النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الإسلام والتمدُّن !

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الإسلام والتمدُّن !

    شرع الإسلام القصاص ممن قتل عمدا، إلا أن يرضى ورثة القتيل بالدية . ولقد تعرض هذا القانون لنقد شديد من جانب رجال القانون فى العصر الحاضر ، وأهم ما يستدلون به : أن معنى هذا التشريع أن تضيع نفس أخرى بعد أن ضاعت الأولى بالفعل ؛ ودفعهم هذا إلى إلغاء نظام الإعدام شنقا فى كثير من البلاد ! .إن القانون الذى يقرره الإسلام له فائدتان هامتان :

    أولاهما : أن تستأصل جذور هذه الجريمة ، لأن أحدا من الآخرين لن يندفع إلى ارتكابها مرة أخرى نظرا للعاقبة الوخيمة التى لقيها أحد أفراد المجتمع
    وأما الثانية : فهى الدية وقد راعى المشرع النتائج راعاة تامة ، فلو قتل الإبن الوحيد لشيخ فعلى القاتل أن يدفع لوالد المقتول مبلغا من المال يرضيه فيعفو عن الجريمة لقاء المبلغ الذى تقاضاه .
    وقد جعل التشريع الإسلامى حقا للدولة أن ترفع مبلغ الدية إخمادا لنار الثأر .إن هذا التشريع حكيم لدرجة عظيمة وتجربته تؤكد أن غريزة القتل قد قضى عليها فى أى بلاد طبقته ، كما أكدت التجارب أيضا أن أى بلاد ألغت هذا التشريع قفزت فيها جرائم القتل إلى نسب خيالية حتى إن نسبة الإغتيالات قد ارتفعت فى بعض هذه الدول إلى 12 بالمائة .

    وهناك أمثلة أخرى عديدة : بلاد ألغت عقوبة القصاص ، ولكنها عادت فأقرته مرة أخرى نظرا للعواقب . فقد أصدر البرلمان السيلانى قانونا سنة 1956 يحرم القصاص فى حدود سيلان .. فارتفعت نسبة جرائم القتل ارتفاعا مخيفا بعد صدور القانون ولم يستيقظ السيلانيون من سباتهم إلا يوم 26 سبتمبر 1959 ، عندما تسلل رجل مسلح داخل منزل رئيس الوزراء السيد بندرانيكا وقتله بكل جرأة فى غرفته ، وكان أول ما فعله أعضاء البرلمان السيلانى بعد دفن رئيس الوزراء المأسوف عليه أن عقدوا جلسة طارئة استغرقت 4 ساعات أعلنوا عند ختامعا أن سيلان قررت إلغاء القانون وإصدار قانون جديد بتشريع القصاص .(1)

    وقد قرر الكتاب والسنة عقوبات محددة لجرائم معينة تسمى " جرائم الحدود " وهذه الجرائم هي: " الزنا، والقذف، والسرقة، والسكر، والمحاربة، والردة، والبغي ".فعلى من ارتكب جريمة من هذه الجرائم عقوبة محددة قررها الشارع.

    فعقوبة جريمة الزنا، الجلد للبكر,والرجم للثيب: يقول الله سبحانه: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ", والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم ".

    وعقوبة جريمة القذف (وهي رمي المرأة المسلمة بالزنا بلا شهود اربع ) ثمانون جلدة.
    يقول الله سبحانه: " والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون "
    وعقوبة جريمة السرقة : قطع اليد: يقول الله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم ".
    وعقوبة جريمة الفساد في الارض : القتل، أو الصلب، أو النفي، أو تقطيع الايدي والارجل من خلاف: يقول الله سبحانه: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض. ذلك لهم خزي في الدنيا. ولهم في الاخرة عذاب عظيم "
    وعقوبة جريمة السكر: ثمانون جلدة، أو أربعون ...
    وعقوبة الردة القتل: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه ".
    وعقوبة جريمة البغي : القتل لقول الله سبحانه: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الاخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " ,ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ستكون بعدي هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان ".

    وهذه العقوبات - بجانب كونها محققة للمصالح العامة وحافظة للامن العام فهي عقوبات عادلة غاية العدل, إذ أن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها,وعدوان على الخلق والشرف والكرامة.
    ومقوض لنظام الاسر والبيوت, ومروج للكثير من الشرور والمفاسد التي تقضي على مقومات الافراد والجماعات، وتذهب بكيان الامة، ومع ذلك فقد احتاط الاسلام في اثبات هذه الجريمة، فاشترط شروطا يكاد يكون من المستحيل توفرها, فعقوبة الزنا عقوبة قصد بها الزجر والردع والارهاب أكثر مما قصد بها التنفيذ والفعل.

    وقذف المحصنين والمحصنات من الجرائم التي تحل روابط الاسرة وتفرق بين الرجل وزوجه، وتهدم أركان البيت، والبيت هو الخلية الاولى في بنية المجتمع، فبصلاحها يصلح، وبفسادها يفسد.
    فتقرير جلد مقترف هذه الجريمة ثمانين جلدة بعد عجزه عن الاتيان بأربعة شهداء يؤيدونه فيما يقذف به، غاية في الحكمة وفي رعاية المصلحة، كيلا تخدش كرامة إنسان أو يجرح في سمعته.
    والسرقة ما هي إلا اعتداء على أموال الناس وعبث بها والاموال أحب الاشياء إلى النفوس فتقرير عقوبة القطع لمرتكب هذه الجريمة حتى يكف غيره عن اقتراف جريمة السرقة، فيأمن كل فرد على ماله، ويطمئن على أحب الاشياء لديه وأعزها على نفسه، مما يعد من مفاخر هذه الشريعة قد ظهر أثر الاخذ بهذا التشريع في البلاد التي تطبقه واضحا في استتباب الامن وحماية الاموال وصيانتها من أيدي العابثين، والخارجين على الشريعة والقانون.

    وقد اضطر الاتحاد السوفيتي أخيرا إلى تشديد عقوبة السرقة بعد أن تبين له أن عقوبة السجن لم تخفف من كثرة ارتكاب هذه الجريمة، فقرر إعدام السارق رميا بالرصاص وهي أقسى عقوبة ممكنة .والمحاربون الساعون في الارض بالفساد المضربون لنيران الفتن، المزعجون للامن، المثيرون للاضطرابات، العاملون على قلب النظم القائمة، لا أقل من أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض.

    والخمر تفقد الشارف عقله ورشده، وإذا فقد الانسان رشده وعقله ارتكب كل حماقة وفحش، فإذا جلد كان جلده مانعا له من المعاودة من جانب، ورادعا لغيره من اقتراف مثل جريرته.
    من جانب آخر إقامة الحدود فيها نفع للناس، لانها تمنع الجرائم، وتردع وتكف من تحدثه نفسه بانتهاك الحرمات، وتحقق الامن لكل فرد، على نفسه، وعرضه وماله، وسمعته، وحريته، وكرامته، وقد روى النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حد يعمل به في الارض خير لاهل الارض من أن يمطروا أربعين صباحا ".
    وكل عمل من شأنه أن يعطل إقامة الحدود فهو تعطيل لاحكام الله، ومحاربة له، لان ذلك من شأنه إقرار المنكر وإشاعة الشر.
    روى أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره ".
    وقد يحدث أن يغفل المرء عن الجناية التي يرتكبها الجاني وينظر إلى العقوبة الواقعة عليه، فيرق قلبه له ويعطف عليه، فيقرر القرآن أن ذلك مما يتنافى مع الايمان، لان الايمان يقتضي الطهر والتنزه عن الجرائم والسمو بالفرد والجماعة إلى الادب العالي والخلق المتين.
    يقول الله سبحانه: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " .
    إن الرحمة بالمجتمع أهم بكثير من الرحمة بالفرد فقسا ليزدجروا، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم الشفاعة في الحدود: يحرم أن يشفع أحد أو يعمل على أن يعطل حدا من حدود الله، لان في ذلك تفويتا لمصلحة محققة، وإغراء بارتكاب الجنايات، ورضا بإفلات المجرم من تبعات جرمه...


    __________________
    (1) -الاسلام يتحدى -وحيد خان ص200 ,
    (2) -فقه السنة- سيد سابق , 2 /358,360
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  2. #2

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي الحبيب ماكولا .. وإن كنت أعتب عليك غيابك الفترة الأخيرة وغياب نفحاتك - اللهم إن كان بعذر فسماح -
    ولي عندك طلبين ....

