المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. هشام عزمي
في الحقيقة هذا السؤال الذي تسأله عن قتل الغلام لا يوجه إلا إلى المؤمنين ، وليس للكفار ، لأن الكافر لا يؤمن بحدوث الواقعة أصلاً ولا بنبوة موسى عليه السلام ولا بأن الخضر عليه السلام يوحى إليه من الله .. إنما أنت استشكلت هذه القصة عندنا ، فلا تتوقع منا أن نسوغها لك على أصول الإلحاد والدساتير الوضعية والقوانين التي نحتها البشر ، أليس كذلك ؟ وإلا فما هو مغزى السؤال أصلاً ؟
أنا أفهم أن يسعى المتشكك لمعرفة كيف يرى المؤمنون هذه القصة وكيف يستوعبون مواطن الإشكال فيها ، لكن أن يسعى لتفسيرها وتسويغها وفق الرؤية الإلحادية للعالم ، فهذا ما لا أفهمه في الحقيقة .
أما الأسئلة من نوعية لماذا فعل الله كذا ولماذا خلق كذا وكيف سيفعل ، فهذه تسمى (محاكمة الإله) حيث يتم نصب محاكمة لله - حاشاه - ووضعه في قفص الاتهام ليستوجبه المتشكك ويسأله عما يفعل ويطالبه بإبراز وإخراج مبررات ومسوغات تقنعه وترضي عقله .. وهذا النموذج في الأسئلة عن أفعال الله ليس هو الأسلوب السديد لطلب الحق ؛ لأن حكمة الله واسعة وعلمه مطلق بينما الإنسان مهما بلغ من العلم والحكمة محدود ، فإذا حاكمت أفعال الله العليم الحكيم الخبير إلى علمك المحدود وحكمتك القاصرة لن تخرج إلا بالمزيد من الحيرة والتشتت والضياع ، ويحضرني في هذا المقام قصة عالم الرياضيات الشهير - ربما هو جودل - الذي حاول أن يستوعب معنى اللانهاية حتى شنق نفسه وانتحر ، ولسنا مأمورين بالفصل في هذه القضايا .. إنما المؤمن يرد المشكل والمتشابه الذي لا يدري موطن الحكمة فيه إلى المحكم الذي يعلم آيات الله وآثار حكمته فيه ، فلا ينفي الحكمة حتى وإن لم يعلمها أو لم يعرف تفاصيلها ، بل إنه من الضروري أن توجد العديد من المواضع التي نجهل فيها حكمة الله لأن هذا هو لازم قصور العلم والحكمة البشريين ، وبدون هذا القصور لأصبح البشر آلهة كاملي العلم والحكمة .
Bookmarks