فوائد وفتاوى للعلامة ابن عقيل الحنبلي ( عن كتاب بدائع الفوائد لابن القيم):




1- إذا كانت للأخرس إشارة مفهومة فأشار بها في صلاته ؟

جواب ابن عقيل :
إشارته المفهومة تجري مجرى الكلام ، فإن كانت برد السلام خاصة لم تبطل صلاته وما سوى ذلك تبطل.



2-وسئل عن رجل طعن بعض الناس فظنه لصاً في لصوص هربوا :

فأجاب عليه القود : لأنه لو كان لصاً فهرب لم يجز طعنه ووجب القود فكيف إذا لم يكن .


3-إذا كانت دابة ترضع ولد غيرها . هل يجوز لها الإفطار كما لو كان ولدها؟

قال ابن عقيل في فصوله :
جارية جاءت إلى الشيخ أبي نصر بن الصباغ . وأنا حاضر . فتحصل من الجواب أنها تستبيح الإفطار ، لأن أكثر ما فيه أنه نوع ضرر لأجل المشاق فهو كإفطار المسافر في المضاربة يستبيح كالمسافر بمال نفسه . وفارق العمل في الصنائع الشاقة ، لأنها إذا بلغ منها الجهد إلى حد يبيح في حق نفسه إباحة في عمل غيره ، وإن لم تبلغ المشقة إلى حد إباحة الإفطار لم يبح في حقه ، ولا حق غيره.



4-أحكام الوطء في الدبر :

عليه كفارة من وطىء حائضاً اختاره ابن عقيل .
قال ابن عقيل في فصوله :
فإن كان الوطء في الدبر في حق أجنبية وجب الحد الذي أوجبناه في اللواط وعلى هذا . فحده القتل بكل حال وإن كان في مملوكه . فذهب بعض أصحابنا أنه يعتق عليه وأجراه مجرى المثلة الظاهرة وهو قول بعض السلف.



5-إذا حكم الحاكم بشهادة شاهدين ثم بان له فسقهما أو كذبهما وقت الشهادة :

أجاب ابن عقيل : لا يقبل قوله بعد الحكم . فإن قال : كنت عالماً بفسقهما قبل قوله.




6-فصل : إن استدام شبق الصائم جميع الزمان :

أجاب ابن عقيل :
إن كان شبق الصائم مستداماً جميع الزمان سقط القضاء ، وعدل إلى الفدية ، كالشيخ والشيخة . وإن كان يعتريه في زمن الصيف أو الشتاء قضى في الزمن الآخر ولا فدية هنا ، لأنه عذر غير مستدام فهو كالمريض .




7-رجل قال لعبده إذا فرغت من هذا العمل فأنت حر :

رجل قال لعبده إذا فرغت من هذا العمل فأنت حر وقال : أردت أنك حر من العمل أجاب ابن عقيل وأبو الخطاب وابن الزاغواني : لا يقبل قوله في ظاهر الحكم ، وأما بينه وبين الله فيحتمل .





8-هل يجوز له أن يحدث مداراً أو حماماً يتأذى به الجيران ؟

أجاب ابن عقيل : إذا كان ذلك في خاصة ملكه بحيث لا يتزلزل حيطانهم بالرحا ولا يتعدى دخان نار حمامه ، ولا ينزو ماؤه إلى جدار جاره جاز.




9-إذا وطىء الصبي هل يجب عليه الغسل ؟

أجاب ابن عقيل : عن هذه المسألة في صبي وطىء مثله . قال: إن كان له شهوة لزمه الغسل ، وإن كان ذلك على سبيل اللعب لغير شهوة فلا غسل عليه.



10-إذا قال القاضي لشاهدين : أعلمكما أني حكمت بكذا وكذا هل يجوز أن يقولا : أشهدنا أنه حكم على نفسه بكذا وكذا ؟

أجاب أبو الخطاب وابن عقيل : بأنه لا يجوز أن يقولا أشهدنا ، وإنما يقولان : أخبرنا وأعلمنا.

11-كم مقدار التراب المعتبر في الولوغ ؟

أجاب ابن عقيل بأن يكون بحيث تظهر صفته ويغير صفة الماء.


12-سئل ابن عقيل : هل يجوز أن يتخذ النساء السفر والمطارح والمخاد وغير ذلك حريراً ؟

فقال : لا بل ملابس فقط.


13- إذا علم قرداً أن يدخل دور الناس ويخرج المتاع فهل يقطع بذلك صاحبه ؟

أجاب ابن عقيل : لا حكم لفعل القرد في نفسه ، ولا قطع على صاحبه ، وإنما عليه الرد لما أخذه والغرم لما أتلفه .


14-إذا كان كلب المسلم قد علمه مجوسي:

إذا كان كلب المسلم قد علمه مجوسي أجاب أبو الخطاب وابن عقيل: لا يكره للمسلم أن يصطاد به .


15-إذا كان عنده وديعة فاعترض السلطان لها ظلماً :

إذا كان عنده وديعة فاعترض السلطان لها ظلماً . أجاب ابن عقيل : لا يسقط الضمان بخوفه من وقوع الطلاق ، بل يضمن بدفعها إليه ، لأنه افتدى بها عن ضرره بوقوع الطلاق .


16-إذا وجد في البرية شاة فأخذها وذبحها :

جواب ابن عقيل : لا يجوز له ذبحها وإن ذبحها أثم ولزمه ضمان قيمتها.


17-إذا وجد لقطة فخاف إذا عرفها أن ينتزعها منه ظالم :

أجاب ابن عقيل : التعريف يراد به حفظها على مالكها ، وهذا التعريف يفضي إلى تضييعها فيدعها أبداً في يده ، إلى أن يجد فسحة وأمناً فيعرفها حولاً .


18-هل يصح أن يوقف على المسجد ستوراً ؟

أجاب ابن عقيل : لا ينعقد هذا الوقف رأساً لأنه بدعة وهو على حكم الميراث .


