لنتفق على أمرين :
1- هل نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن كتابة الحديث لذات الحديث فلا تجوز روايته عنه مطلقا أم فقط عن كتابته و ليس إلا كتابته ؟
2- متى بدأت الكتابة و متى انقطعت و متى استئنفت و ما دواعي استئنافها ؟
1- النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن كتابة الحديث و ليس عن حفظه و وعيه و اسستيعابه و ذلك خشية الإختلاط :
لماذا لم يكن النهي متعلقا بذات الحديث ؟
نعلم جميعا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أهدى الناس سبيلا و أرشدهم قولا و عملا فلم يضل و لم يغوي، لاعتبارات كثيرة في القرآن الكريم نفسه : فهو النبي الرسول خاتم الأنبياء و المرسلين المبعوث للناس كافة رحمة للعلمين، و هو المبلغ عن الله المعصوم من الذنوب كبيرها و صغيرها خاصة فيما يتعلق بالوحي و البلاغ، و هو صلوات الله عليه و سلم لم يكن أبدا ينطق إلا بالحق بكلام الله أو بغيره من الكلام، قال الله تعالى : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4).
جاء في أمهات التفسير لهذه الآيات :
قال الرازي في التفسير : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }
[القلم: 4] إشارة إلى قوله ههنا { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } فإن هذا خلق عظيم، ولنبين الترتيب فنقول: قال أولاً { مَا ضَلَّ } أي هو على الطريق { وَمَا غَوَىٰ } أي طريقه الذي هو عليه مستقيم
و قال القرطبي : وفيها أيضاً دلالة على أن السُّنة كالوحي المنزل في العمل.
قال النسفي في معنى الآية السابقة: وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه، إنما هو وحي من عند الله يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام، ويجاب بأن الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي لا نطقا عن الهوى. اهـ
و قال ابن كثير : وقوله تعالى: { مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } هذا هو المقسم عليه، وهو الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه راشد تابع للحق ليس بضال، وهو الجاهل الذي يسلك على غير طريق بغير علم، والغاوي: هو العالم بالحق، العادل عنه قصداً إلى غيره، فنزه الله رسوله وشرعه عن مشابهة أهل الضلال؛ كالنصارى وطرائق اليهود، وهي علم الشيء وكتمانه، والعمل بخلافه، بل هو، صلاة الله وسلامه عليه، وما بعثه به من الشرع العظيم، في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد، ولهذا قال تعالى: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي ما يقول قولاً عن هوى وغرض { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } أي: إنما يقول ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملاً موفوراً، من غير زيادة ولا نقصان؛
و قال الشوكاني : قوله: { مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } أي: ما ضلّ محمد صلى الله عليه وسلم عن الحق والهدى، ولا عدل عنه، والغيّ: ضدّ الرشد، أي: ما صار غاوياً ولا تكلم بالباطل،
و ما يؤكد الذي ذكرناه من الأحاديث الصحاح التي عمل الصحابة بمقتضاها و لأجلها كانوا يدونون كلامه كما يدونون كلام ربه :.
عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا ! قال: إني لا أقول إلا حقا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
بالإضافة إلى الآيات المتوافرة في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه و سلم و طاعته مع طاعة الله و التسليم لحكمه و قضائه :
قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].
وقال سبحانه وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
إذن :
كان النهي عن الكتابة لسبب وحيد هو : الخوف من حدوث اللبس عند عامة المسلمين فيختلط القرآن بغيره - وخصوصاً في تلك الفترة المبكرة التي لم يكتمل فيها نزول الوحي، و لأن عامة العرب لم يكونوا على علم بالكتابة و الخط، فكانت الغاية تركيز الصحابة اهتمامهم على القرآن و هو الوحي الأول و أصل الأصول حتى لا يختلط و لا يضيع لسببين وجيهين :
الأول : أن العرب كانوا في أول عهدهم بالكتابة أي كانت شيئا جديدا عليهم، و لم تكن هناك آلات طابعة و لا فرز للمكتوب بخط واضح جميل وكانت الخشية أكثر على عوام المسلمين و المسلمين الجدد الذين لم يفقهوا بعد أو يميزوا كلام الله من غيره .. خاصة مع التسليم للوحي و الذي كان سائدا فلم يكن أحد يرد شيئا جاء خبرا عن النبي صلى الله عليه و سلم، حتى إن من الصحابة رضي الله عنهم من كان يكتب الحديث كحواشي لسور القرآن.
