النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: حكاية " العبكريم " .. بقلم / متعلم .

  1. #1

    Post حكاية " العبكريم " .. بقلم / متعلم .

    مقالة قديمة ، كتبها الفاضل الحبيب " متعلم " في منتدى الجامع بتاريخ 2004 !
    يفضح فيها سخافة " عبد الكريم خليل " و " اليسار الإسلامي " ، أنقلها إليكم للفائدة .

    أصل الحكاية


    أصل حكايتنا ثقافة مادية ماركسية قبيحة ، قوامها : لا إله ، والحياة مادة ، والأنبياء لصوص كذابون !

    وتتشدق هذه الثقافة الجاهلة بالعلمية والموضوعية والعقلانية والتنوير ، وتطنطن بنقد الموروث وإنكار الماورائى ، وتدعو الناس إلى أن يكونوا تقدميين وفى الطليعة وضمن الثورة النهضوية المتحتمة ، وتعدهم بجنة فى الأرض لا فى السماء ، جنة الشيوعية الأولى ، حيث يكون الطعام والنساء ـ والرجال ! ـ وكل شىء مشاعاً للجميع ، بلا قيد من دين أو أخلاق أو عادات أو تقاليد .

    ثم حاولت هذه الثقافة أن تقيم لها دولة فى فترة من فترات التاريخ ، لكن هذه الدولة انهارت قبل أن تبلغ سن الفطام ! .. وكان سبب الانهيار هو الثقافة السوداء ذاتها !!

    ثم إن هذه الثقافة إبان ذيوعها ، قد فتنت كثيراً من شبابنا العربى آنذاك ، ممن عدم حصانة علمية من دينه ، فسهل عليه شرب كل ما هو غير معقول ولا علمى ، فنقلت إليه جرثومتها قبل موتها .

    ورغم ظهور فشل هذه الثقافة المتهافتة نظرياً وتطبيقياً ، ورغم تراجع الكثيرين من شبابنا عنها ، إلا أنه بقيت شرذمة ضحلة الفكر على ولائها لهذه الثقافة المتهافتة ، تترضى عن أصحابها آناء الليل وأطراف النهار ، وتحمل على عاتقها مهمة نشرها والترويج لها ، وتجتهد فى إخراج أجيال لها ، تحمل نفس الجرثومة ، لعلها تنتقل إلى من بعدهم .

    فى هذا السياق ، تطالعنا أسماء مثل : خليل عبد الكريم .. سيد القمنى .. إلى آخر هؤلاء الملاحدة .

    ما يقوله هذا تجده مكرراً عند ذاك ، وما يجمله هذا يفصله أخوه ، وهذا يحيلك إلى كتاب زميله ، وذاك يعتبر كتاب رفيقه من أهم مصادره العلمية .

    الطريف أن كل واحد من هؤلاء " الأبطال " يؤكد لك على ريادته بصريح اللفظ كلما سنحت الفرصة أو لم تسنح ، وعلى أن كتاباته لم يسبقه أحد إليه من قبل !

    والأكثر طرافة ، أن كل ما يتهوك به هؤلاء الملاحدة ، لا ينقلونه عن بعضهم البعض فحسب ، بل هو فى الأصل منقول عن مستشرقى الغرب وملاحدته !

  2. #2

    افتراضي

    علا كعب ملاحدة أوربا على أهل النصرانية هناك ، منذ خروجهم من كهوف القرون الوسطى كما يسمونها ، وتناولوا بالنقد والنقض كتاب النصرانية المقدس ، وخرجوا منه متهكمين ساخرين من كل عبارة وكلمة ، وآثروا الإلحاد على النصرانية ، ولم يملك كهنة النصرانية على اختلاف طوائفها ، إلا تعريض القفا ، وتنكيس الرأس ، غير قادرين على رد الطعونات الإلحادية الكثيرة على كتابهم المحرف ودينهم الوثنى .

    وما زال كهنة النصرانية على ذلك السلوك إلى الآن ، وهذا يفسر لك سر احترامهم ـ العميق ! ـ للملاحدة ، وأدبهم الجم عند التحدث معهم أو عنهم ! .. بل صارت مؤلفات الملاحدة من أوثق المصادر العلمية عند كهنة النصرانية ، لا يرضون عنها بديلاً ! .. رغم أنه فى القديم ، أيام سطوة النصرانية وسلطانها ، لم يكن جزاء من يصدر عنه دعوى " شبه " إلحادية واحدة ، إلا العقاب الفورى الذى قد يصل إلى الحرق حياً !

    ما علاقة ذلك بموضوعنا ؟

    صبى يشاهد فيلماً سينمائياً ، فيرى " بطل " الفيلم ، يركل هذا بقدمه ، ويضرب ذاك بقبضته ، ويطوح ثالثاً فى الهواء ، ولا ينتهى المشهد إلا عن ثلة من البشر ، ملقاة عند قدمى البطل المغوار .

    فينبهر الصبى ببطله ، ويتمثله فى نفسه ، لتأخذه الحمية ، وتملأ قلبه الشجاعة ، فيهرع إلى أقرانه ، يحاول تقليد ما فعله البطل فى الفيلم ، على أنه يصطدم باختلاف ما يواجه عما رأى ، وبأن الأمر ليس بالسهولة التى تصورها .

    وما علاقة ذلك أيضاً بموضوعنا ؟!

    العلاقة واضحة قارئى الكريم ! .. فإن ملاحدة العرب يقرأون ما حدث فى الغرب منذ قرون ، فتأخذهم الحمية ، وتملأ قلوبهم الشجاعة ، فيعمدون إلى " دينهم " يحاولون نقضه وهدمه ، ظانين أن الدين كالدين ، جاهلين بالفرق الشاسع بين دين إلهى منزل من عند الله يحفظه ، وبين دين مبدل محرف تخلى عنه أكثر أتباعه ، واستخزى الآخرون ونكسوا رؤوسهم منه !

    فإذا تأملت حال ملاحدة العرب فى العصر الحديث ، وجدت كل منهم يعتبر نفسه " فولتير " قومه ، و " روسو " عصره ، و " ماركس " زمانه .. وكل منهم يحاول الدخول فى " جدليات " فكرية مع كتابات هؤلاء ، مؤكداً لك أنه أتى بما لم يأتوا به ، وابتدع ما لم يقولوه .. وكأنك تقر له أصلاً بصحة عقول " أبطاله " وعلمية كتاباتهم .

  3. #3

    افتراضي

    إن ملاحدتنا ( العظام طبعاً ! ) حاولوا تكرار لعبة أسلافهم الغربيين مع دين قومهم .. الأولون فعلوها مع النصرانية الوثنية ونجحوا ، والأخيرون أرادوا لعبها مع دين الله المتين .. ففوجئوا بأن الدين ليس كالدين ، وأن القوم ليسوا كالقوم .

    أما أن الدين ليس كالدين .. فلإن دين الله المنزل المتين " الإسلام "، ليس كالدين المبدل المحرف " النصرانية " .

    مثال ذلك : أن الملاحدة لم يستطيعوا اتهام الإسلام بمناهضته للعلم وإعمال العقل ، لوجود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحث على ذلك .

    وأما أن القوم ليسوا كالقوم .. فلإن خير أمة أخرجت للناس " أمة الإسلام " ـ مهما انحطت ! ـ ليست كالأمم السابقة .. لأن الإسلام يعطى لأبنائه حصانة ـ تلقائية ـ ضد كثير من الضلالات ، ولا تستطيع النصرانية المحرفة ذلك .. ولأن الخير فى أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة .. وما تزال طائفة منهم ظاهرين على الحق إلى يوم الدين ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم .

    فوجد الملاحدة " علماء المسلمين " وطلبتهم ، يفندون ضلالاتهم ، ويظهرون غثائهم ، ويفضحون عوار آرائهم .

    إذن .. الدين ليس كالدين .. والقوم ليسوا كالقوم !

    لا بد إذن من تعديل فى " المنهج " ! .. لن يقبل المسلمون الدعوة إلى ترك كتابهم وسنة نبيهم بسهولة ولا بصعوبة ! .. فلندخل إليهم إذن من باب آخر ، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ! .. لن ندعوهم إلى ترك الإسلام .. لكن لنقل لهم : إن الإسلام يوافق ما جاء عن ماركس ولينين ـ دون ذكر أسماء طبعاً ! ، وكل ما فى الأمر ـ أيها المسلمون ـ أنكم فهمتم الإسلام خطأ ، وآن لكم أن تفهموا قرآنكم على وجهه الصحيح !

    على مثل هذه الشاكلة فكر الملاحدة ، وبمثل هذا الأسلوب عملوا .. فالمسلم لا يرفض أبداً أن يفهم دينه صواباً ، ولا أن يفقه قرآنه حق الفقه .. وبذلك يستطيع الملاحدة أن يتحدثوا كيفما شاءوا ، ومن اتهمهم بالإلحاد جابهوه بأنهم مسلمون ـ أكثر منه ! ـ لكنه لا يفقه حقائق دينه الكريم !

    وهذا التستر منهم مجرد " مرحلة " ، حتى إذا انتهت ، استطاعوا مجابهة المسلمين ـ ضيقى الأفق ! ـ بإلحادهم مكشوفاً عارياً عن كل الأستار !

    لكن هذا التستر منهم لا يخفى عليك قارئى الكريم ، فلسوف ترى إلحادهم من وراء ألفاظهم ، ولتشاهدن كفرهم بين طيات كلامهم ، ولتعرفنهم فى لحن أقوالهم .

    ويزيد من هتك أستارهم الغيظ والكمد الذى ملأ قلوبهم على هذا الدين وأهله ، لأنهم حرموا من تحقيق بطولاتهم بسبب طبيعة هذا الدين وما أكسبه لأهله من حصانة .

    كان الأحرى بهم أن يكتشفوا الحقيقة التى يعرضون عنها ، بل كان من الممكن أن يتهموا أنفسهم بأنهم ليسوا كأسلافهم الغربيين .. لكنهم لم يروا هذا ولا ذاك ، وآثروا اتهام مخالفيهم بكل الاتهامات ، فالعيب ليس فى المفكرين العظماء الأفذاذ ، وإنما فى أقوامهم البليدة الغبية ، التى لا تقدر الدرر التى تتساقط من أفواه عباقرتها المفوهين !

    وليكن كل مخالف ـ للعظماء ـ جاهلاً بليداً غبياً " فلحاساً " منغلقاً متزمتاً رجعياً .. إلخ .. لا فرق عندهم بين العلماء ومن دونهم ، وبين المتخصصين فى الفن عن غيرهم .. يغدقون أوصافهم تلك على جميع المخالفين بلا استثناء !

