بعجالة قد بدأنا بسماع تخريجات فقهية لتبرير ولاية السيسي تحت بند الإمام المتغلب وقد أضاع طرف الخيط كثير من الأفاضل أوضحه بإيجاز :
أن الإمام المتغلب الذي تجب طاعته هو ذاك الذي يقوم بمقاصد الإمامة وليس الذي يريد إبطالها كما نص عامة الفقهاء، والإمام والإمامة عند الفقهاء اصطلاحا يختلف في الوصف عن حال السيسي وحكومته اليوم، حيث أن تعريفها الشرعي هو :
عند العلامة ابن خلدون : [ الإمامة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ] - المقدمة -
عند الإمام النسفي : [ الإمامة هي نيابة عن الرسول عليه السلام في إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الاتباع ] - العقائد النسفية -
عند الإمام الجويني : [ الإمامة رياسة تامة، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا ] - غياث الأمم -
عند الإمام الماوردي : [ الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ]
ومن هنا كان لفظ الإمام ملازما لمن يحقق مقاصد الإمامة من سياسة الدنيا بالدين وإقامة الواجبات الشرعية والشريعة الإسلامية، ومنه لفظ الإمام المتغلب، فقد كان المتغلبون في عصور السلف مطبقين للشريعة الإسلامية رافعين للواء الجهاد يسوسون الدنيا بالدين، فكان أن مقاصد الإمامة متحققة فيهم وضرورة حفظ الدين متحققة معهم فروعي حفظ النفس على القتال من أجل الأشخاص فأجمعوا على صحة ولاية المتغلب للضرورة .
لكن لو أن المتغلب خرج على إمام مسلم بغية قمع الشريعة وكبح البرنامج الإسلامي ومظاهرة الكفار عليه كان فعله من أقبح القبائح ولا تجوز ولايته ولا طاعته ولا تسقط ولاية الأول المأسور ومنه قول الإمام الماوردي رحمه الله تعالى : [ ... فأما الحجر فهو أن يستولي عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشقة فلا يمنع ذلك من إمامته ولا يقدح في صحة ولايته ولكن يُنظر في أفعال من استولى على أموره فإن كانت جارية على أحكام الدين ومقتضى العدل جاز إقراره عليها تنفيذا لها وإمضاء لأحكامها لئلا يقف من الأمور الدينية ما يعود بفساد على الأمة . ]
وهنا اشترط الماوردي كما عامة الفقهاء أن طاعة الإمام المتغلب لا تكون لمجرد أنه متغلب بل إن كانت تتحقق فيه مسألة كبرى وهي إقامة الدين بأحكامه وإلا فيضيف الماوردي : [ وإن كانت أفعاله خارجة عن حكم الدين ومقتضى العدل لم يجز إقراره عليها ولزمه أن يستنصر من يقبض ويزيل تغلبه ]
فكان الشرط الذي تتحقق به الطاعة هي حكمه بالدين لا علمنتها، ثم يضيف في كتابه الأحكام السلطانية : [ وإن أُسر - يعني الإمام الشرعي - بعد أن عقدت له الإمامة فعلى كافة الأمة استنقاذه لما أوجبته الإمامة من نصرته، وهو على إمامته ما كان مرجو الخلاص مأمول الفكاك إما بقتال أو فداء . ]
والشرط مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى ] - البخاري - فالطاعة مشروطة بإقامة كتاب الله تعالى وإن انعدم الشرط سقطت الولاية، وهذا الحديث يفهم جمعا مع الأحاديث الناهية عن خلع الإمام بغير كفر ووجوب قتل الإمام الذي ينازع الأول في الولاية ...
والتقييد تجده في كتب الفقه مبسطا ومنه قول الإمام ابن عابدين رحمه الله تعالى : [وإذا تغلب آخر على المتغلب وقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إماما وتجب طاعة الإمام عادلا كان أو جائرا إذا لم يخالف الشرع ] - رد المحتار على الدر المختار -
لكن الأمر مختلف في مصر، فالسيسي عين حكومة علمانية، وجاء انقلابه نصرة للطائفة العلمانية التي تعادي الدين وتزدري الشريعة وتقول بأنها لا تصلح لمكاننا ولا زماننا وأنها أحكام متخلفة من العصور الماضية، ولا يختلف اثنان أن من اعتقد هذا فهو لا يعد من أهل الإسلام جملة وتفصيلا لأنه من المعلوم بالدين بالضرورة، وإن كانت نية السيسي إجهاض حكم الإخوان لأنهم يقولون بالشريعة وتطبيقها تدريجا فهذا أيضا ناقض من نواقض الإيمان، وكفى بها طامة بأن يصرح إيهود باراك بوجوب دعم السيسي والليبراليين أمثال البرادعي وأن الانقلاب في نظره جاء لأن مرسي أراد الحكم بالشريعة !
وفي كلتا الحالتين لا يكون وصف الإمام المتغلب الذي تجب طاعته متحققا في الفريق السيسي، وأفعاله دالة على إرادة ترسيخ العلمانية في البلاد، وهذا ما يسقط مقصود الإمامة جملة وتفصيلا .
وإلا فحدثوني هل هذه مبشرات تطمئنون إليها :
1- الخروج على إمام شرعي بعزله مقابل اغتصابه للسلطة .
2- التنسيق مع الغرب والعصابة العلمانية للتمهيد للانقلاب العسكري .
4- تعيين حكومة علمانية ليبرالية واستبعاد حتى حزب النور المشارك في الانقلاب !
5- الإسهام في حصار أهل غزة عبر إغلاق المعبر .
6- التضييق على الدعوة عبر منع الدعاة وإغلاق القنوات الإسلامية .
7- حصار المساجد وانتهاك حرماتها والتهاون في حمايتها .
8- قتل الأنفس المؤمنة المحرمة شرعا .
9- اعتقال عدد من أهل الفضل وتلفيق التهم إليهم .
10- حصوله على دعم الحكومات الغربية وتأييد الكيان الصهيوني.
لهذا فأرجوا ممن يكرر على المسامع مسألة الإمام المتغلب أن يتحرى هذا المسلك الدقيق .
والله أعلم.
Bookmarks