السلام عليكم ورحمة الله

هذا تحقيق مختصر للعبد الفقير في الصلاة الوسطى على ضوء السنة النبوية ارجو ان ينتفع به , وفيه بيان المراد بالصلاة الوسطى , ثم بيان فضلها , ثم بيان صلاحها .

بيان المراد بالصلاة الوسطى

اقول باسم الله : وسط الشيء لغة ما بين طرَفَيْه , وتأتي الأوسط بمعنى الأخيَر والأفضل وفي قوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } لا تعارض بين المعنيين وقد اجتمعا في الصلاة المذكورة عند جمهور اهل العلم .
والصلاة كما سوف نرى لاحقا هي صلاة العصر ودليل ذلك :
1 - ما جاء في الصحيح أنه لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس "
وفي لفظ لأحمد ومسلم وأبي داود: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" .
2 - وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر" قال الترمذي حديث حسن صحيح .
3 - وعن البراء بن عازب قال : نزلت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلاَةَ الْعَصْرِ} فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}, فقال رجل فهي أذن صلاة العصر, فقال قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله والله أعلم" . رواه مسلم وأحمد .
ذلك أهم ما صح من السنة في الصلاة الوسطى والذي عليه الجمهور , والذي ثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لكنه يثار من حين لاخر كلام حول هذا الموضوع من وجهين :
الأول : حديث عائشة رضي الله عنها , فيقال : روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قرأت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةَ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وقالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم" , والحديث رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة .
فيقال صلاة العصر غير الصلاة الوسطى , لأن المعطوف يغاير المعطوف عليه , وهذا يرد عليه من وجوه :

الاول : أن حديث عائشة رضي الله عنها معارض ظاهرا بحديث عروة قال : كان في مصحف عائشة " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر " والذي يشهد له ما سبق ذكره من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر , ولذلك فالحديث له فقه وتأويل كما سيأتي بيانه .

الثاني : أن الواو هنا ليست بواو عطف ذات , إنما هي واو عطف صفة , أي أن العطف قد يكون للتغاير في الذوات وهو عطف الذات , وقد يكون للتغاير في الصفات وهو عطف الصفة وهو كقوله تعالى : "الأول والآخر والظاهر والباطن " وكقوله سبحانه : " سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى " فالله واحد وإنما تعددت أسماؤه وصفاته .
وبذلك يكون العطف في قول عائشة رضي الله عنها لوصف الصلاة بصفتين , بأنها الوسطى , وبأنها هي العصر , وهذا هو الأصل وهذا واضح من حديث البراء السابق أنها نزلت أولا ( والعصر ) ثم نزلت بدلا منها ( والصلاة الوسطى ) فكان الحديث جمعا من الراوي بين الصفتين .
وبهذا يرد على من قال أن الآية كانت تقرأ : والصلاة الوسطى وصلاة العصر .
والصحيح أن الآية كانت تقرأ : وصلاة العصر , ثم نسخت وأصبحت تقرا والصلاة الوسطى فحلت الوسطى بدلا من العصر وكما سبق ذكره .
وليس حديث عائشة رضي الله عنها سوى جامع لكل من اللفظين , العصر والوسطى وهما صفة لصلاة واحدة كما سبق بيانه .

الثالث : أنه لو تمسك المعترض بظاهر حديث عائشة وأهمل ما بيناه من شرح سابق , فليس ذلك بحجة أيضا , فحديث عائشة مهما تمسكنا بظاهره فهو قائم على أكثر من احتمال , والواو فيه لها أكثر من حال , ولا يرقى الاستدلال بنص فيه احتمال إلى الاستدلال بنص قاطع صريح .

وأما الوجه الثاني للاعتراض فهو : ورود احاديث أخرى تقول بخلاف ما بيناه من حديث رسول الله الصريح .
فيرد عليها بأنها لا ترقى لما هو ثابت من قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين , وما صح منها محمول على اجتهاد رواتها وعدم علم البعض بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل ما روي عن عبيدة قال :
"كنا نرى أن صلاة الوسطى صلاة الصبح قال فحدثنا علي رضي الله عنه أنهم يوم الأحزاب اقتتلوا وحبسونا عن صلاة العصر فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم املأ قبورهم نارا أو املأ بطونهم نارا كما حبسونا عن صلاة الوسطى قال فعرفنا يومئذ أن صلاة الوسطى صلاة العصر"

بيان فضل الصلاة الوسطى

وأما في فضلها ولماذا خصها الله تعالى بالذكر فيوضحه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : هذه الصلاة عرضت على من قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد والشاهد النجم" رواه مسلم والنسائي.
فبين صلى الله عليه وسلم أن من قبلنا ضيعوها فكان جديرا بنا المحافظة عليها وقد اختصها الله سبحانه والله يختص ما يشاء وهو العليم الخبير .
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضلها والتشديد عليها : " الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله " أي أصيب بأهله وماله , والله أعلم .

بيان صلاح الصلاة عموما

عن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم "

واخرج الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك " . وهو بنحو ذلك اللفظ عند الإمام احمد والبقية , وليس فيه فسدت موازينه .

ومعنى الحديث أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة في أداء حق ربه وما افترضه عليه هو الصلاة , فإن صلحت أي تمت دون نقصان فقد افلح وإن نقصت أكملها الله تعالى له بما تطوع فإن نقصت بعد ذلك فأمره على ربه .

والمؤمن لا يجب أن يخلوا من حرص على أن يتقبل الله منه العمل , وهو يقوم بما يقوم به وقلبه وجل أتقبل منه أم لم يتقبل حاله حال الذين قال الله فيهم : " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " .
وكما روي عن الحسن أنه كان يقول: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا، ثم تلا إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إِلَى وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) وقال المنافق: إنما أوتيته على علم عندي.

ثم لابد من التأكيد على أن الله تعالى لا يتقبل عملا ليس فيه إخلاص له سبحانه وتعالى ويشهد على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم , وهو أن سول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به , فعرفه ( الله ) نعمه , فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟
قال قاتلت فيك حتى استشهدت , قال كذبت , ولكنك قاتلت لأن يقال جريء , فقد قيل .
ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال :
فما عملت فيها ؟
قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن , قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل , ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟
قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل , ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ."

هذا فان اصبت فمن الله وان اخطأت فمن نفسي والله الهادي والمستعان , والحمد لله رب العالمين .