    أقصد أن أقول : إن فى قلوب ملاحدتنا العظام غيظاً شديداً على هذا الدين وأهله ، تراه فى كل لفظ لهم ينضح بمرارة الكمد .. غيظ وكمد يملأ صدورهم عندما يسمعون اسم " محمد " عليه الصلاة والسلام ، يتردد بين جنبات المعمورة ، على ألسنة المسلمين من كل جنس ولون .. ليؤكد لهؤلاء الملاحدة فشلهم الذريع فى لعبتهم الحقيرة !

  4. #4

    افتراضي

    كل ما أسلفت لك ـ قارئى الكريم ـ ستجده ممثلاً بحذافيره فى الزنديق اللئيم : خليل عبد الكريم !

    ستجد فى كتاباته مدح الإسلام ، وستجد الطعن فيه ومحاولة النيل منه .

    ستجد التعالم والحذلقة والتشدق والغرور .

    ستجد الغيظ والكمد ناضحاً من عباراته وسخرياته المريرة .

    باختصار ..

    بنور يقذفه الله فى قلبك .. ستجد الكاف والفاء والراء على جبين كتاباته !

    يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم .. والله متم نوره .. ولو كره الكافرون !

    ملامح الزنديق اللئيم .. خليل عبد الكريم

    خليل عبد الكريم كاتب يسارى معروف .. وكان فى كتاباته الأولى يسمى نفسه هو وأمثاله بـ " اليسار الإسلامى " مؤكداً أنهم هم وحدهم أصحاب الحق فى النطق باسم الإسلام والدعوة إلى مبادئه .. وبعد ذلك ، وبناء على ما سبق ، وجد الفرصة سانحة لمهاجمة الإسلام ونبيه وصحابته وأمته .

    لضيق الوقت ، أسوق لإخوتى الكرام أحد عشر ملمحاً لهذا العبكريم ، يتعرفون منها على فكره اللئيم ، لخصتها بتصرف كبير من كتاب إبراهيم عوض " اليسار الإسلامى " .

    ( 1 ) .. شهادة أمريكى على حسن إسلام خليل عبد الكريم
    ( 2 ) .. كيل الكلام المعسول تمهيداً لدس السم فيما بعد
    ( 3 ) .. سقوط الأقنعة
    ( 4 ) .. معنى دعوى تاريخية النصوص عند الملاحدة
    ( 5 ) .. التخبط والتناقض : أهم أسس فكر خليل عبد الكريم
    ( 6 ) .. قليل من السم لا يضر !
    ( 7 ) .. مزيد من السم لن يضر أيضاً !
    ( 8 ) .. الوجه السافر للإلحاد القبيح
    ( 9 ) .. مزيد من الإلحاد
    ( 10 ) .. هل كان محمد مرسلاً من عند الله ؟!
    ( 11 ) .. جهاز الملاحدة الإجلابى لإرهاب القارئ

  5. #5

    افتراضي

    ( 1 ) .. شهادة أمريكى على حسن إسلام خليل عبد الكريم !

    فى مقدمة كتابه " الأسس الفكرية لليسار الإسلامى " ، يورد الشيخ خليل عبد الكريم شهادة الصحفى الأمريكى ستيف نيقوس له ، بصحة الإسلام وحسنه شكلاً وموضوعاً ، ودهشته من أن الإسلاميين [ أو " الإسلامويين " كما يقول الشيخ ] يرفضونه بينهم ، ولا يعدونه واحداً منهم ، رغم " مظهره الإسلامى وسمته الإسلامى [ يشير الشيخ إلى لحيته وجلبابه واللاثة البيبضاء التى يتعمم بها ] وخطاباته وطروحاته الإسلامية " .

    ثم يعقب على ذلك متسائلاً : " كيف استطاع هذا الصحفى الأمريكى الذى لم يمكث معى أكثر من ساعتين أن يدرك أننى أقف على أرضية إسلامية لم أغادرها فى يوم من الأيام ، ولم يدرك ذلك الإسلامويون الذين زاملتهم فى سجون الناصرية ، وخرجت مع آخرين فى سبيل الله عدة أسابيع ... ؟ " .

    وهو يمضى قائلاً إن بعضهم قد تحول إلى شيطان ناطق ومن أشد المهاجمين شراسة وضراوة . يقصد أنهم يتهمونه بكراهية الإسلام ومعتقداته والعمل على تشويهه مع التخفى تحت لافتة " الكاتب الإسلامى " ، وهو ما يفهم من وسمهم له ( كما يقول ) بـ " مفتى الماركسية " و " الشيوعى الملتحى " و " الشيخ الأحمر " [ص7]

    ثم يصف شهادة الصحفى الأمريكى فى حقه بالأمانة معلناً تقديره البالغ لها ، وإن أضاف أنه رغم ذلك ليس بحاجة إلى شهادة الفرنجة [!] لتشكل دليل ثبوت على إسلاميته .

    ألم يجد خليل عبد الكريم مؤمناً يشهد له بالاستقامة ، حتى يلجأ إلى شهادة كافر " أمريكانى " فى هذا الصدد ؟ .. إن هذا يعطينا فكرة جيدة عن صدى كتابات خليل عبد الكريم بين المسلمين !

    ( 2 ) .. كيل الكلام المعسول تمهيداً لدس السم فيما بعد

    فى كتابه " لتطبيق الشريعة لا للحكم " ، يؤكد خليل عبد الكريم ، فى أكثر من موضع منه ، أن الإسلام ليس عبادات فقط ، بل هو إلى جانب هذا تشريعات وعقوبات ونظام سياسى . [ص49،66،101،114مثلاً]

    وهو يوافق من يدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وإن كان يرى أنه لا بد من تمهيد كاف لذلك بإقامة مجتمع العدل والشورى . بل إنه يرى أن من يجحد الحدود أو يرميها بالقسوة فقد خرج على الملة ، كما يؤكد أنها صالحة لكل زمان ومكان . [ص45]

    كذلك فهو يقرر أن أحكام الله التى نص عليها الوحى فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية هى أحكام ملزمة واجبة التنفيذ . [ص39،49]

    والكاتب يعترف بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد نجح فى تغيير أوضاع المجتمع العربى بعد كفاح شاق استمر ثلاثاً وعشرين سنة . [ص74] ، وأنه وأصحابه ، رضى الله عنهم ، كانوا يبدأون بأنفسهم أولاً فى أى شىء يدعون الناس إليه ، وهذا هو سر نجاحهم . [ص78]

    والملاحظ أن الكاتب إذا ذكر النبى فى كتابه هذا أتبعه بالصلاة عليه ، وفى بعض الأحيان يصفه بالمعصوم ، وإذا ذكر الصحابى استرضى الله عنهم ، وعند استشهاده بشىء من القرآن يقول : " قال الله تعالى : ... " أو " أوحى الله لنبيه بكذا " .

    [ وسوف نرى أنه فى كتبه التالية ، إذا ذكر النبى عليه الصلاة والسلام ، أو أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم ، فإنه يورد الاسم مجرداً دون صلاة أو استرضاء ، وإذا أشار إلى نص قرآنى قال مثلاً : وتلا عليهم محمد قرآناً " أو ما إلى ذلك . بل إنه ، فى مقال له بمجلة القاهرة ، يصف عبارة " رضى الله عنه " وأشباهها بأنها مبالغة فجة ممجوجة فى التفخي والتعظيم والتبجيل . ( انظر مقاله " هذا من تجليات الحقبة الثالثة " ، مجلة القاهرة ، العدد 144 ، نوفمبر 1994 م ، ص 17 ) . ]

    وقد وصل بكاتبنا الأمر إلى الحملة العنيفة على المستشرقين ، واتهامهم كلهم تقريباً بسوء الطوية وخبث النية ، وانبعاثهم فى مواقفهم وآرائهم تجاه الإسلام من أحقادهم الصليبية ، والتنديد بمحاولاتهم المستميتة فى الطعن فى القرآن ، والإساءة إلى شخص الرسول عليه الصلاة والسلام ، وإشاعة روح الهزيمة فى نفوس المسلمين ؛ تحقيقاً للمطامع الاستعمارية لدولهم ، التى يؤكد أن كثيراً منهم كانوا موظفين فى أقلام استخباراتها . [ص26]

    [ وسوف نرى بعد ذلك كيف انقلب موقفه تماماً فى هذه القضية ، فأخذ يثنى على المستشرقين وعلمهم ، مع مهاجمة من دخل الإسلام منهم مهاجمة ضارية ، واتهامهم بالضحولة والسطحية وتفاهة الفكر . وحتى فى كتابه " لتطبيق الشريعة " لا يفوته أن يتهكم برجاء جارودى وبفرح المسلمين به وبإسلامه قائلاً إنه " أصبح ... البدر الطالع والنجم الساطع فى كل مؤتمر إسلامى " [ص26] .. مع أن من الإسلاميين من يختلف مع الأستاذ جارودى اختلافاً شديداً . وعلى أية حال فإننا نحب أن نوضح للقارئ أن جارودى كان واحداً من كبار المفكرين الشيوعيين ، ثم انقلب على الشيوعية ، وأعلن إسلامه ، كما أن أحداً لم يفضح الصهيونية فى أيامنا هذه مثلما فضحها جارودى ، الذى قدموه للمحاكمة لهذا السبب بمقتضى قانون جيسو ، هذا القانون الذى كان الشيوعيون الفرنسيون وراء إصداره . ومن هنا يدرك القارئ لماذا يكرهه الشيخ خليل عبد الكريم هذه الكراهية القتالة ].

    ( 3 ) .. سقوط الأقنعة

    بعد أن كان خليل عبد الكريم يقول فى كتابه السابق إن الإسلام ليس عبادة فحسب ، بل يتضمن أيضاً البيعة والشورى والعدل الاجتماعى والحدود وتشريعات الأحوال الشخصية ، فإننا نفاجأ به فى كتابه " الأسس الفكرية لليسار الإسلامى " ينفى ـ بجرة قلم ـ الإسلام من ميادين الحياة ؛ إذ يؤكد أنه ليس شيئاً آخر غير العبادات والأخلاق ، مضيفاً أن ميدانه الأصيل هو " المساجد والجوامع والتكايا والربط والخانقاهات والزوايا والمصليات والحسينيات والخلاوى وحضرات الصوفية وحلقات الذكر ومجالس دلائل الخيرات " [ص10]

    ( 4 ) .. معنى دعوى تاريخية النصوص عند الملاحدة

    فى كتابه الأسس الفكرية لليسار الإسلامى [ص11] ، يردد عبد الكريم نغمة بعينها ، هى أنه يؤمن بتاريخية النصوص ، وربطها بأسباب ورودها والزمن والمجتمع والبيئة التى انبعثت منها ، وكذلك الظروف الجغرافية ودرجة التحضر التى كان عليها المسلمون فى عصر النبى ومستواهم الثقافى ، وبخاصة أن النصوص ذاتها قد ذكرت صراحة ( كما يقول ) أنها موجهة إلى أمة أمية .

    الطريف أن عبد الكريم يصف فى نفس الكتاب [ص84] النصوص الدينية بـ " النصوص اللاتاريخية " .. وسبحان مثبت العقل والدين !

    وهذه الدعوى هى بعينها دعوى نصر أبو زيد وغيره من الملاحدة العلمانيين ، يبنون عليها علالى وقصوراً ، يريدون مهاجمة الإسلام منها .. والله متم نوره ولو كره الكافرون !

    وكلام عبد الكريم عن البيئة التى انبعثت منها هذه النصوص معناه ، أن هذه النصوص لم تنزل من السماء ، بل نبتت من الأرض ! .. ولا شك أن كلام الكاتب عن انسجام النصوص مع المستوى الثقافى والحضارى للمسلمين فى عصر النبى ، وبخاصة حين يشير إلى أنهم أمة أمية ، يعزز هذا الذى ذكرنا .

    كما أن فيه احتقاراً لهذا الجيل من المسلمين ، جيل الرسول والصحابة ، وللنصوص التى كانت تلائمهم ولكنها لا تصلح لنا ولا تلبى حاجات حياتنا ، ولا تنسجم مع أوضاعنا وظروفنا ؛ لأننا نفوق الرسول وصحابته حضارة وثقافة وبيئة .

    يتسق مع هذا أنه فى كتابه " الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية " ، يزعم أن الشريعة الإسلامية ليست شيئاً آخر تقريباً غير ما كان يعرفه العرب فى الجاهلية مع شىء من التحوير والتعديل فى بعض الأحيان ، ودعواه ليست قاصرة على المعاملات والعقوبات ، بل تشمل أيضاً العبادات ، وهو ما يعنى أن الإسلام كله ، حتى الجانب العبادى منه ، ليس له من مصدر إلا الأرض ودنيا الناس ، ولا علاقة له بالسماء ؛ لأنه ـ ببساطة ـ لا يوجد شىء فى السماء !

    ( 5 ) .. التخبط والتناقض : أهم أسس فكر خليل عبد الكريم

    بعد هذه الدعوى القبيحة " تاريخية النصوص " ، وفى نفس الكتاب [ص18] ، يقول إن " النصوص الأصلية التى هى عماد الدين وسنامه : هى القرآن والسنة ، وما عداها فهو منتج بشرى معرض للخطأ والصواب ... فما وافقنا منها قبلناه ، وما لم نبذناه ، ولا تثريب علنا فى ذلك . نحن نرى أن شيخ الإسلام وحجة الإسلام ... إلخ ، كل هؤلاء لا عصمة لقولهم لدينا ـ نحن أهل السنة والجماعة [!] ـ لأن العصمة للرسول وحده ... "

    لكن هل ترك الكاتب فى القرآن والسنة شيئاً لم يقل إنه لم يعد صالحاً لنا لأننا ناس متحضرون ولسنا متخلفين كالعرب الذين كانوا يحكمون بمقتضاه ؟ ..

    أرأى القارئ إلى هذا التخبط ؟

    إن ذلك الاضطراب بين الفكرة ونقيضها ، وفى كتاب واحد ، وفى هذه الصفحات القليلة منه ، ليدل على أن الأمر لا يعدو أن يكون نوبات لا ضابط لها ولا رابط !

    ولا تمر إلا صفحات قليلة أخرى حتى نشاهد هذه النوبة فى أسوأ حالاتها ، ذلك أن الكاتب يدعو بكل قواه إلى اصطناع " منهج الشك وخلع أى هيمنة على العقل الإنسانى مهما كانت ، سواء من النصوص أو السنة ... ، وخاصة أن العقل الإسلامى منذ ما يقرب أو يزيد على ثمانية قرون لا يعرف سوى الإذعان والتسليم والسمع والطاعة للنصوص وحراسها " [ص26]

    والسبب ـ كما يقول ـ هو أنه قد " تغير الفضاء المعرفى تماماً ، وتبدل الأفق الثقافى بالكلية ، وتقهقهرت المعارف الثيولوجية ، وكادت أن تختفى منذ عصر التنوير ، وحلت محلها سيادة العقل الذى لا يعترف بأى سلطة سواه " [ص29]

    ألم أقل إنها نوبات ؟!

    وما أوردنا إلا مجرد مثال .. والأمثلة كثيرة جداً !

    ( 6 ) .. قليل من السم لا يضر !

    فى كتابه " الأسس الفكرية لليسار الإسلامى " ، يسخر عبد الكريم من الإيمان بالجنة ، بل من الإيمان بالله ذاته ، ويسميه على سبيل التعمية بـ " القوى غير المنظورة " و" القوى الجبارة " [ص27]

    وقد ورد هذا الكلام فى سياق هجوم الكاتب على العلماء الذين يتصدون للغزو الفكرى ، ويحذرون من مضاره وأخطاره ، وسخريته منهم ، مع أننا رأيناه هو نفسه قبل ذلك يهاجم المستشرقين مهاجمة عنيفة متهماً إياهم بسوء النية والتربص بالإسلام والعمل على هدمه !

    ويعود فى [ص135] ، ليطلق على الوحى السماوى " السلع الماورائية " ، على سبيل السخرية والاستخفاف !

    و " مولانا الشيخ " يسخر من الاعتقاد بوجود إله يسيطر على مقاليد الكون وينبغى الانقياد لأمره للفوز بنعيم الجنة ، قائلاً إن تلك الثقافة الثيولوجية [ يقصد " دينية " أو " لاهوتية " ، لكن غلبه التشدق بالألفاظ الأجنبية ، وهو عمدة جهازه الإجلابى الذى يستخدمه لإرهاب القارئ ] .. تلك الثقافة الثيولوجية التى كانت تسود القرون الوسطى وتدور حول الغيبيات والعوالم اللامرئية والكائنات غير المنظورة وتسليم كافة المقاليد إليها وحتمية الانقياد لأوامرها الصارمة بغية الفوز بـ " الخلاص " و" الخلافة فى الأرض " على الأرض وبـ " ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر " فى العالم الآخر ، هى ثقافة لا تصلح لعصرنا الحديث ، عصر التنوير الذى حلت محلها فيه سيادة العقل والذى لا يعترف بأية سلطة سواها [ص28]

    الجدير بالذكر ، أنه فى هذا السياق ، يلجأ إلى التلميح واللمز ، لا الكلام المباشر المستقيم .

    أما الإقبال على الدين عنده ، فليس نتيجة الإيمان القلبى النابع من اقتناع العقل ، بل هو نتيجة للملل والسأم الناتجين من التخمة المادية واللذين يدفعان بصاحبهما إلى الغيبيات ، أو نتيجة للفقر والجوع اللذين يسوقان المبتلى بهما إلى التوجه لـ " كائنات علوية وقوى غير منظورة " ، يطلب منها عبثاً العون والمساعدة ، متوقعاً ظهور المهدى المنتظر الذى سيملأ الأرض عدلاً ورخاء كما ملئت جوراً وشدة .

    وفى ضوء هذا نستطيع أن نفهم سخطه الشديد على الصحابة رضوان الله عليهم ، وانحيازه إلى أعداء الإسلام آنئذ ، الذين يقول عنهم إنهم " كانوا يدافعون عن وطنهم ومقدساتهم ، ضد الذين اقتحموها عليهم عنوة ، بمقولة إنهم يريدون أنهم يخرجوهم من عبادة العباد إلى عبادة الله ، مع أنهم لم يشتكوا إليهم من ذلك ، ولم يستعينوا بهم "[شدو الربابة:1/173]

    ( 7 ) .. مزيد من السم لن يضر أيضاً !

    فى كتابه " شدو الربابة بأحوال الصحابة " ، يحمل حملة شعواء على العبادات جملة ، التى زعم سابقاً أنها صلب الإسلام .

    وهكذا قارئى الكريم تسير خطة الملاحدة ..
    فى البداية : مدح الإسلام وشموليته لكل مناحى الحياة
    ثم : الدعوة إلى فهمه فهماً صحيحاً
    ثم : قصر الدين على العبادات فقط
    ثم : الهجوم على العبادات نفسها

    فماذا يبقى من الدين إذن ؟!

    فى هذا السياق ، يتهكم عبد الكريم بصلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف والخسوف ، كما يسخر من نهى الرسول عن الصلاة عند طلوع الشمس ، مؤكداً أن هذا وأمثاله ليس إلا نتاج مجتمع بدوى قبلى متخلف ، ومن ثم لا يصلح لمجتمعنا الزراعى المتحضر [ص170]

    وهو يفسر صلاة الكسوف والخسوف على أساس أن الرسول والصحابة كانوا ينظرون إلى هاتين الظاهرتين الجويتين بوصفهما " من علامات غضب الله ، وخاصة أن قوم عاد وثمود عاشوا فى جزيرة العرب ، وهلاكهم جاء على أيدى ظواهر جوية خوارق نتيجة انتقام السماء منهم " ، فهذه الصلاة إذن هى " من آثار المعتقدات القبلية " كما قال بأنها خرافة من الخرافات التى ورثها الإسلام وحافظ عليها .

    أما الزكاة ، فهو يضيق بها صدراً ، ويتجهم لها ، وينفر منها ، ويدعى أنه لو " أنشئت لها مؤسسة " لجمعها من مظانها وتوزيعها على مستحقيها " لتحولت نسبة كبيرة من المجتمع إلى متسولين وتنابلة وكسالى " [ص188]

    وأما الحج ، فيجأر كاتبنا بالشكوى إلى عنان السماء ، مولولاً على الأموال التى يهدرها المسلمون المتخلفون عليه ، وهو عمل لا ينفع ولا يشفع ولا معنى له فى نظره ، ويحرمون مصر منها رغم احتياجها إلى من يسدد عنها ديونها [ص116]

    وبعد قليل ، يختم كلامه بما يتوقعه ، من إقبال " القاعدة الجماهيرية العريضة " على دعاة " التنوير " واستجابتهم لندائهم التنويرى " الكفيل وحده [ أى دون حج أو صلاة أو زكاة ] بانتشالها من الوهدة التى تردت فيها ، والتى جعلتها تبحث عن الخلاص فى الغيبيات والماورائيات "[ص118]

    وأما بالنسبة للصيام ، ففى [ص10، صحيفة الأهالى ، 7/2/1996 ] ، كتب عبد الكريم مقالاً بعنوان " مجرد اجتهاد : الصيام فريضة المجتمع المعسكر " ، جاء فيه ما نصه : " عندما هاجر رسول الله إلى المدينة ، تغيرت الصورة جذرياً ، ولم يعد المسلمون مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس ، بل شرعوا فى إنشاء دولة هى حصراً " دولة قريش " ، أخذت تطلق السرايا وتشن الغزوات ... من أجل هذا كان مجتمع يثرب بمثابة معسكر حرب ... والمجتمع المعسكر له موجباته الخاصة ... منها أن يتمرن أفراده المدنيون على تحمل آلام الجوع والعطش ، إذا ما أحاط بهم عدو ... ، فإن الصوم بحالته التى نراها اليوم كان جزءاً من خطة رسمها رسول الله ؛ لتأهيل مجتمع المدينة عامة ، وجنود الغزوات والسرايا والبعوث وفرق المهمات الخاصة ، لما قد يستقبلهم من أهوال وبلايا " .

    ( 8 ) .. الوجه السافر للإلحاد القبيح

    فى كتابه " مجتمع يثرب ـ العلاقة بين الرجل والمرأة فى العهدين المحمدى والخليفى " ، يستفرغ خليل عبد الكريم كل وسعه فى محاولة تلطيخ سمعة الصحابة رجالاً ونساءً ، باتهامهم بالشبق الجنسى وبالزنا ، ثم يتوقح فيلمز الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه كان يسهل أمره ، ويخترع الوحى من أجل ذلك ..

    فاعتبروا يا أولى الأبصار !

    يؤكد كاتبنا الهمام على أن المجتمعات البدائية لا تعرف الأنشطة الرياضية أو الفنية أو الأدبية ، ومن ثم فليس أمام أهلها من سبيل لشغل أوقات فراغهم وتصريف طاقاتهم سوى الجنس ، وأن المرأة فى تلك المجتمعات قد استطابت مع طول العهد سيادة الرجل عليها وامتطاءه لها ، فهى تتحرق تحرقاً فظيعاً إلى ممارسة الجنس غير مبالية بحلال أو حرام أو سر أو علن ، وبخاصة إذا أضفنا عامل الطقس الحار الذى يزيد شهوات الجسد اشتعالاً [ص8]

    (1) .. يقصد بالمجتمعات البدائية هنا بالذات مجتمع المدينة المنورة [ التى يسميها " يثرب " لأن النبى نهى عن ذلك ] !
    (2) .. ما يمتعضه القارئ من ألفاظ ومعان قبيحة مبتذلة ، هو سمة رئيسة فى أسلوب مولانا الشيخ !

    ومما يدل على الهوس الجنسى عند أفراد ذلك المجتمع ، فى نظر الكاتب ، كثرة الألفاظ التى تدل على ممارسة الجنس ... ولأن محمداً [!] كان يعرف طبيعة المجتمع العربى ويدرك أنه مجتمع ملتهب بالشهوة الجنسية ، فقد أخذ يشجع أفراده على الزواج المبكر ويسهل عليهم تكاليفه ، كما قرأ عليهم قرآناً [!] يغلظ عقوبة الزنا ... وأصدر أحاديث [!] تبشعه ، وبخاصة مع المغيبات ، أى النسوة اللاتى كان أزواجهن يغيبون فى الغزو أو التجسس أو الاشتراك فى التصفيات الجسدية لبعض الأعداء ... إذ كانت هؤلاء الزوجات يتشوقن إلى الوطء والمفاخذة [!] ، وكان هناك شبان ورجال يبقون فى المدينة لا يشاركون فى الغزو ، وليس عندهم ما يشغل فراغهم ، فكان هؤلاء النسوة يجدن عندهم تلبية حاجتهن .

    [ لا تمتعض أخى المسلم فما زال هناك بقية ! ]

    ولأن محمداً كان حريصاً على ألا ينصرف أزواجهن عن الغزو ، حتى لا تفسد خطته التى كان قد رسمها بإحكام لإقامة الدولة القرشية والسيطرة على شبه الجزيرة العربية وإخضاعها لزعامته ، فقد رأيناه يشدد فى هذه المسألة حتى يطمن جنوده إلى سلامة بيوتهم وإناثهم أثناء غيابهم [ص17]

    الذى يجب أن يعلمه القارئ الكريم ، أن عبد الكريم يقصد باتهاماته " كل " المجتمع الإسلامى فى عصر الرسول عليه الصلاة والسلام .. كل رجاله ونسائه .. كلهم وكلهن بلا استثناء .

    وهو يزعم أن دعوة الإسلام ، رغم كل مزاعم [!] الإعجاز للنصوص التى أتت بها ، لم تستطع أن تصنع شيئاً أمام تيار الجنس والزنا الكاسح فى مجتمع المدينة ، والمجتمع العربى بوجه عام ، لأن النصوص مهما قيل فى إعجازها لا تؤتى ثمرتها إلا إذا تغيرت عوامل الإنتاج وأساليبه [ص7،9،21]

    هذه من دعاوى الشيوعية التى لا تعترف إلا بشىء واحد هو العامل الاقتصادى .

    ويتوقح الزنديق اللئيم عبد الكريم ، عندما يتعرض لأم هانئ بنت عم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأخت على بن أبى طالب رضى الله عنه ، وللرسول نفسه ـ صلوات ربى وسلامه عليه ، فيسوق رواية تقول إنها " خرجت متبرجة قد بدا قرطاها " [ أى أن التبرج هنا هو بدو القرطين فى أذنيها ] ..

    لكن المؤلف " المهذب " يعلق قائلاً : " ما الذى يدعو أم هانئ وهى من هى إلى التبرج ؟ إنها بلا شك ضواغط مجتمع يثرب " [ص54]

    يقصد بالضواغط : الشبق الجنسى وتهالك النساء على الرجال وإرضاء الشهوة من أى سبيل !

    أرأيت قارئى الكريم إلام وصلت الوقاحة ؟

    بيد أنه لا يكتفى بهذا الحد من التطاول الوقح ، بل يأبى إلا أن يمس الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً ، فيقول إن عمر قد قال لأم هانئ ، لما رأى قرطيها ظاهرين : " اعملى ، فإن محمداً لا يغنى عنك شيئاً " ، فشكت ذلك لرسول الله ، الذى أكد لها أن شفاعته ستنال كل المسلمين ، فكيف لا تنال أهل بيته ؟ .. وعندئذ يعلق المؤلف المتطاول قائلاً فى تهكم : " أى أن تبرج أم هانئ مغفور لها بالشفاعة المحمدية " .

    ولست أقصد أنه ينكر الشفاعة ، فالأم أطم من هذا كثيراً .. إنه يلمز الرسول بأنه لا يبالى بتبرج أم هانئ ؛ لأن شفاعته كفيلة بإصلاح كل شىء !

    ( 9 ) .. مزيد من الإلحاد

    فى نفس كتابه السابق ، يصور عبد الكريم المدينة المنورة على أنها ماخور كبير ، ما إن يخرج المجاهدون للغزو مع رسول الله حتى تفتح زوجاتهن بيوتهن وأحضانهن لمن بقى ولم يخرج للغزو من الرجال والشبان .. ولقد شدد محمد النكير على هذا التصرف عبثاً ، فلجأ إلى وسيلة أخرى ، على حد تعبير الشيخ المهذب : " سلك محمد فى علاج مشكلة المغيبات طريقاً آخر ، وهو نهى الأزواج عن مفاجأة زوجاتهم ليلاً ... " إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة " ... وقيل إن بعض الصحاب خالف هذه الأوامر الصريحة وطرق أهله ليلاً ، ففوجئ بزوجته فى أحضان رجل .. وكان الحتم اللازم أن يتوقع ذلك ! .. أليس هو ابن مجتمع يثرب وربيبه ؟ .. من الواضح أن محمداً بنهيه صحبه عن دخول بيوتهم ليلاً هو أن يجنبهم المرور بتجربة قاسية تحطم معنوياتهم وتمنعهم من الانخراط مرة أخرى فى سراياه وغزواته وبعوثه ، ونعنى بها تجربة مشاهدة الزوجة تحت رجل آخر ، لأن الاستحداد والمتشاط والاغتسال والتزين والتعطر لا تستغرق جميعها من الزوجة أكثر من ساعة ، وهذه لا تساوى أن يقضى الزوج الليل بطوله خارج بيته ، خاصة وأنه قد عاد مجهداً معفراً ... إن محمداً الحصيف كان يعرف أن الليل هو الوقت المفضل لتلاقى الأخدان خاصة فى ذلك الزمان ... لهذا نهى محمد أتباعه عن الدخول على الزوجات المغيبات فى ظلمة الليل حتى لا يفاجأوا بما لا يسرهم بل يفزعهم ويفجعهم ويدفعهم إلى الإحجام عن الخروج " [ص82]

    إن هذا الملحد يفترى على سيد الخلق أنه كان يقنن " القوادة " ! .. ولمه ؟ .. لكيلا يفقد جهود رجال المدينة فى فتح البلاد التى يسعى إلى إخضاعها لسلطان الدولة القرشية !

    انظر قارئى إلام تبلغ الوغادة ببعض الناس !

    أستغفر الله ، وأستنزل منه اللعنة على كل عتل زنيم وفظ لئيم !

    ( 10 ) .. هل كان محمد مرسلاً من عند الله ؟!

    فى كتابه " قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية " ، يقول إن الأمر بالنسبة لمحمد لم يكن أمر نبوة ، بل أمر زعامة ورئاسة ، فهو ليس أكثر من حلقة فى سلسلة تنتظم أجداده قصياً وهاشماً وعبد المطلب ، الذين كان كل منهم حاكماً على مكة وزعيماً لقريش وعمل على أن يجعل لها الزعامة على العرب كلها ، فلم يوفق إلى هذه الغاية ، إلى أن جاء محمد فكان أحسن منهم حظاً ، إذ استطاع أن يحقق ما لم يستطيعوه وأسس الدولة القرشية التى كانوا يصبون إلى إقامتها ، وذلك بفضل " الشروط الموضوعية " التى توفرت فى عهده ولم تتوفر لهم .

    أما عن الوسائل التى اتخذها " النبى " للوصول إلى السلطة ، فيرى عبد الكريم فى كتابه " الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية " ، أن محمداً وضع خطة بذكاء شديد وإتقان وأخذ يطبقها بصبر ودأب لا يعرف الكلل ولا الملل واضعاً نصب عينيه تحقيق ما كان أجداده قصى وهاشم وعبد المطلب يطمحون إلى تحقيقه .. ولم يكن على محمد أن يذهب بعيداً فى سبيل اختراع الدين الذى يضحك به على قومه ويضمن انقيادهم له ..

    لقد كان لدى العرب من العقائد والتشريعات والأنظمة ما لا يحتاج معه إلا أن يفتح عينيه ويمد يديه ليكبش من هذا البستان ويعبئ جيوبه ثم يطلع عليهم قائلاً لهم " أنا نبى ! " ، مع الاستعانة ببعض الحيل والألاعيب التى يحبها الجمهور .

    وإيانا أن نظن أن العرب كانوا قوماً متخلفين ! ..

