بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين .. وبعد ..

كل مسلم يحمل همَ الإسلام ، يحمل هم قيامه في نفسه وقيامه في اهله وذويه ، ويحمل هم قيامه في الأمة الإسلامية بل و كل البشر .

وكما نرى ضعف الأمة الإسلامية و اختلاط مفاهيمها واضطرابها ببعضها واختلافها على سبل الخروج من هذا الضعف اختلافا زاد الامة ضعفا إلى ضعفها واغرى اعداء دين الله لإثارة النعرات والخلافات بين القائمين على تبليغ دين الله .

لابد لنا قبل ان نبدأ بمعرفة مقامات تبليغ الدين ان نعرف الفرق بين القائمين على تبليغ دين الله من غيرهم.
إن كل من شهد انه لا إله إلا الله فهو امة الإسلام ، فمنهم المصلي ومنهم العاصي ، ومنهم التاجر والمزارع ، ومنهم طالب العلم والعابد ، غير ان اكتفاء الإنسان بنفسه يبقيه شخصا عاميا ، مهما كان لديه علم او زهد او مال او نسب او ... الخ
اما الشخص الذي لديه جهد لإيصال دين الله إلى غيره فهو المعني بهذا الأمر ، وهم المسمون في المصطلحات بالإسلاميين ، او الناشطين الإسلاميين ، ومنهم تنشأ الحركة الإسلامية ، ومنهم من يقوم بهذا الجهد فردا ، ومنهم جمعيات وجماعات ومنظمات واحزاب تقوم على تبليغ دين الله لخلقه .
وعلى هذا قام الفرق ، فلا يستوي من اكتفى بإسلام نفسه وأهله بمن يسعى لإقامة دين الله بين البشر .

فوائد معرفة مقامات نشر الإسلام :

مقامات نشر الإسلام معرفتها تفيد في :

ـ معرفة كيفية إنشاء وإدارة وتنشيط الحركة الإسلامية
ـ معرفة الجهد المناسب العمل به في الأحوال والازمان وإمكانات المختلفة
ـ القدرة على العمل بكل الجوانب المؤدية إلى النهوض بالأمة ونفض الغبار عنها وقيام الامة بمهمة تبليغ الإسلام إلى كل الجنس البشري
ـ معرفة اخطاء الافراد والمنظمات والجمعيات العاملة في تبليغ الدين ، واسباب اختلافها رغم اتفاق جميعهم على صحة ما يقوم به الفرد او الجمعية الاخرى من عمل لدين الله


التمييز بين الخصوص والعموم في العمل الإسلامي :

مقامات تبليغ الدين كثيرة ، غير ان ابرزها واهمها : مقام الدعوة إلى الله ، و مقام الجهاد في سبيل الله ، ومقام الحسبة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر).

في عامة الكلام فإن هذه المقامات تؤدي نفس المعنى ، فالدعوة إلى الله هي جهاد ، ففيها من بذل الجهد ومجاهدة النفس ما قد يكون أسهل من القتال في سبيل الله.
والدعوة إلى الله حسبة ، فبدعوة الكافر إلى الإسلام فإنه ينتهي عن اعظم منكر وهو الكفر ، ويأتمر بأعظم امر وهو التوحيد.
وكذلك الجهاد هو دعوة إلى الله وحسبة ، وكذلك الحسبة هي دعوة وجهاد.

لكننا عندما نريد التطبيق الفعلي فيتوجب عليها التوقف عن الاخذ بالمعنى العام ، ويكون اخذنا بالمعنى الخاص لكل مقام.
وفي هذا تجد بعضهم يحرص على الاخذ بالمعنى العام ليتهرب من بعض المقامات ، فيفسر الدعوة إلى الله بأنها حسبة حتى لا يقع في عبئ الدعوة وارتباطاتها ، ويفسر الجهاد بالدعوة إلى الله حتى لا يقع في عبئ القتال في سبيل الله وتبعاته ، ويفسر الحسبة على انها الجهاد في سبيل الله لأنه وجد ان سبيل القتال اهون من سبيل انكار المنكرات.

