لا أحد يقول بذلك - الاستثناءات الواردة في النصوص الشرعية هي التي تنفي لانهائية العذاب
أخي رمضان مطاوع،
أما الاستثناءات و التي هي مُعتمدك النقلي الوحيد فأعتقد أننا أجبنا عنها فراجع كلام الإمام الشنقيطي رحمه الله، و لا بأس بأن أعيد بعضه عليك :
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب
قوله تعالى :
{{ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }} الآية
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُفْهَمُ مِنْهَا كَوْنُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ غَيْرَ بَاقٍ بَقَاءً لَا انْقِطَاعَ لَهُ أَبَدًا
وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ }} [هود 106 - 107] ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {{ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا }} [النبأ 23] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَذَابَهُمْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ كَقَوْلِهِ: {{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}} [النساء \ 57] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {{إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }} مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ خُلُودِهِ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ النَّارِ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَهُمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ،
و أما الأدلة العقلية التي سقتها ففي الحقيقة هي ليست مخرجا للتوفيق بين الآيات :
أولا : لأنها لا تنبني على دليل نقلي.
ثانيا : للأحاديث التي ذكرنا و في مقدمتها حديث إخراج من كان في قلبه ذرة إيمان.
ثالثا : لأن العقل يوافق صريح القرآن في وجوب خلود الكافرين في جهنم لأن خبثهم لا سبيل لتطهيره كما أخبر الله تعالى. و هذا بخلاف قولك :
أما عذاب جهنم فهو شيء عارض أي دار لعلاج أنفس العصاة المذنبين والكفار والمشركين , ولتخليصهم من سموم الآثام والذنوب
المسجون لو أُخرج من السجن قبل انتهاء مدة العقوبة المقررة , سوف يعود بلا شك لما كان عليه من جرم ...
فكلامك يناقض الحديث الذي ذكرنا .. أعني حديث إخراج الله تعالى من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فلا يبقى فيها إلا الخبث الخالص الذي لا سبيل إلى تطهيره. كما يناقض الآية ذاتها التي تتحدث عنهم بأنهم لو رُدّوا لعادوا، فهو إطلاق لا مقيّد له ما دامت استمرارية العذاب الشديد لآماد طويلة جدا لم تغني عنهم فيؤمنوا بالله و يدعوا التكذيب بآياته لأن المسألة هنا اعتقادية محضة فحتى يقينهم بمواجهة العذاب الأليم و مقاساته لا ينفعهم و معلوم أن عذاب الله شديد، و لأن الله تعالى أخبر أنهم كاذبون في دعواهم و أنهم سيعودون لما نُهوا عنه .. فقال تعالى : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28). كما أن الله تعالى يخبر هنا عن أمر مستقبل و بصيغة التوكيد و ليس عن أمر حصل أو هو حاصل الآن ليقال إنه سينتهي في أمد.
قال الشنقيطي رحمه الله :
وَعَذَابُ الْكُفَّارِ لِلْإِهَانَةِ وَالِانْتِقَامِ لَا لِلتَّطْهِيرِ وَالتَّمْحِيصِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ
{{وَلَا يُزَكِّيهِمْ}} [البقرة \ 174] ، وَبِقَوْلِهِ: {{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}} [آل عمران \ 178] ،
و قال الإمام ابن القيم رحمه الله و قد ترجح لديه القول بخلود النار بلا انقطاع :
( ولما كان المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم تطهر النار خبثه بل ( لو أخرج ) منها عاد خبيثا كما كان كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه ( فلذلك حرم الله تعالى على المشرك الجنة ) من كتاب زاد المعاد 1/68
وقال أيضا :-
( وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله مع أهله فليس فيها إلا خبيث
ولما كان الناس على ثلاث طبقات : طيب لا يشوبه خبث , وخبث لا طيب فيه , وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة :
- دار الطيب المحض
- دار الخبث المحض , ( وهاتان الداران لا تفنيان )
- ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض
(الوابل الصيب صفحة 26 )
و أما القول الذي يذهب ظني إلى أنه الأقوى في تأويل الإستثناءات - و إخال أنك لم تذكره- فهو فناء النار ذاتها، و قد ردّ العلماء على هذا القول بحجج ظاهرة مثلما ذكره ابن العثيمين رحمه الله هنا :
من العلماء ذهبوا إلى أن النار تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة فقالوا : إن "خالدين فيها أبداً" أي : ما دامت موجودة . وكيف يصح هذا ؟! إذا كانوا خالدين فيها أبداً ، لزم أن تكون هي مؤبدة أنهم خالدون "فيها" فهم كائنون فيها ، وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليدُه ، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً ، لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود ، والآية واضحة جداً . والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها ، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده ، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله ، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه" اهـ . مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/55-56).
قولك :
خطأ آدم عليه السلام وإبليس الملعون خطأ من نوع واحد ( يعني نفس الخطأ ) وهو العصيان في حق الله , فهل يتساوى العمل ؟ طبعا لا - لأن آدم محدود بالنسبة لإبليس وإبليس محدود بالنسبة لله الغير محدود
هنا بالفعل سويت بين خطأ آدم و خطيئة إبليس .. فإبليس كما أخبر الله تعالى أبى واستكبر وكان من الكافرين لكن آدم عليه السلام لم يكفر و إنما عصى بداعي الشهوة فقط :
يقول ابن تيمية رحمه الله في ''كتاب الإيمان ص102ـ109'' :
لا يسمون إبليس مؤمناً بالله وإن كان مصدقا بوجوده وربوبيته، ولا يسمون فرعون مؤمناً وإن كان عالما بأن الله بعث موسى، وأنه هو الذي أنزل الآيات وقد استيقنت بها أنفسهم مع جحدهم لها بألسنتهم، ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن والرسول وإن كانوا يعرفون أنه حق كما يعرفون أبناءهم. فلا يوجد قط في كلام العرب أن من علم وجود شيء مما يخاف ويرجى، ويجب حبه وتعظيمه، وهو مع ذلك لا يحبه, ولا يعظمه, ولا يخافه, ولا يرجوه، بل يجحد به ويكذب به بلسانه، أنهم يقولون هو مؤمن، بل ولو عرفه بقلبه وكذب به بلسانه لم يقولوا: هو مصدق به، ولو صدق به مع العمل بخلاف مقتضاه لم يقولوا: هو مؤمن به.
و قد سويت معصية آدم و التي لا تعد حتى مجرد كبيرة بكفر إبليس الذي هو أكبر الكبائر على الإطلاق .. و قلت إن خطأ إبليس (و سميته خطأ ) محدود فهل الكفر خطأ محدود بما أن الذي كفر به إبليس و هو الله تعالى كما وصفته غير محدود ؟؟؟
و عليه فكلامك عن النصارى و ما يعتقدونه في غير محله هنا فالقياس فاسد أساساً إذ هم استعظموا معصية آدم التي لا تعد كبيرة و أنزلوها منزلة الكفر الذي لا يُغفر إلا بالتوبة منه.
على حد علمي - أعلم والله أعلم أن الجزاء في الآخرة يكون على عمل الإنسان في الدنيا يعني على عبادته لله عندما كان في الدنيا ( مركز التدريب والتأهيل ) , ثم يوم القيامة ينال الجزاء الأكبر الذي يتفق وعمله , ثم يستأنف العبادة التي خلقه لها هناك في الجنة , وبالتالي تحققت الغاية من خلق الإنسان
العبادة كما نعرفها و التي لأجلها خلق الله الإنسان في هذه الحياة هي عبادة الله بالأعمال الصالحة و اجتناب الشرك المعاصي.
يقول ابن عثيمين في شرح ثلاثة الأصول : ( واعلم أن العبادة نوعان: عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [سورة مريم، الآية: 93] فهي شاملة للمؤمن والكافر، والثاني: عبادة شرعية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى واتبع ما جاءت به الرسل مثل قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [سورة الفرقان، الآية: 63]. فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان لأنه بغير فعله لكن قد يحصل منه من شكر عند الرخاء وصبر على البلاء بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه).
و أنت تتحدث عن عبادة بمفهوم غريب لم يرد به النص إلا في حدود ما نعتقد به من أن المؤمنين في الجنة يُلهمون التسبيح و التحميد كما يُلهمون النفس .. و هذا نوع ثالث من العبادة ليس هو الغرض المقصود من قوله تعالى في سورة الذاريات.
و قد خلق الله الجن و الإنس ليعبدوه فهل عبدوه كلهم ؟؟ أم أنك تقصد أنهم بعد دخول الكافرين النار ستكون هناك فرصة ليصبحوا عبادا صالحين بمحض مشيئتهم ؟؟؟؟؟؟ هذا ممتنع بنصوص الآيات. ذلك أن الآخرة دار جزاء مطلق و أما ما خلقهم الله لأجله فقد فرطوا فيه و ليس إلزاميا لهم أو سيجبرون عليه في هذه الحياة أو في حياة أخرى كما يُفهم من قولك.
يعني المنافق الذي يُظهر الإسلام مع إخفاء الكفر يستوجب العذاب اللا نهائي ؟ أم ماذا بالضبط ؟
نعم و هذا واضح وضوح الشمس. فصفات المنافقين في القرآن تدل على كفرهم خاصة في السورة التي فضحتهم فضحا و هي سورة التوبة، و لهذا توعدهم الله تعالى بالخلود في جهنم و ليس هذا فقط بل في أشد عذابها نسأل الله السلامة و العفو و العافية لنا و لكم و لسائر المسلمين، قال تعالى :
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} التوبة.
Bookmarks