    نعم .. إن الكاتب نفسه يستطيع أن يظن بهم التخلف ، بل أن يؤكده ويلح عليه إلحاحاً ، ويبدئ فيه ويعيد متى أراد .. لكنه هنا بالذات لا يسمح لنا بأن يدور فى خاطرنا أنهم كانوا متخلفين ؛ لأنهم لو كانوا متخلفين فهذا معناه أنه لم يكن عنهم شىء يقدمونه لمحمد كى يلفق منه دينه .. أما عندما يقول إنهم متخلفون فما علينا إلا أن نحنى الهامة ، للشيخ ذى العمامة ، وندعو لهم بالسلامة ، مرددين وراءه ما يقول دون أن نناقشه فى هذا التناقض .. ذلك أن السياق عندئذ يوجب رميهم بالتخلف وبالبلاهة أيضاً ..

    وإلا .. فكيف يثبت مولانا الشيخ أن محمداً إذا كان قد نجح مع أولئك العرب فإنه فى الحقيقة لم يفعل شيئاً ، إذ أين النجاح فى أن تضحك على قوم بله أغرار مهيئين للاستماع إلى كل ناعق ما دام يلوح لهم براية " المقدس " ؟

    أعرفت أيها القارئ ؟ .. إن مدار الأمر كله هو معاندة النبى عليه الصلاة والسلام والتهوين من شأنه فى كل حال !

    وفى كتابه " شدو الربابة فى أحوال مجتمع الصحابة " ، يهول عالمنا الفهامة جداً فى معرفة النبى عليه الصلاة والسلام للحنفاء ، زاعماً أنه كانت له بهم صلة متوثقة ، أتاحت له الفصة للعلم بما كانوا يؤمنون به ، ويجرون عليه فى سلوكهم وأخلاقهم ، مثل التوحيد ، وتنفير الناس من عبادة الأوثان ، أو أكل ما يقدم لها من قرابين ونهيهم إياهم عن وأد البنات وشرب الخمر واغتسالهم من الجنابة ، وضاعفت كلك محصوله الثقافى الدينى [1/ص50]

    ليس ذلك فقط ، بل إنه يتهم الرسول عليه السلام بأنه كان حريصاً على الاختلاء بسلمان الفارسى فى جلسات ليلية طويلة بالغة الطول بغية الاطلاع على ما عنده من كنز ثقافى ثمين ؛ إذ كان سلمان يحيط " بما لا يحصى من العقائد والمذاهب الدينية " [1/144]

    وفى فصل " التغنيم والتنفيل " يؤكد أن الغنائم والأسلاب والأنفال " كانت أداة فعالة فى يده [ أى يد الرسول عليه السلام ] استعملها بمهارة فائقة فى رياضة الصحاب " [ص76]

    ( 11 ) .. جهاز الملاحدة الإجلابى لإرهاب القارئ

    يستخدم عبد الكريم ، جرياً على سنة الملاحدة ، جهازاً يجلب به على القارئ ، كى يشغله بصوته العالى عن التركيز فيما يقوله له ، والتفكير فى مدى صوابه أو خطئه .

    فهو لا يكتفى برد معظم ما يقوله إلى مصادر ، وإنما يرى واجباً عليه الطنطنة بعلو مكانة هذه المصادر عند " المتشددين " من المسلمين .

    وهدفه من هذا هو إقناع القارئ أنه لا يقول إلا حقاً .. لكنه فى نفس الوقت لا يبالى أن يعبث بالنص أو يخلعه من سياقه أو يعطيه معنى غير المعنى الذى تدل عليه ألفاظه وعباراته .. وهو لا يتورع فى سبيل بلوغ هدفه عن التدليس والاستعانة بإخوانه الملاحدة المدلسين .

    ومن عُدد هذا الجهاز : استعراضه لثروته اللغوية ..

    إذ يحرص كثيراً على إيراد كلمات قد يحتاج فى فهمها إلى الرجوع إلى المعاجم ، أو لها فى تلك المعاجم معنى غير المعنى الذى لها فى حياتنا العصرية .. ثم يفتح قوساً يشرح فيه معنى هذه الكلمات ، ثم يغلقه بعد أن ينص على أنه نقل ذلك الشرح من القاموس الفلانى أو المعجم الترتانى .

    كل ذلك فى حذلقة بغيضة أثقل دماً من دم البق !

    وما أكثر ما ضحكت ، وأنا أقرأ كتابات سيدنا الشيخ ، وذلك لسببين :
    الأول : أن ذلك الحرص على التفاصح ، على العكس مما يهدف إليه ، إنما يدل على أنه " محدث نعمة " فى ميدان الكتابة !
    والثانى : أن أخطاءه اللغوية كثيرة رغم جهود المصححين قبل الطباعة ! [ الأسس الفكرية : ص4]

    [ للأمثلة على ذلك ، يراجع : الفصل الأخير من كتاب اليسار الإسلامى للدكتور إبراهيم عوض ]

    ويقوم الجهاز الإجلابى أيضاً عند الشيخ على التشدق بأسماء العلوم والمصطلحات الأجنبية كالفيلولوجى والأنثروبولجى واللينجووستك والبطرياركى والبنزيركى ... وهلم جرا .

    وغايته من هذا تخويف القارئ بإيهامه أنه أمام عالم كبير متبحر فى العلوم المختلفة ، وبهذا تشل حاسته النقدية ، ويندفع إلى تصديق ما يلقيه إليه رغم غثائه وضحالته وضآلة محتواه .

    وهو يحب ـ حباً جماً ـ أن يشقشق بالعلمية والموضوعية والعقلانية والتنوير وكراهية الغيبيات والماورائيات والفوق منطقيات ، متصوراً أنه يكفى أى شخص أن يدعى شيئاً حتى يكونه ! .. مع أنه هناك فرقاً بين الادعاء والواقع ، وغير دارٍ أن العلمية شىء وإنكار الغيبيات شىء آخر ، وإلا فأين العلمية فى أن نتهجم على وجود الله والملائكة والجنة والنار ؟

    لقد انقضى الزمن الذى كان لهذه الأسطوانة الماركسية فيه سحرها عند بعض الشباب ، بيد أن شيخنا لا يدرك أن ذلك قد ولى ، وأن الماركسية والاتحاد السوفييتى قد أصبحا فى ذمة التاريخ ، لا رحمهما الله !

    كذلك فهو يحاول الاستظراف كثيراً ، لكن طبيعة روحه لا تسعفه ، إذ بينها وبين الظرف آماد شاسعة ، فما بالك لو تكلف الظرف تكلفاً ؟ .. أعوذ بالله !

  6. #6

    افتراضي

    بين يدى الرد

    1 ـ الفكرة الرئيسية للكتاب
    2 ـ أدلة الكاتب على فكرته
    3 ـ هدف الكاتب من وراء فكرته
    ... (أ) هدف الكاتب المعلن
    ... (ب) هدف الكاتب " المخفى "
    ... (جـ) السبب فى محاولة الكاتب إخفاء هدفه الحقيقى
    4 ـ مدى أصالة فكرة الكاتب
    5 ـ سبب نشر النصارى للكتاب
    6 ـ نقد الحجة الرئيسية للكاتب
    ... (أ) المزلق الأول
    ... (ب) المزلق الثانى


    (1) الفكرة الرئيسية للكتاب

    يحاول عبد الكريم أن يثبت أن القرآن نص تاريخى جدلى .

    فالقرآن ـ عنده ـ ليس وحياً إلهياً ، وإنما هو من اختراع النبى عليه الصلاة والسلام ، فهو نص " تاريخى " ، يخضع للمرحلة التاريخية التى " أنتج ! " فيها .

    ثم إن القرآن ـ بالإضافة لتاريخيته ـ لم " ينتج " كنص كامل منذ الوهلة الأولى ، وإنما تأثر بالظروف التى كانت تمر بمجتمع النبى عليه الصلاة والسلام ، فهو نص " جدلى " ، تناله التغييرات بالزيادة والنقصان ، تبعاً للمواقف التى كان يواجهها النبى " منتج " القرآن !

    (2) أدلة الكاتب على فكرته

    يمكن لأى إنسان أن يدعى ما شاء ، لكن لا تقبل هذه الدعوى إلا بدليل .. وعبد الكريم يقدم لنا أدلته على دعواه ببشرية مصدر القرآن ، وتتلخص الأدلة كلها فى " أسباب النزول " .

    فقد عمد إلى الآيات التى نزلت فى مناسبة معينة ، واعتبر أن ذلك دليلاً على أن القرآن ليس من عند الله ، ولكنه ينزل " حسب الطلب " ، على حد تعبيره ( العلمى طبعاً ! ) .

    تلك هى حجة عبد الكريم الرئيسية ، التى يحاول التأصيل لها على طول الكتاب وعرضه .

    ثم صنف عبد الكريم هذه الآيات ..
    فجعل منها آيات أنزلت " تحقيقاً لرغبة " النبى عليه الصلاة والسلام ، وقد عدها أربعة عشر ..
    ثم جعل منها آيات أنزلت " تحقيقاً " لرغبات الصحابة ، وقد عدها عشراً ..
    وجعل منها آيات أنزلت موافقة لما صرح به بعض الصحابة لفظاً أو معنى ..
    وجعل منها آيات أنزلت إيضاحاً لمشكل أو استدراكاً أو استثناء .

    وبهذا ينتهى سفره الأول .. وعلى هذا المنوال ، من سوء التصنيف ، ورداءة التبويب ، يأتى سفره الثانى ، ليصنف بعض الآيات الأخرى ، تحت عناوين مختلفة .

    (3) هدف الكاتب من وراء فكرته

    للكاتب اليسارى من وراء ذلك هدفان : هدف معلن ظاهر ، وهدف يخفيه تعرفه فى لحن القول .

    وتوضيح طريقة الكاتب ، هو توضيح لطريقة ملاحدة العرب عموماً فى كتاباتهم ، فتنبه أكرمك الله .

    أ ـ هدف الكاتب المعلن

    أما الهدف المعلن ، فهو أن يثبت أن العبرة من النص القرآنى بخصوص السبب لا بعموم اللفظ ، فكل نهى أو أمر فى القرآن ، ليس على المسلمين العمل به كما توهموا لقرون طويلة ! .. وإنما كل أوامر ونواهى القرآن مرتبطة بأسباب معروفة ، ونزلت فى مناسبات معينة ، وتبعاً لمواقف محددة ، وقد انعدمت هذه الأسباب الآن ، وانتهت هذه المناسبات والمواقف ، وليس علينا أن نظل نطبق نفس الأوامر ، ولا أن نمنع أنفسنا عن تلك النواهى !

    فليس على المسلمين الآن من حرج فى أن يتركوا الصوم ، فقد شرع الصوم لطبيعة الدولة العسكرية ، التى كان النبى ينشئها فى المدينة ، لتحقيق مجد لقبيلته قريش .. وقد تغير الوضع الآن ، فلا طبيعة عسكرية ، ولا دولة قرشية ، وبالتالى لا صوم على المسلمين ، لأنه شرع من أجل مناسبة وموقف ، وقد زال كل ذلك الآن !

    ومثل الصوم فى ذلك كل أحكام الشريعة ، كلها ـ عنده ـ نزلت فى مواقف بعينها ، وفى مناسبات تاريخية معروفة ، وقد زال كل ذلك الآن ، فلا داعى للالتزام بهذه الأحكام التى زالت أسبابها .

    ولأن هذا الكلام يغضب المسلم ـ أى مسلم ـ وقد يصف قائله بالكفر والردة ؛ لأنه يعلن التحرر من ربقة الشريعة الربانية .. لذلك يستدرك عبد الكريم وإخوانه من الملاحدة على ما سبق بقول آخر ، لعله يهدئ من روع المسلم !

    فيقولون عقب هرائهم السابق ، بأن ليس معنى كلامنا ـ أيها المسلم ـ أن ندع الدين ولا نتبعه ، ولا أن نترك القرآن وننحيه جانباً ، بل نحن ـ العلمانيين العقلانيين ـ ندعوك إلى تطبيق كتاب الله ، والحكم بشريعته ! .. لكنك ـ أيها المسلم ـ تفهم الشريعة على أنها تلك الأحكام التى وردت بالقرآن ، وليس الأمر كذلك ! .. فهذه الأحكام قد زالت أسبابها ، وإنما الشريعة مباينة للأحكام ، الشريعة : هى الروح التى سرت فى النص وأنتجت هذه الأحكام ، الشريعة : هى القواعد الكلية والمقاصد الرئيسية التى راعى القرآن تحققها فى أحكامه الأولى أيام النبى .. هذه هى الشريعة التى سنتبعها ، وهى شىء آخر غير الأحكام التى وردت بالقرآن !

    وهذه الشريعة عندهم ، هى عبارة عن إرادة التيسير على الناس ، ورفع المشقة عن المكلفين ، ومراعاة احتياجات العصر وتطوراته ، ومراعاة الأعراف الاجتماعية السائدة ! ... إلخ هذه الأمور العامة ، التى لا يستطيع أن يمسكها أحد من كلامهم ، والتى يستطيع أى أحد أن يكيفها لأغراضه كما يشاء ، ما دام لم يقيدها بالنصوص القرآنية التى توضح معناها ومغزاها .

    ونتيجة ذلك أن تخلع المرأة حجابها ، لأن الأمر بالحجاب الوارد فى القرآن كان مرتبطاً بظرف تاريخى معين ، ونزل فى مجتمع له ظروفه الخاصة ، وقد تغير كل ذلك الآن ، فلا علينا من إلزام المرأة بالحجاب .. لكننا بذلك لا نترك القرآن .. مطلقاً ! .. وإنما سنطبقه خير تطبيق ! .. وذلك أن القرآن عندما أمر بالحجاب كان يراعى تقاليد وأعراف ذلك المجتمع البدوى المتخلف ، ونحن سنسير على روح القرآن ، وسنراعى ما راعاه ، وسنطبق " شريعته " التى هى مقاصده لا أحكامه .. ومقصد القرآن مراعاة تقاليد المجتمع .. فنحن سنترك مسألة " حشمة " المرأة بحسب تقاليد مجتمعها .. فإن كان عرف مجتمعها يستنكر ظهور شعرها ، كان ذلك منكراً فى ذلك المجتمع فقط ، وفى تلك الفترة التاريخية وحدها ! .. وإن لم يكن مستنكراً ، فلا عليها من سبيل فى تجميل شعرها وإبرازه وعرضه على الرجال !

    وستجدهم ـ قارئى الكريم ـ يتحللون من كل أحكام الشريعة ، بمثل ما تحللوا به من الحجاب !

    ب ـ هدف الكاتب " المخفى "

    أما الهدف الثانى " المخفى " الذى تلحظه فى لحن القول ، فهو اتهام النبى بالكذب فى ادعائه وحى السماء ، ولا وحى ثمة ولا إله ! .. ولو كان صادقاً لنزل الوحى جملة واحدة ، أما أن يتنزل بحسب المواقف ، فهذا دليل على أن النبى كان ينفعل بالأحداث فيؤلف الآيات ويدعى نزول الوحى !

    وهم يبغون الخروج من ربقة الدين جميعاً لا الإسلام وحده ، فالدين عندهم من اختراع الإنسان ، والأنبياء دجالون كذبوا على الناس ، واحتالوا عليهم بألاعيبهم ، لكن هذا الدجل وهذه الألاعيب لا تروج على العلمانيين العقلانيين !

    جـ ـ السبب فى محاولة الكاتب إخفاء هدفه الحقيقى

    إنه الجبن !

    السمة الأساسية للملحدين ، خاصة العرب منهم !

    الطريف فى الأمر ، أنك تجدهم أكثر الناس طنطنة ، بالشجاعة والجهاد بالكلمة وحرية القلم والفكر ... إلخ !

    وعندما تسمع " طنينهم " هذا ، تتخيلهم فرساناً مغاوير ، لا يخافون فى " إلحادهم " لومة لائم ، ولو نشروا بالمناشير !

    ثم تجد أساتذتهم وأكابرهم فى كتاباتهم فى بلاد المسلمين كالدواجن فى خوفها ، وكالحرباء فى تلونها بحسب ما تقتضيه الظروف ، فلا يظهرون إلا ما يسمح به فساد المناخ ، وإلا ما يسمح به تهاون المسلمين فى دينهم .

    هذا الجبن يجعل ملاحدة العرب يلجأون إلى التدرج فى خطاب الجماهير ! ..

    فقد فوجئوا ـ منذ القديم ـ أنهم لا يستطيعون إتمام اللعبة بشكل جيد مع شعوب المسلمين كما فعل أسلافهم الغربيين ، وأنهم لا يستطيعون اختراق حصن الإسلام بنفس السهولة التى أذل بها أسلافهم ناصية النصرانية الوثنية فى أوربا ..

    إن تمسك المسلم بالقرآن والسنة لا يقارن أبداً بتمسك النصرانى بكتاب اكتشف علماؤه أنفسهم تحريفاً فيه وإن لم يسموه باسمه .. ثم إن دين النصرانية عموماً أقوال رجال ، وليس نصوصاً صريحة فى الكتاب المقدس ، بخلاف حال المسلم فى دينه ، بهذه الصراحة والوضوح الشديدين فى نصوص القرآن والسنة الشارحة .

    نعم .. وجد الملاحدة المسلمين فى غفلة من دينهم .. لكن ذلك لم يسهل عليهم الأمر ، إذ من نعمة الله على خير أمة ، أنه قد ألا تزال طائفة منها على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم .. وما أكثر ما كشف العلماء وطلبة العلم ألاعيب الملاحدة وحيلهم ، وما أكثر ما فضحوا جهلهم وهذيانهم .

    من هنا كان حال القوم وشأن دينهم لا يساعد الملاحدة على إكمال لعبتهم ، فحثهم جبنهم على اللجوء إلى التدرج كلما استطاعوا .

    لكن الله يظهرهم لنا فى لحن القول .. ثم إن ذكائهم لا يساعدهم على التخفى بشكل جيد ! .. كذلك الحقد الشديد والغيظ والكمد على هذا الدين وأهله ، كل ذلك يجعل من التخفى أمراً مكشوفاً فى أحيان كثيرة !

    ونكرر فنقول : إن أكثر ما يثير غيظ الملاحدة ـ الماركسيين خصوصاً ـ هو أن دولتهم بادت ولم تبلغ سن الفطام ، وكان سبب انهيارها هو فشل الثقافة الإلحادية ذاتها على المستويين النظرى والتطبيقى .. على حين ما زال الإسلام طوداً شامخاً وجبلاً راسخاً وقلعة حصينة طوال أربعة عشر قرناً من الزمان .. تتزايد أعداد الموحدين فى أرجاء المعمورة ، رغم تخلف المسلمين الآن عن التقدم العلمى ، ورغم شدة تكالب أعدائهم عليهم ، ورغم كثرة الأيدى الممدودة إلى القصعة .. إن أكثر ما يغيظهم أن يسمعوا اسم " محمد " يتردد فى أرجاء الأرض ، متبوعاً بالصلاة عليه والتسليم ، من أفواه الملايين من البشر .. ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم !

    (4) مدى أصالة فكرة الكاتب


    من المعلوم مدى شغف معظم ملاحدة العرب بدعوى تاريخية النصوص وجدليتها ، إذ لا يستطيعون مخالفة ثقافتهم الماركسية ، التى تدعى على الأديان بأنها من اختراع البشر وتأليفهم ، فالإنسان ـ عندهم ـ هو الذى خلق الله !

    من هنا كان لا بد ـ للماركسيين وتلامذتهم من الملاحدة ـ من إثبات ذلك على الأديان جميعها ، من كل سبيل ، صح أم لم يصح .

    ولأن الملاحدة اليساريين يحتذون الفكر المادى حذو القذة بالقذة ، فسنجد عبد الكريم لا يتخلف عن الركب ، فيردد ـ فى كتابه ـ معظم مقولاتهم ، حتى الفرعى منها !

    بدون ذلك ـ قارئى الكريم ـ لن تستطيع تفسير كثير من مقولات عبد الكريم المضحكة ! .. لأن رد جميع مقولاته إلى الإلحاد العام لا يكفى ، بل لا بد لك من تلمس آثار ماركس بين ألفاظ عبد الكريم .

    مثال ذلك

    بغض عبد الكريم للعرب ، متمثل فى الصحابة رضى الله عنهم .

    لو رددت ذلك الكمد والغيظ لديه إلى مجرد الإلحاد لما كفى ذلك ، ولما أنصفت الرجل ، بل لا بد لك من التعرف على أحد معالم الفكر المادى ، صاحب دعوى الجدلية التاريخية .

    وذلك أنهم يعتبرون الزراعة هى الأصل ، والمزارعين طيبى النية .. أما الرعاة فهم متوحشون همجيون ، يريدون التسلط والتملك لأدوات الإنتاج .. وما ذاك لشىء إلا لأن هؤلاء رعاة وأولئك مزارعون !

    ثم إنهم يصنفون الصحابة فى بند الرعاة ولا بد ، وأقباط مصر فى بند المزارعين ولا بد .. وقد عدى الرعاة ـ المتوحشون طبعاً ! ـ على المزارعين ـ طيبى النية كما تتوقع ! ـ وتعدوا على أراضيهم !

    لن يسمع منك الماركسى تنبيهك عليه بأنه لم يكن كل الصحابة رعويين ، بل كان منهم مزارعون ! .. ولن يسمح لك بأن تجابهه بأنه ليست كل البلاد المفتوحة للمسلمين كان أهلها مزارعين ! .. لن يسمع ولن يسمح .. لأنك بذلك تفقده متعة اللعبة الماركسية التى لا يمتلك غيرها ! .. بالضبط كما يغضب منك الطفل ذو الخيال الواسع ، عندما تجابهه بأن المقعد الذى يمتطيه ليس سيارة ، وأن حزمة الأوراق البيضاء التى يحملها ليست نقوداً حقيقية !

    حتى لا يظن القارئ أننا ندعى ظلماً على عبد الكريم ، نورد نقلاً واحداً فقط ، من كتابه الذى بين أيدينا : السفر الثانى : الباب الأول : الفصل الأول : البند الخامس : تحت عنوان فرعى : " الزراعة والعلوج " .. يقول المتهوك :

    " بلغ استكبار ( العربان ) فى نظرتهم إلى الزراعة حدًا جعلهم يطلقون على ( الفلاحين ) فى البلاد التى دعسوها بسنابك أحصنتهم ـ دون أى مسوغ ـ ونهبوا خيراتها ... : " العلوج" وهى مقلوب "العجول".. مُنيت مصر المحروسة بالعديد من الغزو والاحتلال ، ولكن لم يقم أى من الغزاة والمحتلين بمثل ما قام به ( العُربان ) , نهبوا خيراتها واستوطنوا أراضيها وشمخوا بأنوفهم المحدوبة على شعبها , أعرق شعوب الأرض قاطبة ، وصاحب أقدم وأزهى حضارة عرفتها البشرية , ولم يكتفوا .. بل أقدموا على ما هو أوعر : أجبروهم على التخلى عن لغتهم ، وأكرهوهم على تعلم لسانهم الفصيح ، وأجبروهم على الأخذ بثقافتهم .. يطلقون على الفلاحين ( العُلوج ) مقلوب ( العجول ) جع عجل. فى معاجم اللغة : العلْج = الرجل الضخم من كفار العُجم. [ المصباح المنير للفيومى ]. بعضهم يطلق ( العلْج ) على الكافر المطلق. [ ذات المصدر ]. أى أن مجرد رفض إنسان / ابن آدم الدخول فى دينهم يحوله إلى حيوان : عِجْل أو عِلْج " ا.هـ.

    لا شك أن القارئ قد لحظ أن المسألة هى مجرد لعبة : " لعبة عربان وفلاحين " لا أكثر ولا أقل !

    لكن هذه اللعبة التى يهواها المتهوك ، تجعله يصب ناقم غضبه على أفضل خلق الله بعد رسله ، كما تجعله " يدلس " لغوياً وتاريخياً على القارئ ، متبعاً أثر أسياده الماركسيين وسنتهم فى الكذب المكشوف !

    أعتقد أن القارئ الكريم قد أصبح مهيئاً لما نحن مقبلون عليه !

    (5) سبب نشر النصارى للكتاب


    ينشر النصارى ـ بذكائهم المعهود ـ كتب الملاحدة عموماً ، التى تهاجم الإسلام من أى زاوية ؛ لأن ثقة النصارى فى الملاحدة لا تتزعزع ، فما زالت الأقفية محمرة من أيديهم ، ورجاء النصارى أن يفعل الملاحدة بالمسلمين وكتابهم مثلما فعلوا بهم من قبل وأذلوا ناصيتهم .. والله متم نوره ولو كره الكافرون !

    وسبب آخر يدفعهم لذلك ، وهو أن المسلمين إما ألا ينجحوا فى صد هجوم عبد الكريم ، فبها ونعمت .. وإما أن ينجحوا ، فلم يخسر النصارى شيئاً ، فليس عبد الكريم منهم حتى يعيروا بسفاهته ، غاية أمره أن يكون من كلابهم ، ومن يعبأ بهزيمة كلب !

    وهذا أولاً يدلنا على فراغ جعبة القوم ، وقلة حيلتهم فى مواجهة الحق ، حتى أصبحوا يلجأون إلى كلام كل جاهل متشدق ، وحتى راحوا يستعملون أى سلاح فى مواجهة الإسلام .

    وهذا ثانياً يدلنا على جهلهم ، ونقص عقولهم ، فإن الحق يزداد ظهوراً بهجوم الباطل .

    ونسأل الله أن يوفق الإخوة الكرام إلى تبيين حمق النصارى باتباعهم لنعيق عبد الكريم ، فما أنصفناهم لو طرقوا الباب دون أن يسمعوا الجواب !

  7. #7

    افتراضي

    (6) نقد الحجة الرئيسية للكاتب


    أ ـ المزلق الأول


    ( 1 )


    يسود كلام المتهوك نغمة بعينها ، فهو يحدثنا عن المناسبة للآية التى يسوقها ، كأنها اكتشاف شخصى له ، أو كأن علماء المسلمين كانوا يخفون ذلك عن عوامهم ، فجاء البطل الماركسى المغوار ـ وكل الماركسيين مغاوير ! ـ ليكشف عن الحقيقة الغائبة ، ويسمع القارئ ما أخفاه عنه علماؤه أزمنة مديدة .

    ( 2 )


    ننبه النصارى المساكين على المزلق الأول الذى أوقعهم فيه عبد الكريم بتشدقه !

    لقد أوهمهم المتهوك بحديثه ، أنه " يبقر " بطون الكتب الصفراء بقراً ، و" يغوص " فى المصادر القديمة غوصاً ؛ ليحصل على هذه المناسبات والمواقف التى نزلت فيها الآيات ، ويظهر ما أخفاه علماء المسلمين لعوامهم المساكين !

    وقد انساق المساكين وراء تفاخره المريض ؛ لتفشى الجهل فيهم ، ولعدم توافر حصانة علمية لديهم ، إذ ليس فى دينهم المحرف تعاليم تربى ذلك فيهم .

    (1)
    إن الكتب التى وضعها علماء المسلمين على مر العصور فى " أسباب النزول " جد كثيرة ، ومن العبث أن نحاول سرد بعضها هنا .

    وإلى جانب هذه المؤلفات المباشرة ، فإنه توجد مؤلفات أخرى يستقى منها أسباب النزول ومناسباته ، بشكل صريح ظاهر ، دون الحاجة إلى الغوص أو البقر !

    (2)
    فهناك كتب التفسير على اختلاف ألوانها ، وأغلبها يحرص على توضيح سبب نزول الآية ومناسبته ، إيماناً من مفسرينا بأهمية ذلك فى فهم الآية وعلل التشريعات والحكم الإلهية .. إلى جانب إيمانهم بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب !

    (3)

    وهناك كتب السيرة النبوية ، والتى تؤرخ لسيرة النبى عليه الصلاة والسلام ، وتهتم كثيراً بربط الأحداث بنزول بعض الآيات ، لما فى ذلك من فوائد جليلة ، سواء فى مجال تحديد الترتيب الصحيح للأحداث ، أو فى مجال إظهار التدرج الإلهى فى تربية الفئة المؤمنة الأولى ، وعلى رأسها المصطفى عليه الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من المجالات .

    (4)
    بالإضافة إلى كتب علوم القرآن ، وهى تعد من علومها علم أسباب النزول ، وتفصل فيه القول ما شاءت .

    ولم نذكر مع ما سبق كتب الصحاح والمسانيد ، التى حوت فى ثنايا رواياتها الكثير من هذه المناسبات .. لم نفعل لأننا شرطنا أن نورد الظاهر الصريح ، دون ما يحتاج إلى الاستقراء والاختيار ، مع السهولة المعروفة لذلك لدى طلبة العلم المسلمين !

    وعموماً .. أى عالم مسلم عندما يريد الاستدلال بآية معينة ـ غالباً ـ لا بد أن يوضح سبب النزول ، ليتوصل إلى المعنى السليم للآية ، سواء أكان هذا العالم يتحدث فى مسألة فقهية ، أم يؤصل قاعدة أصولية ، أم يستنبط فقهاً من السيرة النبوية ... إلخ .

    والمقصود :
    التنبيه على أن النغمة التى يتحدث بها عبد الكريم عن مناسبات الآيات ، هى نغمة فاشلة ! .. فالمسلمون يعرفون ما تتحدث عنه يا متهوك منذ قرون مديدة ، ويؤلفون فيه على مر أزمان متطاولة ، وما أنت إلا مقتبس من نورهم ، لتحاول إيهام نفسك بأنك أول من أشعل الضوء ، على عادة ملاحدة العرب فى التفاخر المريض !

    والمقصود أيضاً :
    التنبيه على أن النصارى قد انساقوا وراء عبد الكريم ، وانخدعوا بتشدقه الجاهل ، لعدم وجود قواعد التثبت العلمية التى تحميهم من ذلك ، لا وجود لها فى كتابهم ، ولا فى كلام علمائهم .. هم محرومون من ذلك !

    ب ـ المزلق الثانى


    (1)


    كلما أثبت عبد الكريم مناسبة لآية ، عد ذلك دليلاً دامغاً ـ وكل أدلته دامغة ! ـ على فكرته الرئيسية ، وهى أن كثيراً من آيات القرآن نزلت فى مناسبات بعينها ، وفى هذا الحجة البالغة ـ عنده ـ على أن القرآن من الأرض لا من السماء !

    وهو لا يتوقع من أى فلحاس ـ وكل معترض عليه فلحاس ! ـ أن ينبرى للرد عليه ، أو يتجرأ فينكر دليلاً واحداً مما أتى به ، لأن عبد الكريم يجابهه بالمنقول من كتب أسلافه ، وفيها الأدلة الدامغة على أن هناك آيات نزلت فى مناسبات !

    (2)


    لقد وجه عبد الكريم كل مجهوده إلى إثبات أكبر قدر ممكن من المناسبات للآيات القرآنية ، لكنه نسى !

    نسى أن مجرد نزول الآيات فى مناسبات لا يعد دليلاً على بشرية القرآن .. لقد نسى الرجل أن يوضح لنا وجه التلازم المنطقى بين نزول الآيات فى مناسبات وبين اتهام النبى بالكذب .. لقد سرد الأمر كأن مجرد إثبات المناسبات للآيات يكفى تلقائياً للحكم على النبى بالكذب !

    أعرف أنك مندهش الآن قارئى الكريم من هذا الأمر ، وقد اندهشت مثلك عندما تأكدت منه ، لكن ما حيلتنا فى ذلك ؟ .. الرجل نسى .. هذه حقيقة !

    (3)


    إن مسلك عبد الكريم فى كتابه ، يذكرنا بمسلك النصارى المضحك مع قضية مصدر القرآن .. فتجد النصرانى المسكين يعد لك مواضع التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة ، وكلما أورد لك موضعاً ، حسب أنه ألقمك حجراً ! .. كأن المسلمين ينكرون مواضع التشابه بين القرآن والكتب السابقة ، أو كأن القرآن شرط أن يخالف كل ما سبقه ، أو كأن القرآن ما وصف نفسه بأنه مصدق لما بين يديه .

