أيها المكلوم صاحب القلب الحزين,
يا من انطوت نفسه على حزن لو صُبَّ على الجبال الشُّمِّ لذابت, ولو وعته السباع والجوارح لبكت,
يا من يتلفّع بظلام الليالي البُهْم ويأوي إلى فراش الهمّ, ويشتكي للسهاد جفاء العباد,
يا من تتردد في صدره الحسرات, وتتلظى في جوفه الزفرات,
يا من ضاقت عليه الأرض بما رحبت, وأظلمت في عينيه الدنيا بما حوت,
يا من صارت أيامه غمّا ولياليه همّا,
يا من مضى أمسه أسىً وعَبَرات وأضحى غده شجىً وزفرات,
إني أكتب إليك هذه الكلمات لعلك تجد فيها سلوى, فإننا جميعاً في دار بلوى,
ولو قلتُ إني أخوك في الهمّ لما كنت مبالغا,
لكني أحببت أن أهمس في أذنك همسات أمزجها برحيق الصدق لعلها تزيح عن قلبك ما أصابه:

- إذا أصبحت وفتحت عينيك, فقل الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور,
وتذكر أنك تبصر النور فيالها من نعمة,
وتذكر أنك وُهبتَ يوما فافتتحه بما يملأ قلبك بروح الإيمان والثقة والسرور والطمأنينة,
تطهر وامض للصلاة كأنها أول وآخر صلاة لك, عش مع كل حركة وكل ذكر وكل دعاء.

- راقب قلبك فإنه الحصن الذي يسعى العدو لانتزاعه منك,
تخيل أن جيش العدو قد أحاط بقلبك يريد أن يسلبه منك,
وتذكر أنك تملك أن تصدّه إن استعنت بربك,
سيأتيك العدو ويجهز الكتبية تلو الاخرى من جنده ليملئوا قلبك حزنا وغيظا وهمّا وغمّا وحسدا وحسرة وشحّا وخوفا وجبنا وعجزا وكسلا.

- فماذا أنت فاعل ياترى؟
هل ستقضي يومك غافلا لاهيا وأنت تحسب أن كل ذلك الطوفان من المشاعر السلبية ثمرة تفكيرك وزبدة عقلك؟
أم أنك ستنتبه إلى أن قلبك يتعرض لسيل من الهواجس والوساوس والظنون والخطرات التي تهجم عليك طوال ساعات يقظتك ونومك,
كأنها خيل ضامرة تعدو لتنتزع منك سلطانك على قلبك ولتتحكم في زمام نفسك؟

- اخلع ثياب الغفلة وتسربل برداء اليقظة واركب مراكب المجاهدة والمحاسبة ,
ثمّ ضع على باب قلبك حارسا قويا أمينا لا يفتحه إلا لمن ترضى حاله وخلقه,
فإن جاءته جنود الإيمان والعزم والطمأنينة والعمل والثقة والشكر والرضا والمجاهدة
خلّى بينها وبين قلبك تغذوه بما تحمله من خير وسكينة وسلام,
وإن هجمت عليه جحافل الشك والاضطراب والخوف والعجز والشح والسخط والكسل صدها وأبطل كيدها.

- إذا سعيت في أمر فانظر في عواقبه, وتدبّر مآله, فإن رأيت الإقدام عليه هيأت أسبابه,
فإن كان مما يحتاج لقوة علمية سعيت في تحصيلها,
وإن كان مما يحتاج لعُدّة سعيت في إعدادها,
وإن كان يقتضي استشارة أهل الخبرة بادرت بسؤالهم,
فإذا تم لك ذلك استعنت بربك وتوكلت عليه,
وبدأت العمل وقلبك مطمئن واثق ثابت ثبات الجبال,
فقل لي بربك, هل يقال عمن يصنع هذا كله ثم لا يحصل على الثمرة المرجوة في الحين إنه فاشل؟
كلا, بل هو مفلح لا شك, فإن النجاح لا يقاس بالنتيجة فقط,
بل بسلوك سبيل العمل والجد والأخذ بالأسباب الظاهرة والباطنة, المادية والمعنوية.

- ومثل ذلك مثل الفلاح, يبادر إلى تقليب الأرض وتطهيرها من الأعشاب الضارة,
ثم يتخير أفضل البذور فيبذرها ثم ينتظر أن يجود رب السماء بالغيث,
فهل يلام مثل هذا إن أجدبت الأرض لحكمة يعلمها من كوّرها وأمسكت السماء القطْر لحكمة يعلمها من رفعها؟
كلا ثم كلا, وكذلك سعي كل إنسان مثابر صبور يأخذ بالأسباب, ويعمل بمقتضى السنن المبثوثة في الكون من حوله.

- إن الزمن يمضي سواء جزعت أم صبرت,
وسواء قعدت أم قمت,
وسواء تقاعست أم ثابرت,
وسواء أحجمت أم أقدمت,
وسواء ضحكت أم بكيت,
وإنّ النظر إلى الخلف يورث الحسرة,
والبكاء على الأطلال لا يعيد ما اندرس من الديار,
لهذا كله فإن العقل يدلّ من فاته قطار أن ينتظر مقدم آخر لا أن يعدو خلف الأوّل,
فإن فرصتك تنتظرك حتما فترقبها واملأ قلبك إيمانا وثقة ويقينا حتى تغتنمها,
ولا تكن ممن تذهب أنفسهم حسرات على عثرات طواها الزمن.

- أحط نفسك بكل ما يملأ قلبك إيمانا بربك وثقة بنفسك,
أطفإ التلفاز, وصمّ الآذان عن طوفان الدعاية الخادعة والثقافة المضلّلة والأفكار المسمومة,
وابدأ في تحصيل العلم النافع, اقرأ كتاب الله بقلب حاضر,
واصحب الأخيار الذين يملئون قلبك بما يحييه واهرب من المضلين المثبطين فرار السليم من الأجرب,
فإن أضر شيء على المرء رفقة السوء, وأي سوء أعظم ممن يسمم قلبك ويفتتت عزمك؟

- إذا أصابك شيء من أقدار الله المؤلمة, فاعلم أن ذلك بعين الله وسمعه,
وأن ذلك لا يعزب عن علمه, وأنه إنما يريد أن يمتحن قلبك,
فلا تجزع فتجعل مصيبتك مصيبتين. بل اصبر وتأمل فيما حلّ بك,
فإنك ستجد فيه فائدة ودرسا تتعلمه, فإن في طيات كل محنة منحة,
لكن أكثر الناس يعمون عن ذلك لإغراقهم في الجزع وجنوحهم لليأس.

- وتذكر أنك لا تملك أن تغير شيئا من قدر الله,
لكنك قطعا تملك أن تغير من حالك عند نزوله,
فإن رضيت فلك الرضا, وإن سخطت فلك السخط,
فإن أحببت أن تكون من أهل الطمأنينة والرضا,
فها قد علمت السبيل إلى ذلك, ولا أحسب أحدا يحب أن يركن للحزن والحسرة والغيظ,
لكن أكثر الناس لا يجدون سبيلا للفكاك من فخ هذه الدوامة القاتلة,
فاعلم أن الأمر إليك, فاجتهد أن تستعيد زمام نفسك ,
واستعن في كل أمرك بربك فهو بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.