19-هل يجوز للحاكم سماع شهادة أبيه وابنه وحكمه بها ؟

جواب ابن عقيل : يجوز إذا لم يتعلق عليهما من ذلك تهمة ولم يوجب لهما بقبول شهادته ريبة لم تثبت بطريق التزكية.


20- إذا سأل الحاكم الشهود عن مستند شهادتهم . فقالوا : أخبرنا جماعة:

جواب ابن عقيل أن صرحا بالاستفاضة أو استفاض بين الناس قبل في الوفاة والنسب جميعاً .


21-حادثة :هل يجوز نقل وقف مسجد خرب إلى عمارة الجامع الذي لا غنى للقارية عنه أم لا ؟

مسجد عليه وقف خرب ، وليس في وقفه ما يفي بعمارته هل يجوز نقل ذلك إلى عمارة الجامع الذي لا غنى للقرية عنه . قال جماعة يجوز ، وخالفهم ابن عقيل فقال : يجب صرف دخل وقف المسجد إلى عمارته بحسبها ، وقد كان سقف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم سعفاً انتهى .والتحقيق في المسألة أن المسجد إن تعطل بحيث انتقل أهله عنه وبقي في مكان لا يصلى فيه ، فالصواب ما قاله الجماعة وإن كان جيرانه بحالهم وهو بصدد أن يصلي فيه ، فالصواب ما قاله ابن عقيل والله أعلم.


22-وسئل عن رجل تزوج ضريرة ومعها جارية تخدمها فأنفق عليها مدة ، ثم قصر في النفقة وعلل ذلك بأنه في مقابلة ما كان أنفق على الجارية:

فقال ابن عقيل : هذا فإن من تزوج ضريرة ، فقد دخل على بصيرة أنه لا بد لها من خادم ، فتكون المؤنة عليه كمن تزوج امرأة ذات جلالة يلزمه إخدامها.



23-وسئل عن رجل أدرك الناس ركوعاً في صلاة الجمعة ، وسمع من المبلغين قول سمع الله لمن حمده ، فهل يقدر ما يكون به تابعاً للإمام أو يعتبر بمن يليه :

فقال ابن عقيل : بل يقدر ما يكون به تابعاً للإمام في حال ركوعه ، لأنه قد يكون ركع والإمام قد رفع ، ولكن لبعد ما بين المبلغين وبين الإمام قد يكون الأواخر ركعاً ، وذلك أن الشرع علق الإدراك بركوع الإمام فالوسائط لا عبرة بهم.


24- حكم من قال لامرأته أنت طالق لا كلمتك وأعاده :

رجل قال لامرأته :أنت طالق لا كلمتك وأعاده . فقال بعض أصحاب أحمد إن قصد إفهامها بالثاني لم يقع ، وإن قصد الابتداء وقع المعلق بالثاني . قال ابن عقيل : هذا خطأ ، لأن الثاني هو كلام لها على كل حال ، سواء قصد الإفهام أو الابتداء ، وإنما اشتبهت بمسألة إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، وأعاده . فإن التفصيل كما ذكرت ، فأما الكلام فهو على الإطلاق يتناول كل كلام مخصوص بخلاف الحلف فإنه لا يكون حلفاً إلا بقصد ، وإذا كان قصده بالثاني إفهامها لما حلف به أولاً لم يكن حلفاً.


25-وسئل عن رجل قالت له زوجته : طلقني . فقال : إن الله قد طلقك:

قال ابن عقيل : يقع الطلاق لأنه كناية استندت إلى دلالة الحال وهي ذكر الطلاق وسؤالها إياه.


26-وسئل عن رجل أوقف دابة في مكان ، فجاء رجل فضربها فرفسته فمات ، هل يضمن صاحب الدابة :

فقال ابن عقيل : إذا لم يكن متعدياً في إيقافها بأن تكون في ملك الضارب فلا ضمان عليه وإن كان متعدياً فالضمان عليه .



27-سئل ابن عقيل عن رجل له ماء يجري على سطح جاره فعلا داره هل يسقط حق الجري ؟

فقال لا ، لكنه إذا سلط الماء على عادته حفر سطح جاره لموضع العلو ، فينبغي أن يجعل جريه بحدته إلى ملكه ثم يخرجه بسهولة إلى سطح جاره.


28-فائدة في تحقيق معنى القيراط الذي وقع في الحديث :

قال ابن القيّم : لم أزل حريصاً على معرفة المراد بالقيراط في هذا الحديث ، وإلى أي شيء نسيته حتى رأيت لابن عقيل فيه كلاماً ، قال القيراط : نصف سدس درهم مثلاً ، أو نصف عشر دينار ، ولا يجوز أن يكون المراد هنا جنس الأجر ، لأن ذلك يدخل فيه ثواب الإيمان وأعماله كالصلاة والحج وغيره ، وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ هذا . فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود ، وهو الأجر العائد إلى الميت ويتعلق بالميت أجر الصبر على المصاب فيه . وأجر تجهيزه وغسله ودفنه والتعزية به ، وحمل الطعام إلى أهله وتسليتهم ، وهذا مجموع الأجر الذي يتعلق بالميت ، فكان للمصلي والجالس إلى أن يقبر سدس ذلك أو نصف سدسه إن صلى وانصرف ، قلت : كان مجموع الأجر الحاصل على تجهيز الميت من حين الفراق إلى وضعه في لحده وقضاء حق أهله وأولاده وجبرهم ديناراً مثلا فللمصلي عليه قيراط من هذا الدينار ، والذي يتعارفه الناس من القيراط أنه نصف سدس ، فإن صلى عليه وتبعه كان له قيراطان منه ، وهما سدسه وعلى هذا ، فيكون نسبة القيراط إلى الأجر الكامل بحسب عظم ذلك الأجر الكامل في نفسه ، وكلما كان أعظم كان القيراط منه بحسبه فهذا بين ههنا . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو زرع نقص من أجره أو من عمله كل يوم قيراط ، فيحتمل أن يراد به هذا المعنى أيضاً بعينه ، وهو نصف سدس أجر عمله ذلك اليوم ويكون صغر هذا القيراط وكبره بحسب قلة عمله وكثرته ، فإذا كانت له أربعة وعشرون ألف حسنة مثلاً نقص منها كل يوم ألفا حسنة وعلى هذا الحساب ، والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا مبلغ الجهد في فهم هذا الحديث.


