فالعنوان يتكون من مفهومين أساسيين هما: الشخص والقيمة.

فما معنى الشخص؟ وما معنى القيمة؟

لا بد أن نجيب عن هذين السؤالين لتحديد إشكال المحور بعد ذلك.
فالشخص يدل حسب معجم لالاند على الشخص الطبيعي من حيث هو جسم ومظهر، وعلى الشخص المعنوي من حيث هو ذات واعية، وعلى الشخص القانوني من حيث أن له حقوقا وواجبات.

أما مفهوم القيمة فيدل في معجم لالاند على المعاني التالية:

أ- المعنى الذاتي “القيمة خاصية ثابتة للأشياء التي يفضلها أو يرغب فيها شخص أو مجموعة من الأشخاص المحددين. وفي هذا المعنى تستعمل عبارة “القيمة الاستعمالية”؛

ب - المعنى الموضوعي “القيمة خاصية ثابتة للأشياء التي تستحق التفضيل ..”؛

ج - المعنى الموضوعي الافتراضي “القيمة خاصية ثابتة للأشياء باعتبارها تلبي حاجة لغاية ما”.

هكذا فالقيمة هي خاصية ثابتة؛ ومعنى الثبات هذا سيفيدنا كثيرا في تحديد إشكال المحور.

للقيمة معنى استعمالي؛ أي أنها خاصية ثابتة للأشياء التي لها قيمة لأننا نستعملها لتحقيق أغراض معينة.

للقيمة معنى تفضيلي؛ أي خاصية ثابتة في الشيء تجعلنا نفضله عن غيره من الأشياء.

فالقيمة إذن هي ما يجعل الشيء موضوع رغبة وتفضيل وقابل للاستعمال.

فنحن نعتبر أن أشياء معينة لها قيمة بالنسبة إلينا حينما تمتلك خاصية ثابتة تجعلنا نستعملها لتحقيق أغراض معينة ونرغب فيها ونفضلها عن غيرها. فنحن نعتبر مثلا أن النحل له قيمة لأنه يمتلك خاصية ثابتة فيه تجعله موضوع رغبة بالنسبة إلينا، وهذه الخاصية الثابتة هي إنتاجه للعسل مثلا الذي نستخدمه لتغذية أو الشفاء…الخ.

إن الإنسان إذن هو الذي يحدد للأشياء قيمتها بالنسبة إليه (كالنحل أو البقر أو السيارة…).

ولهذا فالأشياء لها قيمة ثابتة بالنسبة إلينا نحن الأشخاص، أما الشخص فله قيمة ثابتة يستمدها من خاصية تميزه كشخص.

وإذا كان الشخص كما أوردنا تعريفه عند لالاند يتحدد ب:

-ما هو طبيعي باعتباره جسم؛

- وبما هو معنوي باعتباره ذاتا ووعيا،

- وبما هو قانوني باعتبار أن له حقوقا وواجبات،

فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:

ما هي الخاصية الثابتة في الشخص والتي تجعل له قيمة في ذاته؟

نقول في ذاته لأن الأشياء لها قيمة بالنسبة للإنسان، أما الإنسان فله قيمة أصيلة كامنة فيه؛ فهذا ما يميزه عن الأشياء الأخرى إذ لا يمكن أن تكون له قيمة استعمالية أو يكون مجرد وسيلة تستخدمها جهات ما لتحقيق أغراضها.

بعبارة أخرى: ما هي الخاصية الثابتة في الشخص وتجعله ذا قيمة وجديرا بالاحترام والتقدير؟

إذا اتفقنا أن هذا هو الإشكال المتعلق بالمحور، فسيسهل علينا البحث عن مواقف فلسفية تجيب عنه.

وإذا كان كانط صاحب نص مؤسس فيما مجال تحديد قيمة الشخص، وإذا كان يحدد هذه القيمة في كون الشخص ذاتا لعقل أخلاقي عملي؛ أي أن الخاصية الأخلاقية هي ما يمنح للشخص قيمة، وهو ما يجعل الشخص بالتعريف هو كائن أخلاقي، فإنه يتوجب علينا أن نبحث عن موقف آخر يجعل قيمة الشخص خارج مجال الأخلاق، أي موقف لا يعرف الشخص بالضرورة أنه كائن أخلاقي.

ومثل هذا الموقف هو الذي وجدناه عند فيلسوف معاصر كطوم ريغان، حينما يحاور كانط مباشرة ويقول بأن قيمة الشخص تكمن في خاصية ثابتة لدى الكائن البشري وهو كونه ذات تستشعر حياتها وليس في كونه ذات أخلاقية؛ لأن طوم ريغان يرى أن هناك فئات من الناس يقصيهم التحديد الأخلاقي الكانطي ما دامت لا تتوفر فيهم الخاصية الأخلاقية مثل الأطفال والمجرمين والمرضى العقليين…الذين لا يجوز أن نعاملهم كمجرد وسائل ماداموا ليسوا أخلاقيين، بل يجب أن نحترم كرامتهم وقيمتهم الإنسانية الأصيلة التي يتوفرون عليها باعتبارهم كائنات حاسة وتضيف خاصية الوعي إلى الحياة؛ إذ أنهم يعون ما يعتمل في حياتهم من مشاعر وأفكار ورغبات، كما يستمتعون بالنعيم ويتطلعون إلى تحقيق ما هو أفضل بالنسبة إليهم.

فخاصية استشعار الحياة هاته هي خاصية ثابتة ومشتركة بين جميع الأشخاص، وهي التي تمنح لهم قيمة أصيلة فيهم. أما الخاصية الأخلاقية التي تحدث عنها كانط فهي محدودة ولا تشمل جميع الناس.

إذن فطوم ريغان يبين حدود الموقف الكانطي، ويكشف عن الصعوبات والمفارقات التي يطرحها؛ إذ أن نتيجة الموقف الكانطي هي أن كل كائن لا تتوفر فيه الخاصية الأخلاقية يجوز التعامل معه كالأشياء، ويصبح فاقدا للكرامة ولا يعود شخصا. وهذا ما يجعل كانط، وهو المعروف بمثاليته الأخلاقية، يجسد موقفا لا أخلاقيا تجاه هذه الأنواع من الكائنات البشرية التي تفتقد إلى الصفة الأخلاقية.

أما خاصية استشعار الحياة فهي تشمل كل الناس وتجعل لهم قيمة أصيلة في ذاتهم وغير قابلة للمساس.

هكذا فنحن نتحفظ على تحديد الإشكال كما يلي : من أين يستمد الشخص قيمته ؟ هل من اعتباره غاية في ذاته أم من اعتباره نافعا للآخرين ؟ هل قيمة الإنسان مطلقة أم نسبية ؟

لماذا نتحفظ على ذلك؟

لأن مفهوم القيمة يفترض صفة الثبات بالضرورة؛ فما يجعل للشي قيمة هو خاصية ثابتة ومطلقة فيه وليست متغيرة ونسبية.

ولذلك يجب البحث عن هذه القيمة الأصيلة والثابتة التي توجد في الشخص بحكم ماهيته كشخص؛ وهذه القيمة تكون ملازمة فيه وهي التي يحددها مثلا كانط في العقل الأخلاقي ويحددها طوم ريغان في الذات التي تستشعر حياتها؛ فإذا أردت أن تكون لك قيمة الشخص حسب كانط وجب أن تكون ذاتا لعقل أخلاقي عملي، وإذا أردت أن تكون لك قيمة الشخص حسب طوم ريغان وجب أن تكون ذاتا تستشعر حياتها.

أما تحديد الإشكال انطلاقا من: هل قيمة الشخص مطلقة أم نسبية؟ هل الشخص غاية في ذاته أم نافع للآخرين؟

فنحن لا نقبله،لأن القيمة هي أصلا خاصية مطلقة وثابتة في الشخص ونحن فقط نريد من الفلاسفة أن يحددون لنا أين تكمن؟ كما أن معيار المنفعة لا يصلح لتحديد مفهوم القيمة لأنه معيار زئبقي ومتغير؛ يكون معه الشخص ذا قيمة بالنسبة للبعض لأنه نافع لهم، وفاقدا لهذه القيمة بالنسبة للبعض الآخر لأنه غير نافع لهم.

ويبقى في الأخير أن نقر بأن القيمة هي بالتعريف خاصية ثابتة تميز الشخص عن غيره من الكائنات والأشياء، ويبقى علينا أن نبحث مع الفلاسفة أين تكمن هذه القيمة الأصيلة والثابتة المميزة له؟

وموقفي كانط وطوم ريغان يفيان بالغرض فيما يخص الإجابة عن هذا الإشكال، ولذلك فقد استثمرناهما في المحور.

أما غوسدورف فهو بنظرنا لا يخرج في إطار تحديده لقيمة الشخص عن التحديد الكانطي المتمثل في الخاصية الأخلاقية، حتى وإن اختلفا في تصورهما لأساس الأخلاق وطبيعتها.