الثاني : و هو سبب لم أعثر على من ذكره إلى الآن، أعني الخاصية التي جعلها الله تعالى في القرآن وحده و هي دليل إضافي قاطع على علوه و قداسة مصدره، ذلك أنه أصعب شيء على الذاكرة لحفظه و استيعابه مدة و لو قصيرة دون تعهده و مراجعته خاصة مع كثرة سوره – بالإضافة إلى منزلته العليا بالنسبة للسنة – فهو يتفلت بعد الحفظ – و هذا مجرب مطلقا- بل قال النبي صلى الله عليه و سلم : (تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل من عقلها) رواه البخاري ومسلم.
و كانت للنبي صلى الله عليه و سلم وحده خاصية عدم نسيانه بعد الحفظ لقول الله تعالى : سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى. و قوله جل و علا : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ )
أما أحاديثه صلى الله عليه و سلم فقد كانت أسهل للحفظ حتى على المتأخرين فكيف بالصحابة رضوان الله عليهم الذين كان أكثرهم أوعى لآلاف القصائد و الأشعار و كان الحفظ في تلك الأزمان سهلا متأتيا .. فلم يكن يخشى عليها ما يخشى على القرآن خاصة أن حفظ القرآن بكامله يومئذ قليل بل نادر قبل أن يوفق الله تعالى صحابة نبيه لجمعه كاملا بين دفتين.
و ثمة أمور أخرى شديدة الدلالة على اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بحديث النبي صلى الله عليه و سلم حفظا و ضبطا أيضا لكن لا يتسع المقام لذكرها خشية الإطالة و تجدها و كل قارئ كريم على هذا الرابط :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread...D5%CD%C7%C8%C9
المقصود أن منكر السنة و حجية الحديث و المستند في ذلك إلى حديث النهي عن الكتابة يجعل من هذا النهي أمرا مطلقا و حجة لإنكار حجية الحديث نفسه، و لا يقرنه – لغرض في نفسه - بما عداه من الأدلة التي تظهر حكمة النهي و بالمانع من كتابة الحديث، و أنه بزوال هذا المانع انتفت حكمة النهي و سببه الباعث عليه. كما قلنا بعد إلمام جمع هائل و غفير من الجيل الأول بسور القرآن حفظا و استيعابا و فهما و بعد استيثاق الصحابة من جمع القرآن و أمانهم من اختلاطه في عهد أبي بكر ثم عثمان رضي الله عنهما.
2- متى بدأت الكتابة و متى استأنفت بعد انقطاعها و ما سبب استئنافها ؟
1- كتابة الحديث مطلقا :
الكتابة بدأت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم بدليل نهيه عنها في قوله :
" من كتب عني غير القرآن فليمحه "
و للأحاديث الصحيحة التالية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:" ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فقد كان يكتب ولا أكتب" ( رواه البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم 1/ 313 برقم 113 ولفظ البخاري :" ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمر).
و لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن بعض الصحابة حدثه فقال:"إنك تكتب عن رسول الله كل ما يقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يغضب فيقول ما لا يكون شرعا، فرجع عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قيل له فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:" اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج من فمي إلا الحق "( رواه أبو داود كتاب العلم باب كتابة العلم 10/ 79 برقم 3629 وأحمد 2/162 و الدارمي في المقدمة باب 43).
صححه الألباني
وفي الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه أنه قال في حديث له (وما في هذه الصحيفة) ثم ذكر أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة فيها..
قلنا : إن الصحابة رضي الله عنهم توقفوا فعلا عن كتابة الحديث بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم حتى اكتمال نزول القرآن و حتى يستقر في القلوب و الصحف لا تشوبه شائبة و لا يخالطه شيء مهما كان ذا قيمه لأنه كلام الله رب العلمين. و ذكرنا الأسباب المنطقية لذلك بالتفصيل..
و الجدير بالذكر أن كتابة الصحابة للحديث قبل مجيء النهي كانت أيضا بأمر النبي صلى الله عليه و سلم و ليس فقط عن محض رغبة من الصحابة :
أولا : للحديث الذين ذكرنا و فيه قول النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمر : اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق.