29-سئل عن حبس الطير لطيب نغمتها :

فقال ابن عقيل : سفه وبطر يكفينا أن نقدم على ذبحها للاكل فحسب ، لأن الهواتف من الحمام ربما هتفت نياحة عشى الطيران . وذكر أفراخها أفيحسن بعاقل أن يعذب حياً ليترنم فيلتذ بنياحته ، وقد منع من هذا بعض أصحابنا وسموه سفهاً.


30-رجل طلبت زوجته أن يطلقها فقال إن كنت تريدين أن أطلقك فأنت طالق فهل يقع الطلاق أم لا :

رجل قالت له زوجته أريد منك أن تطلقني فقال لها إن كنت تريدين أن أطلقك فأنت طالق فهل يقع الطلاق أو لا بد من إخبارها عن إرادة مستقبلة .
قال ابن عقيل :ظاهر الكلام ووضعه يدل على إرادة مستقبلة ، ودلالة الحال تدل على أنه أراد إيقاعهلأجل الإرادة التي أخبرته بها ولم يزد .


31-عمن قال إن برىء مريضي أو قدم غائبي صمت هل يكفي كونه نذراً أو يفتقر إلى أن يقول لله علي :

فأجاب ابن عقيل : يكفي نذراً ، لأنه ذكره على وجه المجازاة ، لأن الله هو يبرىء المرضى . فاستغنى بدلالة الحال .


32-من خاف أن تنشق مثانته من الشبق :

قال ابن عقيل : وعندي أنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره ، كاستمنائه بيده أو ببدن زوجته أو أمته غير الصائمة . فإن كان له أمة طفلة أو صغيرة استمنى بيدها ، وكذلك الكافرة ويجوز وطئها فيما دون الشرج . فإن أراد الوطء في الفرج مع إمكان إخراج الماء بغيره فعندي أنه لا يحوز، لأن الضرورة إذا رفعت حرم ما وراءها كالشبع من الميتة ، بل ههنا آكد ، لأن باب الفروج آكد في الحظر من الأكل .


33-في حكم الاستمناء باليد :

قال ابن عقيل : قال : وأصحابنا وشيخنا لم يذكروا سوى الكراهة لم يطلقوا التحريم . قال : وإن لم يقدر على زوجة ولا سرية ولا شهوة له تحمله على الزنا حرم عليه الاستمناء ، لأنه استمتاع بنفسه والآية تمنع منه ، وإن كان متردد الحال بين الفتور والشهوة ولا زوجة له ولا أمة ولا ما يتزوج به كره . ولم يحرم وإن كان مغلوباً على شهوته يخاف العنت كالأسير والمسافر والفقير جاز له ذلك نص عليه أحمد . وروي أن الصحابة كانوا يفعلونه في غزواتهم وأسفارهم وإن كانت امرأة لا زوج لها ، واشتدت غلمتها فقال بعض أصحابنا : يجوز لها اتخاذ الأكرنبج وهو شيء يعمل من جلود على صورة الذكر فتستدخله المرأة أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع صغار . قال : والصحيح عندي أنه لا يباح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرشد صاحب الشهوة إذا عجز عن الزواج إلى الصوم . ولو كان هناك معنى غيره لذكره . وإذا اشتهى وصور في نفسه شخصاً أو دعي باسمه . فإن كان زوجة أو أمة له فلا بأس إذا كان غائباً عنها ، لأن الفعل جائز ولا يمنع من توهمه وتخيله وإن كان غلاماً أو أجنبية كره له ذلك ، لأنه إغراء لنفسه . بالحرام وحث لها عليه وإن قور بطيخة أو عجيناً أو أديماً أو نجشاً في صنم أو آلية. فأولج فيه فعلى ما قدمنا من التفصيل قلت : وهو أسهل من استمنائه بيده . وقد قال أحمد فيمن به شهوة الجماع : غالباً لا يملك نفسه ويخاف أن تنشق انثياه اطعم هذا لفظ ما حكاه عنه في المغني ، ثم قال : أباح له الفطر ، لأنه يخاف على نفسه فهو كالمريض يخاف على نفسه الهلاك لعطش ونحوه . وأوجب الإطعام بدلاً من الصيام وهذا محمول على من من لا يرجو إمكان القضاء . فإن رجا ذلك فلا فدية عليه . والواجب انتظار القضاء وفعله إدا قدر عليه لقوله : فمن كان منكم مريضاً [ البقرة : 184 ] ، الآية وإنما يصار إلى الفدية عند اليأس من القضاء . فإن أطعم مع يأسه ، ثم قدر على الصيام احتمل أن لا يلزمه . لم لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية التي كانت هي الواجب فلم تعد إلى الشغل بما برئت منه واحتمل أن يلزمه القضاء ، لأن الإطعام بدل اياس . وقد تبينا ذهابه فاشبه المعتدة بالشهور لليأس إذا حاضت في أثنائها .