    الأول :
    في هذه المقالة الوجيزة المفيدة : لو أضفت جزءا عن مفهوم التعزير في الإسلام - ولو باختصار وإيجاز كذلك - : فأرى أنك تكون قد استوفيت الباب كله في مسألة العقوبات في الإسلام ..
    وإن تعذر ذلك لسبب وجيه - كالخوف مثلا من إطالة المقال عن الحد الذي ارتأيت فيُخشى عدم قراءته لآخره - : فيمكنك جعله في مقالة أخرى منفصلة عن ( التعزير ) : وأرى أنها بذلك تكون أكثر فائدة وإبرازا للمسألة .. وخصوصا : وأن هناك الكثيرون من المسلمين وغير المسلمين على السواء : يظن أنه هناك جرائم مسكوت عنها في الشرع أو يظنون أن عقوبة التعزير قد لا تصل إلى القتل !!! - يظنون التعزير ضربا خفيفا فقط أو توبيخا إلخ وقد كنت أنا كذلك لفترة من الفترات لجهلي -

    الثاني :
    قرأت لك منذ أيام مقالة أخرى بعنوان الإسلام والمعيشة :
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...E3%DA%ED%D4%C9
    وهي على نفس النهج والأسلوب في التركيز والاختصار .. فلو أنك قمت بجمع هذه المقالات الخفيفة المفيدة في رابط واحد أو موضوع واحد تنتقي له اسما مناسبا : أرى أنه سيكون أجمع للبيان وأقرب لترسيخ الردود في الأذهان للباحث عنها ...
    هذا اقتراحي ورؤيتي الخاصة : وقد يكون لك وجهة نظر أخرى فالامر متروك لك واجتهادك ...

    وفقك الله ...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    حياك الله يا ابا حب , وبارك فيك .. وقد كان من العهد , انه اذا هبّت الريح انخنسنا , وسألنا الله من خيرها , واستعذنا من شرها وشر ما أرسلت له , وقد كانت أم المؤمنين -رضي الله عنها- تخبر من حال النبي صلى الله عليه وسلم انه : إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه قالت يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال ( يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ؟ عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا ) متفق عليه .
    فابتدرنا بيوت العزلة , ومُمَاشطةِ ما علق من نكد الدنيا , وعُقدها , وحلها بتلك المشاطة المتواضعة , علّ الامور تُسرّح , فنستريح الراحة .

    وأما ما رمته من الاختصار , فهي طرق ؛ ولا ندري بأيها يكون القبول , فنسلك ادرباً قد يسترشد بها السالك , خاصة مع هذه الاونة التي تروم الاختصار والاقتصار على اللب . وقد تركت التفريع للمحاورة والمناورة والمناقشة , ولاضافة الافاضل امثالك لما في حوزته وصرته من منثور العلم .

    وقد اغفلت مبحث التعزير , للاخلاف الدائر في ثبوته , ولو ثبت الاصل , فلا يُضر الفرع , والعكس ليس بصحيح .

    فعلي اجيد ان اضع نقاط في المبحث , لتكون منطلقاً لفروع هذا المبحث , فأقول وبالله استعين :.

    بأن التعزير مُفرعٌ على المصالح المرسلة ؛ إذ ان التعزيرات , هي من باب "مالا يتم الواجب الا به فهو واجب" , ومن باب تحقيق مقاصد الشرعية في تعزيز المصلحة , ودحض المفسدة , تحقيقاً لقاعدة "ما ادى الى حرام فهو حرام" و "ما لا يتم ترك الحرام الا به فهو واجب" , " والنهي عن الشيء نهي عما لا يتم اجتنابه الا به" , " ما لا يتم ترك الحرام الا بترك الجميع فتركه واجب "
    فالتعزير على قدر الجناية , وما يناسبها , تحقيقاً للمقصد الشرعي , وحفظاً للضرورياتها الخمسة .

    قال ابن القيم " إن المعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه الحد ولا كفارة فيه، كالسرقة والشُّرب والزنا والقذف، فالحد فيه مغنٍ عن التعزير. ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه كالوطء في نهار رمضان عند الشافعية والحنابلة بعكس الحنفية والمالكية، والوطء في الإحرام. ونوع ثالث لا حد فيه ولا كفارة، مثل قبلة الأجنبية والخلوة بها، ودخول الحمام بغير مئزر، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، ونحو ذلك، وهذا النوع فيه التعزير، ولا يجوز للإمام تركه في قول الجمهور، وقال الشافعية: إنه راجع إلى اجتهاد الإمام في إقامته وتركه، كما يرجع إلى اجتهاده في قدره " أعلام الموقعين: 99-2

    وقد اختلف اهل العلم في التعزير وحده , وهل يتعداه الى تعزيرات مالية بدنية والى القتل , اما انها تقتصر على ما دون العشرة اسواط , رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله". وهل واجبة ام لا , على قولين مشهورين , والصحيح هو ان التعزير يتعداه الى تقدير عقوبة مالية او بدنية او حتى ازهاق الروح لاجل المصلحة العامة , وصاينة الامن , ولو لم يكن الا حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده , فان لم يستطع فبلسانه , ... " لكفى بدلالته استشهاداً واستناداً , اذا ما توفرت القدرة وتحققت المصلحة , وتبددت المفسدة , في تحقيق الرادع المناسب لجنس المنكر ,بحسب حاله , ودفعاً لمآله .