ثانيا : وأخرج البخارى فى صحيحه (112 ، 2434 ، 6880) عن أبى هريرة رضي الله عنه قال لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين فإنها لا تحل لأحد كان قبلي وإنها أحلت لي ساعة من نهار وإنها لا تحل لأحد بعدي فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدى وإما أن يقيد فقال العباس إلا الإذخر فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال اكتبوا لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشاهد قول النبى صلى الله عليه وسلم (اكتبوا لأبي شاه).
2- استئناف كتابة الحديث :
أول شاهد على مشروعية كتابة الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الصحابة في مرض موته:" ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" ( رواه البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم 1/315 برقم 114).
و ماذكروه من كراهة كتابة الصحابة للحديث فذلك لم يكن منهم بإجماع، و إنما باجتهاد بعضهم فكان ممن كره الكتابة عمر بن الخطاب و سيأتي بيان السبب، وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة، كما كرهها بعض التابعين. وأباحها صحابة آخرون باجتهاد كعلي بن أبي طالب وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
و هذا كلام نفيس للأستاذ الجليل قتيبة – عضو المنتدى – حفظه الله يبين فيه متى و ما هي دواعي استئناف كتابة الحديث النبوي الشريف مجددا بعد زمن الصحابة رضي الله عنهم، في رد منه على شبهات حول كتابة الحديث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول جزاه الله خيرا :
لا يوجد نص صحيح عن منع سيدنا عمر بن الخطاب نسخ الاحاديث
وهناك فرق بين الكتابة والتدوين
فكرة تدوين الدولة للسنة قد طرحت في عهد عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وربما كان ذلك بإشارة من بعض الصحابة ، لكن عمر تخلى عن الفكرة بعد استخارة دامت شهرا
عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبنها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا جامع بيان العلم قال :
لم يدونوا الحديث كراهة أن يتخذها الناس مصاحف يضاهون بها صحف القرآن
هذا الرأي من عمر متناسباً مع حالة الناس في ذلك الوقت ، فإن عهدهم بالقرآن لا يزال حديثاً ، وخصوصاً من دخل في الإسلام من أهل الآفاق ، ولو أن السنة دونت و وزعت على الأمصار وتناولها الناس بالحفظ والدراسة لزاحمت القرآن ، ولم يؤمن أن تلتبس به على كثير منهم ، ولم يكن في هذا الرأي تضييع للأحاديث فقد كان الناس لا يزالون بخير ، ولا تزال ملكاتهم قوية وحوافظهم قادرة على حفظ السنن وأدائها أداءً أميناً ،
وهنا شاهد على الاعتماد على الحفظ
عن ابي نضرة قال قلت لأبي سعيد الخدري ألا تكتبنا فإنا لا نحفظ فقال لا إنا لن نكتبكم ولن نجعله قرآنا ولكن احفظوا عنا كما حفظنا نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. سنن الدارمي
و يجب ان تلاحظ ان المسلمين كانوا يعتمدون على الحفظ وليس على الكتابة بدليل ان القرآن كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يدون الا في عهد سيدنا ابوبكر لاسباب و هي مقتل عدد من خفظة القرآن لاحظ حفظة القرآن في حروب الردة فتم جمع القرآن وحفظت النسخة لدي سيدنا ابوبكر ولم توزع لان المسلمين كانوا يحفظون القرآن وانتقلت النسخة الي سيدنا عمر بعد وفاة سيدنا ابوبكر واحتفظت بها السيدة حفصة بعد وفاة سيدنا عمر ثم طلب النسخة سيدنا عثمان ونسخت ووزعت على الامصار وكما نرى ان الحفظ هو المعتمد في نقل العلم في عهد الخلفاء و كان الصحابة موجودين فالقرآن محفوظ في صدورهم والسنة يطبقونها عمليا في حياتهم ولم تغب عن عينهم وكانت مكتوبة عند بعضهم وعندما ظهرت الفتنة احتاج المسلمون الي جمع السنة و ماهو مكتوب في الصحف وما في الصدور وتولى الخليفة عمر بن عبدالعزيز الأمر نذكر انه ولد في عام 61 هـ و توفى 101 هـ وان الجمع ليس متاخرا فنذكر ان عدد من الصحابة كانوا على قيد الحياة بل ان آخر صحابي توفي عام 110 هـ / الكاشف في معرفة من له رواية / الذهبي
فمثلا التوراة كتبت بعد 8 قرون و اأناجيل بعضها كتب بعد 170 عام اما الحديث كتبت صحف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومنها 5 صحف احدها الصحيفة الصادقة وصحيفة سمرة بينما الشيعة بدوء الكتابة في القرن الثالث الهجري ويكفينا هنا ما رواه الإمام مسلم فى مقدمة صحيحه عن مسألة التعريف برجال الإسناد حيث قال : (حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح حدثنا إسمعيل بن زكرياء عن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم).ومحمد بن سيرين الذى ذكر هذا الكلام توفى فى 110هـ وهو يخبر عمن سبقه يعنى عن أناس عاشوا فى القرن السابق أى فى القرن الأول الهجرى، انتهى
بالنسبة لإشارة الأستاذ الفاضل قتيبة إلى عمر ابن عبد العزيز: تكاد تجمع الروايات أن أول من ندب إلى تدوين السنة إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة قائلاً: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء) وأمره أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن، والقاسم بن محمد. ورغب إلى محمد بن مسلم الزهري أن يكتب بقية حديث أهل المدينة.
بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الآفاق (انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه).
و حكى الشيخ محمد بن ابراهيم الحمد إجماع الأمة الإسلامية التي لا تجتمع على ضلالة حكى إجماعها على تدوين الحديث و ذكر أسباب ذلك، قال :
وأما الإجماع على جواز كتابة الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنها ما يلي:
قال ابن الصلاح في علوم الحديث ص162: " ثم زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك، وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة. والله أعلم " اهـ.
وقال العلامة القاضي عياض في إكمال المعلم ( 8 / 553 ) رقم 3004 بعد ذكره للخلاف في ذلك: " ثم وقع بَعْدُ الاتفاق على جوازه؛ لما جاء منه -عليه السلام - من إذنه لعبد الله بن عمرو في الكتاب ".
وقال الحافظ في فتح الباري ( 1 / 204 ): " الأمر استقر، والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل على استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ".
وقال العلامة أحمد محمد شاكر في الباعث الحثيث ص 132، 133:
" وقد حكي إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، وهذا أمر مستفيض، شائع ذائع من غير نكير ... ثم ذكر الخلاف في أول الأمر بين السلف ثم قال: " ثم جاء إجماع الأمة القطعي بعد قرينة قاطعة على أن الإذن هو الأمر الأخير، وهو إجماع ثابت بالتواتر العملي عن كل طوائف الأمة بعد الصدد الأول - رضي الله عنهم أجمعين " اهـ.
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في تهذيب السنن ( 5 / 246 ) رقم 3499، 3500 في المسألة نفسها: " وقع الاتفاق على جواز الكتابة، وإبقائها، ولولا الكتابة ما كان بأيدينا اليوم من السنة إلا أقل القليل " اهـ.
إذا تقر هذا، فأعلم أنه ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - النهي عن كتابة شيء عنه غير القرآن، وذلك مثل ما أخرجه الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في المسند ( رقم 11085، 11087، 11158، 11344، 11536 )، والإمام مسلم في الصحيح ( 4 / 2298 ) رقم 3004، والدارمي في سننه ( 1 / 126 ) رقم 456، وابن حبان في صحيحه ( 1 / 265 ) رقم 64، والحاكم في المستدرك ( 1 / 127 )، وابن عبد البر في جامع يبان العلم وفضله ( 1 / 77 ) رقم 306.
من طريق همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: " لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن، فليمحه ".
تابع هماماً سفيان بن عيينة، قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أنهم استأذنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يكتبوا عنه ؟ فلم يأذن لهم ".
رواه الدارمي ( 1 / 126 ) رقم 457، والترمذي ( 5 / 38 ) رقم 2665 هذا لفظ الدارمي، ولفظ الترمذي: " استأذنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المتابة، فلم يأذن لنا ".
قال الترمذي: وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضاً، عن زيد بن أسلم رواه همام عن زيد بن أسلم " اهـ.
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن لا نكتب شيئاً من حديثه ".
رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص77 رقم 307 وقد أجاب أهل العلم عن هذه الأدلة بنحو ما يلي:
الأول: قالوا: إن حديث أبي سعيد لم يصح مرفوعاً.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 1 / 208 ): " ومنهم من أعله، وقال: الصواب: وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره ".
وقال الحافظ المزي في تحفة الأشراف ( 3 / 408 ) رقم 4167: " رواه أبو عوانة الإسفرائيني عن أبي داود السجتاني، عن هدبة - بقصة الكتابة - وقال أبو داود: " وهو منكر، أخطأ فيه همام، هو من قول أبي سعيد الخدري مرفوعاً: " لا تكتبوا عني ... الخ، والثاني زيد بن ثابت " اهـ بتصرف.
الثاني على فرض صحة هذه الأحاديث فقد أجاب عنها أهل العلم بأجوبة صحيحة، منها قول المعلمي في الأنوار الكاشفة ص36: " فهذه الأحاديث وغيرها ... إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها تقتضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي:
" قد ثبت في حديث زيد ابن ثابت في جمعه القرآن: " فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف " ، وفي بعض رواياته: ذكر القصب، وقطع الأديم .. وهذه كلها قطع صغيره، وقد كانت تنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع، فتجتمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوهما، وكان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثاً لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سداً للذريعة " اهـ بتصرف يسير.
قلت: يعني المعلمي - رحمه الله تعالى - أن أحاديث النهي عن الكتابة منسوخة للأحاديث المبيحة، وقد صرح بذلك غير واحد.
قال الإمام ابن القيم في تهذيب السنن ( 5 / 245 ) رقم 3497: " قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الكتابة، والإذن فيها، والإذن متأخر فيكون ناسخاً لحديث النهي؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزاة الفتح: " اكتبوا لأبي شاه " يعني خطبته التي سأل أبو شاه كتابتها، وأذن لعبد الله بن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي؛ لأنه لم يزل يكتب، ومات، وعنده كتابته، وهي الصحيفة التي كان يسميها " الصادقة " ولو كان النهي ن الكتابة متأخراً لمحاها عبد الله لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمحو ما كتب عنه غير القرآن، فلما لم يمحها، وأثبتها دل على أن الإذن في الكتابة متأخر عن النهي عنها، وهذا وضح والحمد لله.
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرض موته: " ائتوني باللوح والدواة والكتف لأكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً "، وهذا إنما يكون كتابة كلامه بأمره وإذنه.
وكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم كتاباً فيه الديات وفرائض الزكاة وغيرها، وكتبه في الصداقات معروفة، مثل كتاب عمر بن الخطاب، وكتاب أبي بكر الصديق الذي دفعه إلى أنس - رضي الله عنهم -.
وقيل لعلي: " هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لئلا يختلط القرآن بغيره، فلما علم القرآن وتميز وأفرد بالضبط والحفظ، وأمنت عليه مفسدة الاختلاط أذن في الكتابة " اهـ.
قلت وهذا الجمع بين أدلة النهي عن الكتابة وبين الإذن بجوازها أولى وأقرب للصواب؛ لأنه لا يعدل إلى الجمع إلا بعد تعذره، والجمع هنا أمكن بحمد الله - كما ترى -.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجعين.
من موقع الشيخ محمد بن ابراهيم الحمد
و لا ننسى أمرا هاما للغاية و هو أن التابعين الذين وفقهم الله تعالى لحفظ و تدوين الحديث وضعوا لذلك شروطا قاسية لم يسبق لها مثيل في أي أمة خلت و لا كان لها نظير في أي حقبة تلت، و هي ما يسمى بعلم مصطلح الحديث أو علم الإسناد.
جاء في الويكيبيديا :
علم مصطلح الحديث هو علم يهتم بالنظر في ثبوت الحديث عن رسول الله ، يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القَبول والرد، والنظر في دلالة النص على الحكم.
ومن أجل النظر الأول احتيج إلى وضع قواعد يميّز بها المقبول من المردود فيما ينسب إلى النبي ، وقد قام العلماء بذلك وسموه: (مصطلح الحديث) وفائدته معرفة ما يقبل ويرد من الراوي والمروي. لتمييز وتدقيق وتوثيق الروايات المختلفة من طبقة لأخرى ومن جيل لجيل. والجدير بالذكر أن علماء مصطلح الحديث المسلمين لهم السبق في هذا العلم فلا يوجد ممن سبق من اعتنى بدراسة رجال إسناد روايات الأنبياء بهذا الإتقان والضبط للرجال ومعرفة الثقة والضعيف المدلس وغيره.
و هذا ما لم يخالف فيه أحد و اعترف به حتى المنصفون من العلماء المؤرخين و المستشرقين الغربيين.
و الحمد لله رب العلمين
Bookmarks