يتشنج الملحد قائلاً:" لا تُحدثني عن الأدلة العقلية، أو البديهيات المنطقية، أنا لا أُسلِّم إلا بمعطيات العلم التجريبي الوضعي المادي."
ما لا يعرفه الملحد أن مصدر المعرفة في العلم التجريبي الوضعي هو العمل العقلي في مُدخلات الحس والمشاهدة والتجريب، وأساس العلم التجريبي هو البديهيات العقلية والمُسلمات المنطقية ثم يكون الإستقراء المعرفي بدرجاته، هذه بداية العلم التجريبي ونهايته.!

وفي واقع الأمر فإن الملحد كاذب في ادعاؤه لأنه يرفض الأدلة الدينية فقط، ولذا فهو يقبل النص التاريخي طالما أن مصدره خارج التأريخ الديني - ويرفض نفس النص التاريخي بنفس درجات الإستقراء وأدوات الثبوتية لو كان مصدره دينياً - ويقبل الملحد أيضاً الترجيح العقلي والمنطقي بعموم، ويقبل الترجيح الرياضي، ولولا الترجيحات الثلاثة الأخيرة ما قبل بالعلم التجريبي نفسه، لأن أدوات التثبت من معطيات العلم التجريبي هي أدوات عقلية ومنطقية ورياضية.

ولذا نقول للملحد: هل شرطكم في بناء معرفة أن تكون صحيحة وموافِقة للواقع بدليل علمي صحيح، أم تكون مقصورة على جنس البحث الإمبريقي والطريقة التجريبية فقط؟
إن كانت الثانية وكان كل ما يأتيكم من دعاوى معرفية أخرى مرفوضةً، فهذا الشرط ساقط بذاته إذ لا يُتخيل التسليم به مجرداً دون تأسيس عقلي ومنطقي ورياضي ومعرفي دون بديهة أسبقية A-Priori مستقرة في عقل الباحث أو العالم أو الفيزيائي.-1-

ومراتب الأدلة والبراهين التي اتفق المناطقة على حُجيتها، تتراوح بين الدليل الرياضي والدليل العقلي والدليل التجريبي وفي الأخير يأتي الدليل الحسي ..
ولذا عندما يُقرر أحد الملاحدة رفض بعض الأدلة فمشكلته مع المنطق وليست معنا نحن!
فما أبئس عقل الملحد الذي يرفض ذاته بذاته! حين يرفض استخدام عقله بعقله، فسبحان مَن جعل للشيطان سلطاناً على هؤلاء في بديهية لا يُخطئها حَدَث صغير، لكنه الكفر !

بل إن المعرفة تعتمد على الهاديات الأربع العقل والنقل والتجربة والوجدان.-2-
فالأدلة المعرفية لا تنحصر في الدليل التجريبي الوضعي، وإلا فما هو مصدر القيمة الأخلاقية ؟ وما مصدر الحِس الجمالي ؟
يقول الملحد الدارويني المتعصب ريتشارد داوكينز " أنا ضد الداروينية ولا أُطيقها حين يتعلق الأمر بحياتنا." -3-
ويرى شرودينغر أبو ميكانيك الكم أن العلم التجريبي حين يتحدث عن القيمة الأخلاقية أو القيمة الجمالية فهو أراجوز نستمع له لنضحك لا لنأخذ كلامه على محمل الجد.!-4-

فالملحد الذي يزعم أن الحق لا يوصَل إليه، والمعرفة لا تتحقق إلا من طريق العلم التجريبي وحده؛ لا يوصف بأنه صادق في طلب المعرفة أصلاً، وهو من أكذب الناس.! -5-

------------
1- آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين .. لأُستاذنا أبو الفداء ابن مسعود.. دار الإمام مسلم.. ص 577 بتصرف
2- وهم الإلحاد..د.عمرو شريف
3- اللقاء الذي أجرته قناة الجزيرة انجليزي مع ريتشارد داوكينز دقيقة 42
4- شرودنغر في كتابه الطبيعة والإغريق nature and the greeks
5- آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين .. لأُستاذنا أبو الفداء ابن مسعود.. دار الإمام مسلم.. ص 605بتصرف