    و التعزير في اللغة : على ما قاله ابن فارس: "العين والزاي والراء كلمتان: إحداهما التعظيم والنصر، والكلمة الأخرى جنس مِن الضرب ؛ فالأُولى: النّصر والتّوقير؛ كقوله تعالى: "وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ" ، والأصل الآخرُ: التّعزير، وهو الضَّربُ دون الحَدِّ. قال: وَلَيْسَ بِتَعْزِيرِ الأَمِيرِ خِزَايَةٌ عَلَيَّ إِذَا مَا كُنْتُ غَيْرَ مُرِيبِ".

    وفي تفسير المنار " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" يطلب التعزير في اللغة على الرد والضرب والمنع والتأديب والتعظيم
    وقال الراغب: التعزير النصرة مع التعظيم، وروي عن ابن عباس: عزروه: عظموه ووقروه. لكن ورد في سورة الفتح لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا والأقرب إلى فقه اللغة ما حققه الزمخشري في الكشاف هنا قال: (وعزروه) ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو، وأصل العزر المنع، ومنه التعزير للضرب دون الحد؛ لأنه منع عن معاودة القبيح ألا ترى إلى تسميته الحد، والحد هو المنع اهـ. جاء في لسان العرب - بعد نقل الأقوال وجعله من قبيل الأضداد. والعزر النصر بالسيف. وعزروه عزرا، وعزره (تعزيرا) أعانه وقواه ونصره

    قال الله - تعالى -: وتعزروه وتوقروه وقال - تعالى -: وعزرتموهم جاء في التفسير:لتنصروه بالسيف، ومن نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيف فقد نصر الله - عز وجل -، وعزرتموهم: عظمتموهم، وقيل: نصرتموهم. قال إبراهيم بن السري: وهذا هو الحق، والله - تعالى - أعلم - وذلك أن العزر في اللغة الرد والمنع، وتأويل عزرت فلانا؛ أي: أدبته، إنما تأويله فعلت به ما يردعه عن القبيح، كما إذا نكلت به؛ تأويله: فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة، فتأويل عزرتموهم نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعداءهم، ولو كان التعزير هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستغناء به، والنصرة إذا وجبت فالتعظيم داخل فيها؛ لأن نصرة الأنبياء هي المدافعة عنهم أو الذب عن دينهم وتعظيمهم وتوقيرهم، انتهى المراد منه."

    والذي تحصّل : بأن التعزير هو التعظيم والتوقير ؛ فإذا لم يتحقق التعظيم والتوقير الا بشيء من القوة , كان متوجباً على المكلف فعله , تحقيقاً للمقصد التعظيم , وحياطة لشعائر الله ان تنتهلك , ويُحتال عليها , وحمايةً لمحارمه , فمن حام حول الحمى اوشك ان يرتع , ومن طرق الباب أوشك أن يلج .

    وقد سئل ابو عبد المعز فركوس -حفظه الله -عن صحة انقلاب الواجب غير المحدد إلى محدد
    فأجاب : الواجب الذي لم يحد الشارع مقداره قد ينقلب إلى واجب محدد يحدده أهل الحل والعقد أو القاضي أو أهل الذكر من أهل الاجتهاد، لأنّ المراد من الواجب غير المحدد هو سدّ الحاجة وتحقيق مقاصد الشرع، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن والأزمان، لذلك أناط الشارع وخوّل الأمر لأهل الاجتهاد أن يحددوا لها مقداراً مناسباً ولائقاً يتماشى مع الظروف والأحوال التي تحيط بصاحبها كالتعزير على الجرائم مثلا، فمقداره غير محدد، والسلطة التقديرية راجعة للقاضي في تحديد العقوبة التعزيرية المناسبة لمرتكب الجريمة."

