النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الأحكام الفقهية لاستخراج الكنوز المحصنة بالجن

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    الدولة
    http://ahmad-mosfer.com/
    المشاركات
    118
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الأحكام الفقهية لاستخراج الكنوز المحصنة بالجن

    الأحكام الفقهية لاستخراج الكنوز المحصَّنة بالجن
    قبل أيام في شمال بلاد الحرمين أطلعني أحد الإخوة الرحالة على صندوق صغير من الفضة البائدة تم استخراجه من دفائن تحت الأرض عبر قناة شجر الرُّمان التي تستخدم في البحث عن الكنوز الأرضية والتي يستخدمها ويتقنها الخبراء وأهل التنقيب عن الآثار .


    وقناة شجر الرمان من الوسائل العديدة التي اخترعها الهواة والرحالة للبحث عن المياه الجوفية والدفائن والكنوز المطمورة والمعادن والأواني تحت سطح الأرض ، بطرق خفية لا يعرفها إلا من علَّمه الله لطائفها .
    ويوجد الآن أجهزة حديثة للكشف عن المعادن في باطن الأرض والتعرف على حجم دفائنها وصفتها بشكل تقريبي .



    والدفائن في باطن الأرض لا حصر لها في الجزيرة العربية والهند وروسيا والصين وأوروبا وغيرها . واستخراجها من علامات الساعة كما في المرفوع : " تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأُسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول في هذا قُتلت ، ويجيء القاطع فيقول في هذا قُطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قُطعت يدي ،ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا " أخرجه مسلم .


    والمال عند الفقهاء ما يميل إليه الطبع ويمكن ادِّخاره لوقت الحاجة ، وهذا التعريف مطابق لمسألة الدفائن في جوف الأرض . وقد اشتهر عن الامام الشافعي ( ت: 204هـ )رحمه الله تعالى قوله : " لا يقع اسم المال الا على ماله قيمة يباع بها وتلزم مُتلفه " .


    وبعض الناس يظن أن الكنوز المخفية للأمم الماضية لا يجوز استخراجها أو التنقيب عنها وهذا فهم غير منضبط ، لأن المال إن لم يكن له صاحب ومالك حاضر فهو لقطة ، وإن كان مالاً مدفوناً منذ عهد الجاهلية فهو ركاز .


    وهذا كله يعرف بعلاماته والكتابات الواضحة فيه أو من جهة أهل الخبرة .
    والمال المخفي في باطن الأرض مما لا يقع تحت ملك أحد يجوز الانتفاع به حتى يثبت عكسه ويظهر له مالك ، فيُردُّ إليه .


    ولعل من حكمة الله تعالى في إخفاء آثار الأمم البائدة أن يتأمل الناس في ضعفهم وعجزهم ، وأن الله تعالى غني عن خلقه وقدير على بعثهم وإحصاء أعمالهم فهو سبحانه لا تخفى عليه خافيه ، والدليل الحسي أنه أبقى كنوزهم وحفظها آلاف السنين . والمتاحف العالمية اليوم من الحجج التي أقامها الله على العباد لمعرفته والخضوع لعبوديته .


    *وهذه خلاصة نافعة في تأصيل هذه المسألة وتقعيد أحكامها :
    1 - طلب الأموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي :
    وقد قرر هذا المعنى العلامة ابن خلدون ( ت: 818هـ ) رحمه الله تعالى .
    وعلة ذلك أن السلف لم يتتبعوها على الرغم من فقرهم وحاجتهم للمال ، ولأنه من ضعف التوكل أن يُطلب الغائب ويترك الحاضر مما يمكن تحصيله بالعمل والكدِّ والسعي . وعمارة الأرض تكون بالسعي في أعلاها لا في جوفها. والقاعدة عند الأصوليين أن الزيادة على الواجب إذا لم تكن من لوازمه فإنها لا تكون واجبة .


    2- لا حرج في استخراج الدفائن مما ليست تحت ملك أحد :
    ويتضح هذا المعنى من إذن الله تعالى بالانتفاع بالركاز ، فما أبيح أصله جاز الانتفاع بفرعه إلا ما خصه الدليل . وقد قال الله تعالى : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " ( البقرة : 29 ) لكن بحدود الشرع وضوابطه .
    وفي آية سورة الكهف في قصة الغلامين ما يدل على الإباحة.
    قال الله تعالى : "
    :"وَأَما الجِدَار فَكَانَ لِغلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَه كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلغَا أَشدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ "( الكهف : 82 ) .


    ولأن المال إما مال معصوم له حرمة وملكية ، وإما مال ملتقط فيعرَّف حتى يعود أربابه ، وإما مال قديم ترجح أنه لا ملكية له فينتفع به لأنه من أرزاق الله في أرضه التي وضعها في مناكب الأرض .
    والمال لواجده وليس للدولة منه شي إن كان في أرض الواجد ، لأنه مال الله وليس من حقوق العباد التي تعاد إلى صاحبها أو للحاكم . وقد قال الله تعالى " " ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف " ( النساء : 6 ) . وهذا مال غير مغصوب ولا مستولى عليه ولا محجور عليه فيكون لواجده الحاصل عليه .



    وإن كان المال في خلاء بعيد الناس وليس مرفقاً عاما تم تخطيطه للإنتفاع به فيلحق بما سبق فيكون لواجده . وإلا فيخرج خُمسه لبيت المال للخروج من شبهة المُلك .


    3- الاستعانة بالجن لا تجوز على القول الراجح :
    من العلماء من أجاز الاستعانة بالجن لحفظ الأموال والحماية من الآفات وعمل الخير ، لكن الراجح هو المنع ، لأن الجن في الغالب لا يخدمون من ينتفع بخدمتهم إلا بإيقاع محرم أو كبيرة . قال الله تعالى " وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقا " ( الجن : 6 ) . وبعض الناس يستعين بسحرة ومشعوذين للتقرب إلى الجن بالذبح لهم للحصول على الدفائن والكنوز ، وهذا شرك بالله لا يفلح صاحبه ولا يسلم من الإثم .


    4- استخراج الدفائن يوجب اخراج خمسها إن لم تكن لقطة :
    ما عُرف أنه من أموال الإسلام فهو لقطة ولا حرج في الانتفاع به ، لأنه رزق ساقه الله لواجده . وما عرف أنه من أموال الجاهلية فهو ركاز يخرج فيه الخمس ، ولواجده أربعة أخماسه . وفي المرفوع : " ما كان في طريق مأتي أو قرية عامرة فعرِّفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإلا فلك ، وما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " أخرجه النسائي بإسناد صحيح .

    5- حراسة الجن للكنوز عادة قديمة عرفها السلف والخلف :
    يُضعِّف كثير من الناس القصص القديمة والحديثة لحراسة الجن لدفائن الأرض ، والصحيح رجحان ذلك لتواترها وثبوتها في الأثر .فقد ثبت أن زيد بن أسلم رضي الله عنه استعمل على معدن لبني سليم، وكان معدناً لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن، فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان، وأن يرفعوا أصواتهم به، ففعلوا فارتفع ذلك عنهم حتى اليوم . رواه ابن عبد البر بإسناد صحيح .

    6- التقرُّب للجن بعمل بدعي لاستخراج دفائن الأرض محرم شرعا :
    والعلة في التحريم أن الجن غائب فلا يجوز الاستغاثة بغائب ، وهم مخلوقون لا يملكون نفعا ولا ضراً . ومثلهم السحرة المجرمون والمشعوذون المتذلِّلون لغير الله تعالى . والذهاب إلى الكهنة والسحرة من قوادح التوحيد كما هو معلوم . وقد أنكر الله تعالى أن يسوِّي بين المختلفين وأن يفرِّق بين المتماثلين . وهذه قاعدة عقدية لا جدال فيها .


    7- علاقة الجن بالزئبق خرافة يُروِّج لها السحرة والمشعوذون :
    يعتقد بعض الناس أن الجن يعشقون الزئبق الأحمر ، لإعادة شبابهم وقوتهم ، وهو قول ساقط لا حجة له ، ولم يعرف الأوائل الزئبق رغم عنايتهم بالكيمياء ، والزئبق الأحمر خرافة لا وجود له .وقد روَّج لهذه الخرافة بعض التجار لتصريف البضائع العتيقة .


    8- انتفاع الجن بالذهب بعد مئة سنة قول باطل لا أصل له :
    يظن بعض الناس أن الجن ينتفعون بالذهب بعد قرن من الزمان ، ولا يوجد في الشرع ما يُقرِّر هذا المعنى ، فيكون من حكايات الإخباريين التي لا يصح الاحتجاج بها . وهذا الانتفاع وصف طردي لا يجوز الاستدلال به عند جمهور الأصوليين .

