أيها الزملاء الأعزاء،
كل هذا الكلام خارج عن موضوعي فموضوعي عبارة عن دعوى ودليل، الدعوى هي أن القرآن ليس كتابا للعلم المادي والدليل أن النبي لما سئل عن الأهلة نزل عليه قوله (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فإذا كان القرآن حينما سأل عن العلم المادي لم يجب فمن باب أولى لا تطلبوا العلم المادي فيه.
فإذا أردتم أن تدخلوا في صلب الموضوع فانقضوا الدليل حتى تسقط الدعوى.
وأعتقد أن قولي إن القرآن ليس كتابا للعلم المادي أخف من قول الشنقيطي في أضواء البيان أن الآية تدل على تحريم النظر في علم الفلك، يقول:
تَرْكُ النَّظَرِ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ عَمَلٌ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمَّا تَاقَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى تَعَلُّمِ هَيْئَةِ الْقَمَرِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالُوا لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَكْبُرُ حَتَّى يَسْتَدِيرَ بَدْرًا؟ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْجَوَابِ بِمَا فِيهِ فَائِدَةٌ لِلْبَشَرِ، وَتَرَكَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [2 \ 189] وَهَذَا الْبَابُ الَّذِي أَرْشَدَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ إِلَى سَدِّهِ لَمَّا فَتَحَهُ الْكَفَرَةُ كَانَتْ نَتِيجَةُ فَتْحِهِ الْكُفْرَ، وَالْإِلْحَادَ وَتَكْذِيبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَالَّذِي أَرْشَدَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ هُوَ النَّظَرُ فِي غَرَائِبِ صُنْعِهِ وَعَجَائِبِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِيَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، وَهَذَا الْمَقْصِدُ الْأَسَاسِيُّ لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّاظِرِينَ فِي الْهَيْئَةِ مِنَ الْكُفَّارِ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَرْكُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَّا لِدَلِيلٍ مُقْنِعٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ.
Bookmarks