النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الأحكام الأصولية للرؤى المنامية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    الدولة
    http://ahmad-mosfer.com/
    المشاركات
    118
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الأحكام الأصولية للرؤى المنامية

    الأحكام الأُصولية للرؤى المنامية
    تُعدُّ الرؤى المنامية من الأدلة الصحيحة على تغيُّر الحال والمآل ، بشرط صحة تعبيرها ، وموافقتها لأصول التعبير . وقد افتتحت نبوة سيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم برؤيا صالحة .


    والتوفيق فيها باب مدح ، لأن الله امتن بذلك على يوسف عليه السلام بقوله: " وكذلك يجتبيك ربُّك ويُعلِّمك من تأويل الأحاديث " ( يوسف :6 ) .
    والدلالة الأصولية لهذه الآية تفيد وجوب معرفة مواطن الخطأ والصواب في تأويل الرؤى .


    ومدارسة الرؤى ليست حراماً ولا جُرماً في واقع الناس كما يُعيَّر به أهل الإستقامة في عصرنا من العلمانييِّن وأفراخهم .
    بل إن الرؤى – في أقلِّ أحوالها - تُهذِّب خُلق المسلم ، كما في المرفوع : " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " أخرجه مسلم .


    والعالم الفرنسي " شارل رينيه" أثبت في مقالاته أن للرؤى تأثيراً في المستقبل بهيئة معجزة لا تُوصف ، وفي هذا ردٌّ على المتأسلمين ممن يطعنون في الرؤى . فاليهود والنصارى يعتقدون بحقيقة الرؤى والمنامات لكن بمقامات متعدِّدة ومتباينة .



    وإذا كانت الأمثال والقصص يُستدلُّ بها عند عوام الناس وخواصِّهم ، فالرؤى أولى بالاستدلال إذا صح مأخذها وثبت وقوعها من مُخْبرٍ صادق ، لأن أصلها ثابت .



    وبعض المسلمين اليوم يستدلون بالاختراعات العلمية ونظريات الغرب، بينما تهمل الرؤى المنامية وتُرمى بحجة مصادمتها للواقع وضعف تأثيرها .
    فإذا كانت النظريات والاختراعات العلمية قامت على الملاحظة والتجريب ، فإن الرؤى المنامية قائمة على الملاحظة والقياس والأمثال ومعرفة أحكام اللِّسان العربي .وهذه حجة عقلية يردُّ بها على المنكرين للرؤى .
    بعض المسلمين لا يثقون بالرؤى لعدم معرفة أحكامها الأصولية وإعجام أصولها عند العوام وغيرهم من المثقفين .



    · الأحكام الأصولية للرؤى المنامية :
    1- الرؤى غيب والإيمان بشواهد الغيب واجب :
    فالله تعالى عالم الغيب والشهادة ، والرؤى غير محسوسة ، لكنها مشهودة ، وهي قَدَر قدَّره الله ، شاء من شاء وأبى من أبى .
    وقد صح عن أبي سلمة رضي الله عنه : " لقد كنتُ أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعتُ أبا قتادة يقول :وأنا كذلك حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الرؤيا الحسنة من الله " متفق عليه . فهي شاهدة على قدرة الله لمعرفة حكمته وتدبيره .

    2- الرؤى لها تعلُّق بالروح وهي من أمر الله :
    فالعلم المادي إلى هذه الساعة لم يقف على حقيقة هذا التعلُّق المعجز ، ولم يتعرَّف على كُنه الرؤى وكيفية حدوثها بدقة ،. ولهذا تخبَّط الغربيون وعلماء النفس ك " فرويد " و " يونج" ممن قالوا إن الرؤى صراع من أجل الغرائز أو تراكمات شخصية لا شعورية .والصحيح عند الأصوليين أن للرؤى معاني وفوائد ودلالات يعرفها الراسخون ، وبعضها يقوي العزائم ويجدِّد التوبة .


    3- الرؤى اعتقادات يخلقها الله في القلب :
    وقد قرَّر هذا المعنى الإمام المازري (ت: 536هـ) رحمه الله تعالى حين قال : " الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان ، وهو سبحانه يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة " . وقد وافقه على هذا الإمامان النووي (ت: 676هـ) وابن حجر(ت: 852هـ ) رحمهما الله تعالى.

    4- الفرق بين الرؤيا والرؤية :
    وفائدة التعرف على الفرق بينهما مهم ، فبه تتميز الرؤى الحقيقية والرؤى المتخيَّلة ، فالرؤيا المنامية أحداث متسلسلة ومنطقية ، وتعبيرها بأُصول العلم والأمثال لا بالظن ، فإن خالفت الأصول المعتبرة للرؤى أضحت اعتقاداً للرائي أو للمعبِّر الذي تميل إليه النفس، لأنهما ينطقان بما تكن صدورهما لا بالعلم الموافق للحق . وقد قصد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله : " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان " أخرجه البخاري. وقد تقرر عند الأصوليين وجوب التمييز بين القياس الصحيح والفاسد ، وفي الحديث إشارة إلى مراعاة هذا الأصل .

    5- الرؤيا درجات فلا يجوز التعميم في أحكامها :

    من الخطأ النظر في رؤيا الناس بدرجةٍ واحدة ، فرؤيا الكافر تختلف عن رؤيا المسلم ، ورؤيا الفاسق تختلف عن رؤيا الصالح ومستور الحال ، ومشاهدة الرائي ومعرفة حاله نصف التعبير ، فلا يجوز إهمال هذا الباب والاعتماد على سرد الرؤيا فقط كما هو مشاهد اليوم . أو تعبير رؤيا المجاهيل .
    وبعض الرؤى تكون حجة على صاحبها يعرفها من نفسه ، وبعضها يُلْهم الإنسان الحق فيها وإن كانت عامة لا تتعلَّق به . وبعضها دقيقة مبهمة لا يعرفها إلا البصير من الناس الحاذِق بالمعاني . وقد تقرر عند الأصوليين أن المجتهد إذا اجتهد في مسألة فلا يجوز له إلزام الناس باتباع قوله .

    6- توافق الرؤى دليل على صحة المخبر عنه :
    تواتر الرؤى في واقعة معينة يُبعد شبهة استحالتها ، وهذا ما يُسمَّى بالتواطؤ عند الفقهاء والأصوليين . وقد استدل ابن حجر رحمه الله تعالى بحديث رؤيا بعض الصحابة لليلة القدر في السبع الأواخر بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المشهور، وقال : " في الحديث دليل على جواز الاستناد على الرؤيا في الأمور الوجودية بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية " .
    والمقصود بالقواعد الشرعية الأصول العامة لسنن الله في الخلق والأحكام والتدبير . وهذه لا يُحسنها إلا الراسخون .


    7- حصر أنواع الرؤى ليس له دلالة :
    وهذا التقعيد صحيح ، فقد يوجد رؤى لا معنى لها ،فعلماء التشريح يرون أن من غلبت عليه السوداء رأى الأموات والأهوال والدمار ، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح ، ومن غلبت عليه البلغم رأى رأى الباض والمياه والأمواج ، ومن غلب عليه الدم رأى الرياحين وما يبهج النفس من سرور . وهي أسباب من تقدير الله . وما صح سببه وجب تقديره .
    وقد تتوارد هذه الأخلاط للرائي في سنة واحدة بسبب نشاطه وفتوره ومرضه ، فيجب على المعبِّر التنبُّه لهذا الأمر فلا يغتر بالرؤيا بل يجب عليه التريث في فك رموزها وبيانها .

    8- التأويل بالدلالات جائز وله أصل :
    وفائدته نقض التركيب في الرؤى ومعرفة المنحول منها ، والتميِّيز بين الرؤيا الصحيحة والمركبة ، والعامة والخاصة ، والقوية والضعيفة . وقد روي عن ابن سيرين ( ت: 110هـ )رحمه الله تعالى أن امرأة سألته أنها رأت في منامها رجلًا مُقيَّدا مغلولًا، فقال لها :" لا يكون هذا لأن القيد ثبات في الدِّين وإيمان ، والغِل خيانة وكفر ، ولا يكون المؤمن كافراً " .
    ولهذا صح تعبير يوسف عليه السلام لما عبَّر البقرات السِّمان بالسنين الخصبة ، والبقرات العِجاف بالسنين الجدبة. وذُكر أن عمر رضي الله عنه وجَّه قاضياً إلى الشام فسار ثم رجع من الطريق . فقال له عمر : ما ردَّك ؟ قال : رأيتُ في المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان وكأن الكواكب بعضها مع الشمس وبعضها مع القمر . فقال عمر : مع أيها كنت ؟ قال : مع القمر . قال : انطلق لا تعمل لي عملاً، ثم قرأ : " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً " ( الإسراء : 12 ) .
    ولهذا اشتهر عند المعبِّرين ضعف رؤيا الشتاء وأول الليل لضعف الأعصاب فيهما .

    وقديماً كان يُعبِّر السلف التمر بحلاوة الدِّين ، والعسل بالقرآن والخير . واليوم انعكس الأمر لشدة التعلُّق بالدنيا . فالتمر يعبر بالتعب في تحصيل الحياة والعسل بالزواج . فيجب على المعبِّرين التنبُّه إلى هذا الأصل ، فإن عامة الخطأ في كشف الرؤى يعود إليه .



    9- لا يجوز تعبير كل رؤيا :
    المشاهد اليوم تعبير كل رؤيا ترد للمعبِّرين ، وهذا خلاف هدي السلف في التعبير الصحيح . فيجب الإمساك عن تأويل الرؤى المتشابهة التي تحتمل أكثر من وجه ، ويحرم تعبير الرؤى المهلكة للناس المفزعة لهم ، ويندب تأويل الرؤى المبشِّرة والمفرحة . وقد قال قرة بن خالد رحمه الله تعالى : " كنتُ أحضر ابن سيرين يُسأل عن الرؤيا فكنت أحزره يُعبِّر من كل أربعين واحدة " . فأين أهل زماننا عن هذا ؟! .

    وقد تقرر عند الأصوليين أن تنقيح المناط لازم لتهذيب الحكم مما علق به ، وهذا مما يُلحق به ، ولهذا اتفق أهل العلم على أن الرؤى لا يستخرج منها حكم شرعي .


    10- تحديد وقت حصول المراد هو الغلط بعينه :
    لا يصح في علم التعبير تحديد وقوع المراد ، لا بالدلالات ولا بالرموز لأنه يفتقر إلى بينة شرعية ، والبينة المناط بها التعبير ظنية في الغالب وليست يقينية ، لأنها من غير معصوم .
    وتحديد الوقوع علم غيبي لم يحصل للمتقدِّين فضلاً عن المتأخِّرين .
    وقد روي عن السلف أن الرؤيا قد تتأخَّر في وقوعها إلى أربعين أو خمسين سنة . وقد صحَّح ذلك الذهبي ( ت: 748هـ )في تلخيصه وابن عبد البر( ت: 463هـ ) في بهجة المجالس رحمهما الله تعالى.


    وسبب الغلط في تعبير الرؤى اغترار بعض المعبِّرين بظاهر الحديث المرفوع : " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب " أخرجه مسلم .
    فَيُعلِّقون صحة تعبيرهم على ظاهر الحديث مع التجاسر على تحديد الوقت.
    ولفظة " تكد " لا تُفيد العموم، إنما تفيد الإجمال والتقريب . وآخر الزمان مُطلق يصعب تقيِّيده بزمن معين . والعلة عند الأصوليين إذا كانت قاصرة لا يُعتدُّ بها .
    وختاماً فإن تعبير الرؤى ليس من الضروريات بل من الحاجيات التي يندب معرفتها والوقوف عليها . لكن يكره الاشتغال بها عن العمل والسعي والجِد لتحصيل منازل المتقين .


    ومن اللطائف أن ابن سيرين إمام المعبِّرين للرؤى على كثرة عجائبه في إتقان هذا الفنِّ لم يؤلِّف فيه ورقة واحدة ، وهذا من ورعه ومن البيان بالحال ، وهو أبرع من البيان بالمقال .
    هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .



    أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
    عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
    __________________

    مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
    http://ahmad-mosfer.com/

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مغرب العقلاء و العاقلات
    المشاركات
    3,002
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    أستاذنا الكريم، جزاك الله عنا خيرا .. و لقد أبدعتم بارك الله فيك.



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    أوسع ما قرأته في هذا الباب رسالة ماجستير للأستاذ سهل العتيبي...

    وعنوان الرسالة:

    الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين

    حوالي 500 صفحة
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الأحكام الأصولية لمدح الله تعالى
    بواسطة أحمد بن مسفر العتيبي في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-15-2014, 05:25 AM
  2. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم كتاب الكتروني رائع
    بواسطة Adel Mohamed في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-02-2010, 09:25 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء