاقة تطورية فيما بينها حتى في إطار أوسع آفاق الخيال. ويؤكد عالم الحيوان التطوري، إريك لومبارد، على هذه النقطة في مقال ظهر في مجلة التطور (Evolution) بقوله:

    ستكون خيبة الأمل حليفاً لأولئك الذين يبحثون عن أي معلومات حول أي علاقات تطورية بين الثدييات. (52)

    ومن كل ما سبق، يتضح أن جميع الكائنات الحية ظهرت على سطح الأرض فجأة بكامل تكوينها، دون أن تمر بأية عملية تطور. ويعد هذا دليلاً دامغاً على أنها قد خُلقت. ومع ذلك، يحاول دعاة التطور أن يفسّروا حقيقة ظهور أنواع الأحياء بترتيب معين باعتبارها دلالة على التطور. إلا أن التسلسل في ظهور الكائنات الحية ما هو إلا ترتيب الخلق، إذ أنه من غير المحتمل أن نتحدث هنا عن عملية تطور. وبواسطة عملية خلق فائقة وخالية من العيوب، امتلأت المحيطات بالأحياء، ثم تلتها في ذلك اليابسة، وأخيراً خُلق الإنسان.

    وعلى عكچ قصة الإنسان القرد التي فرضتها الدعاية الإعلامية المكثفة على العامة، ظهر الإنسان أيضاً على الأرض فجأة وفي كامل تكوينه

    خرافة تطور الحصان
    حتى وقت قريب، كان يتم تقديم تسلسل تخيلي (يُفترَض فيه أنه يبين تطور الحصان) بوصفه دليل المتحجرات الرئيسي على صحة نظرية التطور. أما اليوم فيعترف كثير من دعاة التطور أنفسهم بأن سيناريو تطور الحصان قد أفلس. وقد قال داعي التطور بويس رينسبرغر (الذي ألقى خطاباً أثناء ندوة استمرت أربعة أيام حول مشكلات نظرية التطور التدرجية وعقدت في عام 1980 في متحف فيلد للتاريخ الطبيعي بشيكاغو بحضور مئة وخمسين من دعاة التطور) قال إن سيناريو تطور الحصان لا أساس له في سجل المتحجرات وإن أحداً لم يلحظ وجود عملية تطورية تستطيع أن تفسر التطور التدريجي للحصان:
    لقد عُرف منذ وقت طويل كم هو خاطئ المثال الشائع الذي يُضرب على تطور الحصان للاقتراح بأن هناك تسلسلاً تدريجياً للتغيرات التي طرأت علي مخلوقات بحجم الثعلب، لديها أربعة أصابع في قدمها وكانت تعيش قبل نحو خمسين مليون سنة، إلى حصان اليوم الأكبر حجماً بكثير والذي لديه إصبع واحد في قدمه. فبدلاً من التغير التدريجي، تبدو متحجرات كل نوع متوسط متميزةً تماماً وباقية دون تغير، ثم تنقرض بعد ذلك؛ ومن ثَم فالأشكال الانتقالية غير معروفة (1).

    وقد قال عالم المتحجرات المشهور كولين باترسون، مدير متحف التاريخ الطبيعي في إنكلترا (حيث كانت تُعرَض مشاريع تطور الحصان الوهمية) المقولة التالية بخصوص هذا المعرض الذي ما زال مفتوحاً للجمهور في الطابق الأرضي من المتحف:

    لقد كان هناك كم هائل من القصچ،بعضها مغرقة في الخيال أكثر من الأخرى ، عن الماهية الحقيقية لطبيعة الحياة. وأكثر هذه الأمثلة شهرة (والذي ما زال يعرض في الطابق الأرضي للمتحف) هو العرض الخاص بتطور الحصان الذي ربما يكون قد تم إعداده قبل خمسين سنة. لقد ظل هذا العرض يقدَّم بوصفه الدليل الحرفي في كتاب مدرسي بعد كتاب مدرسي. أما أنا فأعتقد أن هذا وضع يدعو إلى الرثاء، خصوصاً عندما يكون الناس الذين يقدّمون مثل هذا النوع من القصص مدركين هم أنفسهم للطبيعة التخمينية لبعض تلك المواد(2).

    إذن، ما هو أساس سيناريو تطور الحصان؟ لقد تمت صياغة هذا السيناريو بواسطة مخطَّطات خادعة أُعِدّت باستخدامترتيب تسلسلي حسب خيال التطوريين لمتحجرات أنواع مختلفة من الحيوانات عاشت في فترات مختلفة جداً في الهند وجنوب إفريقيا وشمال أميركا وأوربا، لمجرد موافقتها للقدرة التخيلية الغنية التي يمتلكها دعاة التطور. ويوجد أكثر من عشرين مخططاً عن تطور الحصان المقترح قدّمها باحثون مختلفون. ولم يصل دعاة التطور إلى اتفاق مشترك بخصوص موضوع أشجار العائلة تلك، التي كانت -بالمناسبة- مختلفة تماماً بعضها عن بعض. وتتمثل النقطة الوحيدة المشتركة بين هذه الترتيبات في الاعتقاد بأن مخلوقاً بحجم الكلب يُسمّى يوهيبّوس (Eohippus) قد عاش في العصر اليوسيني منذ 55 مليون سنة وكان سلفاً للحصان. ولكن الخطوط التطورية المفترَضة من اليوهيبوس إلى الحصان متناقضة تماماً.

    وقد قام الكاتب العلمي التطوري، غوردون تيلور، بشرح هذه الحقيقة التي تلقى قدراً قليلاً من القبول، في كتابه الذي يحمل عنوان اللغز العظيم للتطور بقوله:

    ولكن ربما تكمن أخطر أوجه الضعف في الدارونية في فشل علماء المتحجرات في العثور على تطور مقنع في نشوء السلالة أو تتابعات لكائنات حية تبين تغيراً تطورياً أعظم... وغالباً ما يُستشَهد بالحصان بوصفه المثال الوحيد الموضوع بشكل كامل، ولكن الحقيقة هي أن الخط التطوري من اليوهيبوس إلى الحصان خط غريب جداً. إنهم يزعمون أنه يبين تزايداً مستمراً في الحجم، ولكن الحقيقة هي أن بعض الأطوار المتغيرة كانت أصغر من اليوهيبوپ وليست أكبر منه. ومن الممكن أن تُجمع العينات من مصادر مختلفة وتُقدَّم في تسلسل يبدو مقنعاً، ولكن لا يوجد دليل على أن هذه الأطوار تسلسلت بهذا الترتيب مع الزمن (3).

    وجميع هذه الحقائق تمثل دليلاً قوياً على أن الجداول البيانية لتطور الحصان، التي تقدم بوصفها أحد أقوى الدلائل على الدارونية، ما هي إلا قصص وهمية غير مقنعة.

    1 Boyce Rensberger, Houston Chronicle, November ,5 ,1980 p.15

    2 Colin Patterson, Harper’s, February ,1984 p.60

    3 Gordon Rattray Taylor, The Great Evolution Mystery, Abacus, Sphere Books, London, ,1984 p. 203


    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  10. افتراضي

    الفصل السابع

    التأويلات الخادعة للمتحجرات

    رسوم متخيَّلة وخادعة


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    في الصور والنماذج التي يُعاد بناؤها، يتعمد دعاة التطور -دعماً لنظريتهم- أن يشكّلوا الملامح التي لا تترك في الواقع أي آثار في المتحجرة؛ مثل تركيب الأنف، والشفاه، وشكل الشعر، وهيئة الحواجب، وغير ذلك من أنواع الشعر التي تغطي الجسم. كما أنهم يقومون أيضاً بتحضير صور تفصيلية تصف تلك المخلوقات التخيّلية وهي تمشي مع عائلاتها، أو تصطاد، أو في حالة أخرى من حياتها اليومية. ولكن الحقيقة أن هذه الرسوم كلها ما هي إلا تخيّلات زائفة لا واقع لها في سجل المتحجرات.


    قبل أن نخوض في تفاصيل خرافة تطور الإنسان، يجدر بنا التذكير بالأسلوب الدعائي الذي أقنع العامة بفكرة أن كائنات نصفها قرد ونصفها إنسان قد عاشت في الماضي. ويعمد هذا الأسلوب الدعائي إلى استخدام إعادة البناء فيما ينسبه إلى المتحجرات. ويمكن أن نشرح إعادة البناء على أنها رسم صورة لكائن حي أو بناء نموذج له استناداً إلى عظمة واحدة (وفي بعض الأحيان إلى جزء من عظمة!) تم استخراجها من باطن الأرض. ويعتبر كل الرجال القردة الذين نشاهدهم في الصحف والمجلات والأفلام مجرد أمثلة على إعادة البناء.

    وبما أن المتحجرات عادة ما تكون ناقصة وفي حالة من الفوضى، فإن أي تصور يستند إليها يُرجَّح أن يكون تخميناً محضاً. وفي الواقع، يقوم دعاة التطور بتجهيز إعادات البناء (الرسوم أو النماذج) استناداً إلى بقايا المتحجرات باستخدام التخمين، وذلك فقط من أجل إثبات فرضية التطور. ويؤكد أحد علماء الأنثروبولوجيا من جامعة هارفارد، ديفيد بيلبيم، هذه الحقيقة بقوله: على الأقل في علم المتحجرات الذي هو ساحتي واختصاصي، فإن النظرية_ أي نظرية التطور_ ، وضعت على أساس تأويلات معينة أكثر من وضعها على أساپ من المعطيات والأدلة الفعلية (53)، وبما أن الناس يتأثرون بشدة بالمعلومات المرئية فإن إعادات البناء هذه تخدم على أكمل وجهٍ غرض دعاة التطور المتمثل في إقناع الناس بأن هذه المخلوقات المعاد بناؤها قد عاشت فعلياً في الماضي.

    ثلاث إعادات تركيب لنفس الجمجمة


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    وفي هذا الصدد يجب أن نلقي الضوء على نقطة معينة ألا وهي: أن إعادة البناء القائمة على بقايا العظام لا يمكن أن تكشف سوى الصفات العامة جداً للجسم؛ لأن التفاصيل المميزة الحقيقية تتمثل في الأنسجة الليّنة التي تختفي بسرعة مع مرور الوقت. وهكذا، فباستخدام التأويل التخميني للأنسجة اللينة تصبح الرسوم أو النماذج المعاد بناؤها معتمِدة تماماً على خيال الشخص الذي يعدها. ويفسر إيرنست هوتن، من جامعة هارفرد، الوضع كما يأتي:

    إن محاولة إعادة بناء أو تركيب الأجزاء اللينة مهمة تحف بها المشاكل والمخاطر ذلك لأن الشفاه والعيون والآذان وطرف الأنف.... إلخ، لا تترك أية آثار على الأجزاء العظمية التي تكسوها. ويمكنك أن تشكّل بنفس السهولة من جمجمة شخص شبيه بالشخص النياندرتالي نموذجاً بملامح شمبانزي أو بقسمات فيلسوف. أما فيما يتعلق بإعادة البناء المزعومة لأنواع قديمة من البشر استنادا إلى بعض بقاياها فإنها لا تحظى بأي قيمة علمية، وهي لا تستعمل إلا للتأثير على العامة وتضليلها، لذا لا يمكن الثقة بإعادة التركيب) (54)

    وفي الواقع، لقد ابتدع دعاة التطور مثل هذه القصص المنافية للعقل لدرجة أنهم ينسبون وجوهاً مختلفة لنفس الجمجمة. فمثلاً: تعد الرسوم الثلاث المختلفة المعاد بناؤها لمتحجرة تدعى القرد الإفريقي الجنوبي القوي (Australopithecus robustus) أو (Zinjanthropus) مثالاً شهيراً لمثل هذا التزييف.

    وقد تكون التأويلات المتحيزة للمتحجرات أو تلفيق العديد من إعادات البناء الخيالية مؤشراً على مدى لجوء دعاة التطور إلى استخدام الحيل بشكل متكرر. ومع ذلك، فإن هذه الحيل تبدو بريئة إذا ما قورنت بأعمال التزييف المتعمدة التي ارتكبت في تاريخ التطور!
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  11. افتراضي

    الفصل الثامن

    تزييفات التطوريين

    لا يوجد أي دليل دامغ من المتحجرات يؤيد صورة الرجل القرد، التي يتم تلقينها باستمرار في وسائل الإعلام والدوائر الأكاديمية لدعاة التطور. ذلك أن دعاة التطور يمسكون فرپ الرسم في أيديهم ويصنعون بها مخلوقات خيالية، إلا أن حقيقة عدم وجود متحجرات مشابهة لهذه الرسوم تمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لهم. وتتمثل إحدى الوسائل المثيرة التي يستخدمونها في التغلب على هذه المشكلة في صنع متحجرات لا يستطيعون العثور عليها. ويعتبر إنسان بيلتداون (Piltdown Man) (الذي يُعدّ أكبر فضيحة في تاريخ العلم) مثالاً نموذجياً لهذه الوسيلة.

    إنسان بِلتْداون: الفك لغوريلا والجمجمة لإنسان!

    في سنة 1912 أكّد طبيب معروف وعالم متحجرات هاو يدعى تشارلز داوسون عثوره على عظمة فك وجزء من جمجمة داخل حفرة في بيلتداون بإنكلترا. وعلى الرغم من أن عظمة الفك كانت أشبه بعظمة فك القرد، إلا أن الأسنان والجمجمة كانت أشبه بأسنان وجمجمة الإنسان. وكُتب على هذه العينات اسم إنسان بِلتْداون (Piltdown Man). ونتيجة للمزاعم القائلة بأن عمر العينة هو خمسمئة ألف سنة، تم عرضها في العديد من المتاحف بوصفها دليلاً قاطعاً على تطور الإنسان. ولأكثر من أربعين سنة، كُتبت الكثير من المقالات العلمية عن إنسان بيلتداون كما أُعدّت له العديد من التأويلات والرسوم، وقُدِّمت المتحجرة بوصفها دليلاً مهماً على تطور الإنسان، وكُتب ما لا يقل عن خمسمئة رسالة دكتوراه حول هذا الموضوع (55). وقال عالم المتحجرات الأمريكي المشهور هنري فيرفيلد أوسبورن أثناء زيارته للمتحف البريطاني سنة 1935: يجب أن يتم تذكيرنا مراراً وتكراراً بأن الطبيعة مليئة بالمفارقات، وتُعد هذه المتحجرةاكتشافاً مذهلاً عن الإنسان البدائي. (56)

    وفي سنة 1949 حاول( كينيث أوكلي (وهو من قسم المتحجرات في المتحف البريطاني) أن يجرب طريقة اختبار الفلورين، وهي عبارة عن اختبار جديد يستخدم لتحديد تاريخ بعض المتحجرات القديمة. وأجري الاختبار على متحجرة إنسان بيلتداون، وكانت النتيجة مذهلة. ذلك أنه قد اتضح أثناء الاختبار أن عظمة فك إنسان بيلتداون لا تحتوي على أية فلورين. ويدل هذا على أنها لم تظلّ مدفونة في الأرض لأكثر من بضع سنين. أما الجمجمة، التي احتوت على مقدار ضئيل من الفلورين، فقد تبين أن عمرها لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين.

    قصة خدعة وتزوير


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    وكشفت الدراسات الكرونولوجية الأخيرة التي أجريت باستخدام طريقة الفلورين أن عمر الجمجمة لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين، كما تحدد أن الأسنان الموجودة في عظمة الفك- والتي تنتمي إلى الأورانغ أوتان، وهو من أنواع الغوريلات- قد تآكلت اصطناعياً، وأن الأدوات البدائية المكتشفة مع المتحجرات هي مجرد أدوات بسيطة مقلَّدة شُحذت بواسطة أدوات فولاذية (57) وفي التحليل المفصل الذي أتمه وينر سنة 1953 تم الكشف للجمهور عن هذا التزوير؛ إذ كانت الجمجمة تخص إنساناً عمره نحو خمسمئة سنة في حين كانت عظمة الفك السفلي تخص قرداً مات مؤخراً! وقد تم ترتيب الأسنان على نحو خاص في شكل صف، ثم أُضيفت إلى الفك وتم حشو المفاصل لكي يبدو الفك شبيهاً بفك الإنسان. وبعد ذلك تم تلطيخ كل هذه القطع بثاني كرومات البوتاسيوم لإكسابها مظهراً عتيقاً، ثم بدأت هذه اللطخ بالاختفاء عند غمسها في الحمض. ولم يتمكن غروپ كلارك، الذي كان ضمن أعضاء الفريق الذي كشف هذا التزييف، من إخفاء اندهاشه من هذا الموقف فقال: لقد ظهرت للعين في الحال أدلة على حدوث كشط صناعي. وكانت هذه الأدلة واضحة جداً لدرجة تجعل المرء يتساءل: كيف لم يتم الانتباه إليها من قبل؟! (58) وفي أعقاب كل هذه الأحداث تم نقل إنسان بيلتداون على عجل من المتحف البريطاني بعدما عُرض فيه لمدة تزيد عن أربعين سنة!

    إنسان نبراسكا: سن خنزير!

    في سنة ,1922 أعلن هنري فيرفيلد أوسبرن، مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره على ضرپ متحجرةفي غرب نبراسكا، بالقرب من سنيك بروك، يعود إلى العصر البليوسيني. وزعم البعچ أن هذا الضرپ يحمل صفاتا مشتركة بين كل من الإنسان والقرد، وبدأت مناقشات علمية عميقة فسّر فيها البعچ هذا الضرپ على أنه يعود إلى إنسان جاوة منتصب القامة (Pithecanthropus erectus)، في حين ادعى البعض الآخر أنه أقرب إلى أضراپ الإنسان. وقد أطلق على هذه الحفرية، التي أحدثت جدالاً مكثفاً، اسم إنسان نبراسكا، كما أُعطيت -في الحال- اسماً علمياً هو: هسبيروبايثيكوپ هارولدكوكي (Hesperopithecus haroldcooki).

    وأبدى العديد من الخبراء تأييدهم لأوسبرن. واستناداً إلى هذا الضرپ الأوحد رُسمت إعادة بناء لرأس إنسان نبراسكا وجسده. وأكثر من هذا، فقد تم حتى رسم إنسان نبراسكا مع زوجته وأطفاله في شكل عائلة كاملة في محيط طبيعي!

    بناء على سن واحدة ونُشرت في مجلة أخبار لندن المصورة (Illustrated London News) في 24 يوليو .1922 ولكن خاب ظن دعاة التطور إلى أقصى حد عندما تم الكشف عن أن تلك السن لا تنتمي إلى مخلوق شبيه بالقرد ولا إلى إنسان، بل تنتمي -بالأحرى- إلى نوع منقرض من الخنازير!

    وقد وضعت كل هذه السيناريوهات من ضرس واحد فقط! وأجازت الأوساط التطورية هذا الإنسان الشبح لدرجة أنه عندما قام باحث يدعى ويأتيام بريان بالاعتراض على هذه القرارات المتحيزة القائمة على ضرس أوحد تعرض لانتقاد شديد!

    وفي سنة 1927 عُثر على أجزاء أخرى من الهيكل العظمي لإنسان نبراسكا. ووفقاً لهذه الأجزاء المكتشفة حديثاً، لم يكن الضرپ يخص لا إنساناً ولا قرداً. وأدرك الجميع أنه يخص نوعاً منقرضاً من الخنازير الأمريكية البرية يسمى (prosthennops)، وأطلق ويأتيام غريغوري على مقاله المنشور في مجلة العلوم (Science)، حيث أعلن عن هذا الخطأ، العنوان الآتي: الهسبيروبايثيكوس: يظهر أنه ليس قرداً ولا إنساناً. وبعد ذلك، تم على عجل إزالة كل رسوم الهسبيروبايثيكوس هارولدكوكي وعائلته من أدبيات التطور!

    أوتا بينغا: الأفريقي المحبوس في القفص

    بعد أن قدم دارون في كتابه سلالة الإنسان (The Descent of Man) مزاعم حول تطور الإنسان من كائنات شبيهة بالقرود، بدأ يبحث عن متحجرات تدعم هذا الجدل. ومع ذلك، اعتقد بعض دعاة التطور أن الكائنات المكونة من نصف قرد ونصف إنسان لن توجد في سجل المتحجرات فحسب، بل ستوجد أيضاً على قيد الحياة في مناطق مختلفة من أرجاء العالم. وفي مطلع القرن العشرين، نتجت عن هذه المساعي الرامية إلى إيجاد حلقات انتقالية حية حوادث مؤسفة، يتمثل أكثرها وحشية في قصة قزم يُدعى أوتا بينغا.

    فقد قام أحد الباحثين في مجال التطور باصطياد أوتا بينغا سنة 1904 في الكونغو. ويعني اسمه بلغته المحلية: الصديق. وكان هذا الرجل متزوجاً ولديه طفلان، وبعد أن قُيد أوتا بينغا بالسلاسل ووضع في قفص كالحيوان نُقل إلى الولايات المتحدة، حيث قام علماء التطور بعرضه على الجمهور في معرض سينت لويس العالمي إلى جانب أنواع أخرى من القردة، وقدموه بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان. وبعد عامين نقلوه إلى حديقة حيوان برونْكس في نيويورك وعرضوه تحت مسمى السلف القديم للإنسان مع بضع أفراد من قردة الشمبانزي وبعض الغوريلاّت، وقام الدكتور التطوري ويأتيام هورناداي، مدير الحديقة ، بإلقاء خطب طويلة عن مدى فخره بوجود هذا الشكل الانتقالي الفريد في حديقته وعامل أوتا بينغا المحبوس في القفص وكأنه حيوان عادي. ونظراً لعدم قدرته على تحمل المعاملة التي تعرض لها، فقد انتحر أوتا بينغا في النهاية!

    إنسان بيلتداون، إنسان نبراسكا، أوتا بينغا... تبين كل هذه الفضائح أن علماء التطور لا يتورعون عن استخدام أي نوع من أنواع الوسائل غير العلمية في سبيل إثبات نظريتهم. وإذا أخذنا هذه النقطة في الاعتبار، عندما نلقي نظرة على الأدلة الأخرى المزعومة بشأن خرافة تطور الإنسان، فسنواجه موقفاً مشابهاً. وهنا سنجد قصة خيالية وجيشاً من المتطوعين مستعداً لتجربة كل شيء من أجل إثبات هذه القصة.
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  12. افتراضي

    الفصل التاسع

    سيناريو تطور الإنسان

    رأينا في الفصول السابقة أنه لا توجد أية آليات في الطبيعة يمكن أن تؤدي إلى تطور الأحياء، وأن أنواع الأحياء لم تدخل حيز الوجود نتيجة عملية تطورية، بل ظهرت فجأة في تركيبها المثالي الحالي؛ أي أنها خُلِقَتْ -كل نوع منها- على حدة. ومن ثم يتضح لنا أن تطور الإنسان، أيضاً، يجسد قصة لم تحدث أبداً!