    وثمة فروق بين الحد والتعزير :وقد لخَّصَ ابنُ عابدين في "رَدِّ المُحتار" تلك النقاط؛ فقال: "الفَرْقُ بَيْن الحدِّ والتَّعْزير: أنَّ الحدَّ مُقَدَّرٌ، والتَّعْزيرَ مُفَوَّضٌ إلى رأْي الإمام. وأنَّ الحدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهات، والتَّعْزيرَ يَجِبُ معها. وأنَّ الحدَّ لا يَجِبُ على الصَّبيِّ، والتَّعْزيرَ شُرِعَ عليه. والرَّابعُ: أنَّ الحدَّ يُطْلَق على الذِّمِّيِّ، والتَّعْزيرَ يُسَمَّى عُقوبةً له؛ لأنَّ التَّعْزيرَ شُرِعَ للتَّطْهير.
    وزاد بعضُ المتأخِّرين: أنَّ الحدَّ مُختَصٌّ بالإمام، والتَّعْزيرَ يَفْعَلُه الزَّوْجُ والمَوْلَى وكُلُّ مَنْ رَأَى أَحَدًا يُبَاشِرُ المعصيةَ. وأنَّ الرُّجوعَ يُعْمَلُ في الحدِّ، لا في التَّعْزير. وأنَّه يُحْبَسُ المَشْهُودُ عليه حتى يُسْأَلَ عنِ الشُّهُود في الحدِّ لا في التَّعْزير. وأنَّ الحدَّ لا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فيه. وأنَّه لاَ يَجُوزُ للإمام تَرْكُهُ. وأنَّه قد يَسْقُطُ بالتَّقَادُم، بخِلاف التَّعزير. فهي عَشَرَةٌ".
    ينظر الفروقات للقرافي .

    فإذا تقرر هذا : فثمة سؤال ؛ يطرح وبشدة خاصة في هذه الاونة , الا وهو : اهل الشريعة تهمل مصالح العباد والبلاد ؟ واذا كانت تحافظ عليها , فعلام لم تنص عليها ؟

    وفي الاجابة عن هذا السؤال ؛ يقول شيخ الاسلام " والقول الجامع : أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة ، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك . لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له :
    أما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة , وكثيراً ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة كما قال تعالى في الخمر والميسر : " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " المجموع الفتاوى. 11-344 , ينظر تمام هذه المسألة في القول الجامع في المصالح من هذا الجزء .

    وفي هذا يقول البرجس -رحمه الله - ( فجمع المصحف دل عليه قوله تعالى : "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" فإن قيل : فلماذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : لوجود المانع ، وهو أن القرآن كان يتنزل عليه طيلة حياته ، وقد ينسخ الله – سبحانه – منه ما يريد . فلما انتفى المانع ، فعله الصحابة باتفاق ، و النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تجتمع أمتي علي ضلالة " , وتدوين العلم " قيدوا العلم بالكتابة " )

    فالحاصل ان المقاصد الشرعية لا بُد وأن تُحاط , وترك الله سبحانه حياطتها والذب عنها , فيما استجد منها لاهل العلم فيما يناسب الحال , والزمان , والمكان , فإن تمسّك متنسّك بقوله صلى الله عليه وسلم " لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " , فيُجاب بسؤال : فماذا ان وقعت نازلة , ولم تفي العشرة اسواط بالغرض ؟ وتُجرّئ على الحدود , وسقطت هيبتها , وفسدت الدين والدنيا , فما يفيد بعد هدبة الثوب اما جرأة العصيان والتمرد ؟ ..
    فوقائع السلف , واستقراء النصوص , يدلان على ان الامر يتعدى العشرة , حفاظاً على الضروريات والمقاصد الشرعية .

    وأجاب بن القيم بجواب , قال فيه "... إن الحد في لسان الشارع أعم منه في اصطلاح الفقهاء فإنهم يريدون بالحدود عقوبات الجنايات المقدرة بالشرع خاصة والحد في لسان الشارع أعم من ذلك فإن يراد به هذه العقوبة تارة ويراد به نفس الجناية تارة كقوله تعالى {تلكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} وقوله {تلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} فالأول حدود الحرام والثاني حدود الحلال وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله حد حدودا فلا تعتدوها"-فيه ضعف- وفي حديث النواس بن سمعان الذي تقدم في أول الكتاب والسور أن حدود الله ويراد به تارة جنس العقوبة وإن لم تكن مقدرة فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" يريد به الجناية التي هي حق الله فإن قيل: فأين تكون العشرة فما دونها إذا كان المراد بالحد الجناية.
    قيل: في ضرب الرجل امرأته وعبده وولده وأجيره للتأديب ونحوه فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط فهذا أحسن ما خرج عليه الحديث وبالله التوفيق."
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الإسلام هو الدين الحق (3) - حملة العلم في الإسلام أكـثرهم العجم
    بواسطة ابن سلامة في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-04-2013, 12:03 AM
  2. حُجَّةُ الإسلام - إثبات ربانية مصادر الإسلام بعقلانية وتجرد
    بواسطة ساري فرح في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 04-05-2010, 04:06 AM
  3. الرد علي مقالات اللادينيين عن الإسلام(5)(الساعة الملاحم ونهاية الأيام في الإسلام)
    بواسطة حسام الدين حامد في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-06-2004, 03:49 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء