عرف الفلسطينيون ما يسمى بالتنسيق الأمني مع الاحتلال بعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب إتفاقات أوسلو، وبمقتضى التنسيق الأمني يتم تقديم معلومات أمنية تخص المجاهدين الفلسطينيين إلى الجانب الإسرائيلي –كما يتم تسميته- وهذه المعلومات قد تتضمن معلومات شخصية عن المطلوبين لإسرائيل مثل أماكن سكنهم وأرقامهم ورصد بتحركاتهم ونشاطاتهم ، وقد تتضمن تزويد الجانب الإسرائيلي بنتيجة التحقيقات التي تقوم بها أجهزة الأمن الفلسطينية مع المجاهدين بعد اعتقالهم والتي تدور غالباً حول الأسلحة وكيفية الحصول عليها وحول مصادر التمويل وأماكن اختفاء المطلوبين وبنيتهم التنظيمية.

وهكذا أصبح رجال أمن السلطة سواء شعروا أم لم يشعروا مجندين لخدمة الاحتلال الصهيوني والحفاظ على أمنه، بل تشير المعلومات المتوفرة إلى أن ضباطاً فلسطينيين مسئولين عن التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي قد أصبحوا عملاء بشكل كامل للعدو وارتبطوا به وقد نشرت قصص العديد منهم.

ومن العجيب والغريب أن كثير منهم يعتبرون عملهم هذا – عمل وطني يحقق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ويحمي المشروع الوطني الفلسطيني! – ، والأشد غرابة أن كثير من هؤلاء المحققين في أجهزة الأمن كانوا سابقاً أسرى ومعتقلين في سجون العدو الصهيوني وعانوا من بطشه وطغيانه!!.

لكن النتائج الكارثية للتنسيق الأمني لم تكن فقط في احباط عمليات المجاهدين ضد الاحتلال بل أدت إلى قتل المجاهدين وتصفيتهم أو اعتقالهم من قبل الاحتلال الصهيوني.
والوقائع الشاهدة على ذلك كثيرة ومتنوعة فقد تم اغتيال القائد المهندس الشهيد محي الدين الشريف بعد اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية ، ونفس الأمر تكرر مع الأخوين الشهيدين عادل وعماد عوض الله الذين اغتيلا بعدما كشفت أجهزة أمن السلطة أماكن اختفاؤهما.

أما المهندس المجاهد حسن سلامة بطل عمليات الثأر المقدس للشهيد يحيى عياش فقد قام الاحتلال باعتقاله بعد حملة مطاردة مستمرة له من قبل أجهزة أمن السلطة بقيادة العقيد جبريل الرجوب.

وبلغت الخيانة أشدّها عندما قامت أجهزة أمن السلطة باعتقال المجاهدين الأبطال في خلية صوريف القسامية التي نفذت العديد من العمليات النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي ثم قامت بتسليمهم إلى الجانب الإسرائيلي!.

وبعد حدوث الانقسام في الأراضي الفلسطينية عام 2006 وتشكيل حكومتين منفصليتين واحدة في غزة والثانية في رام الله شنت أجهزة الأمن الفلسطينية حرباً ضروساً ضد المقاومة في الضفة الغربية فصادرت الأسلحة واعتقلت المقاومين والمجاهدين وأحبطت العديد من عمليات المجاهدين ضد الاحتلال.

لكن الأكثر إثارة هو نشوء نوع جديد من التنسيق الأمني غير المباشر وهو ما أدى أيضاً إلى اغتيال العديد من المجاهدين بسببه في غزة ففي إطار سعيها لمنع وجود التيار السلفي الجهادي في قطاع غزة قامت اجهزة الأمن في حكومة غزة باعتقال العديد من المجاهدين السلفيين وقامت بالتحقيق معهم حول أنشطتهم الجهادية وقد أدى هذا الأمر إلى تعرض الكثير من هؤلاء المجاهدين بعد الإفراج عنهم إلى الاغتيال على يد الاحتلال الإسرائيلي كما جرى للشهيد المجاهد هشام السعيدني والشهيد أشرف صباح والشهيد هايل القاضي وغيرهم.
فمن بين أكثر من 50 شهيداً سلفياً في غزة قتلوا بيد الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات القليلة الماضية فإن أكثر من نصفهم كانوا قد تعرضوا للاعتقال في سجون حكومة غزة.

كما تمكن الاحتلال الصهيوني من اغتيال العديد من هؤلاء المجاهدين نتيجة رصد تحركاتهم بأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها أفراد "الضبط الميداني" في الأجهزة الامنية بغزة المتواجدين قرب المناطق التي تنطلق منها الصواريخ على إسرائيل وهذا ما حدث مع سيارة مجموعة من المجاهدين حيث تم نشر أوصاف السيارة التي يستقلونها وخط سيرها عبر جهاز اللاسلكي للأجهزة الأمنية فقام العدو بقصف السيارة مما ادى إلى استشهادهم، وقد تكرر الأمر مع مجاهدين آخرين.

ورغم أن المجاهدين في حماس خلال حكم السلطة كانوا أكثر من عانوا من التنسيق الأمني ورغم إنكارهم المستمر على السلطة الفلسطينية في رام الله استمرارها في التنسيق الأمني فإن نتيجة أفعالهم على الأرض تؤدي إلى نفس نتيجة التنسيق الأمني وإن لم يشعروا بذلك فمن يقوم برصد المجاهدين السلفيين ويعمم على اللاسلكي خط سيرهم ومكان وجودهم لا يخطر بباله انه يقدم معلومات ثمينة للعدو الصهيوني الذي يتصنت بكل تأكيد على هذه الأجهزة ويراقب ما يقال فيها على مدار الساعة.

ولا يخفى أن العلاقة وطيدة بين أجهزة المخابرات العربية –وخاصة المصرية والأردنية - والمخابرات الصهيونية وبينهم تنسيق كامل وتبادل للمعلومات ورغم أن حكومة حماس تعلم هذا جيداً فإنها قامت بتقديم معلومات للمخابرات المصرية عن مجاهدين سلفيين وسمحت للمخابرات المصرية بالتحقيق معهم في السجن ومن بينهم المجاهد محمد رشوان الذي أصيب بإصابات خطيرة في قصف إسرائيلي ثم اعتقلته حكومة حماس وقام ضباط من المخابرات المصرية بالتحقيق معه في السجن وكانت الأسئلة في مجملها للحصول على معلومات يهم العدو الإسرائيلي معرفتها!.

إن التنسيق الأمني تتعدد صوره سواء كان مباشر او بطريق غير مباشر . وحتى لو رفض القائمون عليه الاعتراف به واعتبروا ما يقومون به حماية لمصلحة الشعب الفلسطيني لكن الحقيقة المؤكدة أنهم بكشفهم للمجاهدين للعدو الصهيوني يكونوا شركاء له في قتلهم.
لذلك يجب أن يقف العاملون في الأجهزة الأمنية المختلفة مع أنفسهم وقفة صادقة ويقارنوا بين نتيجة عملهم وبين ما يقوم به العملاء الذين ينادي الجميع بالوقوف ضدهم.

نسخة لكل من:
1- محمود عباس – رئيس السلطة الفلسطينية
2- اسماعيل هنية – رئيس الحكومة بغزة
3- أحمد بحر – رئيس المجلس التشريعي بالإنابة
4- خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس
5- الشيخ يوسف القرضاوي – رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


كتبه / عبد الله محمد محمود
"مؤسسة دعوة الحق للدراسات والبحوث"‬