    ما الذي يقدمه دعاة التطور -إذن- كأساس لهذه القصة؟

    يتمثل هذا الأساپ في وجود الكثير من المتحجرات التي يمكن لدعاة التطور أن يبنوا عليها تأويلات خيالية. وعلى مر التاريخ، عاش أكثر من ستة آلاف نوع من أنواع القردة كان الانقراض مصيراً لمعظمها، ولا يوجد -اليوم- على سطح الأرض سوى مئة وعشرين نوعاً من أنواع القردة. وتمثل الستة آلاف نوع هذه (التي انقرض معظمها) مصدراً ثرياً لدعاة التطور.

    لقد كتبَ دعاة التطور سيناريو تطور الإنسان عن طريق تنظيم بعض الجماجم التي تخدم أغراضهم بالترتيب من الأصغر إلى الأكبر، وبعثرة جماجم بعض الأجناس البشرية المنقرضة بينها. وحسبما ورد في هذا السيناريو: فإن للبشر والقردة الحديثة أسلافاً مشتركة، وقد تطورت هذه الكائنات بمرور الزمن فصار بعضها قردةَ اليوم، في حين أصبحت مجموعةٌ أخرى اتبعت فرعاً آخر من فروع التطور إنسانَ اليوم غير أن جميع نتائج البحوث البالانتولوجية، والتشريحية، والبيولوجية قد أظهرت أن هذا الادعاء التطوري يتسم -كغيره من الادعاءات الأخرى- بالخيال والبطلان؛ إذ لم يتم تقديم أية أدلة سليمة أو حقيقية تثبت وجود قرابة بين الإنسان والقرد، اللهم إلا التزييف والتشويه والرسوم والتعليقات المضلِّلة.

    ويثبت لنا سجل المتحجرات على مر التاريخ أن الإنسان كان إنساناً وأن القرد كان قرداً. أما بالنسبة لبعچ المتحجرات التي يدّعي دعاة التطور أنها أسلاف للإنسان، فإنها تخص أجناساً بشرية قديمة عاشت حتى فترة قريبة جداً (قبل نحو عشرة آلاف عام) ثم اختفت. وفضلاً عن ذلك، فإن العديد من المجتمعات البشرية التي ما زالت تعيچ بيننا اليوم تتسم بنفچ الهيئة والصفات الجسدية التي تتسم بها الأجناس البشرية المنقرضة، التي يدعي دعاة التطور أنها أسلاف الإنسان. وتعتبر كل هذه الأشياء دليلاً واضحاً على أن الإنسان لم يمرَّ قط بأية عملية تطور في أية فترة من فترات التاريخ. وأهم من ذلك كله، هو وجود اختلافات تشريحية لا حصر لها بين القردة والبشر، لا يعد أي منها من النوع الذي يمكن أن يظهر من خلال عملية التطور. ويتمثل أحدها في المشي على قدمين. وكما سنصف بالتفصيل لاحقاً: فإن المشي على قدمين يعتبر صفة مميزة للإنسان، كما أنه إحدى أهم الخوا? التي تميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى.

    شجرة العائلة المتخيَّلة للإنسان

    يقضي الادعاء الداروني بأن الإنسان العصري قد تطور من أحد أنواع المخلوقات الشبيهة بالقردة. وأثناء عملية التطور المزعومة هذه، التي من المفتر? أنها قد بدأت منذ نحو أربعة إلى خمسة ملايين سنة، يدّعي الدارونيون وجود بعض الأشكال الانتقالية بين الإنسان العصري وأسلافه. ووفقاً لهذا السيناريو الخيالي بكل ما في الكلمة من معنى، تم وضع قائمة بأربع فئات أساسية هي:

    1القرد الجنوبي (Australopithecine).

    2الإنسان القادر على استخدام الأدوات (Homo habilis).

    3الإنسان منتصب القامة (Homo erectus).

    4الإنسان العاقل (Homo sapiens).

    ويطلق دعاة التطور على ما يزعمون أنها الأسلاف الأولى لكل من الإنسان والقرد اسم Australopithecus (أي: القرد الإفريقي الجنوبي). ولهذه القردة الجنوبية أنواع مختلفة، ولكنها ليست أكثر من مجرد نوع قديم من أنوع القردة المنقرضة. ويتصف بعضها ببنية قوية، في حين يتصف البعچ الآخر بصغر الحجم والنحول.

    ويصنف دعاة التطور المرحلة الآتية من تطور الإنسان تحت اسم Homo (أي : الإنسان وحسبما يدعي دعاة التطور، فإن الكائنات الحية المندرجة تحت سلسلة الإنسان تعتبر أكثر تطوراً من القرد الجنوبي، ولا تختلف كثيراً عن الإنسان العصري. ويقال إن الإنسان العصري الموجود في الأيام الحالية، أي الإنسان العاقل، قد تكوّن في آخر مرحلة من مراحل تطور الجنچ البشري. وأما فيما يتعلق بمتحجرات مثل إنسان جاوة وإنسان بكين ولوسي (التي تظهر في وسائل الإعلام من حين لآخر، والتي توجد في المنشورات وكتب المحاضرات الخاصة بدعاة التطور) فسوف نجدها متضمَّنة في أحد الأنواع الأربعة المذكورة أعلاه، التي يُفتر? أن تنشأ عنها أنواع فرعية (sub-species).

    وكان لا بد من استبعاد بعچ الأشكال الانتقالية المرشَّحة في الماضي (مثل رامابايثيكوپ Ramapithecus) من شجرة العائلة المتخيَّلة لتطور الإنسان بعد أن تم الإدراك بأنها قردة عادية.(61)

    ومن خلال وضع الخطوط العريضة لسلسلة الروابط التي تتمثل في القردة الجنوبية فالإنسان القادر على استخدام الأدوات فالإنسان منتصب القامة فالإنسان العاقل، يلمّح دعاة التطور إلى أن كل نوع من هذه الأنواع يُعتبر سَلَفاً لنوع آخر. ومع ذلك، كشفت البحوث العلمية الأخيرة لعلماء المتحجرات أن القردة الجنوبية والإنسان القادر على استخدام الأدوات والإنسان منتصب القامة قد عاشوا في مناطق مختلفة من العالم في نفچ الفترة الزمنية. بل وأكثر من هذا، كشفت البحوث أيضاً أن قسماً معيناً من البشر المصنفين تحت فئة الإنسان منتصب القامة قد عاشوا حتى عصور حديثة جداً. كما أن الإنسان العاقل النياندرتالي والإنسان العصري (Homo sapiens sapiens) قد عاشا معاً في نفس المنطقة. ويشير الوضع بوضوح إلى بطلان الادعاء القائل بأن هذه الأنواع أسلاف لبعضها البعض.

    ومن الناحية الفعلية، أظهرت كل الاكتشافات والبحوث العلمية أن سجل المتحجرات لا يوحي بحدوث أية عملية تطور حسب ما اقترحه دعاة التطور. أما فيما يتعلق بالمتحجرات التي ادعى علماء التطور أنها أسلاف البشر فإما أنها تخص أجناساً مختلفة من البشر أو أنها تخص أنواعاً من القردة.

    إذن، أي المتحجرات يخص الإنسان وأيها يخص القردة؟ هل من الممكن اعتبار أي واحدة منها شكلاً انتقالياً؟ للحصول على إجابة لهذه الأسئلة، دعونا نلقي نظرة أقرب على كل فئة من الفئات.

    لأوسترالوبايثيكوس: نوع من أنواع القردة

    إن كلمة أوسترالوبايثيكوس (Australopithecus)، أي الفئة الأولى، تعني القرد الجنوبي. ويفترض أن يكون هذا الكائن قد ظهر لأول مرة في أفريقيا قبل أربعة ملايين سنة تقريباً وعاپ حتى نحو مليون سنة مضت. ويضم هذا النوع بعض الطوائف؛ إذ يفترض دعاة التطور أن أقدم نوع من أنواع القردة الجنوبية هو (A. Afarensis)، يأتيه القرد الجنوبي الأفريقي (A. Africanus) الذي يتسم بعظام أنحل، ثم القرد الجنوبي القوي (A. Robustus) الذي يتسم بعظام أكبر نسبياً. أما فيما يتعلق بالقرد الجنوبي المتوحش (A. Boisei)، فإن بعض الباحثين يقبلونه بوصفه نوعاً مختلفاً، في حين أن البعض الآخر يقبله بوصفه طائفة أو نوعاً فرعياً من أنواع القردة الجنوبية القوية.

    وتعد جميع أنواع القردة الجنوبية قردة منقرضة تشبه قردة اليوم. ذلك أن لجماجمها سعة تعادل سعة جماجم قردة الشمبانزي الموجودة اليوم أو تقل عنها. وتوجد في أيديها وأرجلها أجزاء بارزة تستخدمها في تسلق الأشجار كما هو الحال بالنسبة لقردة اليوم، كما تتسم أرجلها بالقدرة على قبچ الأشياء لمساعدتها في التعلق على فروع الأشجار. وتتصف هذه القردة بقصر القامة (إذ لا يتجاوز طولها مئة وثلاثين سنتمتراً). وكما هو الحال بالنسبة لقردة الشمبانزي الموجودة اليوم، فإن ذكر القرد الجنوبي أكبر حجماً من أنثاه. وتوجد العديد من الصفات التي تعد دليلاً على أن هذه الكائنات الحية لم تكن تختلف عن قردة اليوم، ومن هذه الأدلة: جماجمها، وتقارب عيونها، وحدة أضراسها، وبنية فكها، وطول أذرعها، وقصر أرجلها. ويدعي دعاة التطور أنه على الرغم من تطابق الصفة التشريحية للقردة الجنوبية وقردة اليوم، إلا أن القردة الجنوبية تمشي منتصبة القامة مثل البشر بخلاف القردة!



    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    AUSTRALOPITHECUSالقرد الجنوبي


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.



    MODERN CHIMPشمبانزي معاصر

    تظهر أعلاه جمجمة القرد الجنوبي رقم (AL 444-2)، وتظهر تحتها جمجمة لقرد معاصر. إن الشبه الواضح يثبت أن الأوسترالوبايثيكوپ (أو القرد الجنوبي) هو نوع عادي من القردة بدون أية ملامح شبيهة بالبشر.



    أول متحجرة مكتشَفة في هادار بأثيويبا، ويفترض أنها تنتمي إلى فصيلة أفِرْنيسيچ (رقم AL 882-1) أو لوسي. وقد ناضل دعاة التطور لفترة طويلة ليثبتوا أن لوسي تستطيع المشي منتصبة القامة، ولكن أحدث البحوث أثبتت بكل تأكيد أن هذا الحيوان هو قرد عادي يخطو بانحناء. ;


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    أما المتحجرة رقم (AL 333-105) التي تظهر أسفل الصفحة فتنتمي إلى شاب من هذا النوع، ولهذا السبب لم يتكوَّن أي بروز على جمجمته.

    ويجسد ادعاء المشي بقامة منتصبة -في الواقع- الرأي الذي كان يعتنقه علماء متحجرات أمثال ريتشارد ليكي ودونالد يوهانسون منذ عشرات السنين، غير أن الكثير من العلماء قد قاموا بإجراء قدر كبير من البحوث على التركيب الهيكلي للقردة الجنوبية وأثبتوا بطلان هذه الحجة. وقد أجرى أشهر عالِمَي تشريح على مستوى العالم من إنكلترا والولايات المتحدة، وهما اللورد سولي زوكرمان والبروفسور تشارلز أوكسْنَارد، بحوثاً مكثفة على مختلف عينات القردة الجنوبية التي أظهرت أن هذه المخلوقات لا تمشي على قدمين بل تستخدم نفچ طريقة المشي التي تستخدمها قردة اليوم. وبعد أن درس اللورد زوكرمان عظام هذه المتحجرات لمدة خمسة عشر عاماً بدعم من الحكومة البريطانية، توصل هو وفريقه المكون من خمسة اختصاصيين إلى نتيجة مفادها أن القردة الجنوبية لم تكن سوى نوع من أنواع القردة العادية وأنها -بلا شك- لم تكن تمشي على قدمين، وذلك على الرغم من أن زوكرمان نفسه كان أحد دعاة التطور (62) وعلى نحو مشابه، قام أيضاً تشارلز أوكسنارد، وهو داع آخر من دعاة التطور المشهورين ببحوثهم في هذا الموضوع، بتشبيه الهيكل العظمي للقردة الجنوبية بالهيكل العظمي لغوريلا الأورانغ أوتان الحديث (63) وأخيراً، في سنة ,1994 بدأ فريق من جامعة ليفربول بإنكلترا في إجراء بحوث مكثفة من أجل الوصول إلى نتيجة مؤكدة. وفي النهاية، استنتج الفريق أن: القردة الجنوبية تمشي على أربعة أقدام. (64)

    وباختصار، لا يوجد ما يربط القردة الجنوبية بالبشر، لأنها مجرد نوع منقرض من أنواع القردة.

    الإنسان القادر على استخدام الأدوات:
    القرد الذي تم تقديمه على أنه إنسان

    إن التشابه الكبير بين البنيتين العظمية والجمجمية للقردة الجنوبية والشمبانزي، وكذلك دحچ الادعاء القائل بأن هذه الكائنات كانت تسير منتصبة القامة، قد تسبّبا في ظهور قدر كبير من الصعوبة بالنسبة لعلماء المتحجرات من أنصار التطور. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه، حسب المخطط المتخيل للتطور، يأتي ترتيب الإنسان منتصب القائمة بعد القردة الجنوبية. وكما توحي كلمة إنسان، فإن الإنسان منتصب القامة هو صنف من أصناف البشر لديه هيكل عظمي مستقيم، وتبلغ سعة جمجمته ضعف سعة جمجمة القردة الجنوبية. ويعد التحول المباشر من القردة الجنوبية (التي هي عبارة عن قردة شبيهة بالشمبانزي) إلى الإنسان منتصب القامة الذي لا يختلف عن الإنسان العصري في هيكله العظمي، أمراً محالاً حتى بالنسبة لنظرية التطور. ومن هنا جاءت ضرورة وجود روابط؛ أي أشكال انتقالية. ومن هذه الضرورة، ظهرت فكرة الإنسان القادر على استخدام الأدوات (Homo Habilis).

    وفي الستينيات، قامت أسرة ليكي، المعروفة بأكملها بأنها صائدة للمتحجرات، بتقديم التصنيف الخاص بالإنسان القادر على استخدام الأدوات. ووفقاً لأسرة ليكي، فإن هذا النوع الجديد الذي صنفوه على أنه إنسان قادر على استخدام الأدوات يتميز بجمجمة ذات سعة أكبر نسبياً، وقدرة على المشي بقامة منتصبة واستخدام الأدوات الحجرية والخشبية. ومن ثم يمكن أن يكون هذا النوع سَلَفاً للإنسان.

    غير أن المتحجرات الجديدة التي اكتُشفت من نفس النوع في أواخر الثمانينيات غيرت هذا الرأي تماماً. فقد صرح بعچ الباحثين (أمثال برنارد وود و لورنغ بريس اللذين اعتمدا على هذه المتحجرات المكتشفة حديثاً) بأن الإنسان القادر على استخدام الأدوات، وهو ما يعنيه مصطلح Homo habilis، يجب أن يصنَّف تحت فئة القردة الجنوبية القادرة على استخدام الأدوات، وهو ما يعنيه مصطلح Australopithecus habilis؛ لأن هناك صفات مشتركة كثيرة بين الإنسان القادر على استخدام الأدوات والقردة المسماة بالقردة الجنوبية. إذ يتسم هذا الإنسان -مثله مثل القردة الجنوبية- بأذرع طويلة، وأرجل قصيرة، وهيكل عظمي شبيه بالهيكل العظمي للقردة. كما أن أصابع يديه وأصابع قدميه معدة للتسلق، وتعتبر بنية فكه السفلي مشابهة جدا لتلك الخاصة بقردة اليوم، كما أن متوسط سعة جمجمته البالغ 600 سم3 يعد دليلاً على حقيقة كونه قرداً. وباختصار، يمكن القول بأن الإنسان القادر على استخدام الأدوات، الذي قدمه بعض دعاة التطور بوصفه نوعاً مختلفاً، هو في الواقع نوع من أنواع القردة مثله مثل كافة القردة الجنوبية الأخرى.

    وقد أظهرت البحوث التي أجريت في السنوات الآتية فعلياً أن الإنسان القادر على استخدام الأدوات لا يختلف عن القردة الجنوبية في شئ. وقد بينت جمجمة المتحجرة OH 62 وهيكلها العظمي اللذان عثر عليهما تيم وايت أن هذا النوع يتصف بصغر سعة جمجمته وطول ذراعيه وقصر ساقيه، مما يمكنه من تسلق فروع الأشجار، مثله مثل قردة اليوم تماماً.

    الإنسان القادر على استخدام الأدوات: قرد آخر منقرض

    ادعى دعاة التطور لفترة طويلة أن المخلوقات التي أطلقوا عليها اسم Homo habilis (أي الإنسان القادر على استخدام الأدوات) تستطيع المشي بقامة منتصبة، وكانوا يظنون أنهم وجدوا حلقة تمتد من القرد إلى الإنسان. ومع ذلك، فالمتحجرة التي اكتشفها تيم وايت في عام 1986 وسمّاها OH 62 دحضت هذا الزعم. لقد أظهرت أجزاء هذه المتحجرة أن الإنسان القادر على استخدام الأدوات لديه ذراعان طويلتان ورجلان قصيرتان؛ تماماً مثل القردة المعاصرة. وهكذا، وضعت هذه المتحجرة نهاية للزعم بأن الإنسان القادر على استخدام الأدوات كان يمشي على قدمين منتصب القامة. وفي الحقيقة، لم يكن الإنسان القادر على استخدام الأدوات سوى نوع آخر من أنواع القردة.

    إن المتحجرة OH 7 Homo habilis -الموضَّحة هنا- كانت هي المتحجرة التي عرَّفت على أفضل وجه سمات الفك السفلي لنوع الإنسان القادر على استخدام الأدوات .ويتسم الفك السفلي لهذه المتحجرة بأسنان قاطعة كبيرة، كما تتسم بأنياب صغيرة الحجم، ويتخذ الفك السفلي شكلاً مربعاً. وتجعل كل هذه الصفات هذا الفك يبدو مشابهاً جداً للفك الخاص بقردة اليوم. وبعبارة أخرى، فإن الفك السفلي للإنسان القادر على استخدام الأدوات يؤكد -مرة أخرى- أن هذا الكائن هو قرد بالفعل.



    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    وقد دلت التحاليل التفصيأتية التي أجرتها عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية هولي سميث في سنة 1994 أن ما يسمى الإنسان القادر على استخدام الأدوات لم يكن إنساناً، بل كان قرداً. وفيما يتصل بالتحاليل التي أجرتها على أسنان القردة الجنوبية، والإنسان القادر على استخدام الأدوات، والإنسان منتصب القامة، والإنسان النيانتدرالي، قررت سميث ما يأتي:

    إن التحاليل التي استندت إلى طبيعة وبنية تطور الأسنان أشارت إلى أن الأسترالوبيثاكينيچ وهوموهابيلس ينتميان إلى نفس أنماط القرود الأفريقية، وأما تلك الخاصة بالإنسان منتصب القامة والإنسان النياندرتالي فقد أشارت إلى أنهما يملكان نفچ البنية العائدة للإنسان المعاصر. (65) وفي نفچ السنة، توصل فرد سبور وبرنارد وود وفرانز زونفيلد (وجميعهم من اختصاصيي التشريح) إلى نفس النتيجة ولكن باستخدام طريقة مختلفة تماماً. وتعتمد هذه الطريقة على التحليل المقارن للقنوات شبه الدائرية الموجودة في الأذن الداخلية للإنسان والقرد والمسؤولة عن الحفاظ على التوازن. وقد اختلفت قنوات الإنسان الذي يمشي منتصب القامة اختلافاً كبيراً عن تلك الخاصة بالقرد الذي يمشي منحنياً إلى الأمام. وفضلاً عن ذلك، جاءت نتائج تحليل قنوات الأذن الداخلية لكل القردة الجنوبية، وكذلك عينات الإنسان القادر على استخدام الأدوات التي حللها كل من سبور ووود وزونفيلد، جاءت كلها مماثلة لقنوات القردة العصرية. أما فيما يتعلق بنتائج تحليل قنوات الأذن الداخلية للإنسان منتصب القامة، فقد أثبت التحليل أنها مماثلة لقنوات إنسان اليوم. (66)

    وقد أفرز هذا الاستنتاج نتيجتين هامتين هما:

    1 أن المتحجرات المشار إليها باسم الإنسان القادر على استخدام الأدوات لم تكن تنتمي في الواقع إلى طائفة الإنسان، بل كانت تنتمي إلى طائفة القردة الجنوبية.

    2 أن الإنسان القادر على استخدام الأدوات والقردة الجنوبية كانا جميعاً من الكائنات الحية التي تتميز بمشية منحية، وبالآتي بهيكل عظمي مماثل لهيكل القردة وليست لها أية علاقة من أي نوع كان بالإنسان.

    إنسان رودولف: الوجه الملصق خطأ

    إن مصطلح إنسان رودولف (Homo Rudolfensis) هو الاسم الذي أُطلق على بضعة أجزاء تخچ متحجرة تم اكتشافها سنة .1972 وقد أطلق نفچ الاسم على الطائفة التي من المفتر? أن تمثلها هذه المتحجرة، وذلك بسبب العثور على أجزاء المتحجرة على مقربة من نهر رودولف في كينيا. ويقر معظم علماء المتحجرات بأن هذه المتحجرات لا تنتمي إلى نوع مميز، بل إن الكائن الحي المسمى بإنسان رودولف هو في الواقع إنسان قادر على استخدام الأدوات.

