بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفروا إلى سقر, والذين اتقوا ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفروا بما عملو, والذين امنوا بالحسنى...
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد...
أتشرف فعلا بمشاركتي الأولى في هذا المنتدى المميز , و الذي استفدت منه ومن مداخلات أعضائه الكرام الغيورين على الدين الحق , و المتطلعين لنصرته رغم تهديد الأسلحة الموجهة ضده , و كذا التلفيقات و الأكاذيب المبتدعة لايقاف زحفه..
موضوعي اليوم – بعد اذن الاشراف- سوف يتطرق الى قضية تفيض كثيرا من الحبر سواء من جانب المؤمنين أو من جانب الملاحدة المجانين, قضية تقف حجر عثرة أمام الانتقال الى اشكالات أخرى أولى بالتدبر , انها قضية التطور. و كلماتي التالية موجهة للمؤمنين و الملاحدة على حد سواء, و المرجو عدم التسرع في الرد على هذا الموضوع الا بعد الانتهاء من قراءته بالكامل.
--------------------------
في البداية أريد أن أبدي تحفظي على نقطة تشكل أساس هذا الموضوع ألا وهي النظرة الى الخلق المباشر لآدم من تراب, و هي قضية تم اثباتها في الكتاب المقدس للمسيحيين و اليهود , و لكن لم يثبت الخلق المباشر في القرآن في حين أن الآيات التي تحتوي التراب و الطين ... لن تجدوا اشارة الى أي عملية مباشرة , بل على العكس من ذلك:
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ
قال تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ
قال تعالى : خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ
يتضح من هاته الآيات أن خلق الانسان تم عبر عدة مراحل , مع علمنا بأن الله سبحانه و تعالى لو شاء لخلق الانسان من العدم , أو من التراب مباشرة , و أعتقد – و الله أعلم – أن هذه دعوة للتدبر في خلق الانسان.
--------------------------
قال سبحانه و تعالى : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم...
ماذا نلاحظ من خلال هذه الآية ؟ استعمال – ثـم – و هي أداة للتعبير عن التراخي في الزمن , أي أن الله تعالى يخبرنا أن الانسان خلق و من بعد مدة من الزمن لا نعلم قيمتها , تم تصويره على هيئته الانسانية, أي أن الهيئة الانسانية أنشئت حول بذرة خلقية سبقتها في الزمن, و لو أن الخلق و التصوير كانا متلازمين لوجدنا – و – مكان – ثم –
قال سبحانه و تعالى : و الله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها و يخرجكم اخراجا
أعتقد أن هاته الآية توضح الى حد بعيد أن أصل البشر كان على الأرض , و أن أصله نبات , لأني لا أعتقد أن النبات في هذه الآية مقصود به التراب , فسبحانه لو كان يقصد الانبات بمعناه المجازي لوجدنا والله أنبتكم من الأرض انباتا و ليس نباتا – و الله أعلم – , ومن ثم تم اعادتنا الى الأرض و سنخرج منها باذن الله.
قال سبحانه و تعالى : الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ
أعتقد و لكن لا أجزم , بأن آية سورة السجدة هاته , لا تتعلق بخلق الجنين كما يعتقد البعض , بل بخلق آدم عليه السلام , لأن عبارات هذه الآية متوالية في الزمن – ثم – و أن الطين بداية للخلق , و كلنا نعلم بأن الجنين لا يخلق من طين مباشرة , و بالتالي كلمة انسان في هذه الآية توجه الى الأصل , أي آدم عليه السلام , و لا يمكن الانتقال بأي حال من الأحوال من العام الى الخاص باستعمال الضمير العائد... و ما يعزز هاته الفكرة أن عملية نفخ الروح اختص بها آدم , و ذلك بالرجوع الى اشارات قرآنية أخرى . كالآية 29 من سورة الحجر و كذا الآية 72 من سورة ص.
