بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لااله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وال محمد
قصة آدم عليه السلام
هل ان الجن افسدوا في الارض قبل خلق آدم عليه السلام ؟
مامعنى كلمة خليفة في قول الله عز وجل اني جاعل في الارض خليفة ؟
هل ان الجنة التي كان فيها آدم عليه السلام هي جنة المأوى التي في السماء ام جنة في الارض ؟
ماذا كان يكتم الملائكة عليهم السلام فقال لهم الله عز وجل واني اعلم ماتبدون وما كنتم تكتمون ؟
مامعنى قول الله عز وجل للملائكة عليهم السلام ان كنتم صادقين ؟
كيف علم الملائكة انه سيكون فساد في الارض وسفك دماء ؟
كيف وسوس الشيطان لادم عليه السلام ؟
مامعنى قول الله عز وجل اهبط واهبطا واهبطوا ؟

سأجيب على هذه الاسئلة واتكلم بما يبين معاني قصة آدم عليه السلام بأذن الله سبحانه وتعالى .
فارجو من القارئ الكريم التركيز والتأني واتمام قراءة الموضوع لانه لاتتبين معانيه الا اذا تمت قراءته .
لكي تتبين معاني القصة اصف الخلق قبل خلق آدم عليه السلام لان له علاقة بالقصة .
خلق الله عز وجل العرش والسماوات والارض وما فيها وخلق الملائكة عليهم السلام من نور وجعلهم مسيرين غير مخيرين فهم عباد مكرمون لايعصون الله ماامرهم ويفعلون مايؤمرون ويسبحون الله ويعبدونه وجعل منزلتهم على درجات فأعلاهم منزلة اسرافيل وجبرائيل وميكائيل وملك الموت ثم الذين يحملون العرش ومن حوله ثم الملائكة المدبرات امرا عليهم السلام اجمعين . كما جاء بالحديث الشريف . وسيأتي بيانه .
وظل الخلق هكذا الى ماشاء الله من ملايين السنين يدبر الله سبحانه وتعالى الامر في حركة الحياة من حياة وممات وارزاق وسحاب ورياح وامطار وحيوانات واشجار وانهار وبحار وجبال ونجوم وكواكب وبراكين وزلازل وثلوج الخ ووكل لكل ملك امره فاستمرالخلق كل هذه السنين في نظام بديع . وكل شيء بقدر .
وخلق الجان من مارج من نار وهو ابليس وجعله مخيرا غير مسير وجعل منزلته ادنى من منزلة الملائكة وكان مع الملائكة يسبح الله ويعبده ولم يوكله الله بامرلان الله سبحانه وتعالى جعل الملائكة مسيرين ووكلهم بتدبير امورخلقه . ولا يوجد خلق اخرون ممن لم يخبر بهم الله عز وجل ولم يفسد احد في الارض لاجن ولا غيرهم .
وخلق الله سبحانه آدم عليه السلام من طين وجعله مخيرا غير مسير وجعل منزلته ادنى من منزلة الملائكة اسرافيل وجبريل وميكائيل وملك الموت والملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله واعلى من منزلة الملائكة الذين سجدوا له وهم المدبرات امرا عليهم السلام اجمعين . وسيأتي بيانه .
جاءت الايات التي تتحدث عن قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم ليست لسرد احداث القصة فحسب وانما لمعاني اخرى . فجاءت في عدة سور . وكما بينت معنى الترتيل في الموضوع السابق سافعل كما فعل علي بن ابي طالب رضي الله عنه في قضية المراة التي ذكرتها وكما فعل غيره من اهل العلم فساجمع الايات التي تحدثت عن قصة آدم عليه السلام وارتلها بالتسلسل واشرح معانيها .
وفي موضوع آخر سوف ابين معاني الايات في مواضعها . باذن الله تعالى .
فاول اية تحدثت عن قصة آدم عليه السلام هي الاية 71 من سورة ص وليست الاية 30 من سورة البقرة لان الاية 71 من سورة ص بدأت ب (إذ) بدون واو قبلها اما في الاية 30 من سورة البقرة وبقية الايات فقد جاءت بواو قبلها اي (وإذ) وهذا يعني ان بداية القصة هي الاية 71 من سورة ص . وبعدها تأتي الايات التي جاءت في سورة الحجر. وأؤكد هنا على ان هذا الترتيل لبيان وشرح وقائع القصة متسلسلة . فابدا بهذه الاية :-
{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ }{71} ص
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }{28} الحجر
في هذه الايات علَم الله سبحانه الملائكة عليهم السلام على جنس المخلوق الجديد ( بشر) وعلى عناصر تكوينه ( طين ) وهو التراب والماء وعلى مراحل خلقه ( من صلصال من حمأ مسنون ) اي لم يخلق الله عز وجل ادم في آن واحد بل بقي ادم من المدة ماشاء الله يتحول من مرحلة الى اخرى حتى صار صلصالا ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى . وبقاء ادم هذه المدة كانت مدعاة لتساؤل الملائكة عليهم السلام وابليس لانهم يشاهدونه فكانت لها اثار سأذكرها في حينها ان شاء الله .
{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }{29} الحجر
وجه الله عز وجل هذا الامر للملائكة المدبرات امرا وليس لكل الملائكة لان الله عز وجل قال في اية اخرى لابليس استكبرت ام كنت من العالين والعالون هم الملائكة الذين سبق ذكرهم .
{ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }{30}{ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }{31} الحجر
في الاية معاني عديدة :-
الاول :- دل هذا الامر بالسجود على ان الله عز وجل اراد بهذا السجود ان يعلم الملائكة عليهم السلام انه جعل منزلة ادم اعلى من منزلتهم واراد عزوجل ان يعلم ادم ان منزلته اعلى من منزلة الملائكة وان منزلة ابليس ادنى من منزلة الملائكة وذلك لان ادم مخلوق جديد فلا الملائكة يعلمون منزلته ولا ابليس يعلم منزلته ولا ادم يعلم منزلة نفسه ولا منزلة الملائكة ولا منزلة ابليس .
الثاني :- بما ان الامر بالسجود صدر من الله عز وجل فهوعبادة و طاعة لله كيفما كان السجود ولاي كان لان المعنى في الطاعة وليس في الشكل .
الثالث :- فسجد الملائكة كلهم اجمعون اي الملائكة الذين وجه لهم الامر كما سبق ذكرهم .
الرابع :- استثنى الله عز وجل من الساجدين ابليس مع انه لم يوجه اليه الامر كما و’جه للملائكة فدل هذا الاستثناء على ان منزلة ابليس ادنى من منزلة الملائكة وبهذا وجب عليه السجود ولذلك قال الله عز وجل هنا ( مع الساجدين ) وليس ( من الساجدين ) كما في اية اخرى .
الخامس :- بما ان الله عز وجل لم يأمر ابليس امرا كما امرالملائكة وانما وجب عليه السجود بعلة فلم يعاقبه الله عز وجل لان الله هو العدل ولايعاقب الا بعد بيان . ولذلك سيبن الله عز وجل لابليس منزلة ادم كما سيأتي .
السادس :- قال الله عز وجل ابى مع ان ابليس لم يصرح بهذا بعد’ لتعلمه الملائكة ولكن الله عز وجل يعلم مافي نفس ابليس فقال عنه ابى اما بالنسبة للملائكة فان عدم سجود ابليس ليس دليلا على انه ابى فربما له عذر وليست نيته الامتناع ولذلك ساله الله عز وجل في الاية التي بعدها ليظهر للملائكة نيته وليعلم ادم منزلة ابليس .
السابع :- ذ’كر ابليس باسمه لانه لم يعص بعد’ وكل اية يذكر فيها ابليس باسمه تدل على انه قبل ان يعصي لان الله عز وجل سماه بعد العصيان بالشيطان وسيأتي بيانه .
{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }{32} الحجر
جاء السؤال للتقريروالتحقيق ليعلم ادم منزلة ابليس . وليتبين امتناع ابليس للملائكة ولهذا جاء به الله عز وجل مطلقا وليس بصيغة الوصف فقال ( مالك ) وليس (مامنعك) مثلما قال في اية اخرى . ولو ا’مر ابليس بالسجود امرا وليس بعلة لما سأله الله عز وجل ولطرده من حينه .
{ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }{33} الحجر
الاول :- ظهور امتناع ابليس للملائكة .
الثاني :- ان ابليس قال هذا اعجابا بنفسه بانه لايمكن له ان يسجد لمخلوق خلق من صلصال من حمأ مسنون وذلك لان ابليس خلق من نار فكانت هيئته اكثر اشراقا من هيئة ادم لان ادم خلق من صلصال من حمأ مسنون اي ابقاه الله من المدة حتى مال لون الحمأ الى السواد فكانت هيئة ادم اقل اشراقا من هيئة ابليس . وسيأتي بيانه .
{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }{75} ص
الاول :- قال الله عز وجل ( مامنعك) وليس (مالك) كما سبق ذكره لانه ظهرللملائكة امتناع ابليس .
الثاني :- بيّن الله عزوجل لابليس انه وان كانت هيئة ادم هكذا فقد خلقته بيدي وجعلته بهذه المنزلة .
الثالث :- أستكبرت اي اجعلت نفسك اكبر من ان تسجد لمخلوق جعلته بمنزلة اعلى من منزلتك ؟ .
الرابع :- ام كنت من العالين :- للاستنكاروالنفي اي انك لست من الملائكة العالين وهم الملائكة الذين سبق ذكرهم فهؤلاء الملائكة لم يامرهم الله عزوجل بالسجود .
الخامس :- علم ادم منزلة ابليس وعلم ان هناك ملائكة اعلى منزلة من الملائكة الذين سجدوا له .
{ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }{76} ص
اخذ ابليس الامرمن باب القياس ولم ياخذه من باب الطاعة فقاس على اساس ان منزلة كل مخلوق تبعا لقدراته وهيئته وللعناصرالذي خلق منها وعمّي عليه ان الله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم وهو الذي يجعل لكل مخلوق منزلته من اي عنصر كان وكيفما كانت هيئته وقدراته . فراى ان العنصرالذي خلق منه خير من العنصرالذي خلق منه ادم وعليه فلا يصح ان يسجد لادم . واساس ابليس في التفكيرهو الذي ادى به الى العصيان والكفر وهذا الاساس في التفكير هو اساس كل شر لانه سواء صح القياس ام لم يصح لا يجوز مقابلة القياس بطاعة الله عز وجل وانما يجوزالقياس في الطاعة ومن قاس مقابل الطاعة فقد فعل كما فعل ابليس . فكان على ابليس ان ياخذ الامر بالطاعة ويسجد ثم الاستفهام وليس الاعتراض .
{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }{62} الاسراء
اراد ابليس ان يبرهن لله عز وجل على ان منزلة هذا المخلوق لاتستحق ان تكون اعلى من منزلته لان قدراته اعلى من قدرات هذا المخلوق وذلك بانه يستيطع الاخذ باحناك ذرية هذا المخلوق ويجعلهم تحت طاعته ولو ابقاه الله الى يوم القيامة ولا يستطيع الافلات منه الا القليل .
{ قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً }{63} الاسراء { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَليْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }{64} الاسراء { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً }{65} الاسراء
الاول :- لم يقتنع ابليس بمنزلة ادم وعلة وجوب السجود عليه ولم يسجد لادم فلم يعاقبه الله عز وجل بالاهباط والطرد واللعن لانه لم يتكبرعلى الله عز وجل ولم يكفر بعد’ لان الله عز وجل لم يامره امرا وانما اوجب عليه السجود بسبب درجة المنزلة فغرته هيئة ادم وأخذ بهذا القياس فراى انه لم يجب عليه السجود لادم وعصى فعاقبه الله عز وجل على عصيانه بقوله اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا . فكان لابليس ان يخاف الله عز وجل بهذه العقوبة ويتوب لكنه لم يفعل عنادا .
الثاني :- قال الله عز وجل واستفزز . لان ابليس ليس له سلطان على تغيير خلقة الانسان وانما يستفزز ماهو موجود جبلة في نفس الانسان من طمع وشهوات وغيرها فيستفززها لتنمو وتؤثرعلى فعل الانسان .
الثالث :- غيَر الله عز وجل اسم ابليس الى الشيطان لانه عصى .
الرابع :- ومايعدهم الشيطان الا غرورا . ذلك لان وعد الشيطان لايستند الى الصحة لانه لايملك من الامر شيء وانما الامر كله بيد الله سبحانه وتعالى .
الخامس :- بيَن الله عز وجل للشيطان ان سلطانك ليس مطلقا فعباد الله ليس لك عليهم سلطان .
هنا انتهت الوقائع مع ابليس الشيطان وقد جرت هذه الوقائع بمشهد من الملائكة وادم عليهم السلام لتكون عبرة لادم واضافة لهذا حذر الله سبحانه ادم من الشيطان كما سياتي .
وبعدها جرت الوقائع مع ادم والملائكة عليهم السلام وهنا يتبين الفرق بين الاخذ بطاعة الله كاساس في التفكير وبين الاخذ بالقياس مقابل الطاعة . ويتبين ان عاقبة الطاعة الخير وعاقبة العصيان الشر .
{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }{31} البقرة
ملاحظة قبل الكلام عن معاني الاية :-
القول بان الله عز وجل كرم ادم على الملائكة بسبب انه اعلم من الملائكة وقد جعله الله عز وجل خليفة في الارض لهذا السبب والاعتقاد بانه لايصلح ان يكون خليفة الا من هو اعلم الناس . هذا كله خطأ . لان الله سبحانه وتعالى امرالملائكة بالسجود لادم قبل ان يعلمه وان ما علمه الله عز وجل لادم قبل النبوة لم يكن علما شرعيا ولم يكن علما ذا شأن عظيم وانما هوعلم طبيعي هيأ الله عز وجل به ادم للعيش هو وذريته في الارض لانه بالنسبة لادم هذا عالم جديد لايعرف عنه شيئا لانه اول الخلق من جنسه وقد استوى في هذا العلم ادم وذريته من المؤمنين والكافرين فليس هذا هو سبب تكريم الله عز وجل لادم ولاعلة جعله خليفة في الارض . وسيأتي بيانه .
أعود الى الاية :-
الاول :- وعلم ادم الاسماء كلها وهذا يعني ليست الاسماء التي كانت موجودة فحسب مثل ما موجود على الارض من الحيوانات والاشجار والطيوروالحشرات وما موجود في البحار من اسماك وحيوانات وسحب وثلوج وما موجود في السماء من نجوم وكواكب الخ فهذه كلها يعلمها الملائكة وانما علمه اضافة لهذه ماسيستجد من صنع الانسان من زرع وري وحفر وبناء وصناعات ومساكن الخ مثال المحراث والفأس والدلو والجرة والمعول والمطرقة والابرة والخيط والسنارة والقميص والازار والدار والدكان والسكين والسيف والرمح الخ .
الثاني :- فقال انبئوني باسماء هؤلاء :- كنت قد نبهت على هذا في الكلام عن مراحل خلق ادم . فقد تطور خلق ادم عليه السلام في مدة من الزمن ثم نفخ الله سبحانه وتعالى فيه الروح وقد امر الله سبحانه الملائكة بالسجود له بعد نفخ الروح فيه فكانت هذه المدة مدعاة لتساؤل الملائكة عليهم السلام لانهم يشاهدونه فقاسوا ولكن ليس من باب القياس مقابل الطاعة وانما للاستفهام فقالوا لماذا جعل الله سبحانه وتعالى منزلة هذا المخلوق اعلى من منزلتنا وامرنا بالسجود له هل يستطيع ان يقوم بامر اعلى شانا مما نقوم به من تدبير اوامر الله عز وجل في السماوات والارض فقالوا في انفسهم لا يستطيع ذلك . والله يعلم ما كانوا يكتمون .
الثالث :- ان كنتم صادقين أي ليس الصدق مقابل الكذب وانما الصدق مقابل الحقيقة لان الكذب هوالقول بخلاف ما في النفس اما الصدق فهو توافق القول مع ما في النفس فإن تطابق مع الحقيقة صار صدقا بعلم وان اختلف مع الحقيقة صار صدقا بجهل فلا يخرج عن كونه صدقا لان قائله وجد هذا في نفسه فقال مافي نفسه . فقول الله عز وجل للملائكة ان كنتم صادقين اي ان كان متطابقا مع الحقيقة والا حاشى للملائكة ان يكونوا كاذبين .
{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }{32} البقرة
تفاجأ الملائكة بهذه الاسماء الجديدة فهم لم يعرفوا المحراث ولا الفاس ولا الابرة الخ فمباشرة اعادوا الامر كله لله فهو يؤتي علمه من يشاء ويفعل مايشاء فمباشرة قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم .
{ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }{33} البقرة
الاول :- انبأ ادم الملائكة عليهم السلام جميعا انبأهم ان هذا محراث لحراثة الارض للزرع وهذا دلو لحمل الماء وهذا منجل للحصاد وهذا معول للحفر وهذه لبنة للبناء وهذه ابرة للخياطة وهذه سنارة للحياكة وهذا نحاس يصنع منه القدر والاناء وهذه سفينة لتسير على الماء وهكذا فأنبأهم بكل الاسماء واستعمالاتها التي سوف يصنعها الانسان ويستعملها في حياته ومعيشته ومن ضمن ماأنبأهم به هذا حديد يصنع منه الرمح والسهم وتستعمل للصيد والحرب وهذا منشار لنشر الخشب وهذه سكين للقطع وذبح الانعام بسفك دمها وهذا سيف يستعمل في الحرب لقتل العدو وسفك دمه . فمن هنا علم الملائكة ان الانسان سيفسد في الارض ويسفك الدماء .
الثاني :- وما كنتم تكتمون اي ما كتم الملائكة في انفسهم بشان ادم فظهر من ادم خلاف ما كتموا. وسبق ذكره .
انتهت الوقائع مع ادم والملائكة عليهم السلام جميعا .
{ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }{117} { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى }{118} طه { وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}{ 119} طه
خلق الله عز وجل حواء من ادم وجعل لباسا يواري عنهما سوءاتهما فلا يرى احدهما سوأته ولا سوأة الاخر والجنة ليس فيها خروج فضلات ولا تناسل وعلم الله سبحانه ادم اوصاف الجنة وكيفية معيشته هو وزوجه فيها وحذره من عداوة الشيطان لهما لانه يعيش معهما في الجنة .
{ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }{35} البقرة
القول بان الجنة التي ذكرت في الاية هي ليست جنة المأوى التي في السماء بدليل ان ابليس وادم عصيا فيها ليس بصحيح . بل الجنة هي جنة الماوى التي في السماء لان ادم وابليس خلقوا فيها ولم يخلقوا خارجها ثم ماتوا ثم ادخلوا فيها . وقد وصف الله عز وجل العيش في الجنة بانه لايسمعون فيها لغوا ولا تاثيما هذا الوصف للذين يدخلون الجنة من الصالحين وليس للذين خلقوا فيها قال الله عز وجل {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47 فالوصف ليس للجنة وانما لمن يدخلها . فالجنة التي ذكرت في الاية هي جنة المأوى لان الله عز وجل قال لادم { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى }{118{ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}{ 119} طه وهذه هي اوصاف جنة المأوى ولوان الله عز وجل خلق جنة خاصة لادم وحواء بهذه الاوصاف لقال له اسكن انت وزوجك جنتكما لتكون اشارة الى انها خاصة لادم وحواء وفي هذه الحالة يستلزم الذكر بازالتها بعد الاهباط لان اوصافها خاصة او تكون موجودة الى يوم القيامة . ولكن الله عز وجل قال ( الجنة ) والادلة كثيرة فلا داعي للاسهاب فيها حتى لايتشتت فكر القارئ فالامر بين وانما اردت التنويه .
اسكن الله ادم وحواء الجنة وقال لهما كلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين .
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }{20} الاعراف { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }{21} الاعراف
الاول :- وسوس لهما الشيطان بصوته فقد قال الله عز وجل له فيما سبق واستفزز من استطعت بصوتك وكان الله عز وجل قد خلق ابليس جسما مشرقا مرئيا كما ذكرت . وسيأتي بيانه .
الثاني :- تبين فيما سبق ان اساس تفكير الشيطان هو القياس وهو يريد الاسراع من اخراجهما من الجنة حقدا عليهما وهو يعلم انه ستكون لادم وحواء ذرية فقاس بما ان الجنة ليس فيها تناسل فخروجهما من الجنة هو بدء تناسلهما فقاس فعرف ان ذريتهما ستتولد من لقاء السوأتين التي واراها عنهما ربهما توقيرا لهما وتاهيلا لعيشهما في الجنة وطالما انها مستورة عنهما فلن يحصل هذا اللقاء فاراد ان ينزع عنهما لباسهما ليصبحا غير مؤهلين للعيش في الجنة فيخرجا منها وهو يعلم ان الله عز وجل هو الذي سترها عنهما فقاس فعرف انه اذا عصيا ربهما ستبدى لهما سوءاتهما فبحث عما يوقعهما في المعصية فلم يجد مايوقعهما في المعصية الا الاكل من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الاكل منها فكيف يرغبهما بالاكل منها وهم في رغد من العيش ياكلون من كل شيء فلا يمكن ان يعصيا ربهما بالاكل منها بسبب هين فلم يجد مايرغبهما بالاكل منها الا الطمع في شيء يتمنونه فما هو الشيء الذي يتمناه كل واحد منهما فقاس فعرف انه لايوجد فرق بين ادم وحواء الا ان ادم سجدت له الملائكة وحواء لم تسجد لها الملائكة ولم تشهد الوقائع التي جرت على ادم والملائكة فقاس فوجد ان حواء ادنى منزلة من ادم فبماذا يمكن ان تطمع حواء الا ان تكون ملكا وتخلد وهي على هذه المنزلة وقاس فوجد ان ادم اعلى منزلة من الملائكة فبماذا يمكن ان يطمع الا ان يكون من الخالدين وذلك لان ربهما لم يقل لهما انكما خالدين في الجنة فجاءهما من نقطة ضعف كل واحد منهما واستفززها فيهما فقال لهما ( الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين ) .
الثالث :- وقاسمهما اي اقسم لكل واحد منهما على حدى لكي تكون هذه الطريقة اقوى تاثيرا في نفسيهما .
{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ }{22} الاعراف { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى }طه121
الاول :- فدلاهما بغرور اي جاءهما بدليل غرر والغرر هو كون الشيء ظاهره ينصرف الى عدة حقائق فلا تعرف اي حقيقة منها الا بادلتها . فمن غاير بظاهره بين ادلة حقائقه فقد غرّر . ومن اخذ بظاهره كدليل على اية حقيقة من حقائقه بغير دليلها فقد غوى . مثال ما يفعله صياد السمك فانه يضع طعاما في السناره فيكون ظاهره طعام ولكن حقيقته ليس لاطعام السمك وانما لصيده . وكذلك فعل الشيطان فقد صرف ظاهر النهي الى غير حقيقته بدليل كذب تبعا لطمعهما فقال لهما ان ربي عندما خلق الملائكة لم يكونوا ملائكة فقال لهم كلوا من هذه الشجرة لتكونوا ملائكة خالدين وانا لم اكن خالدا فقال لي ربي كل منها لتكون خالدا فاكلت منها فاصبحت خالدا فما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين . فالنهي ظاهره صحيح لانه نهاهما ربهما عن الاكل من هذه الشجرة ولكن الدليل كذب لان ربهما لم ينههما عن الاكل منها لهذا السبب فدلاهما بغرور فاخذا بهذا الدليل لانه يوافق طمعهما . فكان سبب اكل ادم وحواء من الشجرة ليس هينا وانما كانت عدة اسباب دفعتهما للاكل منها فقد نسي ادم تحذيرالله عزوجل له واسفززالشيطان فيهما الطمع وجاءهما بهذا الدليل فغرهما به وقاسمهما بهذه الطريقة الشيطانية فبعد هذا كله اكلا منها وذلك قبل النبوة . ولو أخذت هذه الاموربعزم من آدم لما نسي عهد الله ولما قبل قسم الشيطان لانه شاهد عصيانه لربه ولما اغتربهذا الدليل وحتى لوكان الدليل صحيحا فهو امرالله عزوجل وهو يفعل مايشاء وعلى ادم وحواء الطاعة فلو كان هذا العزم عند ادم لما غوى ولما اكلا من الشجرة {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115 وذلك قبل النبوة .
الثاني :- وعصى ادم ربه فغوى :- وهذا قبل النبوة :- ذلك ان ادم نسي عهد الله عز وجل فانقاد لطمعه الذي استفززه فيهما الشيطان واستدل بدليل الشيطان على صحة سبب النهي وهو غرور واستدل بقسم الشيطان على النصح لهما وهو ايضا غرور لانه شاهد امامه كيف عصى الشيطان ربه فكيف لمثل هذا ان يتورع فلا يقسم بربه كذبا . فغوى . والغيّ هو الاستدلال بغير الصواب . والرشد هو الاستدلال بالصواب بعد التحري عنه .
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }{23} الاعراف { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }{37} البقرة
الاول :- عصى الشيطان من قبل’ كما ذ’كر وعصى ادم . فالشيطان عصى بانه لم يقتنع بمنزلة ادم ولابعلة وجوب السجود عليه ولم يسجد وادم نهاه الله عز وجل عن شيء ففعله . فكلاهما عصى ربه لكن الفرق ان الشيطان عصى بدافع من نفسه وتعند فعاقبه الله عز وجل اما ادم فعصى بدافع من الشيطان ومباشرة اعترف بذنبه وقال هو وحواء ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فمباشرة تلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم .
الثاني :- فتلقى ادم من ربه كلمات لان ذنب ادم جديد ولا يعرف ماذا يقول التائب لربه فتلقاها من ربه وقال الله عز وجل كلمات بصيغة التقليل اشارة الى ان سبب القبول هو الصدق في التوبة وليس كثرة الكلام .
الثالث :- ان الله عز وجل تاب على أدم وحواء ولم يعاقبهما ولكن لم يردد اليهما لباسهما الذي يواري عنهما سوءاتهما فاصبحا غير مؤهلين للبقاء في الجنة . لانه لاتناسل في الجنة .
كان للشيطان ان يعتبر من توبة ادم وقبولها من ربه ويتوب كما تاب ادم عليه السلام لكنه لم يعتبر .
فجاء قول الله عز وجل الذي يوقعه في الكفر بعد ان يتكبر ليطرد من الجنة .
{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }{12} الاعراف
الاول :- قال الله عز وجل ( مامنعك الا تسجد ) وليس ( مامنعك ان تسجد ) للاشارة الى ارتباط السؤال بما حصل من ادم فيكون المعنى ان الله عز وجل نهى ادم عن الاكل من الشجرة فعصى بدافع منك فما الدافع الذي منعك ان تسجد لادم وقد امرتك كما امرت ادم .
الثاني :- قال الله عز وجل ( اذ امرتك ) وليس كما قال في الايات السابقة ( مالك الا تكون مع الساجدين ) ( ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي ) فكان السؤال عن ( طاعة الله في امره ) وليس (عن علة وجوب السجود) فتكبرالشيطان على الله عز وجل وقال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين والمعنى انك امرتني لاسجد لمخلوق انا خير منه فلا يصح ان اسجد لمن انا خير منه وبما انه (ليس لاحد ان يفرض على الله عزوجل) فاصبح حكمه ( فرض على الله عز وجل وردّ لأمره ) فكان من الكافرين .
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ{13} قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{14} قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ{15} قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ{16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }{17} الاعراف
الاول :- فاهبط منها :- اي من الجنة وقال الله عزوجل فما يكون لك ان تتكبر فيها اي في الجنة فاخرج انك من الصاغرين فجعل الله عز وجل جسم الشيطان جسما شفافا لايرى كي لايتكبر بهيئته فكان من الصاغرين بعد ان كانت هيئته مشرقة لان الله عز وجل خلقه من نار . ولم يبدل الله عز وجل عنصر خلقته لان النار فيها الاشراق وفيها الشفافية فازال الله عز وجل عنه الاشراق وابقى فيه الشفافية . ولم يلعنه بعد’.
الثاني :- عندما طرده الله عز وجل وجعله صاغرا كان للشيطان ان يخرج صامتا او يتوب لكنه لم يفعل بل زاد حقده على ادم عليه السلام وذريته وطلب من الله عز وجل انظاره الى يوم يبعثون لانه بعد يوم القيامة فانظره الله عز وجل الى ذلك اليوم ولمّا نال النظرة هدد بالانتقام من ادم وذريته وجرى سجال بينه وبين الله عز وجل وكلما عاد الشيطان للسجال زاده الله عز وجل عقوبة . وسياتي بيانه .
الثالث :- فبما اغويتني اي بسبب ادم الذي اغويتني بخلقك اياه ذلك لان الله سبحانه وتعالى خلق ادم عليه السلام من صلصال من حمأ مسنون اي مائل الى السواد فكان جسمه كثيفا واقل اشراقا من هيئة الشيطان فاغتر بهذا واخذ بالقياس بدل الطاعة كما اسلفت فغوى فجرى له ماجرى . والغي هو الاستدلال بغير الصواب .
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ{34} وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ{35} قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{36} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ{37} إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ{38} قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{39} إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{40} قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ{41} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{42} وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{43} الحجر
الاول :- طرد الشيطان وطلب الانظار ولما انظره الله عز وجل لم يخرج بل هدد بأغواء ذرية ادم وبدأ سجالا فلا بد ان ينتهي السجال بخروج الشيطان وهو صامت فاعادعليه الله عز وجل الامر وزاده عقوبة لانه لم يخرج صامتا فقال له وان عليك اللعنة الى يوم الدين وكانت هذه اخرفرصة للشيطان بالتوبة لان الله عزوجل قال (اللعنة ) وليس( لعنتي ) يعني يلعنه اللاعنون سوى الله عز وجل فيجوز للشيطان ان يتوب بعدها ولكنه لم يتب
الثاني :- لما لعن الشيطان طلب النظرة باحتيال بقولة رب فانظره الله عز وجل ولكن هذه المرة ليس الى يوم يبعثون بل الى يوم الوقت الذي كان معلوما للملائكة وادم حينما برهن الشيطان على قدرته امامهم فقال ارايتك هذا الذي كرمت علي لان اخرتني الى يوم ( القيامة ) لاحتنكن ذريته . اشارة الى حاله تلك وحاله الان من الذل
الثالث :- قال الشيطان مستهويا الله عز وجل الا عبادك منهم المخلصين لانه يعلم ان لهم عند الله عز وجل منزلة حميدة فقال له الله عز وجل هذا صراط علي مستقيم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان اي هذا ليس تفضلا منك وانما انا الذي جعلتهم لاسلطان لك عليهم .
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ{77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ{78} قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{79} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ{80} إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ{81} قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83} قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ{84} لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ{85} ص
الاول :- لما عاد الشيطان للسجال ولم يخرج صامتا اعاد الله عز وجل عليه الامر بالطرد وزاده عقوبة فقال انك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين وبهذا اصبح الشيطان لاتقبل منه التوبة .
الثاني :- طلب النظرة فانظره الله عز وجل الى يوم الوقت المعلوم فماذا قال الشيطان هذه المرة قال ( فبعزتك) اي فبعزتك اياي على الناس ذلك ان الله عز وجل جعله صاغرا بان جعل جسمه جسما شفافا لايرى حتى لايتكبر بهيئته وبهذا صار عزيزا على الناس فلا يرونه ولا يستطيعون الامساك به والا لاهلكه الناس من شدة عداوته لهم وعداوتهم له ولما استطاع ان يغوي الغاوين .
الثالث :- ماذا قال الله عز وجل عندما جرت على لسان الشيطان قولة حق بقوله فبعزتك . جاء قول الله عز وجل مؤيدا ( لكلمة الحق ) التي جرت على لسانه وليس ( لقوله ) فقال ( فالحق ) وليس ( فالحق قلت ) واتبعها ب ( والحق اقول ) (لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين ) لان هذا قول الله عز وجل وقوله هو الحق .
{ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }{18} الاعراف
انتهى السجال بخروج الشيطان مذموما من الحاضرين الملائكة وادم وحواء مدحورا في سجاله مع الله عز وجل فخرج وهو صامت .
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{123} طه
الاول :- قال الله عز وجل (جميعا) وليس (اجمعين) لان الشيطان وادم وحواء ما اهبطوا من الجنة في وقت واحد فاجمعين معناها كلهم في نفس الوقت قال الله عز وجل فسجد الملائكة كلهم اجمعون . وجميعا معناها اشتمال الكل ولكن ليس في نفس الوقت قال الله عز وجل وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون .
الثاني :- ا’هبط الشيطان اولا بسبب تكبره وكفره وطرد طردا . ثم ا’هبطا ادم وحواء ولم يطردا طردا وانما بسبب انهما نزع عنهما مايواري سوءاتهما فاصبحا غير مؤهلين للعيش في الجنة لانه لاتناسل فيها . كان الشيطان هو البادئ بالسوء بسبب عداوته لادم . وادم وحواء اكلا من الشجرة فجرى لهما ماجرى بسببه . الشيطان لعن وادم وحواء تابا الى الله عز وجل . فكان حال الشيطان اسوأ من حال ادم وحواء وكان اهباطه اقسى من اهباط ادم وحواء وكان سبب الشيطان بالاهباط اكبر من سبب ادم وحواء . فجاءت كلمة ( جميعا ) بعد التثنية الموجهه لادم وحواء ( اهبطا ) للتمييز بين الجهتين المهبطة والتمييز بين حالهما والتمييز بين طريقة اهباطهما والتمييز بين اسباب اهباطهما فاصبح المعنى ان الشيطان ا’هبط اولا ثم ا’لحق ادم وحواء الحاقا . والشيء اقوى دلالة مما يلحق به . فكان المعنى اهباط ثم الحاق باهباط . وبلاغة القرآن الكريم مابعدها بلاغة .
الثالث :- بعضكم لبعض عدو :- اي انتم صنعتم لانفسكم هذه العداوة .
الرابع :- فاما ياتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . قال الله عز وجل هذا القول لادم وحواء تطمينا لهما ورحمة بهما ولانهما ابوي البشرية فجاء هدى الله سبحانه وتعالى عن طريق ذريتهما .
فا’هبط الشيطان ملعونا يائسا من رحمة الله وا’هبط ادم وحواء والله تائب عليهما ومعهما ما يطمئنهما من ربهما وهذا الاهباط من الجنة الى خارجها في السماء .
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }{30}البقرة
الاول :- ذكرت فيما سبق عندما وصفت الخلق قبل خلق ادم عليه السلام فقد كان الله عز وجل يدبر الامر بتوكيل كل ملك لامر فليس لاحد سلطان على تحريك ذرة رمل واحدة من مكانها ولا سلطان لاحد ان يحبس قطرة ماء واحدة الا ماقدرالله عز وجل للاحياء حتى جعل الله سبحانه ( الانسان ) خليفة في الارض فمنحه هذا السلطان . فخليفة يعني يخلف الله عز وجل في الارض . فيستطيع ان يحفر الجبال ويسد الانهار ويحرث الارض ويركب البحار ويذبح الانعام ويستخرج المعادن الخ (باختيار من نفس الانسان) بعد ان كان قد منعه الله عز وجل على اي مخلوق عاقل قبل ادم عليه السلام وقال الله عز وجل ( في الارض) وليس(على الارض ) يعني ليس خليفة على الارض ليتحكم في موقعها من الكواكب او في حركتها او درجة حرارتها الخ فهذا شأنه الى الله عز وجل . وجاءت كلمة خليفة نكرة ليكون المعنى منح سلطة الخلافة وليس تعيين شخص فمنحها الله عز وجل للانسان فكيف تصرف الانسان بهذا السلطان هناك من يقول ان الله جعل الانسان خليفة في الارض ليعمٌرها وكأنها كانت خرابا فوالله لقد كانت الارض قبل هذه الخلافة من ابدع مايكون حالها حال كل ماخلق الله سبحانه وتعالى فهو بديع السماوات والارض سبحانه وتعالى عما يصفون ووالله ماصنع الانسان في الارض الا الفساد الا الانبياء والمرسلون والذين اتبعوهم والصالحون من الناس ولو يعلم المفسد ماذا يعمل لعلم ان الارض تكرهه فالارض وماعليها تسبح فاطرها وبديعها سبحانه وتعالى من تحته وهو يفسد على ظهرها فيكفر ويتكبر ويتجبر ويقتل بغيرحق ويفتن ويظلم ويجرم ويلوث البيئة ويفسد المياه ويهلك الحيوان ويهلك الحرث والنسل بدلا من عبادة الله سبحانه وتعالى الذي مكنه من هذا ويشكره ويصلح في الارض . ولكن رحمة الله وسعت كل شيء {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7 فكان الواجب على الانسان ان يعبد الله سبحانه وتعالى في ما خلفه فيه فيطيع اوامره وينتهي عن نواهيه . ولهذا السبب جعل الله عز وجل منزلة ادم اعلى من منزلة الملائكة الذين سجدوا له وهم المدبرات امرا لان الملائكة يعبدون الله ويطيعونه وهم مسيرون لهذه العبادة وليسوا مخيرين فيها اما الانسان فهو مخير وليس مسيرا فان عبد الله واطاعه واصلح في الارض كما كانت تصلح الملائكة تكون منزلته اعلى من منزلة الملائكة لانه عبدالله واطاعه واصلح في الارض وهو مخير في هذه العبادة وليس مسيرا لها كما هو حال الملائكة وان كفر وافسد في الارض تتدنى منزلته فتكون منزلته كمنزلة الشيطان لانه فعل كما فعل الشيطان . فمنزلة الانسان تناسبية علوا ودنوا .
الثاني :- سبق وان ذكرت كيف علم الملائكة عليهم السلام انه سيكون فساد في الارض وسفك دماء فتعجب الملائكة من شيء لم يألفوه فمنذ ملايين السنين والكون في ابدع مايكون والله عز وجل وكلهم بتنفيذ اوامره في تدبيرالكون فهم يعلمون بديع صنع الله في الكون فكيف يجعل الله سبحانه ادم عليه السلام خليفة في الارض وقد علموا انه سيقع من ذريته هذا الفساد في الارض وسفك الدماء . فقالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .
الثالث :- ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك :- ( جملة اعتراضية ) بمعنى ان هذا السؤال ليس اعتراضا منا فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ولكن للاستفهام لما رايناه غريبا علينا . لانهم يعلمون بديع صنع الله سبحانه وتعالى .
الرابع :- قال اني اعلم مالا تعلمون اي اعلم ما سيكون من هذه الخلافة مالاتعلمون .
{ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }الأعراف24
بعد ان ا’هبط الشيطان وادم وحواء من الجنة بيّن لهم الله عز وجل اين سيكون مستقرهم ومعيشتهم فقال لهم الله عز وجل هذا القول فا’هبطوا كلهم من السماء الى الارض وبعد ان ا’هبط ادم الى الارض وكان قد اجتباه ربه من قبل بالتوبة جعله نبيا عليه السلام وجعل من ذريته الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وجعل منهم الصالحين فوقع من هذه الخلافة ماعلمنا نحن والملائكة عليهم السلام والباقي علمه عند الله سبحانه وتعالى .
{{{ الى هنا انتهت قصة آدم عليه السلام في السماء }}}
ملاحظة ضرورية وهامة ارجو قراءتها
لقد كتبت كلامي هذا واختصرت فيه مااستطعت لتسهيل فهمه وجزأته الى جزأين حتى لايتشتت وتختلط المعاني على القارئ الكريم فهذا الجزء الاول وساتكلم في الجزء الثاني عن معاني الايات في مواضعها ان شاء الله تعالى
وقد كتبته وانا ارجو الله الاجر فيما اصبت وادعو الله المغفرة فيما اخطأت انه هو السميع العليم .
((( فهذا اجتهاد مني من شاء اخذ به ومن شاء فليرده )))
ولا اريد ان اثقل على القارئ الكريم بقولي له استحلفك بالله العظيم ولكن اقول ارجو منك ايها القارئ الكريم ان لاتنقل هذا الكلام شفهيا الا بعد ان تستوعبه جيدا وتفهم معانيه مخافة ان يقع خطأ في النقل فتصيبني خطيئة .
واذا نقلته تحريريا فاضبط نقله ولا تزد عليه ولا تنقص منه الا بوضع اشارة تبين فيها ان هذا منك لأبرأ من خطيئة مازاد او نقص
وادعو الله عز وجل ان يغفر لي ولك انه هو الغفور الرحيم
اللهم اسألك العفو والعافية في الدنيا والاخرة
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار
والحمد لله رب العالمين