    وقد قام ريتشارد ليكي، الذي اكتشف المتحجرات، بتقديم الجمجمة (التي أطلق عليها اسم KNM-ER 1470 وقال إن عمرها يبلغ 2,8 مليون سنة) على أنها أعظم اكتشاف في تاريخ الأنثروبولوجيا وعلى أن لها آثاراً كاسحة. ووفقاً لليكي، فإن هذا الكائن، الذي كانت سعة جمجمته صغيرة مثل القرد الجنوبي ومع ذلك كان وجهه مثل وجه الإنسان، هو الحلقة المفقودة بين القرد الجنوبي والإنسان. ولكن، بعد فترة قصيرة، اتضح أن وجه الجمجمة KNM-ER 1470 الشبيه بوجه الإنسان والذي كثيراً ما ظهر على أغلفة المجلات العلمية جاء نتيجة لصق معيب لأجزاء الجمجمة، الأمر الذي من الممكن أن يكون قد حدث عن عمد. وقد أوجز البروفسور تيم بروماج، الذي أجرى دراسات حول تشريح وجه الإنسان، هذه الحقيقة التي كشفها بمساعدة المحاكاة الحاسوبية سنة ,1992 بقوله:

    عندما أُعيدَ بناء الجمجمة «KNM-ER 1470» لأول مرة تم تركيب الوجه على الجمجمة في وضع يكاد يكون عمودياً وأشبه ما يكون بالوجوه المسطحة للإنسان العصري، ولكن الدراسات الأخيرة للعلاقات التشريحية أظهرت أن في الحياة الفعلية لا بد أن يبرز الوجه بشكل ملحوظ مكوِّناً ملامح تشبه ملامح القرد، بل تشبه بالأحرى وجوه القردة الجنوبية (67)

    وكتب في هذا الموضوع عالم المتحجرات التطوري كرونين ما يأتي:

    (لقد لوحظ في وجه هذه الجمجمة- الذي تم بناؤه أي أعيد تركيبه بشكل تقريبي - صغر حجم القحف،وكبر الأنياب وغيرها من الصفات التي أشارت إلى أن المتحجرة رقم KNM-ER 1470 تشارك القردة الجنوبية هذه الصفات البدائية. كما أن متحجرة KNM-ER 0741 تحمل - مثلها مثل النماذج الأخرى المبكرة للإنسان - صفاتا مشتركة مع القردة الجنوبية ذات البنية الصغيرة. ولا توجد هذه الصفات في النماذج الإنسانية المتأخرة اي في الإنسان المنتصب)(68)

    وقد توصل لورنج براپ من جامعة ميشيجان إلى نفچ الاستنتاج بعد التحاليل التي أجراها على تركيب فك الجمجمة KNM-ER 1470 وأضراسها، وقال إن كبر حجم الفك وسعة الجزء الذي تشغله الأضراپ أوضح أن لهذه الجمجمة نفچ وجه القرد الجنوبي وأسنانه بالضبط. (69) أما البروفسور ألان والكر، عالم المتحجرات من جامعة جون هوبكنز، الذي قام بإجراء دراسات على هذه الجمجمة بنفچ القدر الذي أجراه ليكي، فقد دافع قائلاً إن هذا الكائن الحي يجب ألا يصنف تحت فئة الأنواع البشرية مثل الإنسان القادر على استخدام الأدوات وإنسان رودولف، بل على العكچ يجب أن يضم إلى الفئة الخاصة بأنواع القرد الجنوبي. (70)

    وإيجازاً لما سبق: تُعتبر تصنيفات مثل تصنيفات الإنسان القادر على استخدام الأدوات أو إنسان رودولف، التي تم تقديمها بوصفها حلقات انتقالية بين القردة الجنوبية والإنسان منتصب القامة، ضرباً من ضروب الخيال. وكما أكد العديد من الباحثين اليوم، فإن هذه الكائنات الحية تعد أفراداً في سلسلة القرد الجنوبي؛ إذ أن كل خواصها التشريحية تكشف أن كلاً منها يمثل نوعاً من أنواع القردة. وتلي هذه الكائنات، التي يُعتبر كل واحد منها نوعاً من أنواع القردة، المتحجرات البشرية.

    الإنسان منتصب القامة وما بعده: البشر

    وحسبما ورد في المخطط العجيب لدعاة التطور، ينقسم التطور الداخلي لأنواع الإنسان إلى الأقسام الآتية: أولاً، الإنسان منتصب القامة، ثم الإنسان العاقل القديم والإنسان النياندرتالي، يأتيه الإنسان الكرومانيوني (Cro-Magnon)، وأخيرا الإنسان العصري ومع ذلك، فإن كل هذه التصنيفات ما هي -في الواقع- سوى أجناپ بشرية أصلية، ولا يزيد الاختلاف بينها عن الاختلاف بين شخچ من الأسكيمو وشخچ أسود أو بين غجري وأوروبي.

    فلندرپ أولاً الإنسان منتصب القامة، الذي يشار إليه بوصفه أكثر أنواع البشر بدائية. فكما توحي كلمة منتصب (erect)، فإن مصطلح Homo erectus يعني الإنسان الذي يمشي منتصب القامة. وقد اضطر دعاة التطور إلى تمييز هذا الإنسان عن سابقيه بإضافة صفة الانتصاب؛ ذلك أن كل المتحجرات المتاحة للإنسان منتصب القامة تتسم باستقامة الظهر بدرجة لم تُلحَظ في أية عينة من عينات القردة الجنوبية أو الإنسان القادر على استخدام الأدوات. ولا يوجد أي فرق بين الهيكل العظمي للإنسان العصري وما يسمى الإنسان منتصب القامة. ويتمثل السبب الرئيسي الذي دفع دعاة التطور إلى تعريف الإنسان منتصب القامة على أنه بدائي في سعة جمجمته (900 - 1100 سم3)، التي تعتبر أصغر من متوسط السعة لدى الإنسان العصري، وكذلك في نتوءات حواجبه الكثيفة. ومع ذلك، فإن كثيراً من الأشخاص الذين يعيشون في العالم اليوم لديهم نفس السعة الجمجمية للإنسان منتصب القامة (مثل الأقزام على سبيل المثال، وهناك أجناپ أخرى تتسم أيضاً بنتوء الحواجب مثل سكان أستراليا الأصليين على سبيل المثال.

    ومن الحقائق المتفق عليها عادة أن الاختلافات في سعة الجمجمة لا تنم -بالضرورة- عن وجود اختلافات في الذكاء أو القدرات؛ ذلك أن الذكاء يعتمد على التنظيم الداخلي للمخ أكثر منه على حجمه. (71)

    الإنسان منتصب القامة: جنس بشري قديم


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تعني عبارة Homo erectus الإنسان منتصب القامة. وتنتمي جميع المتحجرات المتضمنة في هذا النوع إلى أنواع بشرية معينة. ونظراً لأن معظم متحجرات الإنسان منتصب القامة لا تجمع بينها صفة مشتركة، يكون من الصعب جداً أن يتم تعريف هؤلاء البشر وفقاً لجماجمهم، وهذا هو السبب الذي جعل باحثين مختلفين من دعاة التطور يضعون تصنيفات وتعيينات متنوعة. وتظهر أعلى الصفحة في الجهة اليمنى جمجمة وجدت في كوبي فورا بأفريقيا في عام 1975 ويمكن أن تقدم تعريفاً عاماً للإنسان منتصب القامة، كما تظهر في الجهة اليسرى الجمجمة 733KNM-ER 3 التي ما زال الغمو? يحيط بها. إن السعة الجمجمية لجميع متحجرات الإنسان منتصب القامة المتباينة هذه تتراوح بين 900 و1100 سم،3 وتقع هذه الأرقام ضمن حدود سعة الجماجم البشرية المعاصرة. قد تكون الجمجمة 15000 KNM-WT (أو جمجمة طفل توركانا) التي تظهر على الجانب أقدم حفرية بشرية على الأرجح بل وأكمل حفرية بشرية تم العثور عليها حتى الآن. ويتضح من البحوث التي أجريت على هذه المتحجرة التي يقال إن عمرها يبلغ 1,6مليون سنة أنها تنتمي إلى طفل عمره 12 سنة كان طوله سيبلغ 180 سم إذا بلغ مرحلة المراهقة. وهذه المتحجرة، التي تماثل الجنچ النياندرتالي، تشكل أحد أعظم الأدلة روعةً التي تبطل قصة التطور البشري. ويصف العالم التطوري دونالد جونسون هذه المتحجرة كالتالي: كان طويلاً ونحيفاً. كان شكل جسده والتناسب بين أطرافه مثل الأفارقة الحاليين الذين يعيشون عند خط الاستواء، كما أن حجم أطرافه كان متوافقاً كلياً مع حجم أطراف البالغين الحاليين من البيض الذين يعيشون في أميركا الشمالية.



    وتتجسد المتحجرات التي عرّفت العالم بالإنسان منتصب القامة في متحجرتَي إنسان بكين وإنسان جاوة المكتشفتَين في آسيا. ولكن اتضح بمرور الوقت أن هاتين المتحجرتين لا يمكن الاعتماد عليهما؛ لأن إنسان بكين ليس سوى بعض عناصر من الجبس فقدت أصولها، في حين أن إنسان جاوة كان مركَّباً من جزء من جمجمةٍ أضيف إليه عظمة حوض تم العثور عليها على بعد أمتار من الجمجمة دون وجود أية دلائل على أن هاتين القطعتين تنتميان إلى نفچ الكائن الحي. لهذا السبب، حظيت متحجرات الإنسان منتصب القامة التي عثر عليها في أفريقيا بأهمية متزايدة. ولعل أشهر العينات المكتشفة في أفريقيا للإنسان منتصب القامة هي متحجرة

    Narikotome homo erectus أو غلام توركانا (Turkana Boy) التي عُثر عليها قرب بحيرة توركانا في كينيا. وقد تم التأكيد على أن المتحجرة لغلام في الثانية عشر من عمره كان سيصل طوله في سن المراهقة إلى نحو 183 سم. ولم يكن التركيب العمودي الخا? بالهيكل العظمي للمتحجرة يختلف عن مثيله في الإنسان العصري. وفي هذا الصدد قال عالم المتحجرات الأمريكي ألان والكر إنه يشك في قدرة أي عالم بالانتولوجي على التمييز بين الهيكل العظمي لهذه المتحجرة وبين الهيكل العظمي للإنسان العصري (72) وبالنسة للجمجمة قال والكر: إنها أشبه ما تكون بجمجمة الإنسان النياندرتالي (73) وكما سنرى في الفصل الآتي، يعد الإنسان النياندرتالي أحد أجناپ الإنسان العصري. وحتى ريتشارد ليكي، الذي يعتبر أحد دعاة التطور، أدلى بتصريح مفاده أن الاختلافات الموجودة بين الإنسان منتصب القامة وبين الإنسان العصري ليست أكثر من مجرد تنوعات بين الأجناس:

    سيرى المرء أيضاً اختلافات في شكل الجمجمة ودرجة بروز الوجه وغلظة الحواجب، وغير ذلك. ولكن هذه الاختلافات ليست أكثر وضوحاً على الأرجح من الاختلافات التي نراها اليوم بين الأجناپ الجغرافية المنفصلة للإنسان العصري. ويظهر هذا التنوع البيولوجي عندما تنفصل الجماعات جغرافياً عن بعضها البعض لفترات طويلة جداً من الزمن.

    بحارة قبل 700 ألف سنة


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    كان البشر القدامى أذكى مما توقعنا بكثير... تبلغنا الأخبار التي نشرت في مجلة العالم الجديد الصادرة في 14 مارپ 1998 أن البشر -الذين يطلق عليهم دعاة التطور اسم الإنسان منتصب القامة- كانوا يمارسون فن الملاحة منذ 700 ألف سنة. وهؤلاء البشر، الذين توفرت لديهم معلومات وتكنولوجيا كافية مكنتهم من بناء سفينة واكتساب ثقافة استفادت من النقل البحري،لا يمكن أن نعدهم بدائيين.

    وقد أجرى البروفسور ويأتيام لاولن من جامعة كونكتكت دراسات تشريحية مكثفة على شعوب الأسكيمو وسكان جزر أليوت ولاحظ وجود تشابه غير عادي بين هؤلاء الناپ والإنسان منتصب القامة. وتجسد الاستنتاج الذي توصل إليه لاولن في أن كل هذه الأجناپ المميزة هي -في الواقع- أجناس مختلفة من الإنسان العاقل أي الإنسان العصري:

    عندما نتأمل الاختلافات الشاسعة الموجودة بين المجموعات المنعزلة أمثال الأسكيمو والبوشمان، التي من المعروف أنها تنتمي إلى نوع الإنسان العاقل، يبدو من المبرَّر أن يستنتج المرء أن هذه العينات المكتشَفة من الإنسان المنتصب - المعروف بتنوعه - تنتمي إلى نفس نوع هومو سابينچ أي الإنسان العصري. (75)

    ومن ناحية أخرى، توجد فجوة هائلة بين الإنسان منتصب القامة- أي الجنس البشري -في سيناريو التطور الموضوع وبين أنواع القردة في هذا السيناريو وهي : القردة الجنوبية والإنسان القادر على استخدام الأدوات وإنسان رودولف). ويعني هذا أن البشر الأوائل قد ظهروا في سجل المتحجرات فجأة وعلى الفور دون أي تاريخ تطوري، ولا يمكن أن توجد دلالة أوضح من ذلك على أنهم قد خُلقوا.

    ولكن الاعتراف بهذه الحقيقة يتعارض تماماً مع الفلسفة والأيدلوجية المتعنتة لدعاة التطور. ونتيجة لذلك، يحاول هؤلاء الدعاة أن يصوروا الإنسان منتصب القامة، وهو جنس بشري بحق، على أنه كائن نصفه قرد. لذلك نجد أنهم عندما يعيدون بناء الإنسان منتصب القامة يتشبثون برسمه بملامح القرود. ومن ناحية أخرى، وباستخدام نفچ طرق الرسم، يضفون الصبغة البشرية على قرَدة أمثال القرد الجنوبي وما يسمونه الإنسان القادر على استخدام الأدوات. وبهذه الطريقة، يسعون إلى تقريب القردة إلى البشر وإغلاق الفجوة الكبيرة بين هاتين الطائفتين المتميزتين من الأحياء.

    النياندرتاليون

    النياندرتاليون (Neanderthals) هم عبارة عن مجموعة من البشر ظهرت فجأة قبل مئة ألف سنة في أوروبا واختفت (أو تم استيعابها في أجناپ أخرى عن طريق الامتزاج) بهدوء ولكن بسرعة منذ 35 ألف سنة. وكان الفرق الوحيد بينهم وبين الإنسان العصري هو أن هيكلهم العظمي أقوى وسعة جمجمتهم أكبر قليلاً.

    ويُعدّ النياندرتاليون جنساً بشرياً، ويكاد الجميع يعترف بهذه الحقيقة اليوم. وقد حاول دعاة التطور بشدة أن يقدموهم على أنهم نوع بدائي، ولكن كل الاكتشافات تدل على أنهم لا يختلفون عن أي إنسان قوي يمشي في الشارع اليوم. وقد كتب أحد العلماء الثقات المشهورين في هذا الموضوع (وهو إريك تراينكاوپ، عالم المتحجرات من جامعة نيومكسيكو) ما يأتي:

    لقد أظهرت المقارنات التفصيأتية بين بقايا الهيكل العظمي للإنسان النياندرتالي وبقايا الهيكل العظمي للإنسان العصري عدم وجود أي شيء في تشريح الإنسان النياندرتالي يدلل بشكل قاطع على أن قدراته الحركية أو اليدوية أو الفكرية أو اللغوية أقل من نظيراتها في الإنسان العصري. (76) ولهذا السبب يعمد العديد من الباحثين المعاصرين إلى تعريف الإنسان النياندرتالي بوصفه نوعاً فرعياً من أنواع الإنسان العصري ويطلقون عليه اسم الجنچ النياندرتالي للإنسان العاقل (Homo sapiens neandertalensis). وتثبت الاكتشافات العلمية أن النياندرتاليين كانوا يدفنون موتاهم، ويصنعون الآلات الموسيقية، وتجمعهم قرابات ثقافية مع الإنسان العصري الذي كان يعيچ في نفچ الفترة الزمنية. وعلى نحو دقيق: يعتبر النياندرتاليون جنساً بشرياً قوياً انقر? فقط بمرور الزمن.

    الإنسان العاقل القديم، والهومو هيلدربرجنسيس، والإنسان الكرومانيوني

    يُعد الإنسان العاقل القديم (Homo Sapiens Archaic) آخر خطوة قبل الإنسان العصري في المخطط التخيأتي للتطور. وفي الواقع، لا يملك دعاة التطور الكثير ليقولوه عن هؤلاء البشر، إذ لا توجد سوى اختلافات بسيطة جداً بينهم وبين الإنسان العصري. بل يذهب بعض الباحثين إلى القول بأن ممثلي هذا الجنس ما زالوا أحياء حتى اليوم، ويشيرون إلى السكان الأصليين في أستراليا كمثال. ويتسم السكان الأصليون هناك أيضاً، مثلهم مثل الإنسان العاقل، بحواجب بارزة كثيفة وفك سفلي مائل إلى الأمام وجمجمة سعتها أصغر قليلاً. وفضلاً عن ذلك، حدثت اكتشافات مهمة تلمح إلى أن مثل هؤلاء البشر قد عاشوا في المجر وفي بعض قرى إيطاليا قبل فترة ليست بعيدة.

    أما فيما يتصل بمجموعة البشر المعروفة في أدب التطور باسم هومو هيلدربرجنسيچ (Homo Heilderbergensis)، فإنها تعد من نفس مجموعة الإنسان العاقل القديم. ويرجع السبب في استخدام مصطلحَين مختلفين لتعريف الجنس البشري ذاته إلى اختلاف المفاهيم لدى دعاة التطور. وتشير كل المتحجرات المتضمَّنة تحت تصنيف الهومو هيلدربرجنسيس إلى أنهم أشخاص يشبهون الأوروبيين العصريين شبهاً كبيراً من الناحية التشريحية، وقد عاشوا في إنكلترا أولاً ثم في إسبانيا قبل خمسمئة ألف إلى سبعمئة ألف سنة.

    وتشير التقديرات إلى أن الإنسان الكرومانيوني (Cro-Magnon) قد عاپ قبل ثلاثين ألف سنة، وكان يتميز بجمجمة على شكل قبة وجبين عريض. وكانت سعة جمجمته البالغة 1600 سم3 تفوق متوسط سعة جمجمة الإنسان العصري وتبرز منها حواجب كثيفة، كما كان يتسم بنتوء عظمي في الظهر يعد أحد السمات المميزة لكل من الإنسان النياندرتالي والإنسان منتصب القامة.


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    تظهر في الجزء العلوي جمجمة شخص من الجنچ النياندرتالي (سُمّي أمود 1) عُثر عليها في فلسطين. ويُعرف عن الإنسان النياندرتالي عموماً أنه قوي ولكنه قصير. ومع ذلك، يقدر طول صاحب هذه المتحجرة بنحو 180 سم. وتعتبر سعة جمجمته أكبر سعة ظهرت حتى الآن: 1740 سم.3 ولكل هذه الأسباب، تحتل هذه المتحجرة مكانة مهمة ضمن الدلائل التي تقضي تماماً على الادعاءات القائلة بأن النياندرتاليين كانوا نوعاً بدائياً.


    وعلى الرغم من أن الإنسان الكرومانيوني يُعتبر جنساً أوروبياً، إلا أن بنية جمجمته وحجمها يشبهان -بدرجة كبيرة- بعچ الأجناپ التي تعيچ في أفريقيا والمناطق الاستوائية اليوم. واستناداً إلى هذا الشبه، يرى البعچ أن الإنسان الكرومانيوني كان أحد الأجناپ الأفريقية القديمة. وقد بينت بعض الاكتشافات الباليوأنثروبولوجية الأخرى أن الأجناپ الكرومانونية والنياندرتالية قد امتزجت مع بعضها البعض ووضعت الأسس للأجناپ التي نراها اليوم. وبالإضافة إلى هذا، فمن المقبول في أيامنا الحالية أن ممثلي الجنس الكرومانيوني ما زالوا يعيشون في مناطق مختلفة من قارة أفريقيا وفي إقليمي سالوت ودوردوين في فرنسا، وقد لوحظ أيضاً وجود أناپ يتصفون بصفات مشابهة يعيشون في بولندا والمجر.

    أنواع تعيچ في نفچ العصر مع أسلافها!!

    يشكل كل ما درسناه حتى الآن صورة واضحة لنا، ألا وهي: إن سيناريو تطور الإنسان هو خيال في خيال. ذلك أنه لكي توجَد شجرة عائلة كهذه، يجب أن يكون تطور تدريجي قد حدث من القرد إلى الإنسان، كما يجب أن يكون سجل المتحجرات الخاص بهذا التطور قد تم اكتشافه. ومع ذلك، توجد فجوة هائلة بين القِرَدة والبشر؛ إذ يُعدّ بناء الهيكل العظمي، وسعة الجمجمة، ومعايير أخرى مثل المشي بقامة منتصبة أو بانحناء حاد إلى الأمام، من العلامات المميزة الفارقة بين البشر والقردة (وقد أشرنا إلى البحث الحديث الذي أجري في سنة 1994 حول قنوات التوازن في الأذن الداخلية، حين تم تصنيف القرد الجنوبي والإنسان القادر على استخدام الأدوات ضمن فئة القردة، بينما صُنّف الإنسان منتصب القامة ضمن فئة البشر).

    وهناك اكتشاف مهم آخر يؤكد عدم إمكانية وجود شجرة عائلة بين هذه الأنواع المختلفة، ويتمثل هذا الاكتشاف في أن الأنواع التي تم تقديمها على أنها أسلاف لبعضها البعض قد عاشت -في الواقع- مع بعضها البعض في نفس العصر. فإذا كان القرد الجنوبي قد تحول -حسبما يدعي دعاة التطور- إلى إنسان قادر على استخدام الأشياء، وإذا كان هذا الا نسان قد تحول، بدوره، إلى إنسان منتصب القامة، فيُفترض -بالضرورة- أن تكون هذه الكائنات قد عاشت في عصور متعاقبة. ومع ذلك، لا يوجد مثل هذا الترتيب الزمني.

    وحسب تقديرات دعاة التطور، فقد عاشت القردة الجنوبية منذ أربعة ملايين سنة حتى مليون سنة مضت. ومن ناحية أخرى، يُعتقد أن الكائنات الحية التي تصنف على أنها إنسان قادر على استخدام الأدوات قد عاشت حتى 1,7إلى 1,9 مليون سنة مضت. أما فيما يتصل بإنسان رودلف، الذي يقال إنه أكثر تطوراً من الإنسان القادر على استخدام الأدوات، فمن المعروف أن عمره يتراوح بين 2,5و 2,8 مليون سنة! أي أن إنسان رودلف أكبر بما يقرب من مليون سنة من الإنسان القادر على استخدام الأدوات الذي يُفترض أن يكون سَلَفاً له! ومن ناحية أخرى، يرجع عمر الإنسان منتصب القامة إلى نحو 1,6مليون سنة؛ مما يعني أن عينات الإنسان منتصب القامة قد ظهرت على الأرض في نفس الإطار الزمني لسلفها المزعوم، أي الإنسان القادر على استخدام الأدوات

    ويؤكد آلان والكر على هذه الحقيقة قائلا: توجد أدلة من شرقي أفريقيا على أن أفراداً قليأتين من فئة القردة الجنوبية قد كُتب لهم البقاء حتى فترة متأخرة كانت تعاصر أولاً الإنسان القادر على استخدام الأدوات، ثم الإنسان منتصب القامة (77) وقد عثر لويچ ليكي على متحجرات لكل من القرد الجنوبي والإنسان القادر على استخدام الأدوات والإنسان منتصب القامة تكاد تكون مجاورة لبعضها في إقليم أولدوفاي جورج في الطبقة الثانية من طبقات الأرض. (78)

    ومن المؤكد أنه لا وجود لشجرة عائلة من هذا النوع. ويفسر عالم المتحجرات من جامعة هارفرد، ستيفن جاي غولد، هذا المأزق الذي يواجه نظرية التطور -على الرغم من كونه هو نفسه من دعاة التطور- بقوله:

    ماذا حل بسلّمنا في التطور إذا كانت هناك ثلاث سلالات من الكائنات الشبيهة بالإنسان -القردة الجنوبية الإفريقية والقردة الجنوبية القوية والإنسان القادر على استخدام الأدوات- تعيچ معاً في نفس الفترة الزمنية، ومن الواضح أن أياً منها لم ينحدر من الآخر؟ وفوق ذلك، لا تبدي أية سلالة من السلالات الثلاث أية ميول تطورية أثناء فترة بقائها على الأرض!(79)

    وعندما ننتقل من الإنسان منتصب القامة إلى الإنسان العاقل، نرى -ثانيةً- أنه لا توجد أية شجرة عائلة يمكن أن نتحدث عنها. فهناك أدلة تبين أن الإنسان منتصب القامة والإنسان العاقل القديم قد ظلا على قيد الحياة حتى قبل 27 ألف سنة، بل حتى عشرة آلاف سنة من زمننا الحالي. ففي مستنقع كاو بأستراليا تم العثور على جماجم لأناپ منتصبي القامة يبلغ عمرها نحو 13 ألف سنة تقريباً، أما في جزيرة جاوة فقد عُثر على جمجمة إنسان منتصب القامة عمرها 27 ألف سنة. (80)

    التاريخ السري للإنسان العاقل

    إن أكثر حقيقة مدهشة ومهمة تقوم بإبطال الأساپ الذي تقوم عليه شجرة العائلة المتخيلة في نظرية التطور هي تاريخ الإنسان العصري الموغل في القدم بشكل غير متوقع. ذلك أن البيانات الباليوأنثروبولوجية تكشف أن الأشخاص المنتمين إلى نوع الإنسان العاقل، الذين كانوا يشبهوننا تماما، قد عاشوا حتى تاريخ يمتد إلى ما يقرب من مليون سنة ماضية.

    وجدير بالذكر أن لويچ ليكي، عالم الباليوأنثروبولجيا الشهير التطوري، هو الذي توصل إلى أول الاكتشافات حول هذا الموضوع. فقد عثر ليكي في سنة 1932 في إقليم كانجيرا حول بحيرة فكتوريا بكينيا على بضع متحجرات تعود إلى العصر البلستوسيني الأوسط لم تكن تختلف عن الإنسان العصري في شئ. ولكن العصر البلستوسيني الأوسط يعني مليون سنة مضت (81). وبما أن هذه الاكتشافات قد قلبت شجرة العائلة التطورية رأساً على عقب، فقد رفضها بعض علماء الباليوأنثروبولجيا من أنصار التطور. ومع ذلك، ظل ليكي يؤكد دائماً أن تقديراته كانت صحيحة.



    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    قامت واحدة من أكثر الدوريات شعبية في مجال أدبيات التطور، مجلة Discover، بوضع وجه الإنسان البالغ من العمر 800 ألف سنة على غلافها مصحوباً بسؤال دعاة التطور: هل كان هذا وجهنا في الماضي؟.

    وعندما كان هذا الجدل على وشك أن يأخذ طريقه إلى النسيان، أد ت متحجرة عُثر عليها في أسبانيا سنة 1995 إلى الكشف بطريقة رائعة عن أن تاريخ الإنسان العاقل أقدم بكثير مما كان مفترضاً. وقد عُثر على المتحجرة محل النقاپ في كهف يعرف باسم غْرانْ دولينا في منطقة أتابوركا في إسبانيا بواسطة ثلاثة من علماء الباليوأنثروبولجيا الإسبان من جامعة مدريد. وكانت المتحجرة لوجه غلام في الحادية عشرة من عمره يشبه الإنسان العصري تماماً، ولكن ثمانمئة ألف سنة قد انقضت على موت الطفل. وقد غطت القصةَ مجلةُ Discover، في عددها الصادر في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1997 بقدر كبير من التفصيل.

    لقد زعزعت هذه المتحجرة معتقدات فيرارپ الذي قاد البعثة الاستكشافية لكهف غران دولينا. فقد قال فيرارس:

    لقد توقعنا أن نجد شيئاً كبيراً، شيئاً ضخماً منتفخاً... كما تعلم، شيئا بدائياً لقد توقعنا أن يكون غلام عمره ثمانمئة ألف سنة مشابهاً لطفل توركانا، ولكن ما عثرنا عليه كان وجهاً معاصراً تماماً. بالنسبة لي كان الأمر مثيراً... لقد كان العثور على شئ غير متوقع أبداً كهذا من نوعية المواقف التي تهز كيانك؛ فعدم العثور على متحجرات أمر غير متوقع مثلما يُعتبر العثور عليها أمراً غير متوقع أيضاً، ولكن لا بأپ في ذلك. غير أن أروع ما في الأمر أن ما كنت تعتقد أنه ينتمي إلى الحاضر اتضح أنه ينتمي إلى الماضي. إن الأمر يشبه العثور على شئ مثل... مثل جهاز تسجيل في كهف غران دولينا. سيكون هذا أمرا مدهشاً جداً؛ فنحن لا نتوقع العثور على أشرطة كاسيت وأجهزة تسجيل في العصر البلستوسيني الأسبق. ويعتبر العثور على وجه معاصر أمراً مماثلاً. لذلك فقد دُهشنا جداً عندما رأينا هذا الوجه.(82)

    لقد أكدت المتحجرة على أن تاريخ الإنسان العاقل يجب أن يعود إلى ثمانمئة ألف سنة مضت. وبعد أن أفاق علماء التطور الذين اكتشفوا المتحجرة من الصدمة الأولى، قرروا أن المتحجرة تنتمي إلى نوع مختلف، لأنه -وفقاً لما ورد في شجرة العائلة التطورية- ليچ من المفترَ? أن يكون الإنسان العاقل قد عاپ قبل ثمانمئة ألف سنة. ولهذا السبب اختلقوا نوعاً خيالياً أطلقوا عليه اسم الإنسان السَّلَف (Homo antecessor) وضموا جمجمة أتابوركا إلى هذا التصنيف.

    كوخ عمره 1,7 مليون سنة

    هناك الكثير من الاكتشافات التي تثبت وجود الإنسان العاقل حتى قبل 800 ألف سنة. وتتمثل إحدى هذه الاكتشافات ي اكتشاف لويچ ليكي الذي عثر عليه في أوائل السبعينيات في منطقة أولدوفي جورج. ففي هذه المنطقة، وبالتحديد في الطبقة الثانية من طبقات الأرض (Bed II) اكتشف ليكي أن أنواع القرد الجنوبي والإنسان القادر على استخدام الأدوات والإنسان منتصب القامة كانت تعيش معاً في نفس الفترة الزمنية. ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو البناء الذي عثر عليه ليكي في الطبقة نفسها (الطبقة الثانية). ففي هذه الطبقة، عثر ليكي على بقايا كوخ حجري. ويتمثل الجانب غير العادي في هذا الحدث في أن هذا البناء، الذي لا يزال يستخدم في بعض أجزاء من أفريقيا، ما كان يمكن لأحد أن يقوم ببنائه غير الإنسان العاقل! ومن ثم، ووفقاً لما توصل إليه ليكي، فلا بد أن يكون القرد الجنوبي، والإنسان القادر على استخدام الأدوات، والإنسان منتصب القامة، والإنسان العصري، قد عاشوا معاً قبل نحو 1,7 مليون سنة تقريباً. (83)

    ولا يوجد شك في أن هذا الاكتشاف لا بد أن يبطل نظرية التطور التي تدّعي أن الإنسان العصري قد تطور من أنواع شبيهة بالقردة مثل القرد الجنوبي.



    سببت اكتشافات كوخ عمره 1,7مليون سنة صدمة للمجتمع العلمي. لقد كان يشبه الأكواخ التي يستخدمها بعض الأفارقة اليوم.

    آثار أقدام إنسان عصري عمرها 3,6مليون سنة!

    تُرجع بعض الاكتشافات الأخرى -بالفعل- أصول الإنسان العصري إلى ما قبل 1,7 مليون سنة. ومن أهم هذه الاكتشافات آثار الأقدام التي عثرت عليها ماري ليكي سنة 1977 في منطقة لاتولي في تنزانيا. لقد عثرت ماري على الآثار في إحدى طبقات الأرض التي قُدِّر عمرها بنحو 3,6مليون سنة، والأهم من ذلك أن هذه الآثار لم تكن تختلف عن آثار الأقدام التي يخلّفها الإنسان العصري.

    وقد درپ آثارَ الأقدام التي عثرت عليها ماري ليكي -فيما بعد- عددٌ من علماء الباليوأنثروبولجيا المشهورين من أمثال دون يوهانسون وتيم وايت، وجاءت النتائج مماثلة. وقد كتب وايت ما يأتي:

    لا يوجد أدنى شك في أن هذه الآثار تشبه آثار أقدام الإنسان العصري؛ ولو أنها تُركت على رمال أحد شواطئ كاليفورنيا


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    آثار أقدام لاتولي كانت تنتمي إلى بشر معاصرين، ومع ذلك كان عمرها ملايين السنين.

    وسئل طفل في الرابعة من عمره عن ماهيتها فسيجيب في الحال أن شخصاً ما مشى هناك، ولن يستطيع التمييز بينها وبين المئات من الآثار الأخرى المطبوعة على الشاطئ، ولن تستطيع أنت كذلك! (84)

    وبعد أن فحص لويس روبنز (من جامعة شمالي كاليفورنيا) آثار الأقدام أدلى بالتعليق الآتي:

    إن قوس القدم مرتفع، ومن الواضح أن أصغر شخص في هذا النوع يتمتع بقوس أعلى من قوس قدمي، كما أن إصبع القدم الكبير ضخمٌ ومحاذٍ للإصبع الثاني... وتقبس أصابع القدم على الأرض مثلما تقبس عليها أصابع الإنسان. وأنت لا ترى هذا في أشكال الحيوانات الأخرى. (85)
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  13. افتراضي

    وقد أظهرت الدراسات التي أُجريت على البنية الشكلية لآثار الأقدام مراراً وتكراراً أنها كان يجب أن تُقبل بوصفها آثار أقدام إنسان، بل أكثر من ذلك، آثار أقدام إنسان عصري (إنسان عاقل). وقد كتب راسل تاتل الذي فحص الآثار قائلاً:

    تعود هذه الآثار لأقدام إنسان عاقل(هوموسايبينچ)... ومن بين كل السمات الشكلية القابلة للتمييز لا يمكن التمييز بين أقدام الأفراد الذين خلفوا هذه الآثار وبين أقدام الإنسان العصري.

    وقد كشفت الدراسات المحايدة التي أجريت على آثار الأقدام عن أصحابها الحقيقيين. فآثار الأقدام هذه قد تكونت -بالفعل- من عشرين أثراً متحجراً لإنسان عصري في العاشرة من عمره وسبعة وعشرين أثراً لإنسان أصغر عمراً. لقد كانوا بالتأكيد أناساً عاديين مثلنا.

    لقد جعل هذا الموقف آثار أقدام لاتولي مركزاً للمناقشات لسنين، وقام علماء الباليوأنثروبولجيا من أنصار نظرية التطور بمحاولات يائسة لإيجاد تفسير للموقف لأنه كان من الصعب عليهم أن يقبلوا حقيقة أن إنساناً عصرياً كان يمشي على ظهر الأر? قبل 3,6مليون سنة. وخلال فترة التسعينيات، بدأ هذا التفسير يتبلور؛ إذ قرر دعاة التطور أن آثار الأقدام هذه كان يجب أن تكون من مخلفات القرد الجنوبي، فحسبما ورد في نظريتهم: يستحيل أن يوجد إنسان عاقل قبل 3,6مليون سنة. وكتب راسل تاتل في مقاله الصادر في سنة 1990 ما يأتي:

    في المجمل تشبه آثار الأقدام البالغة من العمر 3,5مليون سنة والتي عُثر عليها في الموقع G بمنطقة لاتولي آثار الأقدام المعتادة لإنسان عصري لا ينتعل حذاء. ولا توحي أي من سماتها أن كائنات منطقة لاتولي الشبيهة بالبشر كانت حيوانات ثنائية القدمين أقل قدرة منا، ولو لم يكن معروفاً أن آثار أقدام الموقع G قديمة جداً لاستنتجنا -بسهولة- أنها تعود إلى فرد من أفراد جنسنا الإنساني... ولكن بسبب مشكلة العمر فنحن مضطرون إلى افتراض أن هذه الآثار تعود لمخلوق من نوع (لوسي)، أي من نوع A. Afarensis) (87)

    وباختصار، من غير الممكن أن تكون آثار الأقدام هذه التي يُفترض أن عمرها 3,6مليون سنة خاصة بقرد جنوبي. وكان السبب الوحيد الذي دعا إلى الاعتقاد بأن آثار الأقدام قد تخلفت عن قرد جنوبي هو الطبقة البركانية البالغة من العمر 3,6مليون سنة التي عُثر فيها على آثار الأقدام، وقد نُسبت الآثار إلى قرد جنوبي على افترا? أن البشر ليچ من الممكن أن يكونوا قد عاشوا في مثل هذا العصر المبكر.

    وتبين لنا التأويلات الخاصة بآثار أقدام لاتولي حقيقة في غاية الأهمية ألا وهي: أن دعاة التطور لا يدافعون عن نظريتهم عن طريق دراسة الاكتشافات العلمية... بل رغماً عنها! وهنا: لدينا نظرية يتم الدفاع عنها دفاعاً أعمى بغض النظر عن أي شئ، مع إهمال أو تشويه كل المكتشفات الجديدة التي تعارض النظرية لخدمة أغراضها.

    وباختصار، لا تعد نظرية التطور علماً، بل هي عقيدة تم إبقاؤها على قيد الحياة رغماً عن أنف العلم.

    مأزق المشي على قدمين الذي يواجه نظرية التطور

    بصرف النظر عن سجل المتحجرات الذي تناولناه حتى الآن، تبقى فجوات لا يمكن إغلاقها في الصفة التشريحية بين الإنسان والقردة، وتؤدي هذه الفجوات إلى إبطال رواية تطور الإنسان. وتتمثل إحدى هذه الفجوات في طريقة المشي.

    إذ يمشي الإنسان منتصب القامة على قدمين، وتُعتبر هذه المشية نوعاً خاصاً للغاية من أنواع الحركة لا يمكن مشاهدتها في أي نوع آخر. وهناك بعض الحيوانات الأخرى التي تتمتع بقدرة محدودة على الحركة أثناء وقوفها على قدميها الخلفيتين؛ إذ يتسنى لحيوانات مثل الدببة والقردة أن تتحرك بهذه الطريقة، ولكنها تلجأ إليها في أحيان نادرة (حينما تود -مثلاً- أن تصل إلى مصدر طعام) ولا تقوم بها إلا لفترة قصيرة، إذ عادة ما تميل هياكلها العظمية إلى الأمام وتمشي على أطرافها الأربعة كلها.

    حسنا إذن، هل تطور المشي على قدمين من مشية القردة على أربع أقدام كما يدعي دعاة التطور؟


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    تكشف البحوث الحديثة استحالة تطور هيكل القرد المنحني الملائم للمشي على أربع أقدام إلى هيكل إنسان منتصب القامة ملائم للمشي على قدمين.
    بالطبع لا. فقد أظهرت البحوث أن تطور المشي على القدمين لم يحدث، ولا يمكن أن يكون قد حدث. أولاً، لأن المشي على قدمين لا يُعد ميزة تطورية، فالطريقة التي تتحرك بها القردة أسهل وأسرع وأكفأ من مشية الإنسان على قدمين. فلا يستطيع الإنسان أن يتحرك بالقفز من شجرة إلى شجرة دون أن يخطو على الأرض مثل الشمبانزي، كما أنه لا يستطيع الجري بسرعة 125 كيلومتراً في الساعة مثل الفهد. بل على العكس، بما أن الإنسان يمشي على قدميه، فإنه يتحرك على الأرض بسرعة أبطأ بكثير. ولنفس السبب، يعد الإنسان أحد أكثر الأنواع غير المحمية في الطبيعة من حيث الحركة والدفاع عن النفس. ووفقاً لمنطق نظرية التطور، ما كان من المفترض أن تتطور القردة لتتبنى المشي على القدمين؛ بل كان حرياً بالبشر أن يتطوروا ليصبحوا من الكائنات التي تمشي على أربع!

    ويتمثل مأزق آخر يعاني منه الادعاء التطوري في أن المشي على قدمين لا يخدم نموذج التطور التدريجي الخاص بالدارونية. إذ يتطلب هذا النموذج (الذي يشكل أساپ نظرية التطور، أو النشوء والارتقاء) وجود مشية مركّبة تجمع بين المشي على قدمين والمشي على أربع أقدام. ومع ذلك، فقد استطاع عالم الباليوأنثروبولوجيا الإنكليزي روبن كرومبتون أن يوضح -بواسطة البحث الحاسوبي الذي أجراه في سنة 1996- أن مثل هذه المشية المركّبة ليست ممكنة. وقد توصل كرومبتون إلى الاستنتاج الآتي: إما أن يمشي الكائن الحي منتصب القامة أو على أطرافه الأربعة كلها ، إذ من غير الممكن أن تكون هناك مشية وسط بين الاثنين بسبب فرط استهلاك الطاقة، ولهذا السبب يستحيل أن يوجد كائن نصفه يمشي على قدمين. ولا تقتصر الفجوة الهائلة بين الإنسان والقرد على المشي على قدمين فحسب؛ إذ ما زالت هناك موضوعات تبحث عن تفسير مثل: سعة الدماغ، والقدرة على الكلام، إلى غير ذلك من أمور. وتدلي إلين مورجان، وهي عالمة باليوأنثروبولوجيا ومن دعاة التطور، بالاعتراف الآتي فيما يتصل بهذا الأمر:

    هناك أربعة أسرار تُعد من أبرز الأسرار التي تحيط بالبشر وهي:

    -1 لماذا يمشون على قدمين؟

    -2 لماذا فقدوا فراءهم؟

    3 لماذا أصبحوا يملكون هذه الأدمغة الكبيرة؟

    4 لماذا تعلّموا الكلام؟

    وتعد الأجوبة التقليدية لهذه الأسئلة هي:

    1 نحن لا نعلم بعد؛

    2 نحن لا نعلم بعد؛

    3 نحن لا نعلم بعد؛

    4 نحن لا نعلم بعد! ويمكن أن تطول قائمة الأسئلة بشكل بارز دون أن تتأثر رتابة الأجوبة

    نظرية التطور: عقيدة غير علمية

    ُعَد اللورد سولي زوكرمان أحد أشهر علماء المملكة المتحدة وأكثرهم احتراماً. ولسنوات عدة، درس زوكرمان سجل المتحجرات وأجرى الكثير من الدراسات المفصلة، وقد تم تكريمه بإعطائه لقب لورد نظير إسهاماته في مجال العلوم. وبما أن زوكرمان من دعاة التطور، فلا يمكن -إذن- اعتبار تعليقاته حول هذا الموضوع مجرد ملاحظات معاكسة متعمدة. ومع ذلك، فبعد سنين من إجراء البحوث على المتحجرات المتضمنة في سيناريو تطور الإنسان توصل إلى نتيجة تقضي بعدم وجود شجرة عائلة من هذا النوع في الحقيقة.

    لقد وضع زوكرمان أيضاً طيفاً للعلوم (spectrum of science) يتسم بالإثارة فقد قام بتشكيل طيف من العلوم يمتد من العلوم التي اعتبرها علمية إلى تلك التي اعتبرها غير علمية. ووفقاً لطيف زوكرمان: تتمثل أكثر العلوم علمية، أي تلك التي تعتمد على معلومات ملموسة، في علوم الكيمياء والفيزياء، تليهما علوم الأحياء، ثم العلوم الاجتماعية. وعلى الطرف الآخر من الطيف-(وهو الجزء الذي يضم أكثر العلوم ابتعاداً عن الصفة العلمية - يوجد الإدراك غير المعتمد على الحواپ وهو يتمثل في مفاهيم مثل التخاطر والحاسة السادسة، وأخيراً يجيء تطور الإنسان. ويشرح زوكرمان منطقه قائلاً:

    وننطلق -إذن- من سجل الحقيقة الموضوعية إلى المجالات التي من المفترض أنها تتبع علم الأحياء، مثل الإدراك غير المعتمد على الحواس أو تفسير تاريخ متحجرات الإنسان، حيث يصبح كل شيء ممكناً بالنسبة للمؤمن، وحيث يكون المؤمن الغيور أحياناً قادراً على تصديق عدة أشياء متناقضة في نفس الوقت. (90)

    ما هو -إذن- السبب الذي يجعل العديد من العلماء يتشبثون إلى هذه الدرجة بهذه العقيدة؟ لماذا ظلوا يبذلون قصارى جهدهم للإبقاء على حياة نظريتهم، على حساب اعترافهم بمتناقضات لا حصر لها ونبذهم للأدلة التي وجدوها؟

    وتتمثل الإجابة الوحيدة على هذه الأسئلة في خوفهم من الحقيقة التي سيضطرون إلى مواجهتها في حال تخليهم عن نظرية التطور. وتتجسد تلك الحقيقة في أن الإنسان قد خلقه الله. ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار افتراضاتهم المسبقة والفلسفة المادية التي يؤمنون بها، تصبح عملية الخلق مفهوماً غير مقبول بالنسبة لدعاة التطور.

    ولهذا السبب فإنهم يخدعون أنفسهم، والعالَم معهم، باستخدام وسائل الإعلام التي يتعاونون معها. وإذا لم يتمكنوا من العثور على المتحجرات الضرورية فإنهم يلفّقونها، إما في شكل صور متخيَّلة أو نماذج زائفة، في محاولة منهم لإعطاء انطباع بأن هناك بالفعل متحجرات دالة على التطور. ويحاول أيضاً جزء من وسائل الإعلام الجماهيرية التي تشاركهم وجهة نظرهم المادية خداع العامة وغرس قصة التطور في عقولهم الباطنة. ومهما بذلوا من محاولات، تظل الحقيقة جلية؛ إذ لم يأتِ الإنسان إلى حيز الوجود من خلال عملية تطور ولكن الله هو الذي خلقه، ومن ثم يعتبر الإنسان مسؤولاً أمام الله مهما كان غير مستعد لتحمل هذه المسؤولية
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  14. افتراضي

    الفصل العاشر

    المأزق الجزيئي لنظرية التطور

    ذكرنا في فصول سابقة من هذا الكتاب كيف أن سجل المتحجرات يبطل نظرية التطور. وفي الواقع فإننا لم نكن بحاجة إلى أن نذكر أي شيء من هذا القبيل؛ لأن نظرية التطور تنهار قبل وقت طويل من وصول المرء إلى أية ادعاءات حول تطور الأنواع وأدلة المتحجرات. ويتمثل الموضوع الذي يجعل النظرية عديمة الجدوى -منذ البداية- في السؤال الخاص بكيفية ظهور الحياة على الأرض أول مرة.

    وعندما تتناول نظرية التطور هذه المسألة، تدّعي أن الحياة قد بدأت بخلية تكونت بمحض الصدفة. ووفقاً لسيناريو التطور، فمنذ أربعة بلايين سنة خضعت أعداد متنوعة من المركّبات الكيميائية التي لا حياة فيها إلى تفاعل حدث في جو الأرض البدائي، وفيه حثت الصواعق والضغط هذه المركبات على تكوين أول خلية حية.

    بادئ ذي بدء، يجب القول بأن الادعاء القائل إن المواد غير الحية يمكن أن تجتمع معاً لتكوّن حياة هو ادعاء غير علمي لم تثبته أية تجربة أو ملاحظة حتى الآن. ذلك أن الحياة لا تتولد من غير الحياة؛ إذ تتكون كل خلية حية بالنسخ من خلية أخرى، ولم ينجح أبداً أي شخص في العالم في تكوين خلية حية بالجمع بين المواد غير الحية، ولا حتى في أكثر المختبرات تطوراً.

    وتدعي نظرية التطور أن خلية الكائن الحي،-التي لا يمكن إنتاجها حتى لو حُشدت كل القوة العقلية والمعلوماتية والتكنولوجية للبشر للقيام بهذا- قد استطاعت مع ذلك أن تتكون بمحض الصدفة تحت ظروف أرضية بدائية. وسوف ندرپ في الصفحات الآتية السبب الذي يجعل هذا الإدعاء مناقضاً لأبسط المبادئ الأساسية للعلوم والمنطق.

    أسطورة الخلية التي تكونت بمحض الصدفة

    إذا صدّق شخص أن الخلية الحية يمكن أن تظهر في الوجود بمحض الصدفة، فلا يوجد ما يمنعه من تصديق قصة مشابهة سنرويها فيما يأتي. إنها قصة مدينة:

    ففي أحد الأيام تبلّلُ مياهُ الأمطار كتلةً من الصلصال مضغوطةً بين الصخور في أرض جرداء. ويجف الصلصال المبتلّ ويقسو عند شروق الشمچ، ثم يكتسب شكلاً جامداً مقاوِماً. وبعد ذلك تتهشم الصخور (التي أدَّتْ دور القالب أيضاً بطريقة ما) إلى قطع، ثم تظهر بعد ذلك طوبة مرتبة قوية حسنة الشكل. وتظل هذه الطوبة تحت نفس الظروف الطبيعية لسنين في انتظار تكوين طوبة مشابهة. ويستمر هذا الوضع إلى أن يتكون المئات والآلاف من نفچ الطوب في نفچ المكان. ومع ذلك، وبمحض الصدفة، لا تتلف أية طوبة من تلك الطوبات التي تكونت في السابق. وعلى الرغم من تعرض الطوب للعواصف والأمطار والرياح والشمس الحارقة والبرد القارس لآلاف السنين، فأنه لا يتصدع، أو ينكسر، أو ينجرف بعيداً، بل يظل منتظراً هناك في نفس المكان وبنفس العزم حتى يتكون طوب آخر!

    وعندما يصل عدد الطوب إلى عدد مناسب، يقوم هذا الطوب بتشييد مبنى من خلال الاصطفاف على الجوانب فوق بعضه البعچ بعد أن تجره -عشوائياً- تأثيرات الظروف الطبيعية؛ مثل الرياح، أو العواصف، أو الأعاصير. وفي غضون ذلك تتكون مواد مثل خليط الإسمنت أو الرمال بفعل الظروف الطبيعية في توقيت محكم، وتتخلل ما بين الطوب لكي يتماسك بعضه مع بعض. وبينما يحدث كل ذلك، يتشكل خام الحديد تحت الأرض بفعل الظروف الطبيعية ويضع أساساً للمبنى الذي يتم تشييده بهذا الطوب. وفي نهاية هذه العملية، يعلو مبنى كامل دون أن يلحق بمواده ونجارته وتركيباته أي أذى.

    اعترافات من دعاة التطور


    الكسندر أوبارين: «أصل الخلية يظل لغزاً».

    لا تواجه نظرية التطور أزمة أكبر من تلك التي تثيرها النقطة الخاصة بتفسير ظهور الحياة؛ ذلك أن الجزيئات العضوية من التعقيد بمكان بحيث لا يمكن أبداً أن يُفسَّر تكوينُها على أنه قد حدث مصادفة، كما يستحيل تماماً لخلية عضوية أن تكون قد تكونت بمحض الصدفة. وقد واجه دعاة التطور السؤال الخاص بأصل الحياة في الربع الثاني من القرن العشرين. وفي هذا الصدد قام داعي التطور الروسي، ألكساندر أوبارين، وهو أحد أبرز الثقات في نظرية التطور الجزيئي، بالإدلاء بالمقولة التالية في كتابه «أصل الحياة» الذي نُشر في عام 1936:

    «لسوء الحظ، ما زال أصل الخلية سؤالاً يشكل -في الواقع- أكثر نقطة مظلمة في نظرية التطور بأكملها» (1).

    ومنذ زمن أوبارين، أجرى دعاة التطور عدداً لا يحصى من التجارب والبحوث وسجلوا الملاحظات كي يثبتوا أن الخلية كان يمكن تكوينها بمحچ الصدفة. ومع ذلك، فقد أدّت كل محاولة من هذا النوع إلى زيادة إيضاح التصميم المعقد للخلية، ومن ثَم دحضت فرضيات دعاة التطور بدرجة أكبر. ويصرح الأستاذ كلاوپ دوز، رئيچ معهد الكيمياء الحيوية بجامعة جوهانز جوتنبيرغ بالتالي:


    جيفري بادا: «نشوء الحياة على الأرض هو أكبر مشكلة لم تُحل».
    «لقد أدت أكثر من ثلاثين سنة من إجراء التجارب عن أصل الحياة في مجالات التطور الكيميائي والجزيئي إلى الوصول إلى إدراكٍ أفضل لضخامة مشكلة أصل الحياة على الأرض بدلاً من حلها. وفي الوقت الحالي، فإن المناقشات الدائرة حول نظريات وتجارب أساسية في هذا المجال إما أن تنتهي إلى طريق مسدود أو إلى اعتراف بالجهل» (2).

    ويوضّح التصريح التالي من الكيمائي الجيولوجي جيفري بادا (من معهد سان دييغو سكريبس) عجز دعاة التطور أمام هذه الأزمة: «ونحن نترك القرن العشرين اليوم، نواجه أكبر مشكلة لم يتم حلها استمرت معنا منذ دخولنا القرن العشرين؛ ألا وهي: كيف بدأت الحياة على الأرض؟»(3).

    1 Alexander I. Oparin, Origin of Life, (1936) NewYork: Dover Publications, 1953 (Reprint), p..196

    2 Klaus Dose, «The Origin of Life: More Questions Than Answers», Interdisciplinary

    Science Rewievs, Vol 13, No. 4 1988, p. 348



    3 Jeffrey Bada, Earth, February ,1998 p. 40



    وبالطبع، لا يتكون المبنى من أساس وطوب وإسمنت فحسب. ترى، كيف يمكن -إذن- الحصول على كل المواد الأخرى الناقصة؟ الجواب بسيط: توجد جميع المواد المطلوبة لإنشاء المبنى داخل الأر? المشيد عليها هذا المبنى. إذ يوجد السيأتيكون للزجاج، والنحاپ للكابلات الكهربائية، والحديد للأعمدة والدعائم ومواسير المياه... توجد كل هذه الأشياء في باطن الأرض بكميات وفيرة، ولا يتطلب الأمر أكثر من مهارة الظروف الطبيعية لتشكيل هذه المواد ووضعها داخل المبنى. وتوضع جميع التركيبات وأعمال النجارة وإكسسوارات البناء بين الطوب بمساعدة الرياح العاصفة، والأمطار، والزلازل!

    لقد سار كل شيء على ما يرام لدرجة قيام الطوب بترتيب نفسه بشكل يسمح بترك الفراغات اللازمة للنوافذ، وكأن الطوب يعلم أن هناك شيئاً اسمه الزجاج سيتم تكوينه لاحقاً بفعل الظروف الطبيعية. وفضلاً عن ذلك، لم يُغفِل الطوب تركَ بعض الفراغات للسماح بإدخال المياه والكهرباء ونظم التدفئة، التي ستتكون لاحقاً أيضاً بمحض الصدفة. وهكذا، فقد تم كل شيء على أكمل وجه لدرجة أن المصادفات والظروف الطبيعية أنتجت تصميماً لا تشوبه شائبة!

    إذا استطعت أن تحافظ على ثقتك بهذه القصة حتى الآن فلن تواجه أية مشكلة في تخمين الكيفية التي تكوّنت بها مباني المدينة الأخرى، ومصانعها، وطرقها السريعة، وأرصفتها، وبنيتها الأساسية، ونظم اتصالاتها ونقلها. وإذا كانت لديك معلومات تقنية وكنت ملماً بالموضوع بدرجة معقولة، فسوف تستطيع أن تكتب كتاباً علمياً بحتاً مكوناً من بضعة مجلدات تطرح فيه نظرياتك بخصوص العملية التطورية لنظام الصرف الصحي ومدى تماثله مع التركيبات الحالية! بل وقد يتم منحك جائزة أكاديمية تقديراً لك على كل دراساتك المستنيرة ويمكنك أن تعتبر نفسك عبقرياً يشع بنوره على البشرية!

    وتدّعي نظرية التطور أن الحياة قد وُجدت بمحچ الصدفة. ولا يقل هذا الادعاء سخافة عن قصتنا؛ لأن الخلية بكل نظم تشغيلها واتصالاتها ونقلها وإدارتها، لا تقل تعقيداً عن أية مدينة.

    معجزة الخلية وانهيار نظرية التطور

    إن التركيب المعقد للخلية الحية لم يكن معروفاً أيام دارون، وفي ذلك الوقت كان دعاة التطور يعتقدون أن إرجاع الحياة إلى المصادفات والظروف الطبيعية يعتبر أمراً مقنعاً بما فيه الكفاية.

    ولكن تكنولوجيا القرن العشرين تعمّقتْ في أصغر جسيمات الحياة وكشفت أن الخلية هي أكثر النظم التي واجهتها البشرية تعقيداً. ونحن نعلم -اليوم- أن الخلية تحتوي على محطات لتوليد الطاقة تنتج الطاقة التي تستخدمها الخلية، ومصانعَ تصنع الإنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة، وبنكَ معلوماتٍ تسجَّل فيه المعلومات الضرورية حول جميع المنتجات التي سيتم تصنيعها، ونظمَ نقلٍ وخطوطَ أنابيبٍ معقدة لحمل المواد الخام والمنتجات من مكان إلى آخر، ومختبرات ومحطات تكرير متقدمة لتحليل المواد الخام الخارجية إلى أجزائها القابلة للاستخدام، وبروتينات متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة منها... ولا تشكل هذه الأشياء سوى جزء صغير من هذا النظام المعقد بدرجة خيالية. ويقرّ ثورب، وهو أحد علماء التطور، بأن أبسط نوع من أنواع الخلايا يشكل آلية أعقد بكثير من أية آلة صنعها الإنسان حتى الآن، أو حتى تخيل صنعها. (91)

    تعقيد الخلية
    تمثل الخليةُ أكثرَ نظامٍ معقد ومصمم ببراعة سبق للإنسان مشاهدته. ويشرح أستاذ البيولوجيا، مايكل دنتون، في كتابه «التطور: نظرية في أزمة» هذا التعقيد بمثال: «كي نفهم حقيقة الحياة على النحو الذي كشفه علم البيولوجيا الجزيئية يجب علينا أن نكبّر الخلية ألف مليون مرة حتى يبلغ قطرها 20 كيلومتراً وتشبه منطاداً عملاقاً بحيث تستطيع أن تغطي مدينة مثل لندن أو نيويورك. ما سنراه -عندئذ- هو جسمٌ يتّسمُ بالتعقيد والقدرة على التكيف بشكل غير مسبوق. وسنرى على سطح الخلية ملايين الفتحات مثل الفتحات الجانبية لسفينة فضاء ضخمة، تنفتح وتنغلق لتسمح لمجرى متواصل من المواد أن ينساب دخولاً وخروجاً. وإذا تسنى لنا دخول إحدى هذه الفتحات سنجد أنفسنا في عالم من التكنولوجيا المتميزة والتعقيد المحير... تعقيد يتعدّى طاقتنا الإبداعية نفسها؛ وهذه حقيقة مضادة لفرضية الصدفة ذاتها وتتفوق بكل ما في الكلمة من معنى على أي شيء أنتجه عقل الإنسان».


    وتعتبر الخلية من التعقيد بمكان بحيث لا يتسنّى لمستوى التكنولوجيا العالي الذي توصل إليه الإنسان أن ينتج خلية واحدة. ولم يُكتب النجاح أبداً لأي مجهود بُذِلَ لإنتاج خلية صناعية. وفي الحقيقة، لقد تم التخلي عن أي محاولات من هذا النوع.

    وتدّعي نظرية التطور أن هذا النظام، الذي لم تستطع البشرية إنتاجه رغم كل الذكاء والمعرفة والتكنولوجيا الموجودة تحت تصرفها، قد ظهر في الوجود بمحض الصدفة في ظل ظروف الأرض البدائية. ولإعطاء مثال آخر: يُعَد احتمال تكون الخلية بالصدفة من الاحتمالات غير المرجحة مثله مثل فرصة قيام الصدفة بطباعة كتاب نتيجة وقوع انفجار في المطبعة!

    وقد عقد عالم الرياضيات والفلك الإنكليزي، السير فْرِد هويل، مقارنة مشابهة في إحدى مقابلاته التي نُشرت في مجلة الطبيعة في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة .1981 وعلى الرغم من كونه أحد دعاة التطور، فقد أوضح هويل أن احتمال ظهور أشكال الحياة العليا بهذه الطريقة يقارَن بفرصة قيام إعصار جارف يمر بساحة خردة بتجميع طائرة بوينغ من طراز 747 من المواد الموجودة في الساحة (92) ويعني هذا أن من غير الممكن أن تظهر الخلية في الوجود بالمصادفة، وبالآتي لا منا? من حتميةخلقها.

    وتتمثل أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرة نظرية التطور على تفسير كيفية ظهور الخلية في تعقيد الخلية الذي لا يمكن تبسيطه. إذ تحافظ الخلية الحية على بقائها من خلال التعاون المتناغم بين العديد من الجزيئات العضوية (organelles). وإذا تعطّل أي من هذه الجزيئات العضوية عن العمل لا يمكن أن تظل الخلية على قيد الحياة؛ إذ لا تملك الخلية فرصة انتظار حدوث آلية لاإرادية مثل الانتقاء الطبيعي أو الطفرة للسماح لها بالنمو. وبالآتي لا بد -بالضرورة- أن تكون الخلية الأولى على الأرض قد امتلكت كل الجزيئات العضوية والوظائف اللازمة، ويعني هذا بالتأكيد أن هذه الخلية قد خُلِقت.

    البروتينات تتحدى الصدفة

    لم يكن هناك داع لكل هذا الحديث عن الخلية، ولكن التطور يخفق حتى في تفسير نشوء وحدات بناء الخلية. ذلك أن تكوين أي بروتين في ظل الظروف الطبيعية - ولو كان بروتيناً واحداً من بين آلاف الجزيئات البروتينية المعقدة التي تتكون منها الخلية - يُعَد أمراً غيرَ ممكن. والبروتينات هي عبارة عن جزيئات عملاقة تتكون من وحدات أصغر تسمى الأحماض الأمينية تنتظم في تتابع معين بكميات وتركيبات محددة. وتشكل هذه الجزيئات وحدات بناء الخلية الحية، وتتكون أبسط هذه البروتينات من خمسين حمضاً أمينياً، ولكن بعضها يتكون من آلاف الأحماض الأمينية.

    وتتجسد النقطة الحاسمة في أن: غياب حمچ أميني واحد من الأحماض الموجودة في البروتين، أو إضافته، أو استبداله، يحوّل البروتين إلى كومة جزيئية عديمة الفائدة. ويجب أن يحتلّ كل حمچ أميني المكان الصحيح والترتيب الصحيح. ويعتري اليأپ نظرية التطور - التي تدّعي أن الحياة قد ظهرت نتيجة صدفة- في مواجهة هذا الترتيب لأن إعجازه أكبر من أن يُفسَّر بواسطة الصدفة. وبالإضافة إلى ذلك، تعجز النظرية حتى عن تفسير ادّعاء التكوين العَرَضي للأحماض الأمينية الذي ستتم مناقشته لاحقاً.

    ويمكن لأي واحد أن يلاحظ -بسهولة- حقيقة أن البنية الوظيفية للبروتينات لا يمكن أن تظهر أبداً من قبيل الصدفة، وذلك حتى باستخدام حسابات الاحتمالات البسيطة التي يستطيع أي شخص أن يفهمها. إذ يتكون جزئ البروتين متوسط الحجم من 288 حمضاً أمينياً يوجد منه 12 نوعاً مختلفاً، ويمكن ترتيب هذه الأحما? بنحو 10300 أشكال مختلفة _ أي رقم عشرة أپ 300- ويعد هذا عدداً فلكياً ويتكون من الرقم واحد وأمامه ثلاثمئة صفرا. ومن بين كل هذه الترتيبات أو الأنساق (sequences) الممكنة لا يوجد غير ترتيب واحد فقط يكوّن جزيء البروتين المطلوب، أما بالنسبة لبقية الترتيبات فهي عبارة عن سلاسل من الأحما? الأمينية التي إما أن تكون عديمة الفائدة تماماً أو تشكل ضرراً محتملاً للكائنات الحية. وبعبارة أخرى، يبلغ احتمال تكوين بروتين واحد فقط (1 من10300). ويُعتبر احتمال حدوث هذا البروتين الواحد أمراً مستحيلاً عملياً (ففي علم الرياضيات، يُعد الاحتمال الذي يقل عن 1 من 1050 أي عشرة أپ خمسون_ بوصفه احتمالا يساوي الصفر.


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    ان البروتينات هي أكثر العناصر حيويةً بالنسبة للكائنات الحية. فهي لا تتّحدُ فقط لتكوّن خلايا حية، بل تؤدي -كذلك- أدواراً أساسية في كيمياء الجسم؛ فبدءاً من تصنيع البروتين ووصولاً إلى الاتصالات الهرمونية، يمكن أن نشاهد البروتينات وهي تعمل.

    والأكثر غرابة من هذا أن جزيء البروتين المكون من 288 حمضاً أمينياً يُعتبر جزيئاً متواضعاً مقارنةً ببعچ الجزيئات البروتينية العملاقة التي تتكون من آلاف الأحماض الأمينية. وعندما نطبّق حسابات الاحتمالات المشابهة على هذه الجزيئات البروتينية العملاقة نرى أن كلمة مستحيل ذاتها تصبح غير لائقة ولا كافية!

    وعندما نخطو خطوة أخرى في طريق تطور مخطط الحياة، نلاحظ أن البروتين وحده لا يعني شيئاً. ذلك أن أصغر بكتيريا تم اكتشافها على الإطلاق (وهي المعروفة باسمها العملي Mycoplasma Hominis H93)، تحتوي على 600 نوع من البروتينات. وفي هذه الحالة، سنضطر إلى تكرار حسابات الاحتمالات التي أجريناها مسبقاً لبروتين واحد لكل نوع من أنواع البروتينات الستمئة المختلفة. وتعجز النتيجة حتى عن وصف مفهوم الاستحالة.

    وقد يشك بعچ مَن يقرؤون هذه السطور الآن (الذين تقبّلوا حتى هذه اللحظة نظرية التطور بوصفها تفسيراً علمياً) في أن هذه الأرقام مبالَغ فيها ولا تعكس الحقائق. ولكن هذا غير صحيح؛ لأن هذه الحقائق هي حقائق محددة وراسخة. ولا يستطيع أي داعٍ من دعاة التطور أن يعترض على هذه الأرقام، فهم يقرّون بأن احتمال تكون بروتين واحد بالصدفة يُعَدّ احتمالاً غير مرجح مثل احتمال قيام أحد القردة بكتابة تاريخ البشرية على آلة كاتبة دون أن يقع في أية أخطاء (93) ومع ذلك، وبدلاً من أن يقبلوا بالتفسير الآخر (وهو الخلق) يظلّون يدافعون عن هذه الاستحالة!