34- فائدة في التفاضل :

ذكر ابن عقيل في الفصول:
أن التفاضل يحرم في بيع أحد النقدين بمثله بعلة كونه موزون جنس، فيتعدى إلى كل موزون، ولو كان كما ذكر لما جاز إسلام النقدين في الحديد والرصاص والنحاس. وقد زعم أنه أجاز ذلك استحساناً. وهذا لا يستقيم؛ لأنه يزعم أن الوزن ثبت كونه غلة بإيماء صاحب الشرع، وهي مقدمة على الاستحسان بإجماع الفقهاء، ثم احتج على أنها ليست ثمناً بأنها تختلف في نفاقها وكسادها باختلاف البلدان والأزمان، بخلاف النقدين، وبأنها لا تثبت في الذمة مطلقة، وبأنها من الغصب والإتلاف تقوَّم بالنقدين لا بالفلوس.


35- في قوله صلى الله عليه وسلم : { ومن ستر مسلما ستره الله عز وجل يوم القيامة } :

قال ابن عقيل : وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد ، وأما المعروف بذلك ، فيستحب أن لا يستر عليه ، بل ترفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة ؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله ، وهذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت ، أما معصية رآه عليها ، وهو بعد متلبس ، فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه على من قدر على ذلك ، فلا يحل تأخيرها ، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة .


36-إذا صادر السلطان إنساناً وعنده وديعة هل يضمن ؟

جواب ابن عقيل : إذا غلب على ظنه أنه يأخذها منه بإقراره ، كان ذلك دلالة عليها وعليه الضمان .



37-فائدة :

قال ابن القيم : إذا علق الطلاق بأمر يعلم العقل استحالته عادة ، وأخبر من لا يعلم إلا من جهته بوقوعه ، وليس خبره ، مما قام الدليل على صدقه فقد قال كثير من الفقهاء بوقوغ الطلاق عند خبره . وقال محمد بن الحسن بعدم الوقوع وهو الصواب وهو اختيار ابن عقيل وغيره من أصحاب أحمد بن حنبل .
وصورة المسألة إذا قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله في النار فأنت طالق . فقالت : أنا أحب ذلك ، قال الموقعون : المحبة أمر لا يتوقف عليه ولا يعلم إلا من جهتها ، فإذا أخبرت به رجع إلى قولها اعترض على ذلك ابن عقيل فقال الباطن : إذا كان عليه دلالة أمكن الاطلاع عليه ولا دلالة أكبر من العلم بأن طباع الحيوان لا تصبر على نفحات النار ولا تحبها ، وإذا علم هذا طبعاً صار دعوى خلافاً خرقاً للعادة ، فهو كقوله : أنت طالق إن صعدت السماء فغابت ، ثم ادعت الصعود فإن لا يقع لاستحالته طبعاً وعادة قالوا : النعام يميل إلى النار فلا يمتنع أن تكون هذه صادقة لإخبارها عن نفسها أو دخل عليها داخل من برد استولى على جسدها ، فتمنت معه دخول النار قال ابن عقيل : لا يستحيل الميل إلى النار منالحيوان الذي ذكرت لكن ذلك خرق للعادة في حق غيرها ، فلئن جاز أن يصدقها في ذلك لكونه لا يستحيل وجب أن يصدقها في صعود السماء ، فقد صعدت إليها الملائكة والجن والأنبياء بل يبنى الأمر على العادة دون خرقها . وفي مسألتنا لم تقل أحب ، النار بل . قالت : أحب أن يعذبني الله بالنار والنعام لا يتعذب ، فقد صرحت بحب أعظم الألم ولم يجتمع في حيوان حب وميل إلى ما يعذب به ، بل طبعه النفور من حل مؤلم ، فأما تعلقهم بأن ما في قلبها لا يطلع عليه إلا من إخبارها ، فهذا شيء يرجع إلى ما يجوز أن يكون في قلبها من طريق العادة ، فأما المستحيل عادة فإنه كالمستحيل في نفسه ولو أنه قال لها : إن كنت تعتقدين أن الجمل يدخل في خرم الإبرة فأنت طالق فقالت : أعتقد لم يقع الطلاق إذ لا عاقل يجوز ذلك فضلاً عن أن يعتقده انتهى كلامه.


38- وسئل لو قال منجم إن الشمس تكسف تحت الأرض في وقت كذا. هل تصلى صلاة الكسوف ؟

فأجاب ابن عقيل : لا ، لأن خبرهم لا يؤخذ به كما لو قالوا : الهلال تحت الغيم ، فإن قيل : فإذا قالوا : قد زالت الشمس ، قلنا: ذاك موقوف على تقدير ، ولهذا نقدره بالصنائع انتهى كلامه.


39-سئل ابن عقيل عن كشف المرأة وجهها في الإحرام أهو أولى أم التغطية مع الفداء ؟

سئل ابن عقيل عن كشف المرأة وجهها في الإحرام مع كثرة الفساد اليوم ، أهو أولى أم التغطية مع الفداء ؟ وقد قالت عائشة رضي الله عنها : لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ، . فاجاب : بأن الكشف شعار إحرامها ورفع حكم ثبت شرعاً بحوادث البدع لا يجوز ، لأنه يكون نسخاً بالحوادث ويفضي إلى رفع الشرغ رأساً .وأما قول عائشة فإنها ردت الأمر إلى صاحب الشرع . فقالت : لو رأى لمنع ولم نمنع ، ير وقد جبد عمر السترة عن الأمة وقال : لا تشبهي بالحرائر . ومعلوم أن فيهن من تفتن لكنه لما وضع كشف رأسها للفرق بين الحرائر والإماء جعله فرقاً ، فما ظنك بكشف وضع بين النسك والإحلال ، وقد ندب الشرع إلى الظر إلى المرأة قبل النكاح وأجاز للشهود النظر ، فليس ببدع أن يأمرها بالكشف ويأمر الرجال بالغض ليكون أعظم للإبتلاء كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه.


40-فائدة في زكاة الحلي :

قال ابن عقيل : يخرج من رواية إيجاب الزكاة في حلي الكرا والمواشط ، إن يجب في العقد المعد للكراء وكل سلعة تؤجر وتعد للإجارة قال : وإنما خرجت ذلك عن الحلي ، لأنه قد ثبت من أصلنا أن الحلي لا يجب فيه الزكاة ، فإذا أعد للكراء وجبت ، فإذا ثبت أن الإعداد للكراء ينشىء إيجاب الزكاة في شيء لا يجب فيه الزكاة . كان في جميع العروض التي لا تجب فيها الزكاة ينشيء إيجاب الزكاة . يوضحه أن الذهب والفضة عينان تجب الزكاة بجنسهما وعينهما ، ثم إن الصياغة والإعداد للباس والزينة والانتفاع غلبت على إسقاط الزكاة في عينه ، ثم جاء الإعداد للكراء فغلب على الاستعمال ، وإنشاء إيجاب الزكاة ، فصار أقوى مما قوي على إسقاط الزكاة ، فأولى أن يوجب الزكاة في العقار والأواني .والحيوان التي لا زكاة في جنسها أن ينشيء فيها..


41-الأموال التي يأخذها القضاة أربعة أقسام رشوة وهدية وأجرة ورزق والكلام على كل منها :

قال ابن عقيل :الأموال التي يأخذها القضاة أربعة أقسام : رشوة وهدية وأجرة ورزق . فالرشوة حرام وهي ضربان .
رشوة ليميل إلى أحدهما بغير حق فهذه حرام عن فعل حرام على الآخذ والمعطي وهما آثمان .
ورشوة يعطاها ليحكم بالحق واستيفاء حق المعطي من دين ونحوه ، فهي حرام على الحاكم دون المعطي ، لأنها للاستنقاذ ، فهي كجعل الآبق وأجرة الوكلاء في الخصومة .
وأما الهدية فضربان هدية كانت قبل الولاية فلا تحرم استدامتها . وهدية لم تكن إلا بعد الولاية ، وهي ضربان : مكروهة وهي الهدية إليه ، ممن لا حكومة له . وهدية ممن قد اتجهت له حكومة فهي حرام على الحاكم والمهدي .
وأما الأجرة فإن كان للحاكم رزق من الإمام من بيت المال حرم عليه أخذ الأجرة قولاً واحداً ، لأنه إنما أجرى له الرزق لأجل الاشتغال بالحكم ، فلا وجه لأخذ الأجرة من جهة الخصوم ، وإن كان الحاكم لا رزق له فعلى وجهين :
أحدهما: الإ أباحة لأنه عمل مباح فهو كما لو حكماه ، ولأنه مع عدم الرزق لا يتعين عليه الحكم فلا يمنع من أخذ الأجرة كالوصي وأمين الحاكم يأكلان من مال اليتيم بقدر الحاجه .
وأما الرزق من بيت المال ، فإن كان غنياً لا حاجة له إليه احتمل أن يكره ، لئلا يضيق على أهل المصالح ويحتمل أن يباح ، لأنه بذل نفسه لذلك فصار كالعامل في الزكاة والخراج .


42 -فائدة :

قال ابن عقيل : جاءت فتوى أن حاكماً قال بين يديه يهودي ، لا ننكر أن محمداً بعث إلى العرب فقال له :ونقول إنه جاء بالحق فقال : نعم فأفتى جماعة أنه قد أسلم ، وكتبت لا شك أن قوله إنه بعث إلى العرب ، قول طائفة منهم وقوله بعد هذا ، وأعتقد أنه جاء بالحق يرجع إلى أقر به، من أنه جاء رسولاً إلى العرب ، فإذا احتمل أن يعود كلامه إلى هذا لم يخرج من دينه بأمر محتمل ، وكتب كذلك كياً والشاشي.


43-إذا قال أنفذ لي كتاباً فحلف أنه قد أنفذه أمس ، فبان أنه أنفذه قبله بيوم :

قال ابن عقيل : لا يحنث . لا لأجل الخطأ والنسيان بل لأن قصده تصديق نفسه في الإنفاذ الذي هو مقصود الطالب ، وإذا بان أن المقصود قد حصل قبل أمس ، فقد بان أنه قد حصل أوفى المقصود ، كما لو حلف قد أعطيتك ديناراً فبان أنه أعطاه دينارين.


44-رجل له على آخر قود في النفس والطرف ، فقطع الطرف فسرى إلى النفس ، هل يسقط حكم القود في النفس بالسراية ؟

قال ابن عقيل : يحتمل أن يكون مستوفياً للحق بالسراية ، لأن القطع قد صار قتلاً وما صلح لاستفياء الحقين حصل به استيفاؤهما كمن أعتق المكاتب عندنا في الكفارة ، حصل به مقصود المكاتب من العتق ومقصود السيد من التكفير . وكمن أطعم المضطر طعاماً قد وجب عليه بذله لكون المضطر لا طعام له ، وكون صاحب الطعام غير محتاج اليه ، ونوى بإطعامه الكفارة فإنه يندفع به الحقين . وكذا من دخل المسجد فصلى قضاء ناب عن القضاء والتحية.


45-مذاهب العلماء فيما يؤخذ من التاجر الذمي إذا جاز علينا :

مذهب الإمام أحمد رحمه الله يؤخذ من الذمي التاجر إذا جاز علينا نصف العشر ومن الحربي المستأمن العشر . ومذهب أبي حنيفة إن فعلوا ذلك بنا فعلناه بهم وإلا فلا . ومذهب الشافعي لا يجوز إلا بشرط أو تراض بينهم وبين الإمام. قال ابن عقيل : وهذا هو الصحيح من المذهب، لأن عقد الذمة للذمي والأمان للحربي أوجب حفظ أموالهم وصيانتها بالعهد والجزية ، وأخذ ذلك يقع ظلماً منا ونقضاً لذمتهم الموجبة عصمة أموالهم ودمائهم . فأورد عليهم ما يصنع بقضية عمر ، فقال : هي محتملة أنه فعل ذلك بمقابلة لفعل كان منهم ، ويحتمل أنه كان شرط على قوم منهم ذلك لمصلحة رآها وحاجة للمسلمين أوجبت ذلك ، قال : ودليلي مصرح بالحكم واضح ، لا يحتمل فاصرف ظاهر القصة إلى هذا الاحتمال بدليلي الواضح.


46-فائدة في كتب المهر في ديباج :

قال ابن عقيل : سئلت عن كتب المهر في ديباج فقلت: إنما يقصد المباهاة وير التي حرم لأجلها الحرير وهي الكبر والخيلاء .
قالوا : فهل يطعن ذلك في الحجة قلت : لا كما لو كتب في ورقة مغصوبة الكتب حرام والحجة ثابتة .


47-وذكر له حاكم طعن عليه بأنه يحكم بالفراسة ، وإنه ضرب بالجريد في إقرار بمال وأخذه منه :

فقال ابن عقيل : ليس ذلك فراسة بل حكم بالإمارات ، وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوز التعويل على ذلك ، وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم ، وذلك يستند إلى قوله : إن كان قميصه قد من قبل [ يوسف : 26 ] ، ومتى حكمنا بعقد الأزح وكثرة الخشب ومعاقد القمط في الحصن ، وما يصلح للمرأة والرجل يعني في الدعاوى والدباغ والعطار إذا تحاكما في جلد . والقيافة والنظر في الخنثى ، والنظر في إمارات القبلة وهل اللوث في القسامة إلا نحو هذا.


48-فائدة :

قال ابن عقيل : يحرم خلوة النساء بالخصيان والمجبوبين ، إذ غاية ما تجد فيهم عدم العضو أو ضعفه ، ولا يمنع ذلك لإمكان الاستمتاع بحسبهم من القبلة واللمس والاعتناق والخصي يقرع قرع الفحل والمجبوب يساحق . ومعلوم أن النساء لو عرض فيهن حب السحاق ومنعنا خلوة بعضهن ببعض . فأولى أن يمنع خلوة من هو في الأصل على شهوته للنساء.


49-فائدة : عزى بعض العلماء رجلاً بطفلة فقال له : قد دخل بعضك الجنة ، فاجتهد أن لا تتخلف بقيتك عنها .

قال ابن عقيل : وفي جواز هذه الشهادة ما فيها فأنا وإن لم نشك أن أطفال المؤمنين في الجنة لا نشهد به لمعين أنه فيها . كما نشهد لعموم المؤمنين بالجنة ولا نشهد بها لمعين سوى من شهد له النص . وعلى هذا يحمل حديث عائشة رضي الله عنها ، وقد شهدت للطفل من الأنصار بأنه عصفور من عصافير الجنة . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك . وهكذا نقول لهذا المعزى ، وما يدريك أن بعض المعزى دخل الجنة . وسر المسألة الفرق بين المعين والطلق في الأطفال والبالغين والله أعلم.


50-فائدة :

قال ابن عقيل : عن أحمد في الصيد إذاأوجبه والشاة إذا ذبحها ثم سقطت في ماء ، هل تباح على روايتين . وسئل بعض أصحابنا عن هؤلاء الشوائين بذبحون الدجاج ويرمون به في ماء السمط وهو يضطرب فخرجه على هاتين الروايتين . وصحح الإباحة قال : لأن ذلك الاضطراب ليس له حكم الحياة.



51-قول رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن:

قال ابن عقيل : أن المعنى من عمل بما تضمنته من الإقرار بالتوحيد والإذعان للخالق كان كمن قرأ ثلث القرآن ولم يعمل بما تضمنه ذكره ابن عقيل قال ولا يجوز أن يكون المعنى من قرأها فله أجر قراءة ثلث القرآن لقول رسول {صلى الله عليه وسلم} من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنا .


52-تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة :

استدل ابن عقيل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة ، بأن الله تعالى عز وجل اختار النكاح لأنبيائه ورسله فقال تعالى : ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية [ الرعد : 38] ، وقال في حق آدم : وجعل منها زوجها ليسكن إليها [ الزمر : 6 ] ، واقتطع من زمن كليمه عشر سنين في رعاية الغنم مهر الزوجة ، ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات . واختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأشياء فلم يحب له ترك النكاح ، بل زوجه بتسع فما فوقهن . ولا هدي فوق هدية . ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي صلى الله عليه وسلم يوم المباهاة بأمته ، ولو لم يكن فيه ألا أنه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته . ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ، ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله تعالى . ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ، ويثيبه على قضاء وطره ووطرها فهو في لذاته ، وصحائف حسناته تتزايد . ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللقمة إلى فيها . ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله وغيظ أعداء الإسلام . ولو لم يكن فيه إلا ما يترتب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل . ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه فإن تعلق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها تصده عن تعلقه بما هو أنفع له ، فإن الهمة متى انصرفت إلى شيء انصرفت عن غيره . ولو لم يكن فيه إلا تعرضه لبنات إذا صبر عليهن وأحسن إليهن ، كن له ستراً من النار . ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدمله فرطين لم يبلغا الحنث ، أدخله الله بهما الجنة . ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له ، فإن في الحديث المرفوع ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف . والمكاتب يريد الأداء .


53-في الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة :

قال ابن عقيل : الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة ، أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً ، فالتفصيل بدون لا يستقيم . فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل ، فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب ، لا بجرد أعمال الجوارح ، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملاً بجوارحه ، والآخر أرفع درجة منه في الجنة . وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم ، فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة . وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها ، واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها . وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب ، فلا ريب أن فاطمة أفضل ، فإنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخوتها .
وإن أريد السيادة ، ففاطمة سيدة نساء الأمة ، وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل . وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ولم يوازن بينهما، فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم.


