المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماكـولا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
حفظك الله يا اخي الكريم , وأسأل الله العليّ القدير , أن يفرج همك , وان ينفس كربك , ويجلي ما ألم بك .
اخي الكريم ما تُمر به هو نوع من الصراع الداخلي بين الحق والباطل , فاحمد الله انه لديك حقاً رغم كل هذا الذي يمر بك ! إذ لو لم يكن ثمة إيمان عندك لما تضايقت ولا تألمت لما تمر به ! فقد روى الامام مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال جاء ناس من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- فسألوه إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال « وقد وجدتموه ». قالوا نعم. قال « ذاك صريح الإيمان ».
فلو لم يكن ثمة اضطرابات لدى من يتشكك في بعض الامور الدينية لقلة بضاعته العلمية في الباب , فاطمئن قلبه للشبهة وسكن اليها , فهذا ميت القلب ! , اما القلب الحيّ فهو يان ويتألم مما يمر به , فهذا دليل على حياة قلبه .
والله سبحانه وتعالى قد خلق الخلق لعبادته , وعباده على اصناف , منهم المسارع لطاعته , ومنهم المقتصد , ومنهم الظالم لنفسه , ومنهم المعرض الجاحد (الكافر)
وقد ابتلى الله سبحانه الجميع في هذه الحياة الدنيا بجملة من الابتلاءات امتحاناً لهم , ليجازيهم عليها في الاخرة , وقد يعجل الله بعض هذه الابتلاءات في الدينا , حتى اذا وافى الله في يوم الحساب , فإن كان مسلماً صابراً عوضه الله بجنات ورفعة ودرجات , فإن كان فقيراً مات على ذلك في حياته الدنيا , وحاجته في صدره , فذلك يدخله الله الجنة قبل سائر المسلمين بخمسمائة عام ! .
والله سبحانه قد سن للناس سنناً كونيّاً تجري على المسلم والكافر , شقيّهم وتقيهم , كنقص من الاموال , والانفس , والثمارات , والامراض .. الخ , وانزل الرحمات بينهم , وامر عباده ان يتكاتفوا ا فيما بينهم حتى يعطف الغني على الفقير , والقوي على الضعيف , والعالم على الجاهل .. الخ , فان قصروا جوزوا على ذلك التقصير , وصبّر الله المبتلى حتى يوافيه فيجازيه على صبره احساناً .
وهذه الرعاية الالهية تختلف من شخص الى آخر , فمن حقق الايمان الحقيقي , كانت معية الله له مصاحبة له في جميع حركاته وسكناته , حتى لكأنه يستظل فظلالها ,
والايمان الحقيقي لا يقول الا بجناحين , جناح العلم , وجناح العمل , وهما اللتان تغذيان القلب , ولترفع صاحبه في عليين , فيترفع عن سفساف الامور , ويكون له من الصبر والسلوى , وانشراح الصدر , والصبر على تعاقب الامور العظام , بما لا يقادر قدره ! , فتحل عليه السكينة , وتمطر عليه الرحمات , فيسكن لها قلبه , فيسعد بالقليل , ويرضى بالحقير , فهذا نوع غني لا يلتفت اليه الا من ازال الله عن قلبه ستار التعلق بالدنيا , ليرى عظيم لطف الله عليه , فيطيب لذلك قلبه .
وثمة نوع آخر الا وهو التغيير الحقيقي "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " وقال "ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى فلينحيينه حياة طيبة "
ومادة العلم داحضة لسحب الجهالة المظلمة , ومادة العمل هي التي تدفع الانسان الى التقدم والسير الى الله , فلا تعلق في قلبه الاحزان ولا الادران , ولا يكون اسيراً لهما !.
ومن جملة الابتلاء الذي يبتلي الله بهما عباده , لاجل تقصيرهم والتفاتهم عن المعنى الذي لاجله خُلقوا , فلا يزال يبتليهم عن يعرضوا عن االاسباب الدنيوية , فيلتفتوا الى مسببها , والى من يخلصهم منها , فتقع قلوبهم على الله , ويَنفضوا قلوبهم مما علق منها من حب الدنيا , والشرف , والرياسة , والحق والحسد فيما بينهم , فمتى ما قصّروا قصّر الله عليه , وهو الرحيم الكريم , قد اسبغهم بنعمه ورحماته . قال الله حاكيّاً عن اصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم" أولما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قلُ هو من عند أنفسكم "وقال تعالى " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذين عملوا لعلهم يرجعون " فقد رحمهم الله !! فقد اذابهم بعض الذي عملوا ! فكيف لو اذاقهم بجميع ما عملوا ؟ . هذا بمثابة موظف قد قصّر في العمل في شركة ما , فقد كثر تأخره عن أوقات الدوام , وتقاعس عن انجاز مهامه وو .. الخ ثم هو يُفاجى بخصومات على راتبه !
فبات يتلوى لما حل به من هذه الخصومات فيقال له "قل هو من عند أنفسكم " !
هذا والله سبحانه رحيم عفور , شكور , عليم بعباده , وما ينفعهم , ومع ذلك كلف عباده , ليتعاطفوا مع المسكين والفقير والمحتاج ,وسن لهم شريعة ليقوّموا بها أنفسهم فيها ناح اقتصادية وتشريعة , فيها سعادة الدنيا والاخرة ! فإذا ما عُطلت , عُطلت الايجابيات المفترض ان تنعكس على المجتمع , وان ما نصروها نصرهم الله , وبارك لهم في معاشهم ومعادهم , فحلت عليهم السكينة والامن .
فالحاصل ان الابتلاء ليس مقصود لذاته , لما يترتب عليه من لفت القلب لمعان وجوده في هذه الدار , ولحتى تتكشف له بعض الامور الحكيمة في هذا الباب , اثمة علوم لا تُدرك الا اذا ابتليت , وامور لا تدرس في الجامعات الا ان الابتلاء يجليها , وامور لا يُعلمها أحد سوى الفقر والجوع , وامور لا تعرف الا بالتجربة .. الخ . وهكذا يُصقل الانسان .
فالبصر واليقين تنال الامامة في الدين , فاصبر واحتسب , وابتدأ وتفكر فيما حولك , وتعلم وتأمل واسأل, وتذكر حال الانبياء قبلك.
وفقكم الله
Bookmarks