    ويقر الكثير من دعاة التطور بهذه الحقيقة ذاتها؛ إذ يقول هارولد بلوم، وهو أحد علماء التطور المشهورين:

    إن التكوين العفوي لبوليببتيد (polypeptide) في حجم أصغر البروتينات المعروفة أمرٌ يفوق كل الاحتمالات. (94)

    ويدّعي دعاة التطور أن التطور الجزيئي قد حدث خلال فترة زمنية طويلة جداً وأن هذه الفترة جعلت المستحيل ممكناً. ومع ذلك، مهما كان طول الفترة المعنية، لا يمكن للأحماض الأمينية أن تكوّن بروتينات بمحض الصدفة. ويقرّ عالم الجيولوجيا الأمريكي، وليم ستوكس، بهذه الحقيقة في كتابه أساسيات تاريخ الأرض (Essentials of Earth History) قائلاً إن هذه الصدفة من الصغر بمكان بحيث لا يمكن أن تتكون البروتينات خلال بلايين السنين وعلى بلايين الكواكب التي يكسو كلاً منها غطاء من المحلول المائي المركز الذي يحتوي على الأحماض الأمينية الضرورية. (95)

    إذن، ماذا يعني كل هذا ؟ يجيب على هذا السؤال بيري ويفر، أستاذ الكيمياء، قائلاً:

    عندما يدرپ المرء الأعداد الضخمة للتركيبات المحتمَلة التي يمكن أن تنتج عن اتحاد عشوائي بسيط بين الأحماض الأمينية الموجودة في بركة بدائية متبخِّرة، يتردد العقل في تصديق من يزعم أن الحياة كان من الممكن أن تبدأ بهذه الطريقة. ومن المستساغ أكثر أن القيام بمثل هذه المهمة يتطلب بانياً عظيماً لديه خطة بارعة. (96)

    وإذا كان من المستحيل أن يتكون حتى بروتين واحد من هذه البروتينات بشكل عرضي، فإن الاستحالة تتضاعف بلايين المرات فيما يتصل باتحاد نحو مليون من هذه البروتينات اتحاداً صحيحاً بمحچ الصدفة من أجل تكوين خلية بشرية كاملة. وأكثر من ذلك، لا تتكون الخلية في أي وقت من الأوقات من مجرد كومة بروتينية؛ إذ تتضمن الخلية -أيضاً- بالإضافة إلى البروتينات: أحماضاً نووية، وكربوهيدرات، ودهوناً، وفيتامينات، وكيميائيات أخرى كثيرة مثل الإلكترولايت (electrolyte) تنتظم بنسب وتناغم وتصميم دقيق من ناحيتي البنية والوظيفة. وتعمل كل مادة من هذه المواد كوحدة بناء أو جزيء مساعد في الجزيئات العضوية المتنوعة.

    وقد قام، روبرت شابيرو، أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك وأحد الخبراء في مجال الحمض النووي، بحساب احتمال التكوين العرَضي لألفَي نوع من أنواع البروتينات الموجودة في بكتيريا واحدة (يوجد مئتا ألف نوع مختلف من البروتينات في الخلية البشرية!)، فجاءت نتيجة الحساب كالآتي: (1 من 1040000) _ أي رقم عشرة أس أربعة آلاف _ وهذا رقم هائل لا يمكن تخيله ويتم الحصول عليه بوضع أربعين ألف صفر بعد الرقم 1). (97) وقد أدلى تشاندرا ويكراماسنغي، أستاذ الرياضيات التطبيقية والفلك بالكلية الجامعية في كارديف، ويلز، بالتعقيب الآتي:

    تتجسد احتمالية التكوين العفوي للحياة من مادة غير حية من احتمال واحد ضمن احتمالات عدد مكون من الرقم 1 وبعده 40000 صفر... وهو رقم كبير بما يكفي لدفن دارون ونظرية التطور بأكملها! وإذا لم تكن بدايات الحياة عشوائية فلا بد أنها قد نتجت عن عقل هادف. (98)

    ويعلق السير فرد هويل على هذه الأرقام بقوله:

    في الواقع يعد ظهور الحياة من قبل ذات عاقلة ومدركة من الوضوح بمكان بحيث يعجب المرء لماذا لا يلقى قبولاً واسعاً بوصفها إحدى البديهيات. من الواضح أن الأسباب نفسية أكثر منها علمية. (99)

    ويرجع السبب في استخدام هويل لتعبير نفسية إلى التكيف المشروط لدى دعاة التطور الذي يدفعهم إلى عدم قبول الفكرة القائلة بأن الحياة يمكن أن تكون قد خُلقت. لقد حدد هؤلاء الناپ هدفهم الأساسي في رفچ وجود الله؛ ولهذا السبب -وحده- يظلون يدافعون عن سيناريوهات غير معقولة يقرون هم أنفسهم بأنها مستحيلة.

    البروتينات العسراء

    دعونا الآن ندرپ بالتفصيل السبب في استحالة سيناريو التطور المتصل بتكوين البروتينات. إن الترتيب الصحيح للأحما? الأمينية الملائمة لا يكفي وحده لتكوين جزيء البروتين؛ فإلى جانب ذلك، يجب أن يكون كل نوع من الأنواع العشرين المختلفة للأحما? الأمينية الموجودة في تركيب البروتينات بروتيناً أعسر أو أيسر الاتجاه. إذ يوجد نوعان مختلفان من الأحما? الأمينية أحدهما يعرف باسم الحمض الأعسر (left-handed acid) والآخر بالحمض الأيمن (right-handed acid)، ويكمن الفرق بينهما في تناظر المرآة (mirror symmetry) بين تركيبيهما ثلاثي الأبعاد المشابه لليد اليمنى واليسرى للإنسان.

    ومن السهل على أي نوع من نوعي الحمچ الأميني أن يرتبط بالنوع الآخر. وقد كشفت البحوث حقيقة مذهلة ألا وهي: إن كل البروتينات الموجودة في النباتات والحيوانات، من أبسط كائن حي إلى أكثره تعقيداً، تتكون من أحماض أمينية عسراء. وحتى إذا ارتبط حمض أميني واحد أيمن بتركيب البروتين، يصبح هذا البروتين عديم الفائدة. ومن المثير للدهشة أن البكتيريا قد أُعطيت في بعچ التجارب أحماضاً أمينية يمناء فقامت -في الحال- بإتلاف تلك الأحماض الأمينية وفي بعض الحالات كونت أحماضاً أمينية عسراء من المكوِّنات المنكسرة كي تستخدمها.

    دعونا نفترض -للحظة- أن الحياة ظهرت بمحض الصدفة كما يدّعي دعاة التطور. في هذه الحالة يجب أن توجد الأحماض الأمينية اليمناء والعسراء التي تم إنتاجها مصادفة بكميات متساوية تقريباً في الطبيعة، بالآتي يجب أن تظهر في تركيب جميع الكائنات الحية الأحماض الأمينية اليمناء والعسراء كلاهما؛ إذ يمكن -من الناحية الكيميائية- للأحماض الأمينية من كلا النوعين أن تتحد بعضها مع بعچ. ولكن، في واقع الأمر، لا تتكون البروتينات الموجودة في جميع الكائنات الحية سوى من أحماض أمينية عسراء.

    وفيما يتصل بكيفية اختيار البروتينات للأحما? العسراء فقط من بين جميع أنواع الأحماض الأمينية وكيفية عدم اشتراك ولو حمچ أميني واحد أيمن في عملية الحياة، لا يزال هذا الأمر يشكل تحدياً بالنسبة لدعاة التطور؛ إذ لا توجد أمامهم أية طريقة يستطيعون من خلالها تفسير مثل هذا الانتقاء المحدد والواعي.

    وبالإضافة إلى ذلك، تزيد خاصية البروتينات هذه من حدة الاضطراب الناتج عن مأزق المصادفة الذي يعاني منه دعاة التطور. ذلك أنه لإنتاج بروتين له معنى، لا يكفي أن يكون للأحما? الأمينية عدد معين، وترتيب كامل، وأن يتم الاتحاد فيما بينها بتصميم ثلاثي الأبعاد صحيح. بل بالإضافة إلى ذلك: يجب أن يتم انتقاء جميع هذه الأحما? الأمينية من النوع الأعسر بحيث لا يوجد بينها ولو حمچ أميني واحد أيمن. ومع ذلك، لا توجد آلية انتقاء طبيعي بإمكانها أن تحدد أنه قد تمت إضافة حمچ أميني أيمن إلى الترتيب ثم تدرك أن وجوده خاطئ وتسعى -بالآتي- إلى إزالته من السلسلة. ويستبعد هذا الوضع مرة أخرى وإلى الأبد إمكانية حدوث المصادفة والفرصة.

    وفي الموسوعة البريطانية العلمية (Brittanica Science Encyclopedia)، ذلك المرجع الذي يدافع عن التطور بقوة وصراحة، تم تقديم أدلة على أن الأحماض الأمينية لجميع الكائنات الحية على الأر? ووحدات بناء البوليمارات (polymers) المعقدة مثل البروتينات تتسم بنفچ اللاتماثل الأعسر. وتضيف الموسوعة أن هذا الأمر يشبه قذف عملة في الهواء مليون مرة والحصول دائماً على وجه العملة نفسه! وقد ذُكر في نفس الموسوعة أنه من غير الممكن أن يفهم المرء لماذا تصبح الجزيئات عسراء أو يمناء وأن هذا الاختيار له علاقة ساحرة بأصل الحياة على الأر?. (100)

    وإذا كانت العملة المقذوفة في الهواء مليون مرة تعود دائماً بالوجه ذاته، فهل من المنطقي أكثر أن يعزى ذلك إلى الصدفة أم أن يتم الإقرار بحدوث تدخل واع؟ يجب أن يكون الجواب واضحاً. ومع ذلك، على الرغم من هذا الوضوح الظاهر، يحتمي دعاة التطور بالمصادفة لا لشيء سوى لأنهم لا يريدون -ببساطة- أن يعترفوا بوجود تدخل واع.

    ويتكرر موقف مشابه لموقف الأحماض الأمينية العسراء، ولكنه هذه المرة مع النيوكليوتيدات (nucleotides) التي تعد أصغر وحدات بناء في الحمچ النووي DNA والحمچ النووي الريبي RNA. وعلى خلاف الأحماض الأمينية في الكائنات الحية، يتم اختيار الأشكال اليمناء فقط من النكليوتيدات، ويعد هذا موقفاً آخر لا يمكن تفسيره بالمصادفة.

    والخلاصة: لقد أثبتت الاحتمالات التي درسناها حتى الآن بشكل مؤكد أن تفسير أصل الحياة بالمصادفة غير ممكن. وإذا حاولنا أن نحسب احتمال تكوّن بروتين متوسط الحجم مركب من 400 حمچ أميني لا يتم اختياره سوى من الأحماض الأمينية العسراء، تكون نتيجة الاحتمال كالآتي:واحد من(2400)- أي العدد 2 أپ 400- وهو يساوي (10120) _ اي رقم عشرة أپ 120 - ومن جل المقارنة فحسب، دعونا نتذكر أن عدد الإلكترونات الموجودة في الكون بأجمعه يقدر بحوالي(1079)،_ أي رقم عشرة أپ 79- وهو عدد أصغر بكثير من الرقم (10120). وستظهر أعداد أكبر من ذلك بكثير عند حساب الاحتمالات الخاصة بقيام هذه الأحماض الأمينية بتكوين الترتيب والشكل الوظيفي المطلوب. وإذا ضممنا هذه الاحتمالات ووسعنا نطاق الموضوع بحيث أصبح يتضمن تكوين عدد ونوع أكبر من البروتينات، فسوف تصل هذا الحسابات إلى أرقام تفوق التصور.

    الترابط الصحيح أمر حيوي

    لا تستطيع حتى القائمة الطويلة المذكورة أعلاه أن تضع حداً لمأزق التطور. إذ لا يكفي أن تكون الأحما? الأمينية مرتبة بالأعداد، والتتابع، والبنية ثلاثية الأبعاد الصحيحة. ذلك أن تكوين البروتين يتطلب -أيضاً- من جزيئات الأحماض الأمينية التي تمتلك أكثر من ذراع واحد ألا ترتبط مع بعضها البعض سوى من خلال أذرع معينة. ويسمّى مثل هذا الترابط ترابط البِبْتايْد (peptide bond). وتستطيع الأحماض الأمينية أن تكوّن روابط مختلفة فيما بينها، أما البروتينات فلا تتكون إلا من تلك الأحماض الأمينية التي تتحد ببعضها بترابط الببتايد، فقط وفقط لا غير!

    وستتضح هذه النقطة من خلال المقارنة الآتية: تصور أن جميع أجزاء سيارة ما قد اكتملت ووُضعت في أماكنها الصحيحة باستثناء إحدى العجلات التي لم تثبت في مكانها بصواميل ومسامير لولبية بل بقطعة من السلك بحيث يواجه محورها الأرض. سيكون من المستحيل على هذه السيارة أن تتحرك ولو حتى لمسافة متر واحد مهما كانت تكنولوجيتها معقدة أو كان محركها قوياً. وللوهلة الأولى يبدو كل شيء في مكانه الصحيح، ولكن التثبيت الخاطئ ولو لواحدة من العجلات يجعل السيارة بأكملها عديمة النفع. وبنفس الطريقة في جزيء البروتين: إذا تم اتحاد حمچ أميني واحد بالآخر بترابط غير ترابط الببتايد يصبح الجزيء بأكمله عديم النفع.

    وقد أثبتت البحوث أن الأحماض الأمينية التي تتحد بطريقة عشوائية لا تتحد برابطة الببتايد سوى بنسبة خمسين بالمئة فقط، وأن البقية تتحد بترابطات مختلفة غير موجودة في البروتينات. ولكي يؤدي البروتين وظيفته الصحيحة، ينبغي على كل حمض أميني يدخل في تركيب أحد البروتينات ألا يتحد سوى بترابط الببتايد بنفچ الطريقة التي ينبغي أن يتم اختياره بها من بين الأحماض العسراء فقط.

    ويعتبر هذا الاحتمال هو نفس احتمال أن يكون كل بروتين أعسر. مما يعني أنه عند دراسة بروتين مكون من 400 حمچ أميني يصل احتمال اتحاد كل الأحماض الأمينية فيما بينها بترابط ببتايدي إلى 1 من 2399 أي رقم واحد مقسوم على رقم 2 وأمامه 399 صفرا.

    احتمال الصفر

    كما سنرى أدناه، فإن احتمال تكوين جزيء بروتين مكون من 500 حمچ أميني هو واحد فقط من رقم مكون من رقم 1 وأمامه 950 صفراً، وهو رقم يفوق إدراك العقل البشري. ويعد هذا الاحتمال احتمالاً على الورق فقط، أما من الناحية العملية فتبلغ فرصة تحقيق هذا الاحتمال صفراً وفي علم الرياضيات تعتبر فرصة تحقيق احتمال أقل من 1 من 1050مساوية للصفر من الناحية الإحصائية. بينما احتمال 1 من 10950 أقل من هذا التعريف بنسبة هائلة جداً


    الاحتمالية لتكوين بروتين واحد بالصدفة تساوي صفراً
    توجد ثلاثة شروط لتكوين بروتين مفيد:
    الشرط الأول: أن تكون جميع الأحماض الأمينية في سلسلة البروتين من النوع الصحيح وبالتتابع الصحيح.

    الشرط الثاني: أن تكون جميع الأحماض الأمينية في السلسلة عسراء.

    الشرط الثالث: أن تكون جميع هذه الأحماض الأمينية متحدة فيما بينها من خلال تكوين ترابط كيميائي يسمى ‘’ترابط الببتايد’’.

    ولكي يتم تكوين البروتين بمحض الصدفة، يجب أن تتواجد هذه الشروط الثلاثة الأساسية في وقت واحد. والاحتمالية لتكوين بروتين بمحض الصدفة تساوي حاصل ضرب الاحتماليات المتصلة بتحقيق كل واحد من هذه الشروط.

    فعلى سبيل المثال، بالنسبة لجزيء متوسط يحوي 500 حمض أميني:

    (1) احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية موجودة بالتتابع الصحيح:

    يوجد عشرون نوعاً من أنواع الأحماض الأمينية تُستخدَم في تركيب البروتينات، وبناء على ذلك فإن: احتمالية أن يتم اختيار كل حمض أميني بالشكل الصحيح ضمن العشرين نوعاً هذه = واحداً من .20

    واحتمالية أن يتم اختيار كل الأحماض الخمسمئة بالشكل الصحيح =20500/1 =10>sup>650/1

    1/10650 وهذا يساوي فرصة واحدة من عدد من الفرص قدره عشرة مرفوعة للأس .650

    (2) احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية عسراء:

    احتمالية أن يكون الحمض الأميني الواحد أعسر = 2/1

    احتمالية أن تكون جميع الأحماض الأمينية عسراء في نفس الوقت = 2500/1

    وهذا يساوي فرصة واحدة من عدد من الفرص قدره عشرة مرفوعة للأس 150

    ( أي يساوي 10150/1 )

    (3) احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط الببتايد:

    تستطيع الأحماض الأمينية أن تتحد معاً بأنواع مختلفة من الترابطات الكيميائية. ولكي يتكون بروتين مفيد، فلا بد أن تكون كل الأحماض الأمينية في السلسلة قد اتحدت بترابط كيميائي خاص يسمى ‘’ترابط الببتايد’’. ويتضح من حساب الاحتماليات أن احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط كيميائي آخر غير الترابط الببتيدي هي خمسون بالمئة. وفيما يتعلق بذلك:

    احتمالية اتحاد حمضين أمينيين بترابطات ببتايدية = 2/1

    احتمالية اتحاد جميع الأحماض الأمينية بترابطات ببتيدية = 2499/1 = 10150/1

    وهكذا تكون المحصلة النهائية للاحتمال = 10650/1x 1/10150x 1/10150

    = ويساوي 10950/1

    إن احتمالية تكوين جزيء بروتين عادي مكون من 500 حمچ أميني بالكمية والتتابع الصحيحين إضافة إلى احتمالية أن تكون جميع الأحما? الأمينية التي يحويها عسراء ومتحدة بترابط ببتايدي فقط هي 1 مقسوم على العدد 10 مرفوعاً للأپ .950 ويمكننا أن نكتب هذا الرقم بكتابة الواحد وعلى يمينه 950 صفراً.

    10950=

    100.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.00 0.000.000.000.000.000.000.
    000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000000


    وفي حين يصل عدم احتمال تكون جزيء بروتين مكون من 500 حمچ أميني إلى مثل هذا المدى، نستطيع أن ندفع حدود العقل إلى مستويات أعلى من عدم الاحتمال. ففي جزيء الهيموغلوبين (الذي يعد بروتيناً حيوياً) يوجد 574 حمضاً أمينياً، وهو ما يفوق عدد الأحما? الأمينية المكوِّنة للبروتين الوارد ذكره أعلاه. والآن تصور ما يأتي: في خلية واحدة فقط من بلايين خلايا الدم الحمراء في جسمك، يوجد مئتان وثمانون مليون جزيء هيموغلوبين!

    ولا يكفي العمر المفتر? للأر? لتكوين ولو بروتين واحد بطريقة التجربة والخطأ، ناهيك عن تكوين خلية دم حمراء. وحتى إذا افترضنا أن الأحما? الأمينية قد اتحدت وانحلت بطريقة التجربة والخطأ دون إضاعة أي وقت منذ تكوين العالم من أجل تكوين جزيء بروتين واحد، ستظل الفترة الزمنية المطلوبة أطول من العمر الحالي للأر? كي تلحق باحتمال 1 من10950.

    وتتمثل المحصلة النهائية من كل ذلك في أن التطور يقع في جحيم الاحتمال الرهيب، وذلك فقط عند مرحلة تكوين بروتين واحد.
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

  15. افتراضي

    هل توجد آلية للتجربة والخطأ في الطبيعة؟

    في النهاية، نختتم بنقطة مهمة جداً فيما يتعلق بالمنطق الأساسي لحساب الاحتمالات الذي ضربنا عليه بعض الأمثلة. لقد أشرنا إلى أن حسابات الاحتمالات الواردة أعلاه قد وصلت إلى حدود فلكية، وأن هذه الاحتمالات الفلكية يستحيل تحقيقها عملياً، وتشكل هذه المسألة طريقا مسدودا بالنسبة لدعاة التطور؛ ذلك أنه لا يمكن لهذه الاحتمالات تحت الظروف الطبيعية أن تبدأ أية فترة تجريبية أبداً، نظراً لعدم وجود آلية للتجربة والخطأ في الطبيعة تسعى لإنتاج بروتينات.

    وبالنسبة للحسابات التي أشرنا إليها أعلاه، فإنها لا تصلح لإيضاح الاحتمال المتوقع لإنتاج جزيء بروتين مكون من 500 حمض أميني سوى في حالة وجود بيئة مثالية للمحاولة والخطأ، الأمر الذي لا يحدث في الحياة الحقيقية. ويعني هذا أن احتمال الحصول على بروتين مفيد هو 1 من (10950)، هذا إذا افترضنا أن هناك آلية تخيأتية تقوم من خلالها يد خفية بضم 500 حمچ أميني عشوائياً ثم تدرك أن هذا غير صحيح، فتقوم بفك الارتباط بين الأحماض الواحد تلو الآخر وتعيد ترتيبها بشكل مختلف للمرة الثانية، وهلم جرّا. وفي كل اختبار، يجب أن يتم تفكيك الأحماض الأمينية الواحد تلو الآخر ويتم ترتيبها بطريقة جديدة، كما يجب أن تتوقف عملية التركيب بعد أن تتم إضافة الحمض الأميني رقم 500 مع التأكد من عدم اشتراك ولو حمض أميني واحد إضافي في العملية. عندئذ، يجب أن تتوقف المحاولة لمعرفة ما إذا كان البروتين قد تكوّن أو لا. وفي حالة الإخفاق، يجب أن تُحَلّ كل المواد عن بعضها وتُختبَر في تتابع آخر. وهكذا، ينبغي في كل محاولة ألا تشترك ولو حتى مادة واحدة دخيلة. ومن الأمور الملحّة أيضاً ألاّ يتم فصل السلسلة المكونة أثناء المحاولة أو تدميرها قبل الوصول إلى الترابط رقم .499 وتعني هذه الشروط أن الاحتمالات التي ذكرناها أعلاه لا يمكن أن تحدث سوى في بيئة مسيطَر عليها وفيها آلية واعية تدير البداية والنهاية وكل مرحلة من مراحل العملية، ولا يترك فيها للصدفة أي شيء سوى اختيار الأحماض الأمينية فقط.

    ومن المستحيل -دون شك- أن توجد مثل هذه البيئة في ظل الظروف الطبيعية، وبالآتي يستحيل -منطقياً وتقنياً- تكوين البروتين في البيئة الطبيعية، بغض النظر عن مسألة الاحتمال. وفي الواقع، يعد الحديث عن احتمالات وقوع مثل هذا الحدث حديثاً غير علمي.

    ودعونا ننحي جانباً -للحظة- جميع المستحيلات التي وصفناها حتى الآن ونفترض أن جزيئاً بروتينياً مفيداً قد تطور عفوياً بمحض الصدفة. عند هذه النقطة يظل التطور عاجزاً -مرة أخرى- عن تقديم الإجابات، ذلك أنه للإبقاء على وجود هذا البروتين ينبغي أن يتم عزله عن محيطه الطبيعي وحمايته في ظروف خاصة جداً. وبغير ذلك، إما أن ينحلّ البروتين نتيجةَ تعرضه لظروف الأرض الطبيعية أو ينضم إلى أحماض أو أحماض أمينية أو مركبات كيميائية أخرى، وبذلك يفقد خواصه ويتحول إلى مادة مختلفة تماماً وعديمة النفع.

    المحاولات اليائسة للتطوريين لتفسير أصل الحياة

    تشكل التساؤلات المحيطة بكيفية ظهور الكائنات الحية لأول مرة مأزقاً حرجاً لدعاة التطور لدرجة أنهم يحاولون عادة عدم التعرض إلى هذا الموضوع، كما يحاولون التغاضي عنه بقولهم: إن المخلوقات الأولى ظهرت في الوجود نتيجة بعچ الأحداث العشوائية في الماء، ذلك لأنهم يواجهون عقبة في الطريق لا يستطيعون الالتفاف حولها بأية وسيلة ، وعلى نقيض النظرة التطورية من الناحية البالانتولوجية _ أي علم المتحجرات- لا يملكون هنا أية متحجرات لكي يشوهوها ويسيئوا تأويلها بغية دعم تأكيداتهم، وبالآتي فقد تم -بالتأكيد - دحض نظرية التطور منذ البداية.

    وهناك نقطة مهمة جديرة بالأخذ في الاعتبار، ألا وهي: إذا ثبت أن أية خطوة من عملية التطور مستحيلة، فهذا يكفي لإثبات أن النظرية بأكملها مزيفة وباطلة تماماً. فعلى سبيل المثال: إذا أثبتنا أن التكوين العشوائي للبروتينات أمر مستحيل فإننا ندحض بذلك كل الادعاءات الأخرى المتعلقة بالخطوات اللاحقة للتطور. وبعد هذه المرحلة، يصبح من غير المجدي أخذ جمجمة رجل ما وقرد ما لإجراء تخمينات عليها.

    وتعد كيفية ظهور الكائنات الحية في الوجود من كائنات غير حية مسألةً لم يرغب دعاة التطور حتى في ذكرها لمدة طويلة. ومع ذلك، أصبحت هذه المسألة التي لطالما تم تجنبها مشكلة حتمية، وجرت محاولات لحسمها من خلال سلسلة من الدراسات التي أجريت في الربع الثاني من القرن العشرين.

    وتمثل السؤال الأساسي في: كيف أمكن لأول خلية حية أن تظهر في جو الأرض البدائي؟ وبعبارة أخرى: أي نوع من التفسيرات يمكن أن يقدمه دعاة التطور لهذه المشكلة؟

    وجرت محاولات للإجابة على هذه الأسئلة من خلال التجارب. فقد أجرى علماء التطور وباحثوه تجارب معملية موجهة للإجابة على هذه الأسئلة، ولكنها لم تجذب الكثير من الاهتمام. وتتمثل أكثر التجارب احتراماً فيما يتعلق بأصل الحياة في التجربة المسماة باسم تجربة ميلر التي أجراها الباحث الأمريكي ستانلي ميلر سنة 1953 وتُعرف التجربة أيضاً باسم تجربة يوري-ميلر نظراً لإسهام أستاذ ميلر بجامعة شيكاغو، هارولد يوري، فيها. وتعتبر هذه التجربة الدليل الوحيد المزمَع استخدامه لإثبات فرضية التطور الجزيئي التي تم تقديمها لتكون علامة على المرحلة الأولى من فترة التطور. وعلى الرغم من مرور ما يقرب من نصف قرن وتحقيق تطورات تكنولوجية عظيمة، لم يتخذ أي شخص أية خطوات أخرى في هذا الطريق. ورغم هذا، لا تزال تجربة ميلر تُدرَّپ في كتب المقررات التعليمية بوصفها التفسير التطوري لظهور الجيل الأول من الكائنات الحية. ونظراً لإلمام دعاة التطور بحقيقة أن مثل هذه الدراسات لا تدعم فرضيتهم (بل تدحضها) تجنبوا -عن قصد- الخوض في مثل هذه التجارب.

    تجربة ميلر: محاولة فاشلة

    وقد تمثل هدف ستانلي ميلر من هذه التجربة في تقديم اكتشاف تجريبي يبين أن الأحماض الأمينية (التي هي وحدات بناء البروتينات) يمكن أن تكون قد ظهرت بالصدفة قبل بلايين السنين على الأرض الخالية من الحياة.

    وقد استخدم ميلر في تجربته خليطاً غازياً افترض وجوده على الأرض البدائية (ولكن اتضح فيما بعد أنه غير واقعي) يتكون من الأمونيا والميثان والهيدروجين وبخار الماء. وبما أن هذه الغازات لا تتفاعل بعضها مع بعض في الظروف الطبيعية، فقد أدخل ميلر محفّزاً من الطاقة إلى هذا المحيط كي يبدأ التفاعل بينها. وبافتراض أن هذه الطاقة يمكن أن تكون قد جاءت من ومضات البرق في الجو البدائي استخدم مصدراً صناعياً للتفريغ الكهربائي لإمداده بالطاقة.

    وقام ميلر بغلي هذا الخليط الغازي في حرارة شدتها مئة درجة مئوية لمدة أسبوع، وأضاف تياراً كهربائياً كذلك، وفي نهاية الأسبوع قام ميلر بتحليل المواد الكيميائية الموجودة في قاع الوعاء فلاحظ أن ثلاثة أحماض من الأحماض الأمينية العشرين التي تشكّل العناصر الأساسية للبروتينات قد تم إنتاجها اصطناعياً.

    وأحدثت هذه التجربة قدراً كبيراً من الإثارة لدى دعاة التطور وتم رفعها إلى درجة النجاح الخارق، وفي خضم حالة النشوى العارمة تلك ظهرت مطبوعات متنوعة بعناوين مثل ميلر يخلق الحياة! ومع ذلك، لم تكن الجزيئات التي استطاع ميلر أن يصطنعها سوى جزيئات غير حية.

    وبتشجيع من هذه التجربة، قام دعاة التطور مباشرة بوضع سيناريوهات جديدة؛ إذ تم -على عجل- افتراض المراحل اللاحقة للأحماض الأمينية. ويفترض أن تكون الأحماض الأمينية قد اتحدت لاحقاً في ترتيبات صحيحة بمحض الصدفة لتكوّن البروتينات. وقد قامت بعض هذه البروتينات المكونة بالصدفة بوضع نفسها في تركيبات شبيهة بغشاء الخلية (مثل التركيبات التي دخلت حيز الوجود بطريقة ما وكونت خلية بدائية)، واتحدت الخلايا مع مرور الوقت وكونت الكائنات الحية. ومع ذلك، لم تكن تجربة ميلر سوى ادعاء ثبت فيما بعد أنه مزيف من جوانب عدة.

    الحقائق التي أدت إلى إفلاس تجربة ميلر

    حاولت تجربة ميلر أن تثبت أن الأحماض الأمينية يمكن أن تتكون وحدها في ظروف الأرض البدائية، إلا أن هذه التجربة تعاني من متناقضات في عدد من النقاط. وتتمثل هذه المتناقضات فيما يأتي:

    1 باستخدام آلية تسمى المصيدة الباردة (cold trap) عزل ميلر الأحماض الأمينية من البيئة بمجرد تكونها، لأنه لو لم يفعل ذلك لكانت ظروف البيئة التي تكونت فيها الأحماض الأمينية ستؤدي إلى تدمير هذه الجزيئات في الحال.

    أحدث مصادر دعاة التطور تعارض تجربة ميلر
    تحظى تجربة ميلر اليوم بالإهمال الكامل حتى بين علماء التطور. ففي عدد فبراير 1998 من مجلة الأرض EARTH المعروفة بمناصرتها لنظرية التطور، ظهرت التصريحات التالية في مقالة بعنوان بوتقة الحياة:
    «يعتقد الجيولوجيون الآن أن الجو البدائي قد تكوّن في معظمه من ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، وهما غازان أقل تفاعلاً من تلك الغازات التي استُخدمت في تجربة عام .1953 وحتى إذا أمكن لجو ميلر أن يحدث، كيف يتسنى لك أن تجعل جزيئات بسيطة مثل الأحماض الأمينية تمر بالتغيرات الكيميائية اللازمة التي ستحولها إلى مركّبات أكثر تعقيداً أو بوليمرات مثل البروتينات؟ ميلر نفسه عجز عن حل ذلك الجزء من اللغز، وقد تنهد قائلاً بسخط: »إنها مشكلة«؛ »كيف تصنع البوليمرات؟

    لا يتم هذا الأمر بكل هذه السهولة« (1).

    وكما رأينا، فإن ميلر نفسه قد تقبّل الفكرة القائلة بأن تجربته لن تؤدي اليوم إلى أي استنتاج بإمكانه تفسير أصل الحياة. إن حقيقة أن علماءنا من دعاة التطور يحتضنون هذه التجربة بحماسة تشير فقط إلى بؤس التطور ويأس من يدعون إليه.

    وفي عدد مارپ من مجلة »ناشيونال جيوغرافيك« نُشرت مقالة بعنوان «ظهور الحياة على الأرض« كُتب فيها عن هذا الموضوع ما يلي:


    «إن العديد من العلماء الآن يشكّون في أن الجو البدائي كان مختلفاً عمّا افترضه ميلر في البداية. إنهم يعتقدون أنه كان متكوّنا من ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين بدلاً من الهيدروجين والميثان والأمونيا. وهذه أخبار سيئة للكيمائيين؛ فعندما يحاولون أن يشعلوا شرارة في ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، سيحصلون على كمية تافهة من الجزيئات العضوية تكافئ إذابة قطرة من ملوّن طعام في ماء بركة سباحة. وهكذا يجد العلماء صعوبة في تخيل أن الحياة قد نشأت من مثل هذا الحساء المخفف«(2).

    وباختصار، لا تستطيع تجربة ميلر ولا أية محاولة أخرى لدعاة التطور أن تجيب عن السؤال الخاص بكيفية ظهور الحياة على الأرض؛ إذ أن جميع البحوث التي أُجريت تبين استحالة ظهور الحياة بمحض الصدفة؛ ومن ثَمّ تؤكد على أن الحياة قد خُلقت.

    . 1.Earth, «Life’s Crucible», February ,1998 p.34
    2. National Geographic, «The Rise of Life on Earth», March ,1998 p.1.68


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    ومما لا شك فيه أن هذا النوع من آليات العزل الواعية لم يكن موجوداً في ظروف الأرض البدائية. وبدون مثل هذه الآلية، حتى إذا تكوّن حمض أميني واحد فإنه سوف يُدمَّر في الحال. ويشرح العالم الكيميائي، ريتشارد بليس، هذا التناقض بقوله: حقاً، لولا هذه المصيدة الباردة، لكانت المنتجات الكيميائية قد دُمِّرت بفعل المصدر الكهربائي. (101)

    وفي الحقيقة، لم يستطع ميلر في تجاربه السابقة أن يكوّن أي حمض أميني باستخدام نفس المواد بدون آلية المصيدة الباردة.

    2 لم تكن البيئة الجوية البدائية (التي حاول ميلر أن يحاكيها في تجربته) بيئة واقعية؛ فقد اتفق العلماء في الثمانينيات على الرأي القائل بأن النيتروجين وثاني أكسيد الكربون كان ينبغي أن يُستخدَما في هذه البيئة الصناعية بدلاً من الميثان والأمونيا. وبعد فترة طويلة من الصمت اعترف

    ميلر نفسه -أيضاً- بأن البيئة الجوية التي استخدمها في تجربته لم تكن واقعية. (102)

    قام ميلر ويوري بمحاكاة الجو القديم للأرض بخليط من غازي الميثان والأمونيا. وحسبما ورد عنهما، فقد كانت الأرض بحق خليطاً متجانساً من المعدن والصخر والجليد. ولكننا نفهم من أحدث الدراسات أن جو الأرض كان حاراً جداً في تلك الأزمنة وأنها كانت تتكون من النيكل والحديد المذاب، وبالآتي كان يجب أن يتكون الجو الكيمائي لتلك الفترة في معظمه من النيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. ولا تعد هذه الغازات غازات مناسبة مثل الميثان والأمونيا لإنتاج جزيئات عضوية. (103)

    وقد قام عالمان أمريكيان (هما فيريچ وتشين) بتكرار تجربة ميلر في بيئة جوية تحتوي على ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين وبخار الماء، ولكنهما لم يتمكنا من الحصول ولو على جزيء واحد من الحمض الأميني. (104)

    -3 وتوجد نقطة أخرى مهمة تُبطل تجربة ميلر، وهي أن الأكسجين الموجود في تلك الفترة كان كافياً لتدمير جميع الأحماض الأمينية في الجو في الوقت الذي كان يعتقد أنها قد تكونت فيه. وقد تكشّفت هذه النقطة (التي أغفلها ميلر) عن طريق آثار الحديد واليورانيوم المتأكسد التي وُجدت في الصخور التي يُقدَّر عمرها بنحو 3,5بليون سنة تقريبا. (105)

    وهناك اكتشافات أخرى تبين أن كمية الأكسجين الموجودة في تلك المرحلة كانت أكثر بكثير من تلك التي يدّعي دعاة التطور وجودها. وتبين الدراسات كذلك أن كمية الإشعاعات فوق البنفسجية التي كانت تتعرض لها الأرض في تلك الفترة كانت عشرة آلاف ضعف تقديرات دعاة التطور. ولم يكن هناك مفر من قيام هذه الإشعاعات المكثفة بتحرير الأكسجين من خلال تحليل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون الموجودَين في الجو إلى عناصرهما الأساسية.

    ويبطل هذا الأمر تجربة ميلر -التي أهملت الأكسجين تماما -بالكامل؛ ذلك أنه لو تم استخدام الأكسجين في التجربة لكان الميثان سينحلّ إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، بينما ستنحلّ الأمونيا إلى النيتروجين والماء. ومن ناحية أخرى، ففي البيئة التي لا يوجد فيها أكسجين لا مجال لوجود طبقة أوزون، ويعني هذا أن الأحماض الأمينية كانت ستُدمَّر في الحال لأنها ستتعرض إلى إشعاعات فوق بنفسجية عالية جداً بدون حماية طبقة الأوزون. وبعبارة أخرى: سواء أكان الأكسجين موجوداً في العالم البدائي أم لم يكن، كانت النتيجة ستتمثل في بيئة مدمرة للأحماض الأمينية.

    -4 بانتهاء تجربة ميلر تكون قد تكوّنت العديد من الأحماض العضوية ذات الخواص المدمِّرة لبنية الكائنات الحية ووظائفها، ولو لم تُعزَل الأحماض الأمينية وتُركت في نفس البيئة مع هذه الكمياويات لكان تدميرها أو تحولها إلى مركّبات مختلفة من خلال التفاعلات الكيميائية أمراً لا يمكن تفاديه.

    وفضلاً عن ذلك، فقد تكوّن عدد كبير من الأحماض الأمينية ذات الاتجاه الأيمن عند نهاية التجربة (106) ويعد وجود هذه الأحماض دحضاً للنظرية حتى من خلال منطقها؛ لأن الأحماض الأمينية اليَمناء كانت من نوع الأحماض الأمينية غير القادرة على تأدية وظيفتها في تكوين الكائنات الحية. وختاماً، لم تكن الظروف التي تكونت فيها الأحماض الأمينية في تجربة ميلر ظروفاً صالحة للحياة؛ فقد اتخذ هذا الوسط -في الواقع- شكل خليط حمضي يدمّر الجزيئات المفيدة التي يتم الحصول عليها ويؤكسدها.

    وهناك حقيقة واحدة راسخة تشير إليها جميع تلك الحقائق، ألا وهي: لا تستطيع تجربة ميلر أن تدّعي أنها أثبتت أن الكائنات الحية قد تكونت بمحض الصدفة في ظروف أرضية بدائية. ولم تكن التجربة -بأكملها- أكثر من مجرد تجربة معملية موجَّهة ذات هدف من أجل تركيب الأحماض الأمينية. وقد تم تحديد كميات وأنواع الغازات المستخدَمة في التجربة تحديداً مثالياً كي تتمكن الأحماض الأمينية من الظهور، كما أن كمية الطاقة التي تم إمداد النظام بها لم تكن كثيرة جداً أو قليلة جداً بل تمّ تنظيمها بدقة كي تمكّن التفاعلات الضرورية من الحدوث. أما بالنسبة للأجهزة المستخدَمة في التجربة فقد تم عزلها حتى لا تسمح بتسرب أي نوع من أنواع العناصر الضارة أو المدمرة، أو أي نوع آخر يمكن أن يعوق تكوين الأحماض الأمينية التي كان وجودها محتملاً في ظروف الأرض البدائية. ولم تتضمن التجربة أية مواد أو أملاح أو مركّبات كانت موجودة في ظروف الأرض البدائية وكان من المحتمَل أن تغير مجرى التفاعلات، ويعتبر الأكسجين - الذي كان سيمنع تكوين الأحماض الأمينية بسبب الأكسدة-أحد تلك المواد المدمرة. وحتى في ظل ظروف معملية مثالية، كان من المستحيل بالنسبة للأحماض الأمينية المنتَجَة أن تحافظ على بقائها وتتفادى التدمير بدون آلية المصيدة الباردة.

    وفي الواقع فإن دعاة التطور يقومون هم أنفسهم بدحض سيناريو التطور بواسطة هذه التجربة؛ لأن هذه التجربة إذا أثبتت أي شئ فقد أثبتت أن الأحماض الأمينية لا يمكن إنتاجها سوى في بيئة معملية مسيطَر عليها يتم فيها تصميم جميع الظروف بشكل محدد من خلال التدخل الواعي. أي أن القوة التي تُحدِث الحياة لا يمكن أن تأتي من صدفة غير واعية، ولكن -بالأحرى- من عملية خلق واعية.

    ويعد السبب الذي جعل دعاة التطور لا يقبلون هذا الحقيقة الجلية هو خضوعهم الأعمى لآراء مسبقة غير علمية البتة. ومن الأمور المثيرة أن هارولد يوري، الذي قام بتنظيم تجربة ميلر مع تلميذه ستانلي ميلر، قد أدلى بالاعتراف الآتي حول هذا الموضوع:

    يكتشف كل من يقوم منا بدراسة أصل الحياة بأنه كلما أمعنا النظر في هذا االموضوع كلما شعرنا بأنه أعقد من أن يتطور في أي مكان. وكلنا نسلم، كقضية عقائدية، بأن الحياة قد تطورت من المادة الميتة في هذا الكون، ولكن كل ما في الأمر أن تعقيدها من الضخامة بمكان بحيث يصعب علينا أن نتخيل وقوع الأمر بهذه الطريقة. (107)


    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.


    على الرغم من كل المتناقضات

    التي استشهدنا بها أعلاه، ما زال دعاة التطور يشيرون إلى تجربة ميلر ليتجنبوا المشكلة المتصلة بكيفية تكون الأحماض الأمينية بمفردها في جو العالم البدائي. إنهم لا يزالون حتى اليوم يخدعون الناس بالتظاهر بأن المسألة قد تم حلها بهذه التجربة الزائفة.

    ومع ذلك، فقد واجه دعاة التطور -عند تفسير المرحلة الثانية من أصل الحياة- مشكلة أكبر لا تقارن بمشكلة تكوين الأحماض الأمينية ألا وهي: البروتينات؛ أي: وحدات بناء الحياة المكوَّنة من مئات الأحماض الأمينية المختلفة التي تتحد مع بعضها البعض في نظام معين.

    ويعتبر الادعاء القائل بأن البروتينات قد تكونت بمحض الصدفة في ظل الظروف الطبيعية ادعاء يفتقر إلى الواقعية والمعقولية بدرجة أكبر من الادعاء القائل بأن الأحماض الأمينية قد تكونت بمحض الصدفة. وفي الصفحات السابقة درسنا بواسطة حسابات الاحتمالات الاستحالة الرياضية للاتحاد العشوائي للأحماض الأمينية بترتيبات صحيحة بغية تكوين البروتينات، أما الآن فسوف ندرپ استحالة تكوين البروتينات كيميائياً في ظروف الأرض البدائية.

    تصنيع البروتين في الماء غير ممكن

    عندما تتجمع الأحماض الأمينية لتكوين البروتينات تشكل هذه الأحماض ترابطاً خاصاً فيما بينها يسمى ترابط الببتايْد. وأثناء تكوين هذا الترابط يتحرر جزيء مائي واحد.

    وتقوم هذه الحقيقة -بلا شك- بدحض تفسير دعاة التطور القائل بأن الحياة البدائية قد ظهرت في الماء؛ لأنه -وفقاً لمبدأ شاتولييه في الكيمياء (Le Châtellier Principle)- فإنه لا يمكن أن يحدث تفاعل يحرر ماء - تفاعل تكثيف- في بيئة مائية، والذي يُقال دائماً إن احتمال تحقق مثل هذا التفاعل في بيئة مائية يكاد يكون غير ممكن من بين جميع التفاعلات الكيميائية.

    إذن فالمحيطات - حيث يُزعم أن الحياة قد نشأت فيها وكذلك الأحماض الأمينية- هي دون شك ليست الأماكن الصحيحة التي يمكن للأحماض الأمينية أن تنتج فيها البروتينات.

    ومن ناحية أخرى، سيكون من غير المنطقي بالنسبة لدعاة التطور أن يغيروا آراءهم ويدّعوا أن الحياة قد نشأت على اليابسة؛ لأن البيئة الوحيدة التي كان من الممكن أن تحمي الأحماض الأمينية من الأشعة فوق البنفسجية هي المحيطات والبحار. فعلى اليابسة سيتم تدميرها بفعل الأشعة فوق البنفسجية، كما أن مبدأ شاتولييه يدحض ادعاء تكوين الحياة في البحر. وهذه ورطة أخرى تواجه دعاة التطور.

    المادة غير الحية لا تستطيع أن تولد حياة
    ]لقد أجرى دعاة التطور عدداً من التجارب (مثل تجربة ميلر وتجربة فوكس) ليثبتوا ادّعاءهم بأن المادة غير الحية تستطيع أن تنظم نفسها وتكوّن كائناً حياً معقداً. وهذا الادعاء غير علمي أبداً؛ ذلك أن كل ملاحظة وتجربة أثبتت دون جدال أن المادة لا تمتلك مثل هذه المقدرة. ويذكر السير فريد هويل، الفلكي وعالم الرياضيات المشهور، أن المادة لا تستطيع أن تنتج الحياة بنفسها بدون تدخل مقصود:
    «لو فرضنا -جدلاً- أن هناك مبدأ أساسياً للمادة استطاع بطريقة ما أن يقود نظماً عضوية نحو الحياة، فيجب أن يكون من السهل إثبات وجوده في المختبر. ويستطيع المرء -على سبيل المثال- أن يأخذ بركة السباحة كمثال على الخليط البدائي. املأ البركة بأية كيماويات تشاء من تلك التي ليس لها طبيعة بيولوجية. ضخ أية غازات فوقها أو خلالها (كما تشاء) ثم سلط عليها أي نوع من أنواع الإشعاع يستهويك. دع التجربة تستمر لمدة سنة وراقب كم من تلك الإنزيمات البالغ عددها 2000 إنزيم (برويتنات تنتجها الخلايا الحية) ظهرت في البركة. سأوافيك بالإجابة كي أوفّر عليك الزمن والمشقة والنفقات اللازمة للقيام بهذه التجربة في الواقع. إنك لن تجد شيئاً أبداً، ربما باستثناء وحلٍ مقطرن مكون من أحماض أمينية وكيماويات عضوية بسيطة أخرى»(1).

    ويعترف أندرو سكوت، عالم الأحياء المناصر للتطور، بنفس الحقيقة على النحو الآتي:

    «خذ مادة ما، سخنها أثناء تحريكها وانتظر. هذه هي النسخة الحديثة للنشوء. ويفترض من القوى »الأساسية« للجاذبية والكهرطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة أن تقوم بالباقي... ولكن كم من هذه الحكاية المنسقة قد تم إثباته بحسم وكم منها يبقى تخميناً متفائلاً ؟ في الحقيقة، إن آلية كل خطوة مهمة تقريباً -من النذر الكيميائية إلى أول الخلايا التي يمكن التعرف عليها- هي موضوع قابل للجدل أو موضوع محيّر تماماً»(2).

    1.Fred Hoyle, The Intelligent Universe, New York, Holt, Rinehard & Winston, 1983, p. 256

    2. Andrew Scott, “Update on Genesis” , New Scientist, vol. 106, May 2nd, 1985, p.


    جهد آخر يائس : تجربة فوكس

    ولمواجهة التحدي المذكور أعلاه، بدأ دعاة التطور في اختراع سيناريوهات غير واقعية حول مشكلة الماء هذه التي كانت كفيلة بدحض نظريتهم تماما. وقام فوكس، الذي كان من ضمن أشهر باحثي التطور، بتقديم النظرية الآتية لحل هذه المشكلة. فوفقاً لفوكس، لا بد أن تكون الأحماض الأمينية الأولى قد جُرّتْ إلى بعض هضاب قريبة من بركان بعد تكوينها مباشرة في المحيط البدائي، ولا بد أن الماء الموجود في هذا الخليط الذي تضمن الأحماض الأمينية الموجودة على الهضاب قد تبخر عندما ارتفعت درجة الحرارة فوق درجة الغليان. وهكذا كان بإمكان الأحماض الأمينية التي جفت أن تتجمع لتكوين البروتينات.

    ومع ذلك، لم تلقَ هذه الطريقة المعقدة للخروج من المأزق قبولاً لدى كثير من الناس، لأن الأحماض الأمينية لم تكن لتتحمل مثل هذه الدرجات من الحرارة ؛ ذلك أن البحوث أثبتت أن الأحماض الأمينية تتدمر كلياً عند درجات الحرارة العالية.

    ولكن فوكس لم ييأس، فقد استطاع أن يحقق اتحاد الأحماض الأمينية المنقّاة في المختبر تحت ظروف خاصة جداً من خلال تسخينها في بيئة جافة، ولكن ذلك لم ينتج البروتينات. وفي الواقع، لم يحصل فوكس سوى على حلقات بسيطة وغير منظمة من الأحماض الأمينية التي اتحدت مع بعضها البعض قسراً، وكانت هذه الحلقات بعيدة عن الشبه بأي بروتين حي. وبالإضافة إلى ذلك، لو احتفظ فوكس بالأحماض الأمينية عند درجة حرارة مستقرة فإن تلك الحلقات غير المفيدة كانت ستنحل أيضا. (108)

    وهناك نقطة أخرى أبطلت التجربة؛ ألا وهي أن فوكس لم يستخدم الناتج النهائي غير المفيد الذي يتم الحصول عليه في تجربة ميلر، بل استخدم أحماضاً أمينية نقية من كائنات حية. ولكن كان على هذه التجربة التي قُصد منها أن تكون امتداداً لتجربة ميلر أن تبدأ من النتائج التي حققها ميلر. ومع ذلك، فلا فوكس ولا أي باحث آخر استخدم الأحماض الأمينية غير المفيدة التي أنتجها ميلر. (109)

    ولم تلقَ تجربة فوكس قبولاً إيجابياً ولا حتى لدى أوساط دعاة التطور؛ لأنه كان واضحاً أن سلاسل الأحماض الأمينية (نظائر البروتينات) «proteinoids» عديمةَ الجدوى التي حصل عليها فوكس لم تكن لتتكون في ظروف طبيعية. وبعد ذلك كله، ما زال من غير الممكن إنتاج البروتينات التي هي وحدات الحياة. وهكذا، ظلت مسألة أصل البروتينات معلقة. وفي مقالة نُشرت في المجلة العلمية الرائجة في السبعينيات، أخبار الهندسة الكيميائية

    (Chemical Engineering News)، ورد ذكر تجربة فوكس على النحو الآتي:

    استطاع سدني فوكس والباحثون الآخرون أن يحققوا اتحاد الأحماض الأمينية في شكل نظائر بروتينات باستخدام تقنيات تسخين خاصة جداً في ظروف لم تكن في الواقع موجودة أبداً في مراحل الأرض البدائية، كما أنها لم تكن مشابهة أبداً للبروتينات المنظمة جداً الموجودة في الكائنات الحية. فهي لم تكن سوى بقع غير منتظمة وعديمة الفائدة. وقد ذُكر بوضوح أنه حتى إذا كانت مثل هذه الجزيئات قد تكونت في العصور الأولى فإنها كانت ستتدمر بكل تأكيد. (110)

    لقد كانت نظائر البروتينات التي أنتجها فوكس -في الواقع- مختلفة تماماً عن البروتينات الحقيقية من حيث البنية والوظيفة. ويشبه الفرق بين البروتينات ونظائر البروتينات الفرق بين إحدى المعدّات التكنولوجية المتقدمة وكومة من المادة الخام غير المعالجة.

    وبالإضافة إلى ذلك لم تتوفر أية فرصة لهذه الأحماض الأمينية كي تبقى حية في الجو البدائي؛ إذا أن التأثيرات المادية والكيميائية الضارة والمدمرة التي يسببها التعرض الشديد للأشعة فوق البنفسجية والظروف الطبيعية غير المستقرة ستجعل نظائر البروتينات تلك تنحل. ووفقاً لمبدأ شاتولييه، كان من المستحيل بالنسبة لهذه الأحماض الأمينية أن تتحد في الماء حيث لن تصلها الأشعة فوق البنفسجية. ونظراً لذلك، فقدت الفكرةُ القائلة بأن نظائر البروتينات كانت تشكل أساپ الحياة تأييدَ العلماء في نهاية المطاف.

    الجزيء المعجزة: الحمض النووي الصبغي” “DNA

    لقد أوضحت دراساتنا عند المستوى الجزيئي حتى الآن أن دعاة التطور في مأزق كبير على المستوى الجزيئي، ومن ناحية أخرى لم يستطيعوا إلقاء الضوء على تكوين الأحماض الأمينية أبداً. أما تكوين البروتينات فبقي لغزا قائما في حد ذاته. ولكن المسألة لم تعد قاصرة فقط على الأحماض الأمينية والبروتينات؛ إذ أن هذين يشكلان البداية فقط، وحتى بتجاوزهما فإن التركيب المحكم للخلية يقود دعاة التطور إلى مأزق كبير، والسبب في ذلك هو أن الخلية ليست مجرد كومة من البروتينات المركبة من أحماض أمينية؛ إنها آلية حية لديها مئات النظم المتطورة، وهي من التعقيد بمكان بحيث يصبح الإنسان عاجزاً عن حل سرها. وبعيداً عن النظم المعقدة فإن دعاة التطور عاجزون حتى عن تفسير تكوين الوحدات الأساسية للخلية.

    وفي حين عجزت نظرية التطور عن توفير تفسير مترابط لوجود الجزيئات التي هي أساپ بنية الخلية، فإن التطورات التي طرأت على علم الوراثة واكتشاف الأحماض النووية (الحمض النووي الصبغي “DNA” والحمض النووي الريبي (“RNA” قد أظهرت مشاكل جديدة تماماً لنظرية التطور. ففي عام 1955 استهلّت أعمال العالِمَين، جيمس واتسون وفرانسيس كريك، عصراً جديداً في عالم الأحياء، لذا توجه الكثير من العلماء ببحوثهم نحو علم الأحياء،واليوم وبعد سنوات من البحوث، تم اكتشاف بنية الحمچ النووي الصبغي بدرجة كبيرة.

    ويحتوي الجزئ المسمى بالحمض النووي الصبغي (الموجود في كل نواة من المئة تريأتيون خلية في جسم الإنسان) على خريطة كاملة لبناء الجسم البشري. إذ أن المعلومات الخاصة بجميع صفات الإنسان (من المظهر الجسدي إلى بنية الأعضاء الداخلية) مسجلة في الحمض النووي الصبغي بواسطة نظام تشفير خاص. ويتم تشفير المعلومات الموجودة في الحمض النووي الصبغي في إطار تتابع اربع جزيئات خاصة بتسلسل خاص. وتسمى هذه الجزيئات ب النيكلوتايد أو القاعدة وترمز لها بالحروف الأولى من أسمائها»A, T, G, C» . وتعتمد جميع الاختلافات التركيبية بين الناس على التنوعات الموجودة في تتابع هذه الحروف، ويعد هذا نوعاً من أنواع بنوك المعلومات المكوَّنة من أربعة حروف

    تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.
    واتسون وكريك، ومعهما نموذج من الأعواد لجزيء الحمض النووي الصبغي

    . ويحدد الترتيب التتابعي للحروف في الحمض النووي الصبغي تركيب الإنسان نزولاً إلى أصغر التفاصيل. وبالإضافة إلى الملامح (مثل الطول والعين والشعر ولون البشرة) فإن الحمض النووي الصبغي للخلية الواحدة يحتوي أيضا على تصميم 206 عظمة، و600 عضلة، وشبكة مكونة من 10,000 عضلة سمعية، وشبكة مكونة من مليونَي عصب بصري، و100 بليون خلية عصبية، و130 بليون متراً من الأوردة الطويلة، و100 تريأتيون خلية في الجسم! وإذا أردنا أن نكتب المعلومات المشفَّرة في الحمچ النووي الصبغي فسيعني هذا أننا نريد تأليف مكتبة عملاقة تحوي 900 مجلد من الموسوعات يتألف كل مجلد منها من 500 صفحة! إن هذا القدر الغزير من المعلومات المشفَّرة موجود في مكوّنات الحمض النووي الصبغي المسماة بالجينات.

    هل يمكن أن ينشأ الحمض النووي الصبغي مصادفة؟

    لا بد من الانتباه -عند هذه النقطة- إلى قضية تفصيأتية دقيقة؛ ألا وهي أن أي خطأ في ترتيب النيوكليوتيد الذي تتكون منه الجينة سيجعلها عديمة الفائدة تماماً. وعند الأخذ في الاعتبار أنه يوجد مئتا ألف جينة في الجسم البشري، يتضح أكثر أن من المستحيل لملايين النيوكليوتيدات المكوِّنة لهذه الجينات أن تتجمع بمحض الصدفة بالترتيب الصحيح. ويعلّق عالم الأحياء التطوري، فرانك سالزبيري، على هذه الاستحالة بقوله:

    يضم البروتين متوسط الحجم نحو 300 حمض أميني. وتحوي سلسلة جينات الحمچ النووي الصبغي المتحكمة في هذه الأحماض نحو 1000 نيوكليوتيدة. ونظراً لوجود أربعة أنواع من النيوكليوتيدات في سلسلة الحمچ النووي الصبغي فيمكن لسلسلة واحدة منها مكونة من 1000 حلقة أن تتواجد في عدد من الأشكال يساوي (41000) شكلا- أي 4 أس ألف- وباستخدام قليل من اللوغاريتمات) نجد أن 41000 يساوي رقما هائلا لا يستطيع الخيال الإنساني إدراكه ).(111)

    ونعرف باستعمال اللوغاريتمات أن رقم 41000 يساوي 10600 أي الرقم واحد وأمامه ستمائة صفر، وهو رقم هائل خارجإدراكنا.

    إذا كان هذا الرقم يُشكَّل عن طريق إضافة 600 صفر إلى الرقم ,1 وبما أن الر قم 10 وبعده 11 صفراً يشير إلى التريأتيون، فإن من الصعب علينا إدراك الرقم المكون من 600 صفر بعد الواحد. وقد قام العالم الفرنسي بول أوجر بالتعبير عن استحالة تكوين الحمض النووي الصبغي والحمض النووي الريبي بتجمع النيوكليوتيدات بمحض الصدفة بالطريقة الآتية:

    علينا أن ندرك بوضوح تام الفرق بين مرحلتين من مراحل التكوين العَرَضي للجزيئات المعقدة، مثل النيوكلوتيدات، نتيجة الأحداث الكيميائية. وتتمثل هاتان المرحلتان في إنتاج النيوكلوتيدات الواحدة تلو الأخرى، وهذا أمر ممكن، وفي اتحاد هذه النيوكلوتيدات في تتابع خاص جداً، وهذا أمر مستحيل بالتأكيد. (112)

    وحتى فرانسيس كريك، الذي آمن بنظرية التطور الجزيئي لسنين عدة، اعترف لنفسه بعد اكتشاف الحمض النووي الصبغي أن مثل هذا الجزيء المعقد لا يمكن تكوينه عفوياً بمحض الصدفة نتيجة لعملية تطورية:

    لا يستطيع الرجل الصادق المسلح بكل المعلومات المتوفرة لدينا الآن سوى أن يعلن -بطريقة ما- أن ظهور أصل الحياة في الوقت الحاضر يكاد يكون معجزة. (113) وقد اضطر العالم التركي التطوري علي ديميرسوي، أن يدلي بالاعتراف الآتي حول هذا الموضوع:

    في الحقيقة، تعتبر احتمالية تكوين بروتين وحمض نووي (الحمض النووي الصبغي والحمض النووي الريبي) احتمالية بعيدة جدا عن التحقق. أما فرصة ظهور سلسلة بروتينية معينة فهي من الضآلة بمكان بحيث يمكن القول عنها إنها فلكية. (114)

    ويبرز عند هذه النقطة مأزق مثير جداً؛ ألا وهو: في حين أن الحمض النووي الصبغي لا يتكرر إلا بمساعدة بعض الإنزيمات، وهي البروتينات في الواقع، فإن تصنيع هذه الإنزيمات لا يمكن أن يتم سوى عن طريق المعلومات المشفَّرة في الحمض النووي الصبغي. وبما أن كلاً منهما يعتمد على الآخر، فإما أن يكونا موجودَين في نفس الوقت من أجل عملية التكرار أو أن يكون أحدهما قد خُلِق قبل الآخر!

    ويعلق عالم الأحياء المجهرية الأمريكي جاكبسون على هذا الموضوع بقوله:

    إن التوجيهات اللازمة من أجل إعادة إنتاج الخطط، ومن أجل الطاقة ومن أجل استخراج الأجزاء من البيئة الحالية، ومن أجل تسلسل النمو، ومن أجل آلية الاستجابة التي تترجم الأوامر إلى نمو... كان لا بد من وجودها جميعاً في نفس الوقت في تلك اللحظة (أي عندما بدأت الحياة). وقد بدا هذا الاتحاد بين الأحداث غير محتمَل بدرجة لا تصدَّق وكثيراً ما كان يُعزى إلى تدخل إلهي. (115)
    اعترافات من دعاة التطور
    توضّح حسابات الاحتمالات أن الجزيئات المعقدة مثل البروتينات والأحماض النووية (الحمض النووي الصبغي والحمض النووي الريبي) ما كان من الممكن تكوينها بالصدفة دون الاعتماد على بعضها البعض. ومع ذلك، يجب على دعاة التطور أن يواجهوا المشكلة الأكبر؛ ألا وهي أن على جميع هذه الجزيئات المعقدة أن تتعايش معاً في نفس الوقت من أجل حدوث الحياة أصلاً. ويسبب هذا المتطلب إرباكاً كاملاً لنظرية التطور، وقد أجبرت هذه النقطة بعض دعاة التطور على الاعتراف بها. فعلى سبيل المثال، تقول المساعِدة المقربة لستانلي ميلر وفرانسيس كيريك والعاملة بجامعة سان دييغو بكاليفورنيا، داعية التطور ذائعة الصيت الدكتورة لزلي أورجل:
    «إن من غير المحتمل إلى أقصى حد أن البروتينات والأحماض النووية، التي تتسم كل منها بتركيب معقد، قد نشأت تلقائياً في نفس المكان وفي نفس الوقت، كما يبدو من المستحيل أيضاً أن يوجد أحدهما دون الآخر. وعلى ذلك، قد يضطر المرء لأول وهلة أن يستنتج أن الحياة ما كان يمكن أن تكون قد نشأت -في الحقيقة- بوسائل كيميائية»(1).

    ويقر علماء آخرون بهذه الحقيقة أيضاً:

    «لا يستطيع الحمض النووي الصبغي أن يؤدي عمله، بما في ذلك تكوين مزيد من الأحماض النووية الصبغية، دون مساعدة بروتينات أو إنزيمات محفزة. وباختصار، لا يمكن أن تتكون البروتينات بدون حمچ نووي صبغي، ولكن الحمض النووي الصبغي لا يمكن أن يتكون بدون بروتينات!»(2).

    «ولكن كيف نشأت الشفرة الجينية إلى جانب آلياتِ ترجمتِها (الريباسات وجزيئات الحمض النووي الريبي)؟ في الوقت الحاضر، سنضطر أن نقنع أنفسنا بإحساس من الدهشة والرهبة، بدلاً من الإجابة»(3).

    1.Leslie E. Orgel, “The Origin of Life on Earth”, Scientific American ,vol 271, October 1994, p. 78

    2.John Horgan, “In the Begining”, Scientific American, vol. 264, February 1991, p. 119

    3. Douglas R. Hofstadter, Godel, Escher, Bach: An Eternal Golden Braid, New York, Vintage Books, 1980, p.548



    وقد كتب الاقتباپ المذكور أعلاه بعد سنتين من كشف جيمچ واتسون وفرانسيچ كريك لتركيب الحمض النووي الصبغي. ولكن على الرغم من كل التطورات التي حدثت في مجال العلوم لا تزال هذه المشكلة تبحث عن حل لدى دعاة التطور. وقد شرح عالمان ألمانيان، وهما جونكر وشيرر، أن تصنيع كل جزيء من الجزيئات المطلوبة من أجل التطور الكيميائي يتطلب ظروفاً متميزة، وأن الاحتمالية النظرية لتركيب هذه المواد التي يتم الحصول عليها بأساليب مختلفة جداً تساوي صفراً:

    لا توجد -حتى الآن- أية تجربة نستطيع من خلالها الحصول على جميع الجزيئات الضرورية للتطور الكيميائي. لذا، من الضروري أن يتم إنتاج جزيئات متنوعة في أماكن مختلفة في ظروف ملائمة جداً ثم يتم حملها إلى مكان آخر من أجل التفاعل، مع حمايتها من العناصر الضارة مثل الانحلال المائي والتحلل الضوئي. (116) وباختصار، تقف نظرية النشوء والتطور عاجزة عن إثبات أية مرحلة من المراحل التطورية المفترَض حدوثها عند المستوى الجزيئي. وبدلاً من أن يقدم التقدم العلمي إجابات لمثل هذه الأسئلة، أدى إلى جعل هذه الأسئلة أكثر تعقيداً ولا سبيل للخلاص منها.

    ومن الأمور المثيرة أن دعاة التطور يعتقدون في صحة جميع تلك السيناريوهات المستحيلة، وكأن كل واحدة منها تشكل حقيقة علمية. وبما أن دعاة التطور مكيَّفون على إنكار الحقيقة، فليچ أمامهم أية فرصة سوى الاعتقاد في المستحيل. وقد تعرض لهذا الموضوع عالم الأحياء الأسترالي الشهير، مايكل دنتون، في كتابه الذي يحمل عنوان: التطور: نظرية في أزمة

    (Evolution: A Theory in Crisis) بقوله:

    بالنسبة للشخص المتشكك، فإن الفكرة القائلة بأن البرامج الجينية للكائنات الحية العليا (المكوَّنة من ما يقرب من ألف مليون معلومة، والمكافئة لتتابع حروف ألف مجلد في مكتبة صغيرة، والمتضمَّنة في شكلٍ مشفَّر مكون من آلاف مؤلفة من الرموز التلغرافية المعقدة التي توجه وتحدد وتأمر بالنمو، وكذلك بتكون بلايين وبلايين من الخلايا في شكل كائن حي معقد)، القول بأن هذه البرامج الجينية قد تكونت بعملية عشوائية بحتة تعد إساءة للعقل. ولكن بالنسبة للدارونيين، تعتبر هذه الفكرة مقبولة دون أية ذرة من شك!

    .
    دليل مدونات المناظر المسلم

    http://fast00fast.blogspot.com/

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كشف خديعة ابليس في احياء ملة داود بن جرجيس
    بواسطة أبو المسيطر في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-07-2011, 03:55 AM
  2. تلخيص كتاب خديعة التطور
    بواسطة ابن النعمان في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 05-31-2011, 10:22 PM
  3. فبأى حديـث بــعـده يـؤمنـون
    بواسطة ابو طارق في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-09-2007, 04:51 PM
  4. خديعة التطور
    بواسطة عبدالعزيز الباروني في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-03-2006, 03:04 AM
  5. خديعة التطور لهارون يحيى
    بواسطة أبو مريم في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-11-2005, 11:48 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء