المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Doctor X
(كيف سطحت) لا تعنى مطلقا كما ذكر ملقى الشبهة : (كيف شُكِّل سطحها ببحاره وتلاله وجباله ووديانه... أو بتعبير آخر كيف خُلق سطحها) !!!
لا بد في البداية من معرفة أقوال المفسرين القدامى في هذه الآية الكريمة : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) :
قال شيخ المفسرين الطبري : "وقوله: {وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} يقول : وإلى الأرض كيف بُسطت، يقال: جبل مُسَطَّح : إذا كان في أعلاه استواء
قال الزمخشري : {كَيْفَ سُطِحَتْ} سطحاً بتمهيد وتوطئة، فهي مهاد للمتقلب عليها، وبمثله قال أبو حيان و الإمام الرازي
قال القرطبي : {وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}، أي : بُسطت ومدّت. والسطح : بسط الشيء، وبمثله قال أبن الجوزى
قال الشيخ أبو السعود: {كَيْفَ سُطِحَتْ } سطحاً بتوطئةٍ وتمهيدٍ وتسويةٍ وتوطيدٍ حسبما يقتضيهِ صلاحُ أمورِ ما عليها من الخلائقِ
ودلالة كلمة (سُطحت)، تدل على الإنبساط والإستواء، ولا تعارض بين ذلك وبين كروية الأرض ...
قال الإمام الرازي رحمه الله : (ومن الناس من استدل بهذا على أن الأرض ليست بكرة وهو ضعيف، لأن الكرة إذا كانت في غاية العظمة يكون كل قطعة منها كالسطح)
إذن : (سطحت) معناها الدقيق : (بسطت ومهدت وسويت) ..... لا كما يقول ملقى الشبهة : (خُلق سطحها)
وكلمة (الأرض) لها : (معنى عام) و (معنى خاص)
فالمكان الذي يحرثه ويزرعه الإنسان يسمى (أرضا) ، فنقول أرض قاحلة وأرض خصبة إلى غيره من الإطلاقات .... ونقصد بها الأرض المنبسطة التي يشاهدها الرائي بعينه المجردة كما قال تعالى :
(وَمَثَل كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَة اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْق الْأَرْض مَا لَهَا مِنْ قَرَار)
(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّك لَنْ تَخْرِق الْأَرْض وَلَنْ تَبْلُغ الْجِبَال طُولًا )
وهنا يقصد الآرض المنبسطة التي نمشي عليها ، بوصفها (الجزئي) لا (الكلي) ...
و كذلك الآية محل السؤال : الله تعالى يرشدنا إلى إعمال عقولنا للتفكير في هذه الآرض كيف هي منبسطة ؟؟ والحديث هنا عن الأرض كذلك بمعناها (الجزئي) لا الكلي
والدليل هو أن الله تعالى ذكر الإبل والسماء والجبال والأرض وتسائل عن كيفية الخلق والرفع والنصب والتسطح :
(أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20))
ومعلوم أن الجبال (جزء من الأرض) بمعناها الكلى .... فيقصد بذلك المعنى الذي أشرنا إليه وهو الأرض المنبسطة التي نراها بالعين المجردة
وعندما نقرأ الآيات بشكل جيد منذ بدايتها .... نجد أن الآية الكريمة لا تتحدث عن كروية الأرض كحقيقة علمية أو غير ذلك .... ولا تثبت ذلك ولا تنفيه
ونخلص من ذلك إلى أن الآية الكريمة لا علاقة لها بشكل (كوكب الأرض) لا من قريب ولا من بعيد، فهي لا تتحدث عن (الكوكب بشكله الكلي) وإنما تتحدث عن الأرض المنبسطة التي يشاهدها الرائي بعينه المجردة عند وقوفه فوقها
وقد فسر الشيخ الشعراوي رحمه الله، آية قريبة في معناها من آية الغاشية، وهي قوله تعالى في سورة الحجر : (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)
قال : (عندما قال الحق سبحانه وتعالى : (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا) أي بسطناها .. أقال أي أرض ؟؟ لا.. لم يحدد أرضا بعينها .. بل قال الأرض على إطلاقها .. ومعنى ذلك أنك إذا وصلت إلى أي مكان يسمى أرضا تراها أمامك ممدودة أي منبسطة .. فإذا كنت في القطب الجنوبي أو في القطب الشمالي .. أو في أمريكا أو أوروبا أو في افريقيا أو آسيا .. أو في أي بقعة من الأرض .. فأنك ترها أمامك منبسطة .. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكل هندسي آخر .. فإنك تصل فيها إلى حافة .. لا ترى أمامك الأرض منبسطة .. ولكنك ترى حافة الأرض ثم الفضاء .. ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل إليها هي أن تكون الأرض كروية .. حتى إذا بدأت من أي نقطة محددة على سطح الكرة الأرضية ثم ظللت تسير حتى عدت إلى نقطة البداية .. فإنك طوال مشوارك حول الأرض ستراها أمامك دائما منبسطة .. وما دام الأمر كذلك فإنك لا تسير في أي بقعة على الأرض إلا وأنت تراها أمامك منبسطة وهكذا كانت الآية الكريمة : (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا) لقد فهمها بعض الناس على أن الأرض مبسوطة دليل على كروية الأرض .. وهذا هو الإعجاز في القرآن الكريم .. يأتي باللفظ الواحد ليناسب ظاهر الأشياء ويدل على حقيقتها الكونية . ولذلك فإن الذين أساءوا فهم هذه الآية الكريمة وأخذوها على أن معناها أن الأرض منبسطة .. قالوا هناك تصادم بين الدين والعلم .. والذين فهموا معنى الآية الكريمة فهما صحيحا قالوا إن القرآن الكريم هو أول كتاب في العالم ذكر أن الأرض كروية وكانت هذه الحقيقة وحدها كافية بأن يؤمنوا .. ولكنهم لا يؤمنون)
Bookmarks