قدمت لنا أم محمد لوحات رائعة لصور بطولات بعض "خنساوات فلسطين":-
* أم محمود العابد: ابنها خريج جامعي، كان ينفق على أهله، شاب طموح .. متفوق أمامه مستقبل دنيوي واعد، وفي هذا نقض لدعاوى المثبطين والمأجورين الذين يدّعون بأن من يقوم بالعمليات الاستشهادية شاب فاشل يائس من الحياة، يريد الانتحار والتخلص من هموم الدنيا ومتاعبها.
وبما أن من يحصل على موافقة أبويه لتنفيذ عملية استشهادية له أولوية مقدمة على من سواه، طلب "محمود" من أمه بأن تكتب له رسالة تطلب فيها من المجاهدين السماح له بتنفيذ عملية استشهادية.
أم تكتب بيدها طلبا تعلم أنه سيؤدي لفراق ابنها لها، لكنها أمّ تتطلّع إلى ما وعد الله، وتدرك أن هذه الدنيا ما هي إلا دار فانية، وأن الحياة الحقيقية هي الدار الباقية: الدار الآخرة!!!
* أم علاء الشريف: ربت وحيدها علاء على حب الله ورسوله، وعلى حب الجهاد والتضحية وجهزته للقيام بعملية استشهادية، لكن المجاهدين وضعوه في غير الصفوف الأمامية، مراعاة لحال أبويه .. كان علاء يتطلع بشوق إلى الشهادة، وقلبه متعلق بالدار الآخرة، فجاءته الشهادة بنفسها إليه وهو في بيته عندما سقطت عليه قذيفة الغدر الصهيونية لتتحقق أمنيته.
قالت أم محمد: حال سماعي للخبر خشيت على حال أم علاء .. فسارعت بالاتصال بها لعلي أستطيع تهدئتها وتثبيتها، وفوجئت أنها هي التي ردت على الهاتف وكانت صامدة لم تجزع بل حمدت الله وقالت: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد فقدت ابني في الدنيا، لكنني ربحت مكاناً في الجنة معه إن شاء الله.
* ريم الرياشي: عندما كانت في الصف الثاني المتوسط ذهبت إلى الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، وطلبت منه السماح لها بالقيام بعملية استشهادية، لكنه رفض ذلك فلم تكن الظروف تسمح بمشاركة النساء حينذاك، كما أنها كانت صغيرة وقد يكون حماسها ليس عن قناعة بل اندفاع ناتج عن ذلك.
تكرر طلب ريم .. وتكرر الرفض ..
كبرت ريم .. وتقدم رجل فاضل لخطبتها. وافقت على الزواج عملاً بمقولة عبد الله بن عمرو بن العاص "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".
لم تشترط ريم عليه مهراً كبيراً .. ولا بيتاً مفروشاً فاخراً .. ولا مجموعة مجوهرات ثمينة تباهي بها الفتيات .. لقد اشترطت ما هو أسمى وأعلى من كل متاع الدنيا .. كان شرطها عليه ألا يحول دون قيامها بعملية استشهادية إذا سمحت لها الظروف .. ووافق على شرطها!!!
تزوجت ريم وما زالت تطمح بالشهادة .. أنجبت ريم طفلتها الأولى "ضحى"، وما زالت ترنو نفسها للشهادة ..
أنجبت ريم طفلها الثاني "محمد" ولم تتزحزح أمنيتها قيد أنملة بل كانت تستشعر قوله جل في علاه: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
وشاء الله أن يكرمها بتحقيق أمنيتها فأخبروها بأن الظروف مهيأة لتنفيذ رغبتها .. لم تتردد لحظة .. ولم تتذرع بصغر سن طفليها .. بل اختارت رضى الله سبحانه .. أوصت زوجها بأن يتزوج امرأة صالحة تكون خير معين وناصح له ولأبنائها .. تقدمت كالأسد الهصور حباً لدينها وانتصاراً لعقيدتها لتغسل بدمها الطاهر ثرى فلسطيننا الحبيبة من رجس الصهاينة .. فطوبى لك يا أم محمد !!!
*أم نضال فرحات: "لا أريدك جريحاً .. لا أريدك أسيراً .. أريدك شهيداً" تلك كانت كلمات أم نضال لذاك الشاب ذي الـ 17 ربيعاً .. معلية بذلك همته، دافعة له للإقدام دون توانٍ أو نكوص على الأعقاب.
إنها وبجدارة خنساء فلسطين فقد سبق ونذرت أبناءها لله، فقالت لهم ذات يوم: محمد .. نضال .. مؤمن .. وسام .. رواد .. أرضكم مدنسة وأنتم تنظرون، أريدكم منتصرين أو على الأعناق محمولين! ..
لقد استُشهد أبناؤها محمد ومؤمن ورواد وأمضى وسام أحد عشر عاماً في الأسر فلله درها من امرأة ..
لم تكن خنساوات فلسطين بدعاً من النساء .. بل كنّ ولا يزلن شموساً وأقمارا .. يستضئن بمن سبقهن من نساء صدقن ما عاهدن الله عليه .. ويستضيئ بهن من سيأتي بعدهن من سائر نساء المسلمين .. فلهن في سير أم عمارة وخنساء تستر والقادسية وغيرهن عبرة ..
- نسيبة بنت كعب المازنية: أم عمارة، تقول رضي الله عنها وأرضاها: "رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فما بقى إلا في نفر ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه".
أصيبت باثني عشر جرحًا في أحد. وقطعت يدها في اليمامة، وكان أعظم جراحها حين ضربها ابن قمئة على عاتقها، فداوته سنة كاملة.. ثم نادى منادى الجهاد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزيف الدم. كان معها في المعركة ولداها حبيب، وعبد الله، فلذات كبدها. جرح ابنها عبد الله في المعركة جرحًا غائراً، كان الدم لا يرقأ من جرحه فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَا "عصب جرحك" فجاءت نسيبة لولدها، وكان معها عصائب في حقوها، فربطت الجرح وعالجته، ثم قالت بعد ذلك لولدها: "انهض بني فضارب القوم". ولدها حبيب يموت وهو في ساحة الجهاد، ولا يكون منها إلا الصبر والاحتساب ..
هي أم, لها مشاعر وأحاسيس، ولكنها كبحت تلك الجماح لأنها أم لا كالأمهات .. إنها أم الشهيد. وهل يطيق ذلك إلا أم الشهيد ..
-أم حارثه بن سراقة: خرج حبيبها وابنها وقرة عينها حارثه, خرج بعد غزوة بدر، فأتاه سهم غرب، فقتله، كان غلامًا، يافعًا، فشق ذلك على أمه رضي الله عنها وأرضاها، فجاءت إلى الحبيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت له- كما ثبت في البخاري- : "يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي" .
هي أم, لها من الأحاسيس المرهفة تجاه حارثة كبقية الأمهات، تخاف على غلامها، وتحب له السلامة والخير، تقول للمصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنِّي فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِلَّا رَأَيْتَ مَا أَصْنَعُ" فقال لها المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي أَعَلَى الْفِرْدَوْسِ" وفى رواية "وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ" رواه البخاري.
- شهداء تستر: جويرية بنت أسماء تحدث عن ثلاث من المجاهدين من بنى قطيعة، وكان هؤلاء قد شهدوا يوم تستر، فاستشهدوا جميعًا، فخرجت أمهم يومًا إلى السوق لبعض شأنها، فتلقاها رجل قد حضر أمر تستر، فعرفته فسألته عن بنيها، فقال: "استشهدوا". لم تولول، وتندب، وتلطم. قالت للرجل سائلة: "أمقبلين أم مدبرين" فقال لها: "مقبلين" فقالت عندها: "الحمد لله نالوا الفوز وحاطوا الذمار، بنفسي هم وأبى وأمي".
لم يكن منها إلا الصبر والاحتساب لأبنائها.. إنها أم الشهيد
-خنساء القادسية: خنساء القادسية، كانت أماً للشهداء، قدمت أشطار كبدها، ونياط قلبها، وكانت في الجاهلية قد ملأت البوادي نياحاً على شقيقها صخر.
أما في الإسلام فكانت أم الشهداء، قدمت أربعة من الأسود خرجوا إلى القادسية، فذكرتهم ونصحتهم، وحثتهم على الصبر والشهادة، وقالت لهم رحمة الله عليها: "يا بنى إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا اله إلا هو إنكم لبنوا رجل واحد كما أنكم بنوا امرأة واحدة، ما هجنت حسبكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، واصبروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، واغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى عن سياقها؛ فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة".
فخرج بنوها قابلين لنصحها، فلما كشرت الحرب عن أنيابها؛ تدافعوا إليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم حتى قتلوا واحدًا إثر واحد، ولما وافتها النعاة بخبرهم قالت وهى التي كادت أن تموت من الحسرة والبكاء لفقدها صخرا: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربى أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
أي صبر هذا؟ وأي قلب هذا؟ ..
اللهم تقبل من مات من المجاهدين شهيداً، وارفع اللهم درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، وارزق أهله الصبر والسلوان، واخلف على الأمة من هو خير منه ..
اللهـــم آميـــــن
تابعونا مشكورين لمعرفة كيف انتهى اجتماعنا بالمجاهدة أم محمد
Bookmarks