معلوم أن الملحد بصفة عامة يدعي أنه ليس هناك دليل على وجود الله عز وجل .
ولا يمكننا أن ننكر أن منهم من لم يتوصل عقليا إلى وجوده ، بل يعتبر الكثير ذلك إشكالية فلسفية بالغة التعقيد.
حتى صرنا نسمع بالباحثين عن الحقيقة وغير ذلك ، وربما قضى الواحد حياته كلها بحثا عن الأدلة.
بل في تاريخنا الإسلامي نفسه نجد سلمان الفارسي رضي الله عنه قضى مدة طويلة في البحث في الأديان قبل أن يدخل في الإسلام.
و أشهر الملحدين في القرن المنصرم - أنتوني فلو ، وهو فيلسوف دافع عن الإلحاد طيلة عمره - ظل يبحث حياته كلها حتى وصل لدليل فصار مؤمنا بالله.
فلو فرضنا جدلا أن هذا الباحث لم يهتدي بعقله والوسائل المتوفرة لديه إلى دليل يقيني على وجود الله ، هل يسمى كافرا ؟
وكيف يكون كافرا ، والكفر أصلا مرادف للجحود واستكبار عن الحق بعد ظهوره ؟
قد يقال أن دلائل وجود الله تعالى ظاهرة ، لكن مع ظهور النظريات الحديثة ونعيق الاحتمالات والأكوان المتوازية وكثرة الكلام عن نظرية التطور قد يضل العامة - أو حتى الخاصة في بعض الأحيان - عن ذلك فيحسبون فعلا أن هاته النظريات كفيلة في الإتيان بالكون ، فلا يجدون دليلا واضحا "سريعا" يدفعهم للإيمان بوجود الله تعالى.
ولو كانت هذه الدلائل ( العقلية ) بهذا الوضوح فلماذا يوجد الإلحاد أصلا ؟ نعم لا ننكر أن منهم من يستكبر لكننا نقصد المخلصين في بحثهم.
إن اعتبار الحقيقة الدينية حقيقة عقلية مستحيل ، لأنه لو قلنا لأي إنسان في العالم أن القسمة على صفر مستحيلة لما شك في ذلك ولما أنشأ مذهبا كاملا مخالفا لهذه البديهة . فلو كان وجود الله تعالى نظير ذلك في الوضوح لما وجدنا مذهب الإلحاد أصلا.
فهل نقول من هنا أنه ينبغي الدعوة إلى الله على أساس الإيمان به انطلاقا من القرآن ومعجزاته ، بدلا من الوصول العقلي إلى وجوده ؟
ولو فرضنا جدلا أن الإثبات العقلي هو الأفضل فلا بد من المرور بشيء من علم الكلام . وهذا الأخير - الذي يحاول التسوية بين الحقيقة الدينية و الحقيقة العقلية - ذمه السلف ، وضل فيه الخلف. وكثيرا ما يزيد الأمور تعقيدا بدل تبسيطه في ذهن العامي الذي يبحث عن وجود الله ، بل نجد اعترافات لعلماء كبار لم يخرجوا بنتيجة من علم الكلام إلا مزيدا من الحيرة والريبة والشك .
منهم أبو حامد الغزالي - رحمه الله - : انتهى آخر أمره إلى الحيرة في المسائل الكلامية ، فأعرض عن هذه الطريقة وأقبل على أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : قال في كتابه : نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا .
ومنهم محمد بن عبد الكريم الشهرستاني : قال : لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم - فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم .
ومنهم أبو المعالي الجويني : قال : لقد خضت البحر الخضم ، وخليت أهل الإسلام وعلومهم ، ودخلت في الذي نهوني عنه ، فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجوني ، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي.
فهؤلاء أئمة العلم وجهابذته لم يخرجوا بنتيجة تذكر ،و لم يجد أوسطهم طريقة مخرجا من هذا الضلال إلا العودة للحديث النبوي الشريف .
فكيف يدعي مدع أن الوصول إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون عقليا ؟
ألم يضل الكثير في ذلك ؟ ألم يكد الغزالي نفسه على عبقريته وتضلعه في العلوم يضل بسبب هذا ؟ فكيف بعامي من الناس ؟ وكيف بملحدي هذا العصر ؟؟
ولكي نبسط المسألة : هل الملحد المخلص في بحثه يعتبر كافرا مصيره النار لو مات على مذهبه ؟
أنتظر الإجابة.
تحياتي.
Bookmarks