{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً }الكهف12
تفسير الجلالين : (ثم بعثناهم) أيقظناهم
(لنعلم) علم مشاهدة (أي الحزبين) الفريقين المختلفين في مدة لبثهم ..
(أحصى) أفعل بمعنى أضبط (لما لبثوا) للبثهم متعلق بما بعده (أمدا) غاية..
(التفسير الميسر ) : ثم أيقظناهم مِن نومهم؛
لنُظهر للناس ما علمناه في الأزل؛ فتتميَّز أي الطائفتين المتنازعتين في مدة لبثهم أضبط في الإحصاء، وهل لبثوا يومًا أو بعض يوم، أو مدة طويلة؟
{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }سبأ21
تفسير الجلالين : 21 - (وما كان له عليهم من سلطان) تسليط
(إلا لنعلم) علم ظهور (من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) فنجازي كلا منهما (وربك على كل شيء حفيظ) رقيب
(التفسير الميسر ): وما كان لإبليس على هؤلاء الكفار مِن قهر على الكفر, ولكن حكمة الله اقتضت تسويله لبني آدم;
ليظهر ما علمه سبحانه في الأزل؛ لنميز مَن يصدِّق بالبعث والثواب والعقاب ممن هو في شك من ذلك. وربك على كل شيء حفيظ, يحفظه ويجازي عليه
قوله تعالى : ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من حكم بعثه لأصحاب الكهف بعد هذه النومة الطويلة أن يبين للناس أي الحزبين المختلفين في مدة لبثهم أحصى لذلك وأضبط له ، ولم يبين هنا شيئا عن الحزبين المذكورين .
وأكثر المفسرين على أن أحد الحزبين هم أصحاب الكهف ، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية ، وقيل : هما حزبان من أهل المدينة المذكورة ، كان منهم مؤمنون وكافرون ، وقيل : هما حزبان من المؤمنين في زمن أصحاب الكهف . اختلفوا في مدة لبثهم ، قاله الفراء : وعن ابن عباس : الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب ، وأصحاب الكهف حزب ، إلى غير ذلك من الأقوال .
والذي يدل عليه القرآن : أن الحزبين كليهما من أصحاب الكهف ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن ، وذلك في قوله تعالى : وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [ 18 \ 19 ] ، وكأن الذين [ ص: 209 ] قالوا :
ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول ، ولقائل أن يقول : قوله عنهم : ربكم أعلم بما لبثتم يدل على أنهم لم يحصوا مدة لبثهم ، والله تعالى أعلم .
وقد يجاب عن ذلك بأن رد العلم إلى الله لا ينافي العلم ، بدليل أن الله أعلم نبيه بمدة لبثهم في قوله : ولبثوا في كهفهم الآية [ 8 \ 25 ] ، ثم أمره برد العلم إليه في قوله : قل الله أعلم بما لبثوا الآية [ 18 \ 26 ] .
وقوله : بعثناهم أي من نومتهم الطويلة ، والبعث : التحريك من سكون ، فيشمل بعث النائم والميت ، وغير ذلك .
وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر الله جل وعلا حكمة لشيء في موضع ، ويكون لذلك الشيء حكم أخر مذكورة في مواضع أخرى ، فإنا نبينها ، ومثلنا لذلك ، وذكرنا منه أشياء متعددة في هذا الكتاب المبارك .
وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى هنا في هذه الآية الكريمة بين من حكم بعثهم إظهاره للناس : أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ، وقد بين لذلك حكما أخر في غير هذا الموضع .
منها أن يتساءلوا عن مدة لبثهم ; كقوله : وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم الآية [ 18 \ 19 ] .
ومنها إعلام الناس أن البعث حق ، وأن الساعة حق لدلالة قصة أصحاب الكهف على ذلك ، وذلك في قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها الآية [ 18 \ 21 ] .
واعلم أن قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ثم بعثناهم لنعلم الآية ، لا يدل على أنه لم يكن عالما بذلك قبل بعثهم ، وإنما علم بعد بعثهم ، كما زعمه بعض الكفرة الملاحدة ، بل هو جل وعلا عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، والآيات الدالة على ذلك لا تحصى كثرة .
وقد قدمنا أن من أصرح الأدلة على أنه جل وعلا لا يستفيد بالاختبار والابتلاء علما جديدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، قوله تعالى في آل عمران : وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم
والله عليم بذات الصدور [ 3 \ 154 ] ، فقوله : [ ص: 210 ] والله عليم بذات الصدور بعد قوله : وليبتلي دليل واضح في ذلك .
وإذا حققت ذلك فمعنى لنعلم أي الحزبين أي نعلم ذلك علما يظهر الحقيقة للناس ، فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك دون خلقه .
منقول من : اسلام ويب .
Bookmarks