    لكن لعدم معرفة النصارى بالفرق بين فرضيات الادعاء وبين الأدلة على صحته ، فهم يعتبرون مواضع التشابه هى أدلة الادعاء نفسه ! .. وعندما تطالبهم بدليل واحد على ادعاء النقل عن أهل الكتاب ، يغضب منك النصرانى الذكى ؛ لأنه لم يعجبك كل ما قدم لك من " أدلة " !

    عبد الكريم يفعل هنا نفس الشىء .. فهو يدعى أن القرآن من اختراع النبى ، ويقدم على ذلك حجته بأن الآيات كانت تنزل فى مناسبات ، وسيورد لك الآية تلو الآية ، ويثبت لك المناسبة تلو المناسبة ، حاسباً نفسه يسرد عليك الدليل تلو الدليل !

    والنصارى ينشرون كتاب عبد الكريم ، فرحون بما فيه ، فعبد الكريم أورد " الأدلة " ( الدامغة طبعاً ) ، ولا يظنون المسلمين قادرين على تفنيد كل ذلك ، وحتى لو نجح المسلمون فى رد بعض ما قال عبد الكريم ، فستبقى هناك عشرات الأدلة ، على أن الآيات القرآنية كانت تنزل فى مناسبات بعينها !

    والآن .. ما هو موقف المسلمين ؟ .. وماذا هم فاعلون ؟ .. كم من أدلة عبد الكريم سيستطيعون ردها أو إبطالها ؟

    (4)


    حسناً نفعل .. لنكن ـ نحن المسلمون ـ أكثر كرماً مع عبد الكريم وأنصاره من النصارى الوثنيين ! .. لنسلم لهم بصحة كل " دليل " أورده عبد الكريم ، على سبيل الإجمال ، دون الرضا بكافة التفصيلات .. لنسلم له وللنصارى بالحقيقة الواقعة التى لا سبيل إلى إنكارها ..

    لنسلم بأن هناك كثيراً من الآيات القرآنية نزلت فى مناسبات محددة ، ومواقف معروفة !

    أليس هذا أقصى ما يتمناه عبد الكريم من جداله ؟ .. أليس هذا أعظم ما يطمح إليه النصارى وهم يرقبون معركة بطلهم الملحد المغوار مع المسلمين ؟

    (5)

    السؤال الآن : وما الغضاضة فى ذلك ؟!

    ما الغضاضة فى أن ينزل رب العزة بعض الآيات ـ أو حتى كلها ـ فى مناسبات ومواقف ؟!

    هل هذا دليل على أن النبى يؤلف القرآن من عندياته ؟! ..

    أليس الله على كل شىء قدير ؟!

    إن من يجعل من تنزل القرآن فى مناسبات دليلاً على أنه من اختراع النبى لا من الله .. من يفعل ذلك يحكم باستحالة أن ينزل الله وحيه فى مناسبات ! .. فهل يحكم النصارى بذلك ؟ .. وهل ذلك يخدم إلحاد عبد الكريم ؟

    (6)

    فيما يختص بالبطل المغوار .. لا ينفعه ذلك البتة !

    لأن العقل يجوز أن ينزل الله وحيه فى مناسبات ، ولا يلزم الله أبداً بأن ينزله جملة واحدة ، فالله يفعل ما يشاء ، ولا يحكم العقل ـ أى عقل ـ باستحالة أن ينزل الله وحيه فى مواقف بعينها ، فالذى يقدر المواقف هو الله ، والذى ينفذ قضاءه فيها هو الله ، والذى له أن ينزل وحيه أم لا هو الله ، فله المواقف الكونية ، وله الآيات الشرعية .. " ألا له الخلق والأمر " .

    نعم .. ينكر عبد الكريم كإخوانه الملاحدة وجود الله .. لكن مناقشة ذلك وتبيين ما فيه من جهل له مقام آخر .. أما الذى يعنينا هنا ، هو أنه يتخذ من تنزل الآيات فى مناسبات دليلاً على كذب النبى ، لأنه لا وحى ولا إله هناك !

    ولم يحاول عبد الكريم أبداً أن يبين لنا وجه الحجة فيما يدعيه ، فلم يوضح لنا ما وجه التلازم بين تنزل الوحى فى مناسبات وبين كذب النبى ، وإنما عد ذلك من المسلمات التى لا تحتاج إلى توضيح أو شرح ، ناهيك أن تحتاج إلى إثبات !

    اكتفى على طول الكتاب وعرضه ، بمحاولة إثبات أن هناك آيات نزلت فى مناسبات ومواقف ، معتقداً أنه لو نجح فى ذلك ، فالبقية معروفة للجميع ، فما دامت آيات قد نزلت فى مناسبات ، فلا وحى هناك ولا إله ، بل نبى كاذب مخادع يسعى فى رضا أتباعه وشهوات نفسه !

    الطريف فى الأمر ، أن الطائفة التى ينتمى إليها هذا المتهوك .. طائفة الملاحدة خاصة العرب منهم .. لا يملون أبداً من تكرار نغمة بعينها ، مفادها أن الناس لا بد أن يفكروا تفكيراً علمياً ، وأن يعملوا عقولهم ، وأن يمنطقوا الأمور دائماً ، فقد خاب وخسر من عادى العلمانية ، وخاب وخسر من رفض العقلانية !

    هؤلاء المتهوكون الذين يطنطنون بهذه الشعارات الجوفاء ، هم أبعد الناس عن العقل والمنطق !

    لن نسعى لإثبات ذلك لك هنا قارئى الكريم ، لكننا ندلك على أصل المسألة ، ونستخدم من صنيع عبد الكريم فى كتابه كمثال على بعد هؤلاء المتهوكين عن العقل والمنطق .

    كنا نتمنى أن يورد عبد الكريم أى وجه عقلى للتلازم الحتم ـ عنده ـ بين تنزل الآيات فى مناسبات وبين كذب النبى .. كنا نتمنى ذلك كى نبطله بفضل الله تعالى .. لكن الرجل حرمنا ذلك فلم يعبأ به !

    (7)


    أما بالنسبة للنصارى الأذكياء .. فلا ينفعهم أيضاً !

    لا يستطيع النصارى استخدام " حجة " عبد الكريم ، لأنهم لو فعلوا ـ وقد فعلوا بنشرهم الكتاب ! ـ لكان معنى ذلك تسليمهم بذلك الأمر .. تسليمهم بأنه محال على الله عقلاً وشرعاً أن ينزل بعض وحيه فى مناسبات !

    وهم لا يستطيعون ذلك أبداً ، لأن أناجيلهم تثبت عليهم التناقض لو فعلوا ، وذلك أن كلام المسيح عليه السلام عندهم وحى إلهى ، تجب طاعته واتباعه ، فى كل زمان ومكان ، وكثير من كلام المسيح لم يرد إلا فى مناسبات بعينها ، لولا وقوع تلك الحوادث لما نطق بما قال أو تفوه به .

    فلم يقل المسيح : " يليق بنا أن نكمل كل بر " ، إلا عندما رفض يوحنا تعميده [متى : 3 : 15]

    فهل يقال : إن المسيح اضطر لقول ذلك بسبب فعل يوحنا ، ولو لم يمنعه يوحنا لما قاله .. ثم يعد ذلك دليلاً على كذب المسيح ، فلا هو نبى صادق ولا إله !

    كذلك لم يبح المسيح يوم السبت ، إلا بعد أن اعترض اليهود ، لأن أتباعه قد انتهكوا حرمته ، فعندما جاعوا ابتدأوا يقطفون سنابل من الزروع ويأكلون [ متى : 12 : 1 ]

    ولم يقرر أن تلاميذه هم أمه وإخوته لأنهم يعملون بمشيئة الله ، إلا بعد أن طُلب منه أن يقطع كلامه ليرد على أمه وإخوته الذين يطلبونه بالخارج [ متى : 12 : 46 ]

    ولم يعترض على هؤلاء الكتبة والفريسيين ، ويتهمهم بالرياء والبعد عن وصية الرب ، إلا دفاعاً عن تلاميذه ، الذين اتهمهم الكتبة بأنهم يخالفون تقليد الشيوخ ، لأكلهم بأيد غير مغسولة [ متى : 15 : 1 ]

    ولم يعط التشريف لسمعان بطرس بإعطائه مفاتيح ملكوت السموات ، إلا بعد أن شهد له صراحة بأنه المسيح ابن الله [ متى : 16 : 16 ]

    والأمثلة كثيرة جداً من حياة المسيح عليه السلام ، وهى موجودة فى حياة غيره من الرسل والأنبياء .. كثير من الوحى الإلهى يتنزل فى مناسبات معينة ، ومواقف محددة ، ليزيل إشكالاً ، أو يجيب سؤالاً ، أو يوجب أمراً ... إلخ .

    فهل يقر النصارى بأن كل هذه المناسبات أدلة دامغة على كذب هؤلاء الرسل ؟!

    بالطبع كلا ! ..

    (8)


    حقيقة الأمر ، أن الوحى الإلهى قد يتنزل مفرقاً تبعاً لملابسات موقف قدرها رب العالمين ، وكذلك النبى الكاذب يمكنه أن يدعى ذلك ، فليس الأمر معقوداً على وجود ارتباط بين الوحى والمناسبات ، وإنما يحتاج إلى إثبات صدق النبى من كذبه إلى أدلة أخرى .

    لكن .. لأن النصارى يدعون كذب النبى عليه الصلاة والسلام ، ولأن عبد الكريم يدعى كذب الرسل بعامة ، اعتبر المتهوكون جميعاً أن مجرد ارتباط الوحى بالمناسبات هو دليل على ما هو مسلم عندهم .. اعتبروه دليلاً على كذب النبى .. وليس الأمر كذلك .

    وإنما غاب عنه وعنهم ، لبعد الجميع عن استخدام العقل السليم والمنطق الصحيح ، إذ لا يستقيم للنصارى أمر دينهم الوثنى مع سلامة العقل ، ولا يتهيأ لعبد الكريم دينه الإلحادى مع صحة المنطق .. أضف إلى ذلك الحقد على دين الله المتين وأهله .. هذا الحقد يعمى أصحابه عن كل عقل ومنطق !

    أما بعد .. قارئى الكريم ..
    فقد كان هذا بمثابة تعليق إجمالى على الكتاب ، آثرنا فيه العموميات والبعد عن الاستشهاد والتفصيلات ، وسيرد من ذلك الكثير فى تفنيدنا لمزاعم المتهوك التفصيلية ، وفى توضيحنا لمدى حماقة النصارى بالانسياق وراء الكاتب ، جرياً منهم على سياستهم العتيدة " العيار اللى ما يصيبش يدوش " !

    يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم .. والله متم نوره ولو كره الكافرون !

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حكاية أمة اسمها "مصر"
    بواسطة حازم في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-28-2005, 10:12 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء