المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام بن الزبير
قصة ومثال لمرتادي مواقع الجرب والجذام
أقص عليكم نبأ عائلة كريمة كبيرة عريقة النسب والحسب, ذاع صيتها, وتحدث الناس بمكارمها عبر التاريخ, فتكاثر حسادها وأعداؤها, وافتروا عليها الأباطيل, واختلقوا في ذمها الأقاويل, بل أنشؤوا لذلك قنوات فضائية, ومجموعات فيسبوكية ومواقع إلكترونية, وألفوا في ذلك الكتب وحشوها بالإفك والبهتان.
ولما اشتد ذلك على بنيها أجمعوا أن لا مناص من الذب عن أعراضهم, والذوذ عن أمتهم. لكن كبيرهم وكان حكيما, نهاهم عن مجادلة الجاهلين, وقال لهم: "أميتوا الإفك بالإعراض عنه, و دعوا نار الحسد تأكل أصحابها, ولا تنفخوا فيها بريح الجدال فتزداد اضطراما, وإن كنتم لا بد فاعلين, فأقيموا المواقع في بيان محاسن ما أنتم عليه, دون ذكر لإفك الأفاكين, وأغاليط المبطلين, وخزعبلات الجاهلين."
لكن الأكثرين لم يرفعوا بكلامه رأسا, بل عدّوا رأيه عجزا وخَوَرا, فبدأ الشباب المتحمسون يدخلون إلى المواقع الي تشتم آباءهم وأهليهم, يزعمون أنهم يردون عليهم, فكان الطاعن يكتب المنشور وفيه نحو من هذا الكلام:
" أبوكم حقير خسيس بخيل منحط الأخلاق, وأمكم كذا وكذا وعلامة ذلك كيت وكيت, فكيف تدافعون عنهم؟ ألا ترون أن كثيرا من الأذكياء يقولون بقولنا؟..."
فيدخل الشاب المتحمس فيجيب: "أيها الزميل, أبي ليس حقيرا ولا خسيسا ولا بخيلا ولا منحط الأخلاق, وسأبين لك ذلك بالأدلة الدامغة.."
وكان بعضهم يغضب أحيانا غضبا شديدا فيشتط في الرد, فيرد عليه أحد إخوانه قائلا:
"أخي الكريم, رويدك فليس هذا من أخلاق عائلتنا الكريمة, عليك أن تراعي مشاعر المخالف,
وأن تتحلى بأدب الحوار, وأنا سأبين له بيانا شافيا أن أمنا عفيفة وأن أصولنا كريمة..."
وهكذا كان الأبناء المتحمسون يدخلون كل يوم على أعدائهم, شاتمي أعراضهم, فيُكَثِّرون سوادهم, فإن أولئك المفترين كانوا شرذمة قليلين, لو تُركوا لحالهم وهُجرت مجالسهم لانتهى أمرهم ولذهب ريحهم.
والمصيبة أن أولئك الشباب المتحمسين كانوا يتساقطون كالفراش أمام باطل أعدائهم لكثرة مخالطتهم إياهم, وكانت أخلاقهم تسوء يوما بعد يوم لسوء الصحبة, فلم يعد شتم آبائهم يحز في نفوسهم, بل إنهم اعتادوا عليه وألفوه, حتى إن بعضهم كان ينتهي إلى تصديق إفك الأفاكين, فيقول في نفسه:
"لا يوجد دخان من غير نار, ولا شك أن بعض تلك الشبهات صحيحة, ومن أدراني بما كان من أمر آبائي وأخلاقهم؟ إنهم لو كانوا أهل مروءة وأدب وخلق لما كثر الطاعنون فيهم, وهل يعقل أن يكون كل أولئك الأقوام –- وفيهم العلماء والأذكياء- مجتمعين على التشهير بهم دون دليل؟"
وهكذا ينسى المسكين أن معظم من يراهم في تلك المزابل البشرية من إخوانه, ممن يزعمون الإصلاح والدفاع عن أعراضهم, فكم من منتكس في تلك المستنقعات الآسنة, وكم من شاتم لأبيه عاق لأهله بينهم.
فيا ليت شعري هل يجادل عاقل من يرمي أباه وأمه بالعظائم؟ فكيف – أيها الأخ المتحمس- بمن يشتم ربك وخالقك وبارئك وولي نعمتك؟ كيف تدخل عليه وتتلطف له وتتودد له, بل يبلغ بك العمى أن تنكر على أخ لك اشتد في دفع الصائل, وأغلظ القول لشياطين الإنس؟
وكتبه أخوكم مبغض مواقع الجرب والجذام النتنة.
Bookmarks