القرآن العظيم بين إعجاب البلغاء و وقاحة البلهاء

1- مقالة الفقيه المحدث الأديب الخطابي العراقي ( أبو سليمان) المتوفي 388 هـ
2- مقالة مؤسس علم البلاغة، أو أحد المؤسسين لهذا العلم، عبد القاهر الجرجاني الفارسي المتوفي 471 هـ
3- مقالة الزمخشري الإمام في التفسير والنحو واللغة والأدب المتوفى 538 هـ
4- مقالة الموصوف ممن عاصره بنابغة الأدب و حجة العرب في البيان في القرن العشرين مصطفى صادق الرافعي ت1937 م
5- مقالة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ت1973 م



1- مقالة الفقيه المحدث الأديب الخطابي العراقي ( أبو سليمان) المتوفي 388 هـ

يقول في كتابه '' بيان إعجاز القرآن '':
إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لها ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاؤماً وتشاكلاً من نظمه، وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها، والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها.. فتفهم الآن، واعلم أنَّ القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن نظوم التأليف، مضمَّناً أصح المعاني.. ومعلوم أنَّ الإتيان بمثل هذه الأمور، والجمع بين شتاتها حتى تنتظم وتتسق، أمر تعجز عنه قوى البشر، ولا تبلغه قدورهم.


2- مقالة مؤسس علم البلاغة، أو أحد المؤسسين لهذا العلم، عبد القاهر الجرجاني الفارسي المتوفي 471 هـ

يقول عبد القاهر في كتابه ''دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة'' :
إذا قلت: إنَّ التحدي وقع في القرآن إلى أنْ يؤتى بمثله على جهة الابتداء، ما تعني به؟ أتعني أنه يأتي في ألفاظ غير ألفاظ القرآن، بمثل الترتيب والنسق الذي تراه في القرآن، فإنْ قال ذلك أعني، قيل له: أعلمت أنه لا يكون الإتيان بالأشياء بعضها في إثر بعض على التوالي نسقاً وترتيباً، حتى تكون الأشياء مختلفة في أنفسها، ثم يكون للذي يجئ بها مضموماً بعضها إلى بعض غرض فيها ومقصود، لا يتم ذلك الغرض وذاك المقصود، إلاَّ بأنْ يتخيّر لها مواضع، فيجعل هذا أولاً، وذاك ثانياً، فإنَّ هذا لا شبهة فيه على عاقل، وإذا كان الأمر كذلك لزمك أنْ تبيِّن الغرض الذي اقتضى أنْ تكون ألفاظ القرآن منسوقة النسق الذي تراه، ولا مخلص له من هذه المطالبة، لأنه إذا أبى أنْ يكون المقتضي والموجب الذي تراه من النسق، المعاني وجعله قد وجب لأمر يرجع إلى اللفظ، لم يجد شيئاً يحيل الإعجاز في وجوبه عليه البتة.

3- مقالة الزمخشري الإمام في التفسير والنحو واللغة والأدب المتوفى 538 هـ

قال الزمخشري في رسالته حول إعجاز سورة الكوثر : (أنظر هذه فقط سورة الكوثر ناهيك عن البقرة و آل عمران و الأنعام ...) :
''يقال لولاة أعلى الكلام طبقة وأمتنه ، ولارباب آنقه طريقة وأحسنه : هاتوا بما ينحو نحوه ، وهلموا بما يحذو حذوه ، فيعترضهم الحجز ، ويتبين فيهم العجز ، فيقال قد استصرفهم الله عن أهون ما كانوا فيه ماهرين ، وأيسر ما كانوا عليه قادرين ، ألم ترهم كيف كانوا يعنقون في المضمار فوقفوا ، وينهبون الحلبة بخطاهم فقطفوا ، ولا يقال الله قادر على أن يأتي بما هو أفصح وأفصح ، وأملح لفظا ومعنى وأملح ، فهلا أتى بذلك المتناهي في الفصاحة والمتمادي في الملاحة ، فإن الغرض اتضاح الحجة وقد اتضحت ، وافتضاح الشبهة وقد افتضحت ، وإذا حصل الغرض فليس وراءه معترض''

4- مقالة الموصوف ممن عاصره بنابغة الأدب و حجة العرب في البيان في القرن العشرين مصطفى صادق الرافعي ت1937 م

يقول في كتابه ''اعجاز القرآن والبلاغة النبوية'' بعد أن عرض لذكر بعض المؤلفات في الإعجاز القرآني البياني :
حقيقة الإعجاز
إن الذي ظهر لنا بعد كل ذلك واستقر معنا، أن القرآن معجز بالمعنى الذي يُفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه، حين ينفى الإمكان بالعجز عن غير الممكن، فهو أمر لا تبلغ منه الفطرة الإنسانية مبلغاً وليس إلى ذلك ماتى ولا جهة؛ وإنَّما هو أثر كغيره من الآثار الإلهية، يشاركها في إعجاز الصنعة وهيئة الوضع، وينفرد عنها بان له مادة من الألفاظ كأنها مفرغة إفراغاً من ذوْب تلك المواد كلها. وما نظنه إلا الصورة الروحية للإنسان، إذا كان الإنسان في تركيبه هو الصورة آلروحية للعالم كله. فالقرآن معجز في تاريخه دون سائر الكتب، ومعجز في أثره الإنساني؛ ومعجز كذلك في حقائقه؛ وهذه وجوه عامة لا تخالف الفطرة الإنسانية في شيء؛ فهي باقية ما بقيت ولا بد لنا قبل الترسل في بيان ذلك الإعجاز، أن نَوطئ بنبذٍ من الكلام في الحالة اللغوية التي كان عليها العربُ عندما نزل القرآن، فسنقلبُ من كتاب الدهر ثلاثَ عشرةَ صفحة تحتوي ثلاثةَ عشر قرناً؛ لنتصل بذلك العهد حتى نُخبر عنه كأننا من أهله وكأنه رأيُ العين. وكل من يبحث في تاريخ العرب وآدابهم، وينفذ إلى ذلك من حيث تنفذ به الفطنة وتتأتى حكمة الأشياء فإنه يرى كل ما سبق على القرآن - من أمر الكلام العربي وتاريخه - إنما كان توطيداً له وتهيئة لظهوره وتناهياً إليه ودُرية لإصلاحهم به وليس في الأرض أمة كانت تربيتها لغوية غيرَ أهل هذه الجزيرة. وأي شيء في تاريخ الأمم أعجب من نشأة لغوية تنتهي بمعجزة لغوية، ثم يكون الدين والعلم والسياسة وسائر مقومات الأمه مما تنطوي عليه هذه المعجزة، وتأتي به على أكمل وجوهه وأحسنها، وتخرج به للدهر خير أمة كان عملها في الأمم صورة أخرى من تلك المعجزة. فلو أن هذا القرآن غير فصيح، أو كانت فصاحته غير معجزة في أساليبها التي ألقيت إليهم، لما نال منهم على الدهر منالاً، ولخلا منه موضعه الذي هو فيه، ثم لكانت سبيله بينهم سبيل القصائد والخطب والأقاصيص، وهو لم يخرج عن كونه في الجملة كأنه موجود فيهم بأكثر معانيه، قبل أن يوجد بألفاظه وأساليبه، ثم لنقضوه كلمة كلمة، وآية آية، دون أن تتخاذل أرواحهم، أو تتراجع طباعهم، ولكان لهم وله شأن غير ما عرف؛ ولكن الله بالغ أمره، وكان أمر الله قدَراً مقدوراً.
التحدي والمعارضة
كان العرب قد بالغوا لعهد القرآن مبلغهم من تهذيب اللغة ومن كمال الفطرة، ومن دقة الحس البياني،
حتى أوشكوا أن يصيروا في هذا المعنى قبيلاً واحداً باجتماعهم على بلاغة الكلمة وفصاحة المنطق فجاء القرآن الكريم أفصح كلام وأبلغَه لفظاً وأسلوباً ومعنى، ليجد السبيل إلى امتلاك الوحدة العربيـــة
التي كانت معقودة بالألسنة يومئذ وهو متى امتلكها استطاع أن يصرفها، وأن يحدث منها فمن ثم لم تقم للعرب قائمة بعد أن أعجزهم القرآنُ من جهة الفصاحة التي هي أكبر أمرهم، ومن جهة الكلام الذي هو سيدُ عملهم، بل تصدعوا عنه وهم أهلُ البسالة والبأس وهم مَساعير الحروب ومغاويرها، وهم كالحصى عدداً وكثرة، وليس لرسول الله جمتِ إلا نفسهُ، وإلا نفرٌ قليل معه، لم يستجيبوا له ولم يبذلوا مفادَتهم ونصرَهم إلا بعد أن سمعوا القرآن ورأوا منه ما استهواهم وكاثرَهم وغلبهم على أنفسهم؛ فكانت الكلمة منه تقع من أحدهم وإن لها ما يكون للخطبة الطويلة والقصيدة العجيبة في قبيلة بأجمعها. ونزل القرآن على الوجه الذي بيناه، فظنه العرب أول وهلة من كلام النبي - - وروحوا عن قلوبهم بانتظار ما أمَّلوا أن يَطلِعوا عليه في آياته البينات، كما يعتري الطبع الإنساني من الفترة بعد الاستمرار، والتراجع بعد الاستقرار، ومن اضطراب القوة البيانية بعد إمعانها، وجماحِها الذي لا بد منه بعد إذعانها، ثم ما هو في طبع كل بليغ من الاختلاف في درجات البلاغة علوا ونزولاً وقد كان من عادتهم أن يتحدى بعضهم بعضاً في المساجلة والمقارضة بالقَصيد والخطب، ثقةَ منهم بقوة الطبع، ولأن ذلك مذهب من مفاخرهم، يستَعلون به ويذيع لهم حسن الذكر وعلو الكلمة؛ وهم مجبولون عليه فطرة. ولهم فيه المواقف والمقامات في أسواقهم ومجامعهم، فتحداهم القرآن في آيات كثيرة أن يأتوا بمثله أو بعضه، وسلك إلى ذلك طريقاً كأنها قضية من قضايا المنطق التاريخي، فإن حكمة هذا التحدي وذكرهِ في القرآن، إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الخطباء اللدُّ والفصحاء اللسن، وهم كانوا في العهد الذي لم يكن للغتهم خير منه ولا خير منهم في الطبع والقوة، فكانوا مَظنةَ المعارضة والقدرة عليها. أما الطريقة التي سلكها إلى ذلك، فهي أن التحدي كان مقصوراً على طلب المعارضة بمثل القرآن، ثم بعشر سوَر مثله مفتريات لا يلتزمون فيها الحكمة ولا الحقيقة، وليس إلا النظم والأسلوب، وهم أهل الله ولن تضيق أساطيرهم وعلومهم أن تسعها عشر سور. . . ثم قرَن التحدي بالتأنيب والتقريع، ثم استفزَّهم بعد ذلك جملة واحدة كما ينفجُ الرَّمادُ الهامدُ، فقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) . فقطع لهم أنهم لن يفعلوا، وهي كلمة يستحيل أن تكون إلا من الله، ولا يقولها عربي في العرب أبداً، وقد سمعوها واستقرت فيهم ودارت على الألسنة، وعرفوا أنها تنفي عنهم الدهر نفياً وتعجزهم آخر الأبد فما فعلوا ولا طمعوا قط أن يفعلوا.


5- مقالة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ت1973 م

يقول طه حسين، في محاضرة له بعنوان: "النثر في القرنين الثاني والثالث للهجرة"، ألقاها بقاعة الجمعية الجغرافية، بتاريخ: 29 رجب 1349هـ (20 ديسمبر 1930م)، ونشرها في كتابه "من حديث الشعر والنثر" (ص: 577):

"ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثرا، كما أنه ليس شعرا، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمى بغير هذا الاسم. ليس شعرا، وهذا واضح، فهو لم يتقيد بقيود الشعر. وليس نثرا، لأنه مقيد بقيود خاصة به، لا توجد في غيره، وهي هذه القيود التي يتصل بعضها بأواخر الآيات، وبعضها بتلك النغمة الموسيقية الخاصة. فهو ليس شعرا ولا نثرا، ولكنه (كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير). فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر. كما نص هو على أنه ليس شعرا."
"كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله. وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلا"
"وأراح الخطباء والكتاب أنفسهم من هذه المحاولة التي كانت في نفسها مستحيلة، والتي كانت تعد مروقا وخروجا على الدين"
"وأنتم تعلمون أن أهم الأسباب للإنتاج الأدبي إنما هي المحاكاة، فإذا قال الشاعر البليغ قصيدة وأعجب الناس بها فمنهم من يرويها، ومنهم من لا يكتفي بهذه اللذة، بل يحاول أن يحاكيها ويأتي بأمثالها. وعلى هذا النحو ينتج الشعر، ويكون للشعراء تلاميذ ومقلدون".
"فمن هذه الناحية نستطيع أن نطمئن إلى أن القرآن لم يجد له مقلدا ولم يجد له تلميذا، هو وحيد في بابه لم يسبق ولم يلحق به ما يشبهه".
"وإذن فمن الحق أن نضع القرآن في مقامه الخاص الذي لا يصح أن يقاس به شيء آخر".

المصدر:
من حديث الشعر والنثر – المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين – المجلد الخامس – دار الكتاب اللبناني – بيروت.

طه حسين وإعجاز القرآن... رحلة المتعة والروعة!!
المصدر / جريدة الحياة اللندنية ـ السبت ١٣ أبريل ٢٠١٣



الإعجَازُ البَيَاني لِلقُرآن الكريم أركَانه وَمَظَاهره :

http://www.alukah.net/literature_language/1078/398/