رابعا: السعادة بعد العبادة في القيام بالواجب
إذ أفكر في واجباتي أراني بعيدا عن تحقيقها . وإذ أفكر في حقوقي أجدني أطالب بها . فأنا أرغب في كل شيء أطالب به وأدعي بأنه حقي ، فتكثر مطالبي وتزداد حقوقي .وأما واجباتي فإني أهملها . لذا ، أدركت أن الحياة الإنسانية تقوم على فلسفة الواجب وليس على فلسفة الحق .
هكذا ، أتساءل : ما الواجب ؟ ما واجبي في الوجود الأرضي ؟ وأجيب : واجبي هو أن أفهم الغاية من الوجود ، أن أتوافق مع أحكام وجداني وأحكام عقلي السليمة ، أن أفعل الخير واحترم غيري ، فالواجب حقل واسع لا ينتهي . وهكذا ، يبدو أن وجودي يفرض الواجب أكثر من الحق .
تعد فلسفة الواجب أكثر صدقا من فلسفة الحق . هذا ، لأن الواجب يعني العطاء والتضحية ، بينما الحق يعني الأخذ فقط . وإذا شئنا قياس الواجب والحق بقياس العظمة لوجدنا أن العظيم هو من يعطي أكثر مما يأخذ ، وأن الناجح هو من يأخذ أكثر مما يعطي . فالواجب هو حق الله على الإنسان وليس هو حق الإنسان في شئ . وعندما يقوم الإنسان بواجبه ، يحصل الناس على حقوقهم دون أن يطالبوا بها .
فأنا إذا أمام حق ، وحقي الوحيد هو أن أقوم بواجبي ، ويتم هذا الحق عندما أدخل هيكل وجداني فأرى هناك حقوقه علي . وعلى هذا الأساس أقوم بواجبي الإنساني لأنه مطلوب مني أن أطبق الحق . وأوضح سبيل أستطيع أن أحقق به هذا الحق هو القيام بواجبي .
وهكذا تضعني فلسفة الواجب أمام مسؤولياتي الأخلاقية كإنسان . وتتبلور هذه المسؤولية بمقدار ما أحقق من واجب . فأنا مسؤول إلى حد كبير ؛ وكلما حققت واجبي حققت مسؤوليتي . إن واجبي يبلغ حد التضحية بالنفس . لذلك ، وجدت في التضحية أعلى مراتب الأخلاق ....
Bookmarks