تفشت الأمراض والأوجاع الحسية والنفسية في الأمة الإسلامية منذ بدء زمان الوهن. ثم ازداد الخطب استفحالا بعد أن قام أهل الإلحاد والنفاق بتنحية الشريعة عن حياة المسلمين فصارت الآثام و الفواحش فيهم ظاهرة وقل فيهم القائمون بالقسط الشهداء بالحق الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. والأنكى من البلاء المستشري بيننا هو المسالك المخترعة التي يدعي العلمانيون المتسلطون على رقاب المسلمين انتهاجها لإصلاح بعض الفساد الذي عاثوه -هم أنفسهم- في الأرض. فإن كانت الفاحشة مما يصيب الأعراض قالوا: هذا بسبب غياب التوعية الجنسية, لا بد من تعبئة, لا بد من توعية, لا بد من محاضرات, لا بد من مسرحيات, وإن كانت مما يصيب النفوس والأموال مثل جرائم القتل والسرقة وغيرها قالوا لا بد من إصلاح الإقتصاد والتعليم و لا بد من تشجيع جمعيات المجتمع المدني وهكذا دواليك. إنهم حقا أحق الناس بقول ربنا: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) البقرة: 11-12

وهكذا ليس في جعبة القوم سوى ما تعلموه من أشياخهم من اليهود والنصارى ممن لم يؤمنوا أن الله أنزل كتابا فصل فيه كل شيء وجعله هدى ورحمة وموعظة وشفاء للمتقين. ونحن نسألهم ألم تقوموا بهذه التوعية وتلك التعبئة وذلك التثقيف كله من قبل؟ ألم تسلكوا سبل الإعلام والتعليم؟ ألم تجيشوا جمعيات مجتمعكم المدني؟ فإن قالوا, لم يتم لنا ذلك كما ينبغي لضعف الشعب وتخلفه, قلنا لهم أليس الغرب , ومنه تغرفون فكركم, قد بنى مدنيته على هذه الأسس؟ أفترونه قد تطهر من هذه الأدناس؟ فإن قالوا نعم, كذبناهم بما نعلمه من حقيقة الأمر, وإن قالوا لا, قلنا لا خير في دواء لم ينتفع به صاحبه. فإن سألونا هذا كل ما نملك من علاج لهذه الأدواء المستعصية فماذا عندكم؟
قلنا: إن قولكم في كل مرة لا بد من مواجهة ظاهرة كذا بالتوعية وتأسيس الجمعيات أمر يطول ولا يفضي إلى شيء, فكما أن الطبيب الحاذق يعالج سبب المرض لا أعراضه, فإن إصلاح المجتمعات لن يتم دون النفاذ إلى أصل أدوائها. و يذكرني هذا الأمر بسؤال ذلك العالم تلميذه: أرأيت إن أتاك الشيطان ليفتنك؟ ماذا تفعل؟ قال: أدافعه, قال فإن عاد؟ قال أدافعه قال يابني: ذلك أمر يطول, ثم أرشده أن يستعين عليه بالله.
وهذا عين جوابنا, إن الله لم ينزل في القرآن دواء خاصا للزنا وآخر للخيانة وآخر للربا وآخر لتطفيف الميزان, بل أنزل لذلك كله ولكل أدواء الإنسانية الظاهرة منها والباطنة دواء واحدا فريدا ناجعا, إن قيس إلى توعيتكم وتعبئتكم و تثقيفكم كان بينهما ما بين الثرى والثريا, إنه دواء التوحيد والإيمان والتقوى. وهذا ما لا ينال قط إلا بالاستسلام لأمر الله والرضا به ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

وها نحن نشهد هذه الزلازل التي تهز البلاد الإسلامية, فلا نكاد نسمع صوت أنصار الشريعة الربانية لكثرة من ينعقون من غربان العلمانية والليبرالية, يدعون إلى باطلهم ويحذرون من الإسلاميين, ولسان حالهم (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) يحذرون من حكم الله ورسوله ويستصرخون الناس أن احذروا فتنة التكفير ومنهج الإقصاء. وياليت شعري ماذا أبقى من الإسلام من يرى الإصلاح والرشاد في الصد عن شريعته ويقيم دعوته على التحذير من عودة الناس إلى حكم ربهم كأنه يحاذر عليهم قارعة تحل بدارهم؟

إن بقاء الشريعة صحائف على الرفوف وآمالا في قلوب المؤمنين مع تفشي قانون الكفار وتسلطه على واقع الناس طمس معالم الدين ودنس أعراض المسلمين. فمثلا الكل يعلم أن الله حرم الزنا واللواط والربا والميسر وهلم جرا, لكن ما أثر هذا العلم على واقع الناس؟ إن أثره لا يتعدى فئة صغيرة يعصمها الله بعصمة الإيمان وليس ثمة في الخارج ما يردعها عن اقتراف المحارم إلا وازع الإيمان في القلوب. أما القانون الذي يأخذ برقاب الناس فإنه يحلل الربا والميسر ولا يحرم الزنا واللواط صراحة - لما تبقى من فطرة سوية لدى جماهير المسلمين- بل يلجأ إلى إقرارها ضمنيا بطرق ملتوية, لكن في الوقت نفسه يسخر الإعلام والتعليم للتقليل من شأن هذه الفواحش ويترقب الفرصة ليصل بالناس إلى ما عليه اليهود والنصارى من الفجور بتحليلهم لزواج من انتكست فطرتهم ممن يأتون الذكران من العالمين.

ولما تم لأتباع حزب الشيطان ما أرادوه من تجريد الشريعة الربانية من سلطانها فزحزحوها من واقع الحياة أو كادوا, استبدلوا القانون الملفق الأخرق بالشرع الحكيم المفصل, فكانوا كبني إسرائيل استبدلوا الفوم والبصل بالمن والسلوى فقيل لهم اهبطوا مصرا, وكذلك حال أكثر حكام آخر الزمان ممن تسلط على رقاب المسلمين, استبدلو شرع رب العالمين بزبالة أفكار الملاحدة والمرتدين, فكأنه قيل لنا اهبطوا, فهبطت عقائدنا وأخلاقنا و بارت أموالنا وانتهكت أعراضنا وإن شئت قلت إننا كلما ظننا أننا بلغنا من هاوية سقوطنا وانحطاطنا قعرها كذبتنا الوقائع فازددنا هبوطا وسقوطا, فتن تجعل الحليم حيران, اتسع الخرق على الراقع, فمن أين يبدأ المصلح اللبيب, وماذا ينفع الدواء إذا استشرت الأدواء واستفحلت بالجسم العليل الأسقام؟