المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hamzaD
سامحني على الاطالة في التمهيدات لكن ذلك مهم جدا كما قد اتضح لك، والآن سالخص النقاط الاساسية في موضوع " بناء التفكير الصحيح" لك ولمتابعي الحوار :
النقطة الاولى : مبدأ الهوية هو قولنا عن الشيء : هو هو، فالوجود هو الوجود، والعدم هو العدم، ومبدأ عدم التناقض هو قولنا مثلا أن العدم هو نفي الوجود، فلا يمكن اثبات الشيء ونفيه في نفس الوقت، فهما من المبادئ المطلقة الشاملة، ولا يمكن تخيل اي فكر بدونهما، والذي ينكرهما مسفسط مجنون، واقل ما يمكن قوله له : ان اعتقادك بان هذا المبدأ خاطئ مناقض للاعتقاد بانه صحيح ولا يمكن ان يجتمع اعتقادك بصحته مع اعتقادك ببطلانه فثبت مطلوبنا، وبالاستناد عليهما صغنا القواعد المشهورة في علم التوحيد، كقولنا باستحالة التسلسل او استحالة الدور، او استحالة الترجيح من غير مرجح الخ.
النقطة الثانية : أي شيء موجود من حيث هو موجود لا يخلو إما ان يكون ممكن او واجب الوجود. الممكن هو الذي ذاته تقبل الوجود والعدم بحيث يمكنك تخيله غير موجود " كالصوت الذي لم يكن ثم حدث" والواجب هو الذي لا يمكن تخيله الا موجودا كالله عز وجل.
النقطة الثالثة : ملاك افتقار الموجود الى غيره هو امكانه، تذكر معي هذه النقطة جيدا، أي ان اي شيء ممكن الوجود بحيث تقبل ذاته الوجود والعدم هو محتاج لغيره... تخيل معي طاولة، هل حدوث تفاحة فوقها ممكن في ذاته او واجب ؟ طبعا ممكن في ذاته، فاذا حدثت هذه التفاحة، سالنا على المرجح الذي رجح حدوثها ، وان لم تحدث قلنا : ان علة عدم وجود التفاحة في هذه اللحظة هي عدم العلة. ثم نقول : أن هناك طرق عديدة للاستدلال على امكان الشيء، لكن احسنها على الاطلاق كما تجلى لك هو الاستدلال على حدوث هذا الشيء. لان أي حادث ممكن بالضرورة كما اتضح، وأي ممكن محتاج الى محدث موجود.
وانما نقول ان الممكن مفتقر لغيره لكي لا نتناقض فنخالف بذلك مبدأ عدم التناقض بمعنى : أن الممكن هو الذي تستوي كفة وجوده وعدمه، فان كفة وجود هذه التفاحة راجحة من دون علة او سبب كان ذلك ممناقضا للتعريف الذي اعطيناه للممكن ثم نقول أن قاعدة كل ممكن محتاج الى سبب او مرجح او علة او مؤثر، هو ما نسميه بمبدأ العلية. فتذكر هذا جيدا
وانظر كيف نصيغ القواعد العقدية من البديهيات المنطقية.
الآن ساعرج قليلا الى نظرية المعرفة، و سأذكرك بمميزات نظرية المعرفة في الاسلام :
1- مكان حصول المعرفة : ذهن الانسان.
2-سبب حصول المعرفة : اعمال الفكر او حصول الانطباعات ، سواء كان ذلك بسبب الحس الظاهر كتأثر الاذن بالصوت، او بسبب الحس الباطن كحصول الحب في قلبك لشيء معين.
3-الحس : وظيفته نقل الانطباعات من العالم الخارجي، فتحصل صورة هذه الانطباعات في الذهن، لذلك الحس يسمى بقناة المعرفة. اذ يربط بين ما في الذهن وبين مافي الخارج، فان فهمت هذا سيتضح لك ان الحواس لا تخطئ، لانها ببساطة ناقلة فقط، والذي يمكن ان يخطئ هو الذي يحكم والحاكم الوحيد هو ملكة العقل كما ساشرح
العالم الخارجي : هو اصل الانطباعات الصادقة التي تنقلها الحواس.
العقل : هو ملكة فكرية، وهو الاداة الوحيدة التي تنتج احكاما او تصديقات او نسبا بين التصورات التي في ذهنك، فمثلا اذا رأى صبي صورة في شكل ماء، وأنشأ نسبة بين هذه الصورة وبين الصورة التي في ذهنه عن الماء، يحكم أن الذي يراه امامه هو ماء، فعقد هذه النسبة بين هذين التصورين هو نفس عمل العقل، وهو ما نسميه بالحكم.
ثم النقل : مصدر للمعرفة وهو يندرج تحتم ما سميناه ( العااك الخارجي ) وليس هذا وقت الحديث عنه بل سنتحدث عنه في وقته لانه لن يفيدنا الان على الاقل.
ثم نقول : أن أحكام العقل إما أن يكون سببها خارج الذهن : مثلا كأن تحكم بوجود النار عند رؤية للدخان،لاننا اعتدنا مشاهدة الدخان بعد النار، لذلك فهذه الظاهرة التي تتكرر في الخارج هي سبب حكمك بأن النار سبب للدخان، او قد يكون سبب هذا الحكم هو نفس الذهن : ومثاله دلالة لفظ "قلم" على ما يُكتب به، فهذا اللفظ المعيَّن "ق ل م" ليس له أيُّ صلة مع ذلك الجسم الذي يُكتب به كما رأينا في مثال الدخان والنار، بل اطلاق هذا الاسم هو بسبب الذهن نفسه، وليس شيئا خارج الذهن هو السبب، وهذا الحكم يسمى " حكما وضعيا". أي ان الذهن هو الذي وضع هذه العلاقة بين اللفظ والجسم، وليس شيئا في الخارج، والحكم الوضعي لا يمهما في مقام العقائد.
الاحكام التي يكون سببها خارج الذهن تنقسم الى قسمين : إما احكام عادية أو أحكام عقلية، والحكم العادي كما يدل عليه اسمه هو مستند على ما اعتدناه رؤيته، فمثلا نحن اعتدنا مشاهدة الدخان عند اشتعال النار، لذلك نقول بحكم العادة ان النار هي سبب الدخان، بينما في العقل لا شيء يحيل أن يظهر الدخان بدون نار، كما في حال المعجزة اذ يمكننا ان نتخيل خلق الله تعالى للدخال بدون نار.
والحكم الاخير هو الحكم العقلي : ومثاله حكمنا أثناء مشاهدتنا لهذا العالم بأنه ممكن، هذا الحكم قلنا عليه انه بسبب خارج الذهن لانه ناتج عن نظرنا في هذا العالم، وقلنا عنه أنه عقلي، لانه يبنى على مقدمات يقينية ليس استقرائية او عادية،، ومجرد انكارها يسقطك في التناقض المنطقي كما وضحنا اعلاه، لذلك يمكنك ان تفرق بين الحكم العادي والحكم العقلي بهذه النقطة، اي يمكن ان تحكم بحكم ما، ثم تنظر هل سيؤدي انكارك لهذا الحكم لتناقض، فان كان نعم فهو حكم عقلي وان كان لا فهو حكم عادي.
واثبات العقائد الدينية لا يمكن ان يكون الا بالاحكام العقلية الاستنباطية، مثلا كأن تشاهد تغير الكون، فتستنبط من أنه حادث لان القاعدة تقول : ( كل متغير حادث ) اما الاحكام العادية التي تعتمد على الاستقراء ( كالتجربة التي تقول لنا مثلا كل معدن يتمدد بالحرارة، فهذا حكم عادي استقرائي، ولا ينفع في العقائد الدينية، وهذا سنوضحه فيما بعد ) والتمثيل ( كأن تقول مثلا الله حي، اذن الله يجب ان ينام، فهذا حكم باطل لانك مثلت حياة الله بحياة المخلوقات بدون اي ضرورة عقلية ) فلا. ومن هنا يظهر لك فساد من يستدل بالنظام على المنظم، فهذا حكم استقرائي، ( ستقول لي : لكن هذا دليل مستعمل في القرآن، قلت : ليس هذا نفس دليل القرآن فلا تتعجل في الحكم ) وايضا من يقول بان الخلق لا يكون الا من مادة سابقة حكمه باطل، لانه مثل وقارن بين ما يشاهده من مصنوعات البشر وبين مصنوعات الله، وكما تبين لك ان اي حادث ممكن فهو محتاج لسبب، فان قلنا ان الله مثلا هو السبب، فليس هناك اي ضورة عقلية توجب علينا افتراض مادة سابقة خلقنا بها الله.
ممم ماذا بقي ؟ لا اعلم صراحة لكن اقرأ الكلام الذي ذكرته لك فان لم تكن عندك ملاحظات، ساباشر بعدها بتمهيد أخير اشرح فيه بعض الاصول المتبقية، قبل الشروع في الاستدلال على الله
واعذرني على الاطالة أخي الكريم...لكن معرفة هذه الاصول ضرورية
طلب : رجائي الوحيد ان تعيد قراءة ما كتب ثلاث مرات وان تفهمه جيدا، لان احاطتك بهذه الاصول ستنور عقلك وستجعلك ترتقي درجات كبيرة في مراتب المعرفة الالهية فلا تتردد في السؤال عن أي شيء لم تفهمه حتى نكون على خط واحد إن شاء الله. وفقك الله..
Bookmarks