54 -فائدة :هل حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أم الكعبة :

قال ابن عقيل : سألني سائل أيما أفضل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم أو الكعبة ؟ فقلت : إن أردت مجرد الحجرة فالكعبة أفضل ، وإن أردت وهو فيها فلا ، والله ولا العرش وحملته ولا جنة عدن ولا الأفلاك الدائرة ، لأن بالحجرة جسداً لو وزن بالكونين لرجح.


55-فائدة : إذا خاف على نفسه الهلاك وأبى صاحب الطعام أن يبدله له إلا بعقد الربا . . . إلخ

إذا غصب مالاً وبنىبه رباطاً أو مسجداً أو قنطرة فهل ينفعه ذلك أو يكون الثواب للمغصوب منه . قال ابن عقيل : لا ثواب على ذلك لواحد منهما ، أما الغاصب فعليه العقوبة وجميع تصرفاته في مال الغير آثام متكررة ، وأما صاحب المال فلا وجه لثوابه ، لأن ذلك البناء لم يكن له فيه نية ولا حسبة ، وما لم يكن للمكلف فيه عمل ولا نية فلا يثاب عليه ، وإنما يطالب غاصبه يوم القيامة فيأخذ من حسناته بقدر ماله .


56 - فائدة :

قال ابن عقيل :
أورد شيخنا الهراسي سؤالاً على القول بكفر تارك الصلاة ، وزعم أنه لا جواب عنه ، فقال : إذا أراد هذا الرجل معاودة الإسلام فبماذا يسلم ، فإنه لم يترك كلمة الإسلام فأجابه ابن عقيل بأن قال : إنما كان كفره بترك الصلاة لا بترك الكلمة ، فهو إذا عاود فعل الصلاة صارت معاودته للصلاة إسلاماً . فإن الدال على إسلام الكافر الكلمة أو الصلاة .


57- فائدة :

قال ابن عقيل :
قال أحمد : إذا تزوج العبد حرة عتق نصفه . ومعنى هذا ، أن أولاده يكونون أحراراً وهم فرعه ، فالأصل عبد وفرعه حر والفرع جزء من الأصل .



58-تحريق الثياب التي عليها الصور :

قال ابن عقيل :
لا يجوز لأنها يمكن أن تكون مفارش بخلاف غيره.


59-فائدة :

قالت الإمامية أن العتق لا ينفذ إلا إذا قصد به القربة ، لأنهم جعلوه عبادة ، والعبادة لا تصح إلا بالنية . قال ابن عقيل : ولا بأس بهذا القول لا سيما وهم يقولون الطلاق لا يقع إلا إذا كان مصادفاً للسنة مطابقاً للأمر وليس بقربة ، فكيف بالعتق ، الذي هو قربة .

60-إذا الشمس كورت :

قرأ قارىء : ( إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت *وإذا الجبال سيرت) [ التكوير : 1 ، 3 ] ، وفي الحاضرين أبو الوفاء بن عقيل، فقال له قائل : يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب فلم هدم الأبنية وسير الجبال ودك الأرض وفطر السماء ونثر النجوم وكور الشمس . فقال : إنما بنى لهم الدار للسكنى والتمتع وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه بحسن التأمل والتذكر ، فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خربها لانتقال الساكن منها .
فأراد أن يعلمهم بأن الكونين كانت معمورة بهم وفي إحالة الأحوال وإظهار تلك الأهوال وبيان المقدرة بعد بيان العزة وتكذيب لأهل الإلحاد وزنادقة المنجمين وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان ، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ، فاذا رأوا آلهتهم قد انهدمت وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت ومحالها قد تشققت . ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم وظهر أن العالم مربوب محدث مدبر له رب يصرفه كيف يشاء تكذيباً لملاحدة الفلاسفة . القائلين بالقدم ، فكم لله من حكمة في هدم هذه الدار ودلالة على عظم عزته وقدرته وسلطانه وانفراده بالربوية وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره وإذعانها لمشيئته ، فتبارك الله رب العالمين .


61- حذار من أمرين :

قال ابن عقيل :
حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء .
أحدهما : رد الحق لمخالفته هواك ، فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأساً ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك . قال تعالى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة [الأنعام : 110 ] ، فعاقبهم على رد الحق أول مرة ، بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك .
والثاني : التهاون بالأمر إذا حضر وقته فإنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك . قال تعالى : فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل : لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين [ التوبة : 83 ] ، فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فليهنه السلامة


62-فائدة :

قال ابن عقيل :
قال قائل : أراني إذا دعيت باسمي دون لقبي شق ذلك علي جداً بخلاف السلف ، فإنهم كانوا يدعون بأسمائهم فقيل له : هذا لمخالفة العادات ، لأن أنس النفوس بالعادة طبيعة ثابتة ، ولأن الاسم عن السلف لم يكن عندهم دالاً على قلة رتبة المدعو . واليوم صارت المنازل في القلوب تعلم بإمارة الاستدعاء، فإذا قصر دل على تقصير رتبته فيقع السخط لما وراء الاستدعاء ، فلما صارت المخاطبات موازين المقادير شق على المحطوط من رتبته قولاًكما يشق عليه فعلاً .



63-فائدة :

قال ابن عقيل :
سأل تلميذ استاذه أن يمدحه في رقعة إلى رجل ويبالغ في مدحه بما هو فوق رتبته . فقال : لو فعلت ذلك لكنتعد المكتوب إليه ، إما مقصراً في الفهم حيث أعطيتك فوق حقك . أو متهماً في الإخبار ، فأكون كذاباً ، وكلا الأمرين يضرك ، لأني شاهدك ، وإذا قدح في الشاهد بطل حقالمشهود له .


64-الدنيا سجن المؤمن :

قال ابن عقيل :
الدنيا سجن المؤمن فيه تفسيران صحيحان .
أحدهما : أن المؤمن قيده إيمانه عن المحظورات والكافر مطلق التصرف الثاني : أن ذلك باعتبار العواقب . فالمؤمن لو كان أنعم الناس ، فذلك بالإضافة إلىمآله في الجنة كالسجن . والكافر عكسه فإنه لو كان أشد الناس بؤساً ، فذلك بالنسبةإلى النار جنته .


65-فائدة قي قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : من عزى مصاباً فله مثل أجره :

قوله صلى الله عليه وسلم : من عزى مصاباً فله مثل أجره استشكله بعضهم . وقال : مشقة المصيبة أعظم بكثير من مساواة تعزية المعزى لها برد قلبه .فأجاب ابن عقيل رحمه الله بجواب بديع جداً . . فقال : ليس مراده صلى الله عليه وسلم قول بعضهم لبعض . نسأل الله في أجلك وتعيش أنت وتبقى وأطال الله عمرك وما أشبه ذلك ، بل المقصود من عمد إلى قلب قد أقلقه ألم المصاب وأزعجه ، وقد كاد يساكن السخط ويقول الهجر ويوقع الذنب فداوى ذلك القلب بآي الوعيد ، وثواب الصبر، وذم الجزع حتى يزيل ما به أو يقلله ، فيتعزى فيصير ثواب المسلي كثواب المصاب ، لأن كلاً منهما دفع الجزغ ، فالمصاب كابده بالاستجابة، والمعزى عمل في أسباب المداواة لألم الكآبة .


66-فائدة :

قال ابن عقيل :
قوله في حديث الجمعة: وطويت الصحف أي صحف الفضل ، فأما صحف الفرض فإنها لا تطوى ، لأن الفرض يسقط بعد ذلك .


67-فائدة في جواز العمل في السلطنة الشرعية بالسياسة ومناظرة ابن عقيل لعالم شافعي في السياسة الشرعية :

قال ابن عقيل : الجري في جواز العمل في السلطنة الشرعية بالسياسة ، هو الحزم فلا يخلو منه إمام . قال شافعي : لا سياسة إلا ما وافق الشرع قال ابن عقيل :السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي ، فإن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط . وتغليط للصحابة فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ، ما لا يجحده عالم بالسنن ، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأياً اعتمدوا فيه على مصلحة وتحريق علي في الأخاديد وقال :
إني إذا شاهدت أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبرا
ونفى عمر نصر بن حجاج...


68-فائدة : الهدية تفقأ عين الحكم :

يذكر عن كعب قال :قرأت في بعض كتب الله ، الهدية تفقأ عين الحكم ، قال ابن عقيل : معناه أن المحبة الحاصلة للمهدى إليه ، وفرحته بالظفر بها وميله إلى المهدي يمنعه من تحديق النظر إلى معرفة باطل المهدي وأفعاله الدالة على أنه مبطل ، فلا ينظر في أفعاله بعين ينظر بها إلى من لم يهد إليه .


69-فائدة في غلبة الحس على العلم :

قال ابن عقيل في مسألة ما إذا ألقى في مركبهم نار ، واستوى الأمر أن عندهم فيه روايتان ، قال :واعلموا أن التقسيم والتفصيل ما لم تمس النار الجسد ، فإن مسته فالإنسان بالطبع يتحرك إل خارج منها ، لأن طبع الحيوان الهرب من المحس ويغلب الحس على التأمل ، والنظر في العاقبة فتصير النار دافعة له بالحس والبحر ليس محسوساً أذاه له ، لكن الغرق والمضرة معلومة ، والحس يغلب على العلم . يبين هذا ما يشاهد من الضرب والخز للإنسان الذي قد نصبت له خشبة ليصلب عليها أو حفر له بئر ليلقي فيها ، فإنه يتقدم إلى الخشبة والبئر ، لأن الضرر فيهما ليس بمحس والوخز بالإنسان والضرب محس فهو إضرار ناجز واقع ، وإذا أردت أن تعلم ذلك فانظر إلى وقوف الحي وجنوحه عن التحرك إذا تكافأ عنده الأمران في الحس والعلم بيانه إنسان هجم عليه سبع على حرف نهر جار عميق وهو لا يحسن السباحة فإنه لا محالة يتحرك نحو الماء رامياً نفسه لأجل الجاء السبع له وهجومه عليه ، فلو هجم عليه من قبل وجهه سبع ، فالتفت فإذا وراءه سبع آخر وهما متساويان في الهجوم عليه لم يبق للطبع مهرب وتوازنت المكروهات ، فإنه يقف مستسلماً صامداً للبلاء ، وكذلك تكافؤ كفة الميزان قلت : هذا صحيح من جهة الوهم والدهش وإلا فلو كان عقله حاضراً معه لتكافأ عنده الأمران المحسوس والمعلوم وكثيراً ما يحضر الرجل عقله إذ ذاك فيتكافأ عنده المحسوس والمعلوم فيستسلم لما لا صنع له فيه ولا يعين على نفسه ويحكم عقله على حسه ويعلم أنه إن صبر كان له أجر من قتل ولم يعن على نفسه وإن ألقى نفسه في الهلاك لم يكن من هذا الأجر على يقين ، بل ولا يستلزم ذلك للإيمان بالثواب بل إذا تصور حمد الناس له على صبره وعدم جزعه بإلقاء نفسه في الهلاك هرباً ، مما لا بد له منه رأي الصبر أحمد عاقبة وأنفع له أجلاً فمحكم العقل يقدم الصبر ، ومحكم الحس يهرب من التلف ، إلى التلف فليست الطباع في هذا متكافئة والله أعلم .



70-فائدة في قوله : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود :

قوله صلى الله عليه وسلم : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود .
قال ابن عقيل : المراد بهم الذين ما دامت طاعاتهم وعدالتهم فزلت في بعض الأحايين أقدامهم بورطة..


( تم بحمد الله وعونه ) .