نأتي الآن الى آية أخرى:
قال سبحانه و تعالى : إنّ مثل عيسى عند اللهِ كمثلِ آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون
هنا يشير سبحانه أن خلق عيسى عليه السلام مماثل لخلق آدم عليه السلام, أي أن عملية خلقهما عملية متماثلة , و لكن بالمفهوم الاسلامي الطاغي فان عملية خلقهما هي عملية مختلفة , فعملية الخلق المباشر من تراب مخالفة لعملية الانجاب من أم فقط , و هنا لكي يحصل توافق وجب التضحية بأحد المفهومين , و لكن خلق عيسى واضح كفاية ليتم وزن خلق آدم عليه , و بالتالي فان الاعتقاد الأصح – و الله أعلم – يكمن في أن آدم لم يخلق مباشرة من تراب , و يرجح أنه خلق من أم غير بشر , و هذه مجرد فكرة و تفسير لمعنى الآية.
قال سبحانه و تعالى : وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ
واجه المفسرين القدامى مخارج مغلقة في سعيهم تفسير هاته الآية الكريمة, فوصف قوم آخرين هنا لا يصح ربطه بأجدادنا و آبائنا لأنهم بالفعل ليسوا قوما آخرين , و ما يدعم أنهم ليسوا آباءنا كلمة يستخلف في الآية , أي أن البشر استخلفوا في الأرض مكان قوم آخرين , لأن امام المفسرين الطبري قال ان –من- في هذا التعبير بمثابة – مكان -.
يقر الطبري رحمه الله أنّ الله تعالى قد أنشأنا من قوم آخرين غير الإنس، ولكنه يفهم مِن بمعنى بعد أو بمعنى مكان، أي أنّ الأمر كان من قبيل الاستبدال.
ولنرجع إلى تفسير الطبري فننظر قوله
" يُذهبكم": يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم ويستخلف من بعدكم ما يشاء،.. ويأت بخلق غيركم وأمم سواكم، يخلفونكم في الأرض "من بعدكم"، يعني: من بعد فنائكم وهلاككم، " كما أنشأكم من ذريَّة قوم آخرين "، كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلَكم.
ومعنى"مِنْ" في هذا الموضع التعقيب، كما يقال في الكلام:"أعطيتك من دينارك ثوبًا"، بمعنى: مكانَ الدينار ثوبًا، لا أنّ الثوب من الدينار بعضٌ، كذلك الذين خوطبوا بقوله: " كما أنشأكم"، لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنّهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنَّهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خلف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم .
و تجدر الاشارة الى ان التطور الذي أتحدث عنه ليس هو التطور أبو صدفة هههه المبني على الكثير من المغالطات و المفاهيم الطفولية التي لا يقبلها عقل و لا منطق , بل هو تطور بمشيئة ربانية وفق برمجة الهية لحكمة الله وحده من يدركها, و بالتالي فان التطور لن يكون بعد الآن حجة للاحاد , و لايسعنا الا محاربة هذه الفتنة , و توعية المسلمين بضرورة تحري الحقيقة و عدم الانجرار وراء معتقدات النصارى و اليهود و التي قد تؤدي الى عدة مغالطات يدفع بعض المسلمين ضعاف المعرفة و ضعاف النفس ثمنها غاليا و الله المستعان.
من كل هاته الأفكار يمكننا أن نعيد ترتيب معتقداتنا , لأن فهم القرآن أولى من المجادلة في مسألة تحتمل أن تعارض القرآن ظاهريا و ليس من ناحية الجوهر , فالملاحدة المجانين لا يستحقون اهدار وقتنا الثمين في جدالهم الفلسفي الفارغ.
والله أعــــــــــــــــــــــــــــــلــــــــــــــــم
سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر
سبحان الله و بحمده , سبحان الله العظيم
دمتم في رعاية الله , و السلام عليكم و رحمة الله
أخوكم في الاسلام كمال مسافر , 21 سنة
Bookmarks