كثيرا ما يعترض علينا الملحد حين نطرح موضوع الأخلاق للنقاش بأن الأخلاق لا ترتبط بدين وأن من أهل الإلحاد ذوي خلق وإن انسلخوا من الإيمان. لكن ألا يجدر بنا أن نبين أولا ماذا نعني بالأخلاق؟ إن أردنا بالأخلاق أي نظام سلوكي أو أعراف اجتماعية تنظم حياة الناس, فلا شك أن هذا ممكن دون دين وإيمان.

لكن لو كان معنى الأخلاق:
أن بعض أنواع السلوك خير في ذاتها وأخرى شر في ذاتها, وأنها تكتسب صفة الثبات في عالم مادي متغير باستمرار, فإن وجود الله ضروري لوجود الأخلاق.
إذن المغالطة التي ينبني عليها اعتراض الملحد تكمن في صياغته للسؤال على الوجه التالي:
- هل الإيمان بالله ضروري لوجود الأخلاق؟
لكن ماذا لو طرحنا السؤال:
- هل وجود الأخلاق مرتبط بوجود الله؟

إن الأخلاق تعتبر - من منظور إلحادي- في أحسن الأحوال حزمة من السلوكيات التي يتعارف عليها المجتمع.
لكن هذه الأعراف الاجتماعية لا يمكن تعميمها ولا النظر إليها كأخلاق تدل على الخير والشر بشكل موضوعي مستقل عن البيئة التي نشأت فيها؟
فلو ضربنا مثالا لبعض البلاد الاسكندنافية حيث تم تشريع زواج الشواذ, فإن هذا السلوك يعتبر من أخلاق تلك البلاد, لكن هل يمكن النظر إليه كسلوك قابل للتعميم, يعرفه الناس جميعهم؟ قطعا إن ذلك مستحيل.

وعلى هذا الأساس فإن وجود الله ضروري لوجود:
- منظومة من القيم الأخلاقية مستقلة لها وجود مستقل عن كل بيئة ومجتمع.
والإيمان بوجوده ضروري لوجود:
- منظومة متكاملة من الواجبات الأخلاقية يحترمها من يقر بمسؤوليته تجاه خالقه.

إذن وجود الله ذي الجلال والكمال, يفسر وجود قيم أخلاقية تدلنا على أن العمل الفلاني خير والآخر شر بشكل مستقل حتى لو لم يعتقد احد ذلك, بل حتى لو قرر المجتمع قانونا يناقض ذلك, فالقيمة التي تقول إن عملا ما شر, ثابتة لا تتغير. حتى لو اتفق مجتمع ما مثلا على إباحة الزنى والشذوذ, أو أكل لحوم البشر, أو إعدام المعاقين كما فعل النازيون, فإن ذلك شر حتى لو ظنه فاعلوه خيرا, وسيبقى شرا حتى لو تمكنت الدعاية من تضليل الناس لمدة من الزمن.

إذن وجود قيم ثابتة يستند إلى وجود الله. الله عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العلا, فهو الرحيم العدل الودود, فبوجوده توجد القيم الأخلاقية. والدليل أن عدم الإيمان به لا يجعل لوجود قيم أخلاقية ثابتة أي معنى. والملحد غالبا ما يكابر في هذه المسألة فينكر بلسانه هذا الثبات الذي تتميز به القيم الأخلاقية الكبرى كالعدل والصدق والأمانة مثلا.

والآن, على أي أساس يمكن تصور منظومة قيم أخلاقية مجردة مستقلة بشكل موضوعي في اعتقاد من لا يؤمن بالله؟

بتعبير آخر, بأي تعليل يجب علينا أن نعتقد أننا نحتاج إلى معيار أخلاقي موضوعي ثابت نزن به سلوكنا الفردي والجماعي؟

الفكر الإلحادي يفسر الحياة على أنها سلسلة عبثية من الصدف العمياء التي تحكمها قوانين صماء أدت عبر بلايين السنين إلى تكون الحياة دون هدف ولا غاية ما, على كوكب صغير يسبح في فضاء تحيط به النجوم والمجرات, فالحياة ووجود الإنسان نفسه في نظر الملحد ليس إلا نتيجة غير مقصودة لسلسة معقدة من الصدف التي لا فرق عندها بين التراب والماء والغاز, ولا بين الحشرة والحيوان والإنسان, فهل يوجد داخل هذا الفكر العبثي المهلهل مجال لوجود شيء اسمه الأخلاق؟ما الحاجة للأخلاق في عالم عبثي لا غاية من وجوده ولا هدف ولا حكمة؟

تعتبر الأخلاق في الفكر الإلحادي الدارويني مجرد أعراض جانبية للتطور البيولوجي والإجتماعي, إذن فليس لها وجود موضوعي, بل هي نابعة من تفاعلات كيميائية, إذن الإحساس بالقيمة الأخلاقية نتاج عمليات بيولوجية, فكما نحس بالجوع والعطش فنحن نحس بأن هذا خير وهذا شر, وهذا خطأ وهذا صواب. إذن ليس هناك معنى عميق للأخلاق, بل هي مجرد مساعدة في معركة البقاء والحفاظ على الجنس البشري.

لو كان هذا التصور الالحادي العبثي صحيحا موافقا للواقع, لما كانت هناك حاجة لوجود شيء اسمه قيم أخلاقية, تصوروا طفلا يبني قصرا على التراب وينحت على الرمل أسماكا وحيوانات ثم, يقول أضرب هذا أعاقب هذا, أهدم هذه الغرفة, هل نحكم بقيمة أخلاقية على هذا اللهو, هل نقول له هذا شر, لماذا هدمت البناء, أم أننا نقول دعه يلهو ويعبث, فالحكمة من وجوده على الشاطئ مجرد اللهو, إذن لماذا نحتاج أن نحكم على شيء بأنه خير لذاته أو شر لذاته في عالم عبثي لا خالق له ولا حكمة من ورائه؟