إن من دواعي السلوك إلى الله ملازمات كثيرة، بل وطرق كثيرة ومتعددة، وأفضل السالكين من حصل على أفضلها وأرفعها وأعلاها مرتبة .
فمما قاله العارف بالتوحيد بعد الرسول مما يذعن خواطر الظنون، وبواطن الأذهان علي (ع) : ((رحم الله امرأًً أعدّ لنفسه واستعدّ لرمسه، وعلم من أين وفي أين وإلى أين)) .
فالأين الأول إشارةٌ إلى المبدأ (كان الله ولم يكن معه شيء)، والثاني إشارةٌ إلى عالم الإمكان ووجودك أنت الآن، والثالث إشارةٌ إلى المنتهى ونهاية وجودك كإنسان في عالم الدنيا (( إن إلى ربك الرجعى)) .
ولكن من دقائق ما يشير إليه القرآن في التدبر في آيات الله قوله سبحانه ((سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)) فصلت : آية 53، وهذه الآية تشير إلى رؤية أخرى وهو كون عالم ما بعد الوجود الحالي سيكون مهيئاً للرؤيا بكونه عالمٌ حقيقي، ووجود الموت دليلٌ كافي لنكران أي علة وسبب يرفض وجود ذلك العالم، الذي يتجه إليه الإنسان مجبراً ومرغماً ومضطراً من قبل قوة قادرة، ترغم الإنسان أن يكون شيخاً ومسناً وعاجزاً وميتاً في نهاية المطاف، فالعلل المادية متحقق وهي التي تعجز ذلك الموجود إلى أن لا يكون مريضاً أو عليلاً وميتاً، وفي عالم المعنى نرى ذلك التحول مناط بقوة أخرى تفرض تلك العلل لتجر ذلك الموجود لذلك العالم الآخر .
وبداية السلوك كما قال الرسول محمد : ((تخلّقوا بأخلاق الله))، أي أن تكون أعمالنا موصوفة بكونها متخلقة بأخلاق الله التي وصفها لنا أنبيائه ورسله وكتبه، وبإحاطة معقولة، ومجردة عن غيره .
أنواع السلوك :
1. سلوك وسفرٌ من الخلق إلى الحق سبحانه (أي من أدنى وهو المخلوق، إلى الأعلى وهو الخالق والحق المطلق، يتحلى المخلوق بكيان تكاملي حكيمي متصف بصفات الحق سبحانه) .
2. السلوك والسفر بالحقّ في الحق (أي بالله في الله، بعد الدخول إلى حضرة العبودية لله بكونها قيمة سلوكية تصنع مخلوقاً يستطيع أن يتصف بأخلاق ربه، ليكون في إحاطة الحق بالحق في الحق، وهي معرفة ثانية بعد تحصل السلوك الأول) .
3. سلوك وسفر من الحق إلى الخلق بالحق – يقابل السلوك الأول – (أي الحق سبحانه يتجلى كاملاً للمخلوق بكونه هو الحق، كما هو للأنبياء والأولياء، أي أن يتجلى الحق بأنه الحق سبحانه لا غير، ليبين صفات التخلّق بالحق سبحانه للخلق، وهي مرتبة سلوكية مشتركة من حيث الجنس بكوننا مخلوقات، ومفترقة بالفضل بكون المبلغ بها نبيٌ وولي) .
4. سلوك وسفر بالحق في الخلق (أي سلوك بالله في خلقه، وهو معرفة الحق سبحانه بالحق، أي تجلي المعرفة بالله واضحة ظاهرة بلا شكٍ ولا ريب، ففي هذا السلوك يستقر المخلوق عند خالقه بكونه هو الحق الذي كانه ينشده في بحثه وتطلعاته وفكره وقصده ومقصوده) .

لذا فالمخلوق يتجه دائماً إلى عالم الأمر، عالم العقول والأرواح وهذا في قوله تعالى ((ألا له الخلقُ والأمر)) الأعراف : 54، وقوله تعالى ((قل الروحُ من أمر ربي)) الإسراء : 85، وإنما جعلت الروح من أمره كما يقول العرفاء (لأنها وجدت بأمر الحق تعالى، وبلا واسطة مادة ومدة، إذ يكفيها مجرّد الإمكان الذاتي في قبول فيض الوجود بلا حاجة إلى الاستعدادي)، أي كانت مستعدة للوقوع في المخلوق بأمر أقوى من نفس المخلوق، وبلا حاجة إلى أن يكون المخلوق مستعداً لقبولها أو لا، لأن إلزام الروح في المخلوق إجباراً واضطرارا، كإلزامها في الخروج إجباراً واضطراراً .
أي كون المخلوق مخلوقاً ليس بإرادةٍ هو أرادها، ولا بعلمٍ هو تعلمه، بل لم يكن شيء حتى أصبح شيئاً، ولم يكن مريداً حتى أراد لنفسه أن يكون هكذا، بل إرادة الله جعلته مخلوقاً شريفاً وعظيماً دون سائر المخلوقات .