هذا بلا شك اتباع للهوى ، وقد حذر الله سبحانه من مثل هذا الفعل بقوله : ((هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)) آل عمران 7

ولهذا فيجب علينا ان نفهم هذه المقامات بمعناها الخاص ومعرفة انها كلها تؤدي إلى معنى عام وهو نشر دين الله في كل العالم وتبليغه لكل البشر .

التعريف بالمقامات :

ــ مقام الإفتاء :

وهو جلوس من لديه العلم للفتيا والإجابة عن اسئلة السائلين عن أمر دينهم ، وفقدان هذا المقام يؤدي إلى فشو الجهل والشبهات بين المسلمين

ــ مقام التعليم والتدريس:
وهو قيام من لديه علم بتدريس العلوم الشرعية ، وهذا المقام يرسخ المسلمين على دينهم ويرفع الجهل ، ويؤدي إلى خروج نخبة من طلبة العلم

ــ مقام الخطابة :
وهو قيام من لديه الفصاحة و القدرة في التأثير بإلقاء الخطب على المنابر وفي المجالس وكافة السبل التي يمكن فيها إلقاء الكلام المؤثر على المسامع ، وهذا المقام من شأنه ترقيق القلوب ونشر الموعظة و نشر المفاهيم الإسلامية الاساسية

ــ مقام الدعوة إلى الله :
أهم مقام على الإطلاق ، وأكثر مقام اهمله المسلمون اليوم ، وهو اساس لمقامات أخرى لا تقوم إلا به ، ويفترض في كل مسلم ان يكون لديه سلوك الدعوة إلى الله ، وان يكون هذا المقام هواية يمارسها المسلم الملتزم في كل اوقاته ، وتقوم الدعوة إلى الله على مخالطة الناس والتلطف بالكلمة الطيبة والتواضع والاخلاق الرفيعة ، حتى يسلم الكافر ويستقيم العاصي عن قناعة عقل وتأثر قلب .

ــ مقام الجهاد في سبيل الله :
ويقصد به القتال الذي يكون لرد صائل او لطلب بلاد لم يبلغها الإسلام ، وهو قوة الإسلام وشوكته الضاربة ، ورايته مرفوعة إلى ان يرث الله الارض ومن عليها ، غير انه يقوى ويضعف وينتشر بحسب احوال المسلمين ووعيهم وتمسكهم بدينهم .

ــ مقام الحسبة :
يقصد به الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي يُنهى به العاصي عن معصيته ويؤمر الناس بالعمل بالمعروف ، أي انه إذا شوهد عاص على معصية أن يؤخذ على يده وينكر عليه باليد او اللسان.
وهذا المقام هو سفينة النجاة للمجتمع الإسلامي ، وسبب بقاءه وسلامته ، فإذا تخاذلت الامة عن هذا المقام نزل العقاب على الصالح والطالح.

ــ مقام المناظرة :
يقصد به مجادلة ومحاججة المخالفين من اصحاب البدع والأهواء وملل الكفر.
وينبغي لهذا المقام أن لا يخوضه إلا من لديه علم في احوال مذهب الخصم.

ــ مقام الإنفاق في سبيل الله :
وهو إنفاق المال فيما يؤلف القلوب على دين الله ، وفيما يخفف البلاء عن كل ذي بلاء من المسلمين.
ذلك أن الانفس جبلت على حب المال ، وكثيرا ما يعمل القليل من المال في النفس ما لا تعمله الكثير من الكلمات والمواعظ ، وذلك مشروط بأن ينفق فيما يخدم صالح الدين

ــ مقام التأليف والكتابة :
وهو وسيلة مهمة لحفظ الدين وتبليغه ، ويقصد به تأليف الكتب والكتيبات و كتابة المقالات ، ويدخل ضمن هذا المقام عمل المواد السمعية والمرئية .

ــ مقام النشر :
يقصد به نشر الكتب الدينية وكذلك كل ما هو في حكمها من صوتيات ومرئيات.
وهذا المجال متاح للجميع لتبليغ دين الله ، إلا انه قليل الجدوى في اوساط العصاة والعوام.

ــ مقام التوجيه والإرشاد :
وهو توجيه من يرغب وإرشاده إلى من يفتي ويعلم ، ومن امثلتها الإرشاد إلى هواتف العلماء وإلى حلقاتهم ودروسهم وخطبهم ، وإلى الشيخ المناسب في المجال الذي يبتغيه الراغب ، ويدخل ضمن امثلته هذا المقام وضع الملصقات التي تدل على القبلة والبرامج التي تدل على اوقات الصلاة.

ــ مقام المجاهرة بالشرائع :
من اهم المقامات ، وهو ان يجاهر العامل لدين الله بأمر من الاوامر عندما يندثر أو يتهاون فيه الناس ، وهو من اعظم مقامات حفظ الدين ونشره ، وأهل هذا المقام هم الغرباء الصابرون ، إذ ان إحياء ما اندثر من السنن ليس بالامر السهل.


ملاحظات مهمة :

ــ لن تنتصر الامة إلا إذا قامت بأداء جميع مقامات تبليغ الإسلام
ــ يمكن ان يقوم بالمقام الواحد فرد او مجموعة ، والعمل الجماعي خير وأنفع
ــ ينبغي العمل بالمقامات وفقا للإمكانات ، ووفقا لحال الزمان والمكان ، يؤخذ في ذلك إمكانات المبلغ والمستهدفين في العمل ، وترتيب المقامات وفقا لذلك ، وإذا تعارض مقامان يؤخذ بأكثرهما نفعا فيما يخص ذلك الحال
ــ مقام الدعوة إلى الله هو اهم مقام ، يجب ان يتعلمه العاملين لدين الله ، وهو الكفيل بإحياء بقية المقامات بإذن الله ، ينبغي لكل عامل أن يحمل همه ويتعلمه وتيدرب عليه ، لا سيما دعوة العصاة والعوام والغافلين وغشيانهم في نواديهم واسلوب التعامل معهم.
ــ أن لا يشاع العمل الإسلامي بين العوام والعصاة ، فهذا خطأ أن يتحدث العامل والمبلغ لدين الله عن هموم العمل الإسلامي وهموم الدعاة والمجاهدين والمحتسبين ، أو ان يأمرهم بالقيام على تبليغ الدين ، بل في المقام الأول دعوتهم حتى ترق قلوبهم ويتقيدوا بفرائض الإسلام وتظهر عليهم علامات الإستقامة ثم يدخلون في مرحلة العمل الإسلامي.


الجماعات الإسلامية ومقامات العمل الإسلامي:

سبب تشكل الجماعات الإسلامية هو اتخاذ فكرة او مجال من الدين لبذل الجهد عليه واتخاذ مقام من المقامات لنشر وتبليغ هذه الفكرة ، وعلى هذا الاساس تنشأ الجماعات وتتوسع.

تتنوع الجماعات الإسلامية السنية ، غير انه يغلب فيها اربعة اتجاهات ، بين سلفية و إخوانية وتبليغ وجهاد.
ويوجد بينها بعض الإنتقادات العقائدية ، لكن على وجه الحقيقة ليست خلافا يذكر ، بل محل الخلاف الحقيقي هو مقامات العمل الذي ترتكز عليه كل جماعة.
كل جماعة ركزت على مجال من الدين وحققت فيه الكثير من الثمرات وقطعت فيه شوطا عظيما ، لكن الخطأ أن كل جماعة باتت تنظر إلى ان من لم يأخذ بأسلوبها في العمل للدين بأنه ليس على شيئ ، ذلك إعجابا لها بما حققته في هذا المقام ، وجهلا بما تحققه الجماعات الأخرى في مقامات لم يكن لها منها نصيب.