    9- نبش القبور الخاصة بالأمم القديمة لاستخراج كنوزها جائز شرعًا :
    ودليله ما رواه عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر : "هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " ، فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن . أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .
    وقد اتفق أكثر الفقهاء على أن ما ظهر من مال أو كنز من قبور أهل الجاهلية فهو ركاز ، وما ظهر من قبور أهل الاسلام فهو لقطة . فتكون هذه القاعدة مخصصة لما سبق . أما قبور أهل الإسلام فيحرم نبشها أو العبث بها .
    لكن تتبع الدفائن في المقابر ونحوها من المصالح المسكوت عنها ، فيكون المكلف مأموراً بمقاصد الشرع من غير إهدار لمنفعته العامة .


    10- إذا غلب على الظن حصول أذىً بسبب البحث عن الدفائن فيجب تركها:
    فقد تواترت الأخبار بحصول الأذى والضرر لمن يُسلِّط نفسه على مال غيره ، لأن دفائن الأرض مسكونة بالجن ولا يمكن تحصيل ما فيها إلا بضرر متحقِّق ، ولم يكلِّفنا الله بالسعي لبذل العافية مقابل الحصول على مال غائب في الأرض لا يعلم نسبة ادراكه . وقد تقرر عند الأصوليين أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة إذا لم يكن ضررها بالغاً .
    هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

    أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
    عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
    __________________

    مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
    http://ahmad-mosfer.com/

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    جزاك الله خيراً على هذا الموضوع، ولزيادة الفائدة للقراء أنقل إحدى مشاركاتي السابقة والتي حاورتُ فيها أحد الأشخاص في مسألة الاستعانة بالجن واستخراج الكنوز - وهي بلية ابتلي بها الرقاة حتى أصبحوا عاجزين في كثير من الأحيان عن حل السحر - ، أضع منها ما يحقق الغرض :

    رابعا : لا أعرف أحدا من أهل العلم من المتقدمين قال بجواز الاستعانة بالجن في الأمور المباحة، أو قام بذلك، ولم يعرف هذا القول إلا عند بعض المتأخرين - وهو عندهم جائز مع الكراهة - وأن من يستعين بهم هو متوسط الصلاح والإيمان، ووضعوا في ذلك شروطا منها أن يكون المستعين بهم من أهل العلم والصلاح الذي يأمن فتنتهم، وأن ذلك لا يكتسب بالسحر ولا بأضرابه إنما من قبيل الصدفة التي لا يتوقعها الإنسان كأن يعرض عليهم أحدهم ذلك، أو أثناء الرقية لإبطال سحر بعيد المنال وأضرابه.، وأن يكون متيقنا من صلاحهم وإسلامهم... كما أني نظرت في بعض ما جاء في التراجم أن بعض أهل العلم جرت على أيديهم مثل هذا فرأيت ذلك منقسم إلى أقسام :

    - مرويات منقطعة السند أو ساقطة لا تصلح.

    - مرويات تتناول أحداثا لم يقصدها المقصودون ومن باب الضرورة كفقيه مرض في بيته وكان وحيدا واستحلف الجن المسلم أن تناوله آنية فتحركت الآنية إليه دونما رؤيتهم، أو جني تمثل بصورة عالم مسجون ظهر للولي الظالم ليغيظه دونما مشاورة للعالم نفسه وأضرابها .

    - مرويات تدل على كرامات ربانية لكن لا يعرف هل للجن يد في ذلك أم لا، كفقيه فقير يجد مالا في بيته أحيانا، أو أحد أهل الصلاح يتعرض له السراق فيتعرضون للأذى وغيره، أو للاستيقاظ لصلاة الفجر إن غلب عليهم النعاس ولم ينهضوا وأضرابه وذلك لا يجزم بكونه فعل الجن إنما قد يكونون من الملائكة أو من البشر أنفسهم وغيرهم ..

    وقد فرق المجيزون بين الخدمة والاستعانة، وحملوا ذلك على الضرورة وليس كما يسوق له من يهوى استخدام الجن في زماننا ..

    وهذا الرأي بجملته رأي ضعيف جدا ولا يعرف عن أهل القرون الأولى من العلماء الكبار والفقهاء النابغين، وليس له دليل يعضده من الشرع بل كله حرام كما سأبينه .

    خامسا : أن قياس صلحاء الجن على صلحاء الإنس قياس مع الفارق، والأصل في الجن مخلوقات لها عالمها الخاص، وهي تميل إلى عدم خدمة الإنس ومساعدتهم، ولم يعرف هذا المقصد إلا من إبليس وأعوانه فإنهم يخدمونهم لغرض بث الفتن وإفساد الدين على عقيدة العامة، وحديث التحجير الذي استشهدتُ به سابقا دال عليه، بحيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الجن المسلم إن حجرت عليه ابتعد عن التشكل والظهور ومخالطة الإنس، وأن صفة المخالطة والتشكل إن وقعت بعد التحجير فإن الجن حينها كافر شيطان له خبيئة سوء من ذلك وأجاز في قتله .
    ومن ذلك أنه ما سمعنا أن الجن عاونت النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين، وهاهم إخواننا يلقون الويلات من الكفار في فلسطين وغيرها وما سمعنا عن جني قاتل مع المسلمين أو أسقط طائرة أو دبابة، والنصرة والجهاد واجب على الجن المسلم كما الإنس، فدل ذلك أن للجن عالمها الخاص وحروبها الخاصة وجهادها الخاص، فكما أنه لم يعرف قتال الإنسي في صف الجن فالعكس صحيح .ولم يأذن الله تعالى للعالمين بالاختلاط .

    ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وغيرهم لم يستعينوا بالجن ولا طالبوهم بذلك، وقد اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم مع الجن المسلم بغرض تعليمهم وتفقيههم، ولم يطلب منهم ذلك ولم يخبر صلى الله عليه وسلم أنه عرض عليه أحدهم ذلك .. فدل أن الاستعانة بهم متروكة غير مأمور بها .وأن الأصل المنع .

    ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الجن الكافر والشياطين من صفاتهم الأساسية الكذب، وثابت أنهم دلسوا على الناس وأوهموهم كذبا بالصلاح والورع، فقد يدعي أحدهم الإسلام وهو ليس كذلك بغرض استدراج المسلم رويدا رويدا إلى مهلكه، ومن ذلك ما يحكيه بعض أصحابنا الرقاة من طلبات الجن الشركية وقد ادعوا الإسلام، فقال أحدهم أن جنا مسلما كانوا يساعدونه أولا دونما مقابل لوجه الله تعالى، لكن شتان ما بدؤوا يستدرجونه شيئا فشيئا، حتى طلبوا منه ذبح شاة كل عام لهم حتى يصيبوا من لحمها، فجاء يستفتي أهل العلم فنبهوه إلى هذا بأنه استدراج للتقرب إليهم عبر الذبح ومعلوم حرمة ما أهل به لغير الله .. ومنه أن بعضهم روى لنا أنهم كانوا يتتبعون الكنوز، فتعثروا في الحفر وظهر لهم المانع فكانوا كلما اقتربوا من نيل الصندوق أغمي عليهم وناموا إلى الصبح، فسألوا الجن المسلم فأخبرهم بأن هناك ماردا قويا يحرس الكنز ولا يقدر عليه، إنما يدلهم علة الطريق لهزمه فأخبرهم بأن يشتروا بخورا لأن حارس الكنز يحب الطيب !! وأن يكتبوا ورقة بها بعض الآيات القرآنية وبعض الأسماء ك يا "بدوح بحق برقان اقض على الجان " وأمثاله فلما سألوه عن الغاية قال لهم بأن الجني الحارس له أصل يهودي وأن بدوح اسم من أسماء الله التي يعرفها الجن، وهي بالسريانية وأن برقان هو نبي من اليهود، فشك أحدهم بذلك وقرر ترك الأمر فاستكملوا هم القضية، وكان التارك يعرف يهوديا من أهل المغرب اشتغل بالسحر زمانا فأسلم، فأخبره بما وقع فقال له بأن تلك أسماء للجن ولا وجود لها في اللغة السريانة أو العبرية، وأن الجن المسلم استدرجهم للشرك ..

    وأضراب هذه القصص كثيرة يسأنس بها، فدل على أن الجن الكافر يستغل رغبة الإنسان وطمعه لكي يهلكه، فهو يستعمل ذلك كمدخل لكي يفسد عليهم دينهم، وقد علم أن سد الذريعة أصل من أصول الفقه، وأن الذريعة المفضية للحرام تسد، فمن هذا الباب نرى حرمة الاستعانة بالجن ولو في أعمال الخير، لأن الساحر أيضا يفك السحر عن طريق الجن، وفك السحر في أصله من أعمال الخير لكنها آتية عبر الشر، ومن ذلك أن الكهان يقصدهم الناس إذا فقدوا شيئا أو سرقت لهم، فيقصدونه فيخبرهم عن موقعها عبر جن طائف باحث، فجنس إرشاد الناس للسارقين وأضرابه طيب لكنه آت من شر وعن شر.. وكانت تلك دائما ذريعة للشياطين حتى يفتنوا الناس بأن غرضهم الحلال والمساعدة وتقديم المنفعة .

    ومن الأدلة على حرمة الاستعانة قول الله تعالى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } وهنا أخبر القرآن أن هناك رجالا من الإنس كانوا يطلبون العون ويلتجئون للجن، ومن ذلك ما كانت تفعل العرب في الجاهلية إذا نزلوا في واد مهجور موحش يستعيذون بكبير الجن حتى يلجم أتباعه من أذيتهم، فلما رأت الجن أن لها فضلا على هؤلاء وأنهم أصبحوا يستعينون بهم في السراء والضراء زادوهم رهقا أي تجرأت عليهم فأضلتهم وزادتهم خوفا وإرهابا وذعرا.

    وقد ذكر بعض التائبين من السحر أنهم لشدة تعلقهم بالجن كانوا حينما تلم بهم المصائب يطلبون عونهم، سواء إن هاجمهم قطاع الطرق أو مناوشات مع الشرطة وأضرابه، فدل كل هذا على أن الاستعانة بالجن تزيد الرهق وأنها ممنوعة .

    ومنه قول الله عز وجل : { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

    والاستمتاع معناه تحصيل المنفعة والشهوة من بعضهم البعض، فثبت بنص الآية أن الاستمتاع بالجن من صفات أوليائهم، والتنزه عن هذه الصفة من أهل الإيمان هو الأصل، وليس السعي والطلب .

    ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ ] وقد مر بنا هذا الحديث سابقا، وقلنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الصحابة بعدم قتل الحيات إلا بعد التحريج مخافة أن يكون من الجن ودل على هذا رواية أخرى تقول : [ أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ قَتَلَ حَيَّةً فِي بَيْتِهِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ] - صحيح مسلم بشرح النووي -

    فدل أن الأصل في الجن المسلم عدم الاتصال بالإنس وتوقيرهم بعكس كفارهم وشياطينهم، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأن التحريج والإنذار كفيل بثني الجن المسلم عن الظهور، فإن عاود فالقتل مأذون به لأنه في تلك الحالة شيطان كافر له مآرب من مضايقة الإنس . فدل هذا على عدم الجواز بالاستعانة وبناء العلاقات معهم .

    ومن الأدلة طبعا عموم الآيات والأحاديث الدالة على الاستعانة بالله تعالى وعدم توجيهها للمخلوقات الغيبية مع تفصيل ...

    ومن الأدلة على عدم جواز الاستعانة بالجن عدم أمر الشرع به والإرشاد إليه، ومعلوم أن كل خير أرشد إليه الشارع، وأنه لو كان في الاستعانة بالجن خير لأمر به بل لرفعه إلى الوجوب عند الضرورة، وهذا لم ينص عليه، بالرغم من أن الاستعانة بالجن المسلم قد تكون له مصالح منها سحق المسلمين لعدوهم، والانفتاح على استكشافات جديدة وسرعة السفر من مكان لآخر، ونقل الأثقال الكبيرة والأبنية دون هدمها وغيره، فبالرغم من كل هذا لم يُرشد الشرع إليه لأن حجم المفاسد المترتبة أكبر من هذه المنافع .
    التعديل الأخير تم 02-21-2014 الساعة 02:07 AM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مجموعة الأحكام الفقهية المختصرة كتاب الكتروني رائع
    بواسطة Adel Mohamed في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-04-2014, 07:32 PM
  2. الأحكام الفقهية للتصويت في الإنترنت
    بواسطة أحمد بن مسفر العتيبي في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-24-2014, 08:18 AM
  3. الأحكام الفقهية لبرنامج حافز
    بواسطة أحمد بن مسفر العتيبي في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-04-2014, 12:27 AM
  4. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم كتاب الكتروني رائع
    بواسطة Adel Mohamed في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